كانت الساعة تشير إلى التاسعة مسائاً، جلسنا كي نحتسي قهوتنا ونتبادل أطراف الحديث، لكن كنت أحدث نفسي، يا إلهي بأي شيء سنتحدث؟! يا إلهي كيف أصف حُسنها؟، كيف لي بِأن أقول مشاعري تجاهُها… حسناً لا يهم الحديث الأهم من هذا أن نحتسي قهوتنا معاً .
ــ لِم لا تشرب قهوتك أم أنك تشربها باردة؟
ــ ومن الذي شرب القهوة باردة، صدقيني لم أشربها باردة قط، ولكن هذا ثالث حدثاً يحدث لي هذا اليوم.
ــ قلت أنك ستتحدث لي عن الحدثان الأولان ولم تقل شيئاً، يجب أن أعرف ما هما ؟
ــ حسناً سأحدثكِ عنهما… إن الحدث الأول هو قدومي إليكِ في الحفل، لا أعلم كيف استطعت مع أنني جلست أمامكِ وتحدثنا معاً، لكن كنت في شتان ما بين الحقيقةِ والخيال، أمّا لحدث الثاني كان اصطحابكِ إلى هنا، كان بالنسبة لي حلماً لا يمكن حدوثهِ أو تخيلهِ، وها أنتِ جالسـةٍ أمامي ونتبادل أطراف الحديث!
ــ حسناً فهمت هذا ولكن آثار فضولي الحدث الثالث ماسبب برود قهوتك؟
ــ عيناكِ.
ــ وما بهما عيناي؟
ــ بهما المعجزة التي لا يمكن حدوثها.
ــ وما هذه المعجزة التي رأيتُها فـي عيناي إذاً ؟
ــ رأيت في عيناكِ سفينة تعبر الجبال، أعلم أن هذا مستحيل الحدوث، لكن في عيناكِ ترسي أو ربما تطير، أظنّ أن نيوتن أخطأ علم الجاذبيّة!
ــ ماذا؟!
ــ لم يكن هناك جاذبيّة سِوى عيناكِ…
عيناكِ التي سافرت نحوها كي أرى عالمي، عيناكِ التي سيّرتني إليكِ، عيناكِ التي جعلّت حول نفسي تساؤلات كثيرة هل لي أن أراكِ ياتُرى؟
ــ لا، لقد بالغت كثيراً فنيوتن قد أكتشف الجاذبيّة ولكن لم يُصنّف قانون الجاذبيّة إلا بعد موافقة العلماء في الرأي والبحوثات لذلك ليس هناك خطأ في الجاذبيّة.
ــ نعم، أعرف هذا ولكن عيناكِ تُصنّف ضمن الجاذبيّة
ــ إذاً عليك الانتباه خشيّة أن تسقط
ــ صدقيني لا أخشى السقوط لطالما سأسقط بها.
ــ احذر أن تتأثر لربما لن تجد من ينتشلك فور سقوطك أنتبه وفقاً لهذا.
ــ صدقيني فتأثير عيناكِ جديراً، بإنّ تشرق شمسي في الليل وأن تكون حالكة في النهار، ولربما سيسقط القمر إن نظرتي إليه هكذا، فعيناكِ أكثر عمقـًا من ضوء الشمس في مياه المحيط النظيفة.
ــ أرى إنك فيلسـوفـاً؟
ــ لا، أنا لست فيلسوفاً ولربما لستُ كاتب، إن الفلاسفةِ والكُـتّاب يكتبون على نمط القراء كي يعجبون لما يقرؤون لهم، وبعض القراء يحفظون ما يقرؤونهُ لهم كي يتفوهون بما حفظوه بمواقفهم، ولكن الإحساس الصادق يظل أجمل ما يُقال ويُكتب، لأن أجمل ما نقولهُ ونكتبهُ هو ما نشعر بهِ .
ــ وأنت أيّن منهما، أأنت من المتصنعون، أم الحافظون، أم من ذوي الإحساس الصادق؟
ــ طبعاً من ذوي الإحساس الصادق فأنا لم أتصنع مشاعري تجاهكِ أبداً، وكل ما قلته قد شعـرت بهِ حقاً.
هنا خيّم الصمت.
بدأ الشرود على عليكِ فجأة، و ساد الصمت بيننا وكأنما على رؤوسنا الطير.
رست سفننا على ميناء أعيننا، نظرت إليكِ منبهراً بحسنكِ، نظرتِ إلي برهة ثم خفضتي رأسكِ.
ــ أراكِ تطيلي النظر إلى ساعة معصمكِ، هل لديكِ موعد ما؟
ــ ليس لدي أي موعد، ومع من سيكون لي موعداً، أنني تفحصّت الوقت لأننا قد تأخرنا على الحفل!
ــ إذاً لنعود للحفل!
ــ لنعود بالطبع!
كانت أجواء الحفل ضاجةٍ جداً، أضواء ساطعة، طبولاً قارعة، موسيقى مرتفعة، ضجيج بالكامل، لم يكن هناك شيئاً هادئ يثير انتباهي سواكِ، نعم إنكِ مرام سيدة الغرام، سلطانة الكلمات، ملكة قلبي، و أميرة روحي، أنتِ مملكتي، وحضارتي، أنتِ تاريخي، و معتقداتي،
فحين لم أركِ تستعر نيران داخلي تحرق حُشاشة كبِدي، مع إنني أنا ذلك الذي لا يؤمن بالحب مطلقاً، كيف و إن كان الحب عبر النظر.
كنت أسخر من أولئكَ الذين تعلقوا ببعضهم قائلين لا حياة دون من أحببنا، كنتُ أضحك عليهم وامضي، أمّا الآن فحان وقت الضحك علـيّ، حان وقت سخريتهم من ذلك الذي عبث بمشاعرهم ولم يفهمهم…
تذكرت في موقفي هذا، شيخٍ طاعناً بالسن كان قد قال لي: إعلم أيها الشاب إن الحياة كفاح وكل يوم تعيشهُ بمثابة فرصة لك فلا تُهدر كل فرصةٍ أُتيحت لك بإزعاج الآخرين ولا تُـكّـدر نفسك، وأعلم أن من ستضحك عليه اليوم سيضحك عليك غداً، ومن تعايرهِ سيعايُرك، و أن يومك مقروضٍ إلى غدك و ستجزى بما عملت.
كان قد قال لي كل هذا وكأنه يعضُني ألا أخطأ و لكن لم يقل شيئاً عن الحب ربما لا يريد التحدث عنه.
إنتهت الحفلة، و ذهبوا الحاضرين إلى غايتهم، سواي أنا، أين أذهب وأنتِ كل غايتي، أين أذهب وأنتِ كل جهاتي، ليس كل الطرق تؤدي إلى روما، و لكن كل الطرق تؤدي إليكِ.
أخذت جرعة اليوم من ناظركِ، عدت إلى منزلي فوجئت بصديقي اللعين عادل، لقد تعودت على أن أقول له اللعين، و هو تعوّد على سماعها…
كان منتظراً أمام باب منزلي فمنذ فترة طويلة لم التقي به ما الذي جاء به يا تُرى؟… هل أشتاق لرؤيتي، أم جاء لغرضٍ ما شخصي … أعرف هذا اللعين جيداً لا يأتي الخير منه أبداً، كل أحاديثهِ عن النساء ومعاكستهن وقضاء الوقت معهن .
ــ مرحبا أيها اللعين ما الذي جاء بك؟!
ــ أين كنت يا مجد؟ لقد اختفيت فجأة ولم أتوّصل إليك، أتصل على هاتفك ولم ترد ما بالُك مختفي عن الأنظار؟
ــ هو أن يكون لي هاتفاً بالأول لأرد عليك!
ــ و أين هاتفك إذاً؟ علام لا تستخدم هاتفك؟
ــ ليس هناك داعي لذلك الهاتف اللعين مثلك، فقد أصبحت أسير سجائري و كتُبـي و ذلك الطيف!
ــ ما هذا الآن يا مجد هل أنت بخير؟، لم يكن لي أن أراك هكذا أخبرني ماذا بك؟
ــ بخير بخير أيها اللعين لا تقلق أنا على مايرام، ولم يكن هناك شيء لأخبرك به؟ أخبرني أنت ما الذي جاء بك؟ أعرف أنك لا تأتي لزيارتي.
ــ هذه المرة صدقني ليس هناك شيئاً ورى مجيئي سِوى زيارتك… ولكن منذ متى وأنت تدخّن، أعرف أنك شخصٍ عابثاً بالكتب وما شابه، ولكن لم أعرف أنك تدخّن من قبل؟
ــ لا، لم أكن ادخّن من قبل، فقد أصبحت منذ فترة قصيرة أسير تلك السجائر اللعينة!
ــ و ماذا عن الطيف الذي قلتله يا مجد؟
ــ طيف إحداهن!
ــ هل عشقت حقاً؟، ومن هي إحداهن هذه هل أعرفها؟
ــ تلك بالذات لا يمكن تخطيها أبداً، لا يمكن أن تمر أمامها مرور الكرام دونما لم تفقد جزءاً منك، تدهشُك بكل تفاصيلها، تسحرُك بنظرات أعينها، تجذبُك برائحة عطرِها، تلك التي ليس لها مُنافساً في عصرها … أيها اللعين أتسألُني من هي و هل عشقتها ، فتلك معركةٍ لا يمكن للجميع أجتيازها، أمّا أنت أعرف إنك طائشاً في حياتك لا تحب الأسر، ولا تحب القيود البتة… لأن الحب أيها اللعين أن تكون أسيراً بكلابيب من أحببت، ويتوّجب عليك أن تكون يقضاً، لربما يوماً سيجلبُك هذا الأسر إلى منصة الاعدام ألا و هو الفراق … أتعلم ما هو الفراق أيها اللعين، هو الجحيم ذاته … لذا لا تحب أبداً، عش على منوالك، سهرات، مشروبات، نساء عديدات، دون حيال الحب وشعائره، تمتع أيها اللعين…ولكن هل سُبق و أحببت إحداهن من قبل أيها اللعين؟
ــ لا، لم يسبق لي وإن أحببت إحداهن… ولكن أود أن أعش الحب و لذاته، فقد وصفوا الحب أنه شعوراً جميل!
ــ احذر أن تصدق كل ما قيل لك أيها اللعين، لا جمال في الحب مطلقاً إنما نحن من نعطي هذا الجمال له أو نتوهم ذلك…
ــ حسناً وما معنى الحب إذاً؟
ــ الحب هو الحرب بمعنى آخر بإضافة الراء إليه، الحب معركة طاحنة لا نصر فيها ولا نجاة!
ــ لا، لا أنت لست مجد؟
ــ وما هذا الآن أيها اللعين
ــ هل أنت مجد حقاً؟ لا، لا أنت لست مجد الذي أعرفه أبداً، إن مجد الذي أعرفه لم يكن كهذا، لقد تغيرت جداً أو ربما لم أعرفك جيداً من قبل!
ــ صدقني أنا مجد ذاته، ولكن يوجد في قلب كل شخصٍ منا شيئاً من هذا القبيل، إن المرء أسير احساسه وكلماته، ولو أنني التقيتُك قبل شهر لما سمعت هذا.
هيا أخبرني أنت أيها اللعين ما الجديد لديك؟ هل ثمة شيئاً لديك لتخبرُني به؟ هل لا تزال على فوضويتك ، أم قد حسّنت من سلوكك؟
ــ وهل يستطيع النهر أن يغير مجراه، يا مجد.
ــ حسناً فهمت أيها اللعين لن تتغير أبداً .
شارفت الساعة إلى الثانية بعد منتصف الليل، و لم يزل هذا اللعين بمنزلي ، تباً لم يراعي ما أشعر بهِ أبداً، وكيف يراعي، وهو عديم الإحساس، لم يجعلُني أخلد للنوم لألتقيكِ بمنامي…
ساد الصمت بيننا برهةً من الزمن، لم يتفوّه أحداً منا بشيئاً، وفجأة نطق هذا اللعين…
ــ أنا جائع يا مجد هل في الثلاجة شيئاً يؤكل؟
ــ هذا وقت جوعك يا عادل؟
ــ ماذا قلت؟ هل قلت عادل؟
ــ نعم و ماذا هناك؟
ــ لا شيء سِوى إنني لم أتوقع منك مناداتي بعادل بعد أن رأيتني في ذلك المشهد وسجلت علـيّ نقطتك.
ــ لا تذكرُني بهذا أيها اللعين، فلتمت جوعاً ولتذهب إلى الجحيم أنت و من معك، و لكن لا تمت في منزلي… لا شيئاً يؤكل في الثلاجة أيها اللعين، لقد افرغتها ليلة الأمس ولكن يوجد على الرف صندوقاً من البسكويت خذه وتسممه .