الفصل الخامس

ــ مرام هلاّ أسألكِ سؤالاً ؟ 
ــ تفضل ! 
ــ ما سبب تغيركِ المفاجئ هذا؟
ــ أتقصد  ارتدائي لهذه الملابس! 
ــ نعم !
ــ وددت مفاجأتك لا أكثر! 
ــ أهذه مزحة أم ماذا؟ 
ــ هي ليست مزحة تماماً، فيك أن تقول وددت أن أرى موقفك هذا! 
ــ هناك العديد من الخيارات  لتري مواقفي عزيزتي مرام!


فكان بإمكانكِ مثلاً لو قمتِ بزيارة هذا المقهى مرة أخرى فسأطلب من العم صادق التوظيف في الاستقبال كي أقول لكِ مرحباً  عند مجيئكِ، و إن قمتِ بشراء باقة وردٍ مغلفة فسأطلب من البائع أن لا يبع لاحدًا سواكِ، ستقومي أنتِ  بشراء باقة واحدة، وسيقوم بدورهِ أهداءكِ كل ما لديه وينصرف، و إن نهضتِ، وهممتِ بالعودة إلى المنزل سأنهض قبلكِ واتجه نحو مخرج المقهى لأطلب من سائقي تاكسي الآجرة أن يعتذروا منكِ عن التوصيل بحجّة أنهم منتظرين أحداً، و أنا بدوري سأقوم بتوصيلكِ لأعرف أين تسكنين… 


و إن قمتِ بالصعود إلى غرفتكِ سأتمنى أن أكون طائرًا  لأقف على شباككِ  لإسترق النظر إليكِ، وحين تمرين من أزقة المدينة ويهطل المطر سأسرع بأن أضللكِ، وحين تشعرين بالبرد سأخلع معطفي و اُدثركِ، وحين ينتابكِ التعب سأجعل حضني لكِ وسادة لترتمي إليه، و إن لم تستطيعي الخلود للنوم سأقرأ لكِ بعض القصص والحكايات ثم حتمًا ستنامين، سأدللُكِ وكأنكِ إبنتي الصغرى، و إن لم يرق لكِ كل هذا سأخذكِ إلى الملاهي. 


ــ هل ستقوم بفعل هذا حقاً؟ 
ــ دون أدنى تردد. 
ــ أمرُك محيّر جدًا تعرف كيف تكتسب ما تريده ولكن ثمة غموضًا فيك! 
ــ وما الشيء الذي أثار فضولكِ لتحكمي علـيّ بالغموض؟ 
ــ لم لا تحمل هاتفـًا؟
ــ لا أظنّ أن هناك داعي لحمل الهاتـف، فأنا لست رجل أعمال مشهور أو ذو قضاء… 
فرجلاً مثلي بسيط في حياته لا يحب شيئاً لا معنى لهُ.


ــ أوتظن أن الهاتف لا معنى له؟ أم إنك أنت لا حاجة لك به ؟ 
ــ نعم لا شيء يحيجُني إليه! 
ــ في أي عصرٍ أنت إذًا ؟ 
 ــ في عصرٍ أصبح فيه كل شيء للأعجوبة! في عصر التعصبات الدينيّة والتخلفات العقليّة، في عصرٍ يتقاتلون فيه من أجل الشهرة والسلطة، في العصر الذي لا تخلوا العداوة منه في باطن الأسر، في العصر الذي فيه القوي يلتهم الضعيف و الغني يحتقر الفقير، في عصرٍ لا تُقبل فيه شهادتك التعليمية فهي غير معترفـًا بها إن لم تكن من ذوي العائلات المرموقة… 


فماذا بقولكِ بأي عصرٍ أنا ؟ دعينا ألا نكشف الاوراق كاملاً… دعينا نشرب القهوة ونتحدث عن مكوناتهُا و ننتظر الصباح  لنستنشق نسائمه، دعينا نقطف الزهور ونشتم رحيقُها
و ننتظر الليل لنبكي خلف عتمته. 
ــ أعتقد أن سؤالي كان بسيطاً جداً لماذا انفجرت هكذا؟
ــ هناك ثمة كلمات يقولها المرء غير مُدركـًا بها تملأ فجوة مستمعُها… إن الإنسان الطبيعي خُلق بكل حواسهِ بما في ذلك السمع، ولكن الإنسان السليم لا يسمع إلا ما أراد سماعه. 


ــ لماذا غيرّت الحديث هكذا ؟ 
ــ لم أغيّر شيئًا لم أزلّ في صلب الحديث. 
ــ كيف هذا؟ 
ــ في حديثُنا الأول كنتِ أكثر ذكاءً فما الذي أحل بكِ الآن؟ أم إنكِ تحبي تبسيط الأمور؟ 
ــ لم أزل تلك الذكية، و فهمت جيداً ما الذي ترمي إليه وأعرف إنك تحب التفلسُف في جميع أحاديثك! ولكن بعض الشيء يتطلّب البساطة في شرحهِ. 


ــ من ناحية هذا الأمر بدا ما قُلتيــهِ صحيحًا، ربما علـيّ أن أُبسّط الشرح أكثر…   مثلاً أنا ماذا أحب أن أسمع؟ 
ــ لا أعلم! 
ــ لا أنتظر منكِ جواباً على هذا، بل سأشرح لكِ… أحب واُعير كل انتباهي وتركيزي لحديثكِ، ولكن حول سماعي لحديثكِ استوقفتني كلمة جعلتني اُحاوركِ! أحياناً كلمة من بين مئات الكلمات التي نسمعها تكون كفيلةً بأن تزرع فينا شعورًا لا ندرك أين نهايته وتجعلنا نخوض حوارًا مع الطرف الآخر على الرغم من إن قائلها لم يعبأ بها… لذا فإنني لا أرى هناك داعٍ أن يُعرف أين تكمن راحتك، فالسعادة ذاتها هي ألا يعرف أحدًا عن مصدر سعادتُك. 


ــ هذا يعني إنك تُفضّل الغموض و ألاّ تكون مرئيّـاً للجميع. 
ــ بتأكيد كذلك… على المرء أن لا يشارك كل ما يملك مع الجميع، و بإن لا يفصح بكل ما في قلبه.
ــ و هل مجيئي إلى هنا عكر مزاجك ؟ 
ــ صدقيني فأنتِ الشيء الوحيد الذي قادراً بإن يُعدل مزاجي في حالة إساءتهِ بنسبة تصل إلى خمسة وثمانون  بالمئة من السعادة، و خمسة عشر  في حالة الارتباك  أمامُكِ!
ــ لا أراك مرتبكـًا؟ 
ــ و لا أرى أنني طبيعي!.


استغرق حديثُنا ساعة  وجزءاً من الدقائق، و من ثم هممتِ بالإنصراف… 
أبديت رغبتي بأن تبقي ولا تنصرفي فمازال لقائنا للتو كما قيل راعي البحر يشتهي بحرين، وأنا لم أكتفي بساعة فقط عند لقاءكِ.
ساعة فقط تملأ فيك كمّـاً هائل من السعادة.


 ( رب ساعةٍ خيرًا من ألف عام )
 



إعدادات القراءة


لون الخلفية