قمت بالترحيب بكِ وستضفتكِ، لكن سرعان ما قاطعت صمتي قائلاً لكِ: بماذا ندين للحظ الذي أتى بكِ؟ ماسبب هذا المجيء المفاجئ؟
ــ لا شيء سِوى إنني وددت أن نتناول وجبة العشاء معاً هذا المساء فحسب.
ــ فحسب؟! ماذا بقولكِ فحسب؟
ــ لم أقصد شيئاً، إلى أين ذهب عقلُك؟
ــ وهل منذ أن رأيتكِ ظل معي عقل!؟
ــ حسناً، علينا أن نعد وجبة العشاء فلا تلتهـي كثيـراً.
ــ حسناً .
انتهينا من إعداد العشاء وبسطنا سفرتنا على الطاولة بمنتهى الذوق والجمال… أضفنا على الطاولة قالباً من الحلوى وبعض الزهور وأشعلنا الشموع، يبدو هذه اليلة وقفنا ضد الحظ لتناول وجبة العشاء بكل منتهى الرومنسيه… قمت بتشغيل الموسيقى لإضافة جواً أروع، راحة أناملي إلى الأغنية الأحبّ إلى قلبي.
فلكم بدا هذا العشاء جميلاً، ولكن لم أنسى هتاف الجيران إلينا قائلين: أطفؤا هذه الموسيقى أو اخفضوها.
نهضتِ من على الطاولة متجهة نحو الشباك، يبدو أن لكِ عادةٍ لا تقطعيهـا وهي النظـر إلى القمر، نظرتي إلى السماء فلم تجدي القمر في إنتظاركِ، بل ولم تُكاد السماء مُضيئةً بالأنجم… قاطعتِ صمتكِ بقول: ما هذا اليوم؟
بدا سؤالكِ ليس موّجهـًا إلي مباشرةٌ، لكنني أجبتكِ.
ــ أنهُ الأربعاء يا مـرام.
ثم أتتني الجرأة لأقول لك ِ: لماذا لم تقفي في وجه والدكِ ليلة، البارحة؟ كان بإمكانكِ الوقوف في وجهه لتدافعـي عن حبنا؟
ــ و هل إن فعلت هذا وجادلت أبي ووصلت الأمور إلى أن أختار بينُـك وبين أهلي، واخترتُك أنت، فهل ستقبل بي؟
ــ طبعاً لا، لأن من ترمي بأهلها خلف ظهرها من أجلي، سيأتي يوماً وترمي بي أمام أي خيار.
ــ لذا من أجل تفكيرُك هذا لن اُجادل أبي ما حييت وسأدهس قلبي أمامه.
ــ قلبينا يا مرام ليس قلبكِ وحدك…
أذكر قولكِ بأن الزوج في نظر المرأة هو من يكسر كل القيود ويجتاز كل الحواجز ليظفر بها…
لقد كسرت القيود يا مرام، ولكن كيف لي أن أجتاز الحاجز بما إن هذا الحاجز والدكِ.
لقد هممتِ بالمغادرة لكن اوقفكِ مواء القطة من الغرفة المجاورة للصالون، حملتي القطة بيداكِ الناعمتين وضممتيها إلى صدركِ، ثم أصدرتِ ذلك الصوت قائلةٌ: ما إسم هذه القطه؟
ــ وهل يكون للقطط أسماء!؟
ــ نعم، بإمكانك أنت تسميتهـا.
ــ يبدو إنكِ تحبي القطط كثيراً ومهتمةً بهـا!؟
ــ نعم.
ــ و أنا لا تبدو علاقتي بهـم سيئة لكن، تصدقي منذ أن أويتها في منزلي لم اُفكر يوماً بتسميتهـا!
ــ من هذه اللحظة سيكون إسمها «زوري»
ــ زوري! يبدو إسماً جميل «زوري»!
تجولتِ في حديقة المنزل ولم تزل زوري على صدركِ، بدأت أحسد قطتي التي تشاركني السكن منذ عام… بدأ الصوت منّغماً بينكما مواء قطة وتغريد الكروان.
سرتِ على بعد خطوات قليلة لتقِفيّ وتضعي القطة على الأرض لتحملي إبريق الماء وتسقي الزهور… ها أنا اُشاهد كل هذا وأنا سعيداً جيداً، كيف ألاّ يكون المرء سعيداً وأمامهِ من أحّب، لكن لم تطُل لحظة السعد قليلاً، لقد قاطعتي فرحتي بقولكِ: لقد تأخر الوقت كثيراً، إنني عائدةً إلى المنزل، يا مجد.
عدتي إلى منزلكِ، لأصعد أنا إلى غرفتي، يبدو هذه الليلة سأنام لربما استيقظ صباحاً على شيئًا جميلاً ليكون يومي جميل.
استيقظت صباحاً على صوت جرس الباب، نهضت مسرعاً لافتح الباب لاجدني أناظر ساعي البريد، قبل أن أتمعن فيه جيداً لربما إنني مخطئ، أصدر قولا: سيّد مـجـد؟!.
أجبت…: ــ نعم، تفضل أنا مـجـد.
ــ يجب أن توقع هنا لإستلام رسالتك .
وقعت على ورقة التسليم في ذهول فلم أكن أتوقع رسالةٍ من أحد، بديت متحيّراً من أمـر هذه الرسالة بينما أنا شارداً، قام هو بسحب الرسالة من صندوق الرسائل وقام بمدها لي، أخذت الرسالة لأجد مكتوباً على ظهرها…
«من مـرام، إلى مـجـد»… بإضافة رسم قلبـًا منكسراً … لتبدأ العواصف في قلبي… لتآتي تلك الكلمات التي لا أود أن تحضر.
فتحت الرسالة في عجلٍ لأقرأ من مطلعها.
« مـجـد أعلم أنك ستكون منكسرًا وحزين بعد قراءتك هذه الرسالة، ولكن ليس هناك ثمـة سبيلاً سِواها لأخبرك عن رحيلي. ها أنا أخط لك هذه الرسالة بأناملاً مرتجفةٌ، ولربما لاحظت أنت ذلك من سطوري المتعرجة.
مـجـد لتعلم أن في ليلة البارحة بعد عودتي من منزلك، وجدت أهلي في إنتظاري قائلين لي: لقد وافقت الجامعة على انتقالكِ ويمكنكِ إكمال دراستكِ في الخارج، فلتقومي بتجهييز نفسكِ فورًا، فنحن على موعدٍ مع المطار، ستقلع الطائرة في الخامسة صباحاً.
مـجـد لتعلم إنني أحبك حُب اللامتناهي ورغبتي في البقاء معك ليس لهـا حـدود، ولكن أوامـر أبي قراراته تقيّد رغبتـــي، و أتمنى منك أن تحترم هذا.
مـجـد لتعلم بإنني راحلةً ومخلّفةٍ قلبي معك وحاملةً إياك في أيسر صدري.
مـجـد دمت مـجـداً وحبـًا للممات، ودام قلبك لي فقـط، كمـا أن قلبي لا يسكنـهُ أحداً سِواك…دمت سالمـًا.
" محبوبتك، مـرام، أحبك».
أمواجاً ترتطم في مؤخّرة رأسي، نزيفـًا من الحزن يدمي فؤادي، ووابلاً من الدموع يغرق مقلتي.
ها هي الدنيا تقبل بعاصفة أخرى، تعصف بي نحو ليلة البارحة… كانت ليلةٍ سوداء لا قمر بهـا ولا أنجم، كانت ليلتنا الأخيرة قبل الرحيل.
كانت ليلة إعدام حبـا بتـراً بسيف الفراق النحيل.
كانت الأجواء توشك على قول، تمتعوا إنها ليلة الرحيل.
مـن بعـد مـا كنـا سوى
نتبادل أحـلام الهـوى
أصبحنـا فـي وادٍ سـراب
اُحـرقنـا فيـهِ مـن الجـوى.
ها أنا اجزُم حقـًا إن الأغنية التي استمعنا إليهـا ليلة البارحة، ها أنذا أعيش عكسها واقعيـًا.
اللعنة لقد أحتفلت في يوم تشييع جنازتي، لقد تناولت الحلوى وأشـممـت الورود وأشعلت الشموع في يوم موتي، لقد أزعجت الجيـران بصوت الموسيقى يوم موتي.