الفصل الرابع

وأخيراً قرر هذا اللعين المغادرة، كما إنني لا أحبه لسوء سلوكه … أن يكون لك صديقاً لعين مثل عادل، هذا يعني إنك مُخطئ بشيئاً ما، أو إنك لست على صواب … هذا اللعين استفزازي المشاعر، ذو دمٍ بارد، فدائماً ما يعد للجنس اللطيف مصيده … 
   يوماً ما وجدت هذا اللعين مستمتعاً مع إحداهن، اشمئزازت من ذلك المنظر المقرف … أيها اللعين الا تعلم أن هناك شيئاً على المرء إدراكه وإن كتبه الله لهُ أن يعشه، هو أن يحب بطهارة، ويجتمع بمن أحب بالحلال، و أنت لا أظنّك تعرف هذا أبداً .


أشرقت الشمس باعثةً إشعاعها على سريري من شرفة منزلي، استيقظت قرابة الساعة السابعة، فلم أنم إلا قليلاً من السويعات لإنني نمت متأخراً… نهضت من على سريري مع إنني كنت أشتهي النوم قليلاً… 

خرجت للتنزه، و لإستنشاق الهواء، وكي أحتسي قهوتي الصباحيه و قراءة الجريدة اليوميّه… يوم الاثنين اليوم الأحبّ على قلبي، جلست على آخر طاولة بالمقهى طلبت قهوتي المعتادة، و جريدة اليوم…

 
مر من الوقت قرابة النصِ ساعة وأنا أحتسي القهوة كأسـاً تلو  الآخر دون سداد فاقتي منها، و من ثم دخلّت فتاة  بدت وكأنها للتو في العقدين من عمرها، ترتدي معطفاً أزرق قاتم اللون وشالاً أسود ملفوفاً على عنقها، ونظارةً شمسيّة صفراء ذات عدسات دائريّة، و قبعة رمادية اللون بريطانية الصنع، بدت كمـا لو كانت على هيئة بروفيسورة.


بدأت تحُدّق بناظريها إلى طاولات المقهى فلم ترى طاولةٍ فارغة، كانت تبدو حائرةً في أمرها، ثم استدارت للخلف و كأنها خائبة منكسرة كمن لا يجد مكانهِ المعتاد فارغاً، فقد كانت كل الطاولات ممتلئة، بدا المقهى كحافلةٍ مزدحمة بالركّـاب تنتظر
مجيء السائق وبدت هي وكأنها مغادرة المقهى وكأن الأمواج تعصف بها عكس تيارها.


   بدأ هذا الحدث يزعجني و يُعرقني، و بما أني قد أنتهيت من احتساء قهوتي، لم لا أنهض، قمت بسحب النقود من محفظتي وسددت فاتورة القهوة و تلك الجريدة اللعينة، و هممت بمغادرة المقهى… 
ناديتها قبل نهوضي من على الطاولة : يا آنسه يمكنكِ الجلوس على هذهِ الطاولة، فقد أصبحت فارغة .


استدارت فور سماع صوتي كأستدارت من يخشى وحشاً من خلفهِ أن يفترسه. ثم انغمت بذلك الصوت الذي يشبه صوت طائر الكروان المغرد… :_ مجد؟ 


ــ نعم مجد!. 
تساءلت في نفسي من هذه الفتاة التي تعرف أسمي!؟ بل من هذه الفتاة التي بهذي الكاريزما في مدينة مشؤمة كمدينتي؟ 
بدأت أسئلة تجول في عقلي ليس لها أجوبة… 
بدأت أطرح السؤال، و أنتظر مني الإجابة عليه، و لكن أي إجابة ستفي بغرض ذلك السؤال. من هذه الفتاة؟.
بينما كنت أتساءل نفسي كل هذه الأسئلة، بدأت تقترب مني خطوة تلو خطوة. وبدأت الرؤية تشوش على عقلي ليس ما أرى غريباً أنه مألوف لي… بدأت تقترب أكثر ثم انتزعت تلك النظارة الصفراء وتلك القبعة البغيضة التي لا أحب من يرتديها إطلاقاً.
و هنا كانت الصدمه، كان شيء ليس متوقع، بل ليس أن يكون حتى خيال… 
كانت تلك الفتاة أنتِ.


جررت ذلك الصوت المسحوب من فزعي: ــ مرام؟    
ــ نعم مرام 
ــ ما هذه الصدفة التي جاءت بكِ إلى هنا؟ أم لديكِ لقاء وما شابه
ــ مجيئي ليس صدفة، وليس للقاء أحداً سواك. 
ــ كيف لم أفهم؟ 
ــ لقد طلبت رقم هاتفك من صديقتي منال فقالت إنك لم تحمل هاتفاً، تحيرت كيف أتوصّل إليك ثم سألت عن أكثر مكانٍ تذهب إليه صباحاً فعرفت أنك تأتي كل صباح إلى مقهى العم صادق.


ــ هل تعرفين العم صادق؟ 
ــ نعم ومن لا يعرف العم صادق؟!
ــ  حسناً. اجلسي و احتسي قهوتكِ ونتحدث عن هذا ؟ 
ــ ألمّ تشرب قهوتك أنت؟ 
ــ لو قلت لكِ بأني عاودت شربها ثلاثاً لكذِبت! 
ــ أووو يا للهول، هذا ما قيل عنـه إدمان السمراء
ــ و ما هذا الآن؟ 
ــ هذا، لأن الأشياء السمراء دائماً فاتنة، كالشوكولاه والقهوة… هل بآستطاعتُك شربهُا معي؟ 
ــ معكِ سأشربها و إن كانت آخر قهوة لي. 
ــ إذاً تفـضل
ــ تفضلي أنتِ أولاً .     
جلستِ على الكرسي المشير أمامي… 
كنتِ تبدين جميلة جداً مع إنني كنت مغتاضاً من تنكركِ الذي جعلني ألاّ أعرفكِ لإنني معارض فكرة تقليد الأجانب في شكليتهم، ولكن لا أنكر إنكِ اثرتي فضولي، و ما ثار فضولي أكثر حين قمتِ بسحب ذلك الكتـاب من حقيبتكِ، وبدأتِ تقرأين في صمتٍ رهيب… وددت لو أعلم ما تقرأين… أسترقت النظر إليكِ فرأيتكِ تبتسمين، وأنتِ تقرأين، و كأن ما تقرأينهُ منتظرًا من شخصٍ ما أن يبوح بهِ.


بانت تلك الإبتسامة على شفاكِ، وتفتحّت الورود في وجنتيكِ، فعشعشة عصافير الحب في قلبي… 
نظرتِ إلي بطرفة عينكِ، و أصدرتِ تلك الضحكة الخافتة، وكأنها ضحكة استعراض لما هو أتِ بعدها، تلك الضحكة التي جعلّت سُفني ترسي على اليابسة، و ذلك الصوت النغم الكرواني الذي جعل الحرب تقف، ويعلن الغازي احتلال قلبهِ من عيناكِ… تلك العيون التي لطالما نظرتِ بها إلى السماء فتساقطت الأنجم في كفيكِ… 


  أي حربٍ ستُقام وأي سلمٍ يُعقد أمامها.
 



إعدادات القراءة


لون الخلفية