الفصل السادس

لم يكن هذا اللقاء لقاءًا عاديًا، لقد أفصحنا عن حُبنا وتعلُقنا في  بعضنا… لقد رفرفتي كالفراشات حيال اعترافي لكِ، فإمّا أنا فقد تجمدت ماثلاً أمامكِ أصبحت في محيطات الثلوج، لقد ذهبّت تلك الكلمات التي تراودُني نفسي عن قولها، لقد ذهبت كل الكلمات التي رسخت في عقلي لتسعفُني أمام هذا الشعور فلم أجد شيئًا حينُها سوى تلك المقالة التي لا أؤمن بها قط مسبقاً تلك المقالة التي مُحتواها „ربما تأتيك السعادة على هيئة شخص‟ كنت لا أؤمن بهذه المقالة مطلقاً، أمّا الأن أصبحّت  تصف شعوري تمامـًا… 


ربما تأتيك السعادة على هيئة „أحبك‟. 
   إن السعادة ليست أن تكون في حياةٍ رغدة ورفاهية، أو أن تقود عربة فاخرة، أو أن ترتدي أقمشةٍ ذات ماركة عالمية، أو أن تقطن في مدينة مشهورةٌ عاجة بالسكان.
إن السعادة هي أن يحتويك قلب أحداً كما وددت اِحتواءهِ. 
 إن تلك الكلمة المكونة من أربعة أحرف كانت كفيلة بأن تهبُني العالم في ثوانِ.
كان يبعُد مقهى العم صادق عن منزلي بمسافة ضئيلة قدر عشر دقائق سيرًا على الأقدام… 
توّجهت  إلى المنزل منشرح الصدر بهي الوجه أُبادل التحايا يمينـًا و شمالاً  أوزع الإبتسامة على المارّة. 
سرت في الشارع بخطواتٍ متثاقلة، جزءاً مني يطلُب العودة للوراء و جزءاً  يُطالب بالاستمرار… 


جزءاً مني يُفتش  أين قلبي؟ 
جزءاً مني يجاوب لم يعد هنا. 
استوقفتني بائعة الورد في الشارع، نظرّت إلى وجهي و تبسمّت ثم أهدتني باقة ورد  و أسرّت ألاّ تأخذ نقداً، ثم مررت إلى العم يوسف بائع الحلوى لإشتري بعضاً من الحلوى  فواجهُني هو الآخر بإبتسامةٍ عريضة… قلت مُندهشاً: ــ ما الأمـر يا عم يوسف؟ أراك بشوش الوجه مبتسماً كثيراً هذا اليوم!؟ 


ــ كيف ألاّ أكون سعيداً في يوماً كهذا!  فيك أن تأخذ ما أردت هذا اليوم يا مجد، دون أن تدفع الحساب!. 
مابهم هؤلاء و ما هذا اليوم إذاً!؟… 
أيعقل أنهم رؤوكِ في عيناي!؟… 
 أم بإن الحرب إنتهت٠


بدا كل ما يجول أمامي بمثابة لغزاً يبحث عن حل… 
بدّأت الأسئلة تضطرب في عقلي وبدأت الأجوّبة تخطئ حيالها وبدت أعيّن المارّة  تُحدّق في. 
دخلت المنزل بجسمـًا متعّرق و قلبـًا تُكاد نبضاته تتجاوّز نبضات قلب الذبابة، وما زاد الطين بلّـةً، هو وجود أخي كمال الذي يفوقني بستّة أعوام جالساً منتظرًا عودتي، يعبث بأوراقي التي وضعتها على الطاولة مؤخراً… 
أيعقل أنه وصل إلى الورقة الأكثر جمالاً بينهما… 
أهلّ وصل إلى الورقة التي قمت برسمكِ بها… 
أهلّ يعقل أنـهُ رآكِ بين أسطر يومياتي… 


لم يجعلُني أن التقط أنفاسي، و بأن القي إليه السلام… انتصب واقفاً، وضرب بالأوراق على الطاولة ونظر إلي نظرة غضبٍ تقدح شرارًا، قام بتصويب أسهم الشتائم إلي دون سابق إنذار قائلاً: ــ أيها الأحمق ما الذي أنت فاعلهُ؟، فقد أصبحت في عمر الخامسة والعشرون ولم تزل طائشـًا، فمتى تعقِل يا هذا؟ 


ــ فلتهدأ يا أخي و لتخبرُني  ما سبب احتقارُك لي؟ وما الذنب الذي أقـترفتـهُ لأستحق شتائمك؟  ما الذي أنا فاعلهُ؟ 
ــ بل ما الذي لم تفعله! الم تُشاهد ضجيج التواصل الإجتماعي يا  روميو؟ 
ــ ماذا تقول يا أخي؟ إنني لم أفهم عليك حقاً!؟ 
ــ  أنظر ما الذي يوجد هنا؟.


رفع كمال هاتفهِ الذكي، نحو ناظري لأرى على ايقونة هاتفهِ المُضـيء صورتنا ونحن بالمقهى… 
كنتِ تبدين جميلة جداً. 
     
تم رصد هذه الصورة ونحن نُعدي مراسم الغرام، بدونا كأننا أبطال مسلسلاً رومنسي في حلقتهِ الأخيرة. 
يبدو أنني سأقوم بشراء هاتفـًا ذكي، لتحميل هذه الصورة. 
يوجد أسفل الصورة مقالاً بخطٍ عريض.  : ـ "نسمة الصباح" تفيكم بأخبارٍ مستجدة "قصةٍ غرامية بين شابـاً شرقي وفتاةٍ أجنبيّة " تم نقل هذا الخبر من صحيفة "كنج البستان". 


أرتسمّت البسمة على شفاهي، فما كان بوسعي سوى أن أضحك مُقهقهـًا و قائلاً: مستجدة! … 
أجنبيّة…!
ولماذا أجنبيّة؟. 


 سحقـًا لكم أيها الصحفيون، فلا يهمكم إن كانت الأنباء صحيحةٌ أم لا، فأكثر ما يهمكم نشر الخبر وتداوله. 
صحيفة "نسمة الصباح" كان بإمكانكِ نشر طريقة كيفيّة قطف الزهور و فوائد شرب القهوة صباحـاً، لا أن تقطفي مثل هذا الخبر. 
صحيفة "كنج البستان" كان بإمكاني أن أجد فيكِ التفاح والتوت والعنب والرمان، لا أن أجد فيكِ صورة حبيبتي، فحبيبتي ليست فاكهةٍ تؤكل، إنما هي الشيء الذي على من يراه أن يُقدسه.


ــ ما بك شردت؟ لماذا لا تجيب؟ مجد إنني اُحدثك أنت هنا؟ 
ــ نعم، إنني هنا، يا أخي! 
ــ لماذا لم تجاوب؟ ما صحة هذا الخبر؟ 
ــ ليست أجنبيّة! 
ــ أقول لك ما صحة الخبر يا مجد؟ 
ــ أقول لك إنها ليست أجنبيّة، إنها مرام! 
ــ ما الذي أنت قائلهُ أيها الأحمق أسُحرت؟  أم جُننت؟ أم هي من ضربّة فيوزات عقلك؟. 
ــ كليهما يا أخي. 
ــ حسناً لا طائلة من الحديث معك، فلتفعل ما تشاء، وداعاً. 
ــ وداعاً. 
سامحك الله يا أخي، فلو كنت تحمل من الحب مثقال ذرّةٍ، لكنت عذرتني، لا أن اهنتني. 
مرام فإن كان حبّكِ سحرًا، فسأدعوا الله أن لا يبطلهُ. 
وإن كان حبّكِ جنون فما أحلى الجنون بكِ.



إعدادات القراءة


لون الخلفية