الفصل العاشر

فيكِ أن تتخيلـي طفلة في السادسة من عمرها، قد ماتت من صقيع البرد. 
ــ إنها قصة مؤلمة حقاً. 
ـ قصة قد وقعت في هذه المدينة يا مـرام.
ــ حقاً! و هل مازالوا اسرتها هنا؟ 
ــ لا أعلم يا مـرام،  إنني لا أعرف اسرتها وأين هم في هذه المدينة، ولكن من قصّ لي هذه القصة مازال على قيد الحياة، و هو العم عاصم بذاته… هو الذي سأطلب منه أن يأتي معي لطلّب يدكِ من أهلكِ . 
ــ حقـًا!؟ 
ــ وهل ترين أنني أكـذب؟ 
ــ أقصد بهذه السرعة؟ 
ــ بل أرى أنني  تأخرت، لقد اهدرنا جُل الوقت في أحلامنا ونسينا أن نخطوا خطوة لتحقيقها، وكما قيل فعل الخير لا ينبغي أن يتأجل…  غداً إن شاء الله سآتي لخطبتكِ.

 
ــ لا أعلم ماذا أقول لك الآن، ولكن أهلي لن يتقبلوا فكرة زواجي، و ربما سيبدون بالرفض وأخشى أن يحدث هذا! 
ــ لماذا أنتِ متشائمة هكذا حيال ردة فعل أهلكِ؟، ربما يفهمون حبُنـا ويرحموا قلبينا من هذا الصراع! 
ــ ليت. 
ــ ولماذا قلتيها بخيبة أمل؟ 
ــ  مـجـد، أعلم أن ما أقولهُ لك لا يمنع مجيئك غداً، لذا  فلتأتِ غداً وليحدث الخير إن شاء الله. 
ــ حسناً، وماذا تحبي من الحلوى لآتي بها؟ 
 ــ فلتأتِ ولا يهم الحلوى! 
ــ حسناً   . 


  يا إلهي ما هذا الشعور الذي يجتاحني، ما هذه الدقات المتسارعة في يسار صدري، ما هذا التوّتر الذي بدا في رجفة يداي وفي تلعثم لساني. 
   مررت إلى العم عاصم بعد ايصالكِ إلى منزلكِ قرابة الثانية عشر مسائـًا، ضغطت على زر الجرس ثلاث مرات متتالية ففتح المعلم عاصم الباب قائلاً لي: خير يا مـجـد، أي رياحٍ رمت بك في هذه الساعة؟ كيف جئنا خطرنا بالك؟ 
ــ ما جئت إلا لخير يا عم عاصم، وعسى الله أن يتمم علينا الخير غداً. 


ــ ما بك يا مـجـد هل أنت بخير؟ 
ــ إنني بخير حقاً، ولكن إن لهذا المجيء بعدهُ طلباً منك يا عم عاصم
ــ خير إن شاء الله يا مـجـد، فإذا كان المطلوب لدي أو يمكنني فعلهُ فلتبشر . 
ــ أطلب مجيئك معي غداً لخطبة بنت 
ــ حقـًا هذا؟ 
ــ حقـًا يا عم عاصم. 
ــ وهل البنت تحبك؟ هل هي موافقة على الزواج منك؟ 
ــ لو كنت سألتني هذا السؤال قبل شهرًا و بضعة أيام، لكنت أجبتك كمـا أجبت سمير، "لا أعلم" أمّا الآن إنني متيقنـًا من حبها لي كمـا إنني متيقنـًا  من حبي لها وإن مُت ألف مرة وحُييت ألف مرة، سأحبُها للمرة الألف!



ــ إذاً على بركّة الله. 
ــ إذاً استودعتك الله، سأعود إليك غداً في المساء.

ــ حسناً  . 
   مـرام كيف لي أن أصف  فرحتي؟ كيف لي أن أصف مدى بلوغها في قلبي؟ لو قلت لكِ تعدت مركبات الفضاء فهذا قليل، لو قلت لكِ إنها عانقة قمر السماء وهذا سيبدو قليل! …  مـرام إن فرحتي ستمنعني  من النوم هذا المساء، وكيف ينام من يفكر فيكِ، كيف سينتابـهُ النعاس، كيف يعانق وسادته . 


شارفت الساعة إلى الثانية بعد منتصف الشوق والسعادة، مما لم يتبقى على بزوغ الفجر سِوى ثلاث ساعات… مـرام لتعلمي أن يوماً جديداً قد بدأ منذ الدقيقة الأولى بعد الثانية عشر، لكن إدراكنـا لهُ بعد بزوغ الفجر… فلكم أود أن ابدأ يومي بصباح الخير منكِ، فلكم أود أن أرى أول الوجوه وجهكِ. 


بدأ الصباح ولم يكن لي رؤيتكِ سِوى أن أتأمل صورتكِ القابعة على ايقونة هاتفي، لابدأ صباحي بكِ، لقد أشرقت الشمس في عينيكِ، و تفتحّت الزهور في وجنتيكِ، ثم ألف سلاماً على شفتيكِ، ماذا علـيّ أن أتحدث؟، ماذا عساي أن أصف، وكيف سأشرح شهديكِ. 


جررت سماعة اتصالي إليكِ ليكتمل صباحي بسماع صوتكِ، فلكم وددت أن أُشبّع  مسمعكِ كم أحبكِ، وكم يفتك بي الشوق لاحتضنكِ ولأشتم رائحة عطركِ… ها هو الحظ يكشّر بنابهِ لأتلقى صوت موظفة الإتصالات بدلاً منكِ، قائلةٌ: إن الشخص المطلوب لا يمكنهُ الرد حالياً يرجى معاودة الاتصال لاحقاً أو ترك رسالة صوتية بعد سماع الصافرة. 


سحقـًا لهذه الآلة التي تردد نفس الصوت زمنـًا طويلاً… 
أيتها الموظفة كان بإمكانكِ قول "إن الشخص المطلوب لم يزل نائمـًا ويحلُم بك حالياً، يرجو عدم إزعاجه وسيتصل بك فور صحوته“. 
   ها هو موعد كأس القهوة قد جاء…
 ذهبت إلى مقهى العم صادق لإحتسي قهوتي الصباحية وأطلب منه هو الآخر المجيء لـخطبتكِ. 
ــ السلام عليكم يا عم صادق كيف حالك؟ 
ــ إنني بخير يا مـجـد، كيف حالك أنت؟ 
ــ إني بخير. 
ــ تفضل لإحتساء قهوتك. 
ــ كأسين يا عم صادق، لو سمحت؟ 
ــ ولماذا كأسين يا مـجـد؟، أرى بأنك وحدك! 
ــ سأتكلم معك قليلاً يا عم صادق
ــ خير يا مـجـد؟ 
ــ أطلب منك المجيء معي إلى الخطوبة. 
 ــ خطوبة ماذا يا مـجـد!؟ 
ــ خطوبة بنت. 
  ــ أعلم أنها ستكون خطوبة بنت، لكن من هي البنت؟ ومن المتقدم لخطبتها؟



إعدادات القراءة


لون الخلفية