الفصل الثالث عشر: الخاتمة

 مـر يوم الرحيل بمثابة ألف عامٍ في الخيبة تلاه يوماً آخر بمثابة مئة عام في العزلة…  ليمرُ شهراً كاملاً…


شهران…



ستة أشهر…  



عاماً بالكامل…


ليأتي الشتاء ليوقظ جرحي الذي بدأ أن يلتئم…
ليوقظ مشاعري…
ليخط في السماء أسمكِ… 
ليجدد حبكِ من جديد، ثم يمر عاماً آخر…



ثلاث أعوام…



أربعة أعوام…


ها هو العام الخامس…


طل الصباح معلنـًا يومـًا جديد فأشرقت شمس الأمل  لتداعب الورد الفريد، لتبعث في أنفسنا شوقاً لأحضان الفقيد.
لقد استيقظت في أحد أيام كانون الثاني، أستيقظت ولكن شيئًا ما يجول في عقلي هناك مزيجًا من التساؤلات  نحو شيئًا من الماضي تأبى الذاكرة نسيانه. 


هل حقـًا جاء ما خشينا حدوثهِ  ؟
هل حقـًا سل الفراق سيفهِ ليبتر حبنا  ؟
ربما هناك ألف طريقة للبقاء معـًا، لكن لاجدوى، لقد   رحلتِ وتركتِ قلبـًا تعصف بهِ رياح الشوق، ويدميه ألم الفقد والحنين.
 لم أكن فقط من يفتقدكِ كل الأماكن تفتقدكِ كل من مررتِ بهِ أو تم لمسهُ بأناملكِ يفتقدكِ هنا زهور ذابله، هنا شموع مطفأه، هنا شبابيك مغلقة لم تفتح بعد،  هنا قطتكِ الصغيرة زوري وكأنها عند فتحي للباب تسألني عنكِ.


لم أكن الوحيد من يفتقدكِ كل أشيائكِ تفتقدكِ كل من مررتِ بهم تعلقوا بكِ هكذا كنتِ تسلبي قلب من رآكِ.
الفقد مؤلمـًا يا مرام، ولكن الأشد ألماً فقد أولئك الذين يستحيل نسيانهم.
لقد أحببتكِ  وكأنني مدركـًا زوال نعمتي نعم فأنتِ النعيم لدي. 


لقد أحببتكِ  عقلاً وقلباً أحببتكِ كونكِ دائي ودوائي مائي وهوائي لقد كنتِ الغصن المثمر في عمري والأمل الوحيد للحياة.
كنت أنظر إليكِ بقلبي لا بعيناي التي ترى الجميع لقد نظرت إليكِ بقلبي الذي هو ملكً لكِ.
مرام لم يمر يوماً دون تفكيري فيك، ولم أنم ليلةً دون حلمي بكِ، ولم أخطوا خطوةً دون طيف خيالكِ. 
مرام أنا لم أعد ذلك الشخص الجريء، ذلك الشخص القوي، ذلك الشخص العنيد، ذلك الشخص الذي لا يعبـأ لشيء لا بما يفعل، أو لما يقول. 



لم أعد ذلك الشخص الذي لا تغريه الورود، ولا يؤلمه غياب أحد، ولا يسأل الراحل علام رحلت ولا العائد علام رجعت، كنت لا أكترث لشيءً حصل ولماذا حصل،  مرام غيابكِ
أيقظني من غفلتي و من تحجّرُ قلبي، وها أنا أبحث عن شتاتي فيكِ.
أبحث عن ذلك الشخص القوي، ذلك الشخص العنيد، ذلك الشخص الذي لن يلقِ بالاً لأي شيئاً كان، ذلك الشخص الذي يتحدثون عنه بمسمى غريب الأطوار، ذلك الشخص الذي تم فقدهِ في رحلةٍ معكِ، نعم، لقد فقد  منذ أن رآكِ.



( دائماً ما تبهرُنا البدايات فننغمس بها، وننسى بأن النهايات مؤلمة ).


مرّت على ذكرى فراقنا خمسة أعوام، ولم تزل رائحتكِ عالقة بين الجدران… 
في رسائلكِ…
في جميع أشيائكِ… 
 في الأطباق التي قمتِ بغسلها مؤخّرًا لم تزل رائحتكِ عالقة بها… 
في كأس القهوة الذي عددتيه لي، فأصبح أخر قهوةٍ نشربها معاً. 
              
ماذا لو عاد الزمان بنا إلى أول المطاف، و وجدتكِ في الحفل، هل يا تُرى سأجرؤ  إلى أن أتقدم نحوكِ؟ 
أم إنني سأكون جباناً كالمرة السابقة؟! 

حتمـــــًا سأكون جباناً! …  


ماذا لو بعد كل هذه السنين العجاف التي مررنا بها، أمطر الحظ علينا وصالاً فجأة والتقينا ؟!
ماذا لو مررنا بجميع محطاتُنا و ستردنا هوانا ؟!
ماذا لو توقفّت عجلات الوقت في ساعة لقانا ؟!



وها أنذا على مقعد الذكريات افتيت عمري و على ضفاف مقلتي قد بان حزني. 
  ها أنا على مقعد الذكريات أجلس وحدي، لم نعد نجلس سوياً كالسابق، بل لم نعد نتحدّث أبدًا، و مع هذا فإنكِ أكثر من أتحدث معه رغم غيابه وأخبرهُ عن كل ما يحدث معي، فإنك أكثر من أشعر بوجوده رغم عدمه، فأنتِ الغائبة التي لم تعد، وأنا المشتاق الذي لا ينسى… 
  وها أنذا بعد خمسة أعواماً لم اُشفى منكِ و أروي ما حدث. 
 
                   
تمـت



(فلكم وددت أن اُصادق أيامي السعيدة ولكن البقاء للأقوى، كان الحزن أكثر صمودًا ).



إعدادات القراءة


لون الخلفية