تراودني فكرة أن أبعث لكِ رسالة أخرى، أن أقم بتقصير الوقت بكـتابة رسائلي إليكِ.
" مـرام، حين أصغت أول رسالة وقمت بأرسالها إليكِ كنتُ حينها لا أنتظر منكِ الرد، بل كنتُ سأكتفي كونها لامسة بريق عيناكِ، سأشعر بلمعان عيناكِ و أنتِ تتفحصّي كلماتها كلمة كلمه.
وسأسمع صوتكِ النغم الخافت بقلبي حين تصلين إلى أخر كلمة من السطر الأخير „أحبّكِ".
أخشى أن أرتدي طقمي الأسود و معطفي الفضي و أتهيأ للخروج لألتقيكِ، فتستوقفني جارتي العجوز، فتراكِ في عيناي فتحزن…
لن أفلّت من لسانها الحاد ونبرة صوتها المتجلجلة…
أعرف خطابها جيداً، فلكم قائلةٍ لي: سأزوجك إبنتي، فلا تلتهي كثيراً، يا بنُي.
ليت أن إبنتها على قيد الحياة، يا مـرام … بل، ستزوجني بإبنتها المتوفية بحادث سير أثناء عودتها من الجامعة قبل سبع سنوات.
الزهايمر لا يعني أنك فقدت عقلك، الزهايمر، هو أنك طفلاً لا تعرف ما الذي تريد من الحياة سِوى أن تكون فرحـًا.
أضاءت شاشة هاتفي مع إصدار نغمة الإشعار لأتلقّى رسالتكِ.
"مجد، لو تعلم كم اُسابق الوقت لألتقيك، و لأسمع صوتك الذي لا يُمل، ولبسمتُك أثناء فلسفتُك اللامتناهية، ولكم وددت أن أرى تقوّص حاجبيك أثناء حديثك.
وصلتني رسالتُك الأولى، و أنا بمنتصف المحاضرة، لم تتسنى لي الفرصة لأرّد عليك، وبِالأحرى لم تسعفني لُغتي لأقطف أجمل الكلمات في معجمها لأصف شعوري عند تلقّي رسالتك.
قمت بكتابة بعض الكلمات المنتمية للسعادة الغامرة ، فبُهّت جمالها عند تلقّي رسالتُك الثانية، فقمت بحذفها قبل إرسالها.
مـجـد، قبل أن التقيك كنت لا أؤمن بشيئاً أسمهُ حُب…
نعم، قرأت عنه في بعض الروايات والقصص وشاهدته في بعض المسلسلات الغراميّه، ولكن لا أؤمن أنهُ حقيقي وعلى الجميع أن يعشهُ.
أذكر حين سألتُك، في أول لقائنا، هل أنت من الحافظون، أم من المتصنعون، أم من ذوي الإحساس الصادق؟.
أجبت دون تردد!
„من ذوي الإحساس الصادق ‟.
مـجـد، و أنا من ذوي الإحساس الصادق.
أذكر جيداً حين قابلت وصفُك لعيناي بجاذبيّة، بِلاء النفي، و بأنـها ليست جاذبيّة.
مـجـد، أنا من سقطت حينها، فأنت الجاذبيّة، يا مـجـد.
مـجـد، معك عرفت الحب، و كيف تأدّية مناسكه وشروطه،
معك عرفت كلمة أحبّك كيف تنطق، ومدى تأثيرها، وكم بلوغها فينا وكم وصول صوتها. "
" أحبُك ".
وأنا، أحبّكِ كثيراً، أحبّكِ كحب بخيلاً لأموال، وكحب كريماً لإكرام الضيف.
أحبّكِ كونكِ الحُب الأول و الأخير في حياتي.
أحبّكِ كونكِ الماء العذب الصالح للشرب.
أحبّكِ كونكِ الخط المستقيم في دربي.
أحبّكِ كونكِ الصخرة الثابتة في حُصني.
أحبّكِ كونكِ السحابة الممطرة على جفاف قلبي، و الضوء الذي ينير دهاليز عمري.
أحبّكِ كوني وجدتكِ شيئًا جميلاً في عمري، وسأبقيكِ أجمل ما فيه.
شارفت الساعة إلى الثامنة مسائاً…
مرّة سبع ساعات في سحيق الإنتظار، فلم يتبقّى على موعد اللقاء سوى ساعة ٍ واحدة، يا مـرام.
فلتعلمي بِأن هذه الساعة، كالساعة التي يترقّب بها الصائم الأذان ليفطر.
هو سيّبـل عروقهِ بالماء، وسيشّبعُ معدتهِ بالطعام، و سيدعوا الله حامدًا شاكرًا متمنيـًا ثبات الأجر.
فأمّا أنا فسأروي ظمأ عيني برؤيتكِ، و سأُشبّع جوع قلبي المتلهّف بتقبيلكِ، و سأدعوا الله أن يبقيكِ الشيء الثابت في قلبي.
كم ستمـتّد هذه الساعة؟، كم ستتضاعف دقائقها؟، و كم ستبدو ثوانيها؟.
مـرام، إنني متهيئـًا منذ دقائق للقائنا…
ارتديت أجمل مالدي، وبللت قميصي برذاذ عطري المفضل، ارتديت ربطة عنق، ولكن لا أخفيكِ سـرًا فقد بدت وكأنها تقوم بخنقي، فقمت بنزعها فوراً.
ها أنا قابعـًا على الكرسي الخشبيّ المفضل لدي وقت الكـتـابـة لأقم برسمكِ مجدداً، فتمضي بعضـًا من الدقائق لألتقيكِ.
مع هذا الجو الجميل وسطوع القمر المنير و زخرفة السماء بالأنجم المتلألئة فلا يحلوا لنا اللقاء سِوى على الشاطئ يا مـرام…
سيبدو اللقاء بصورة مثاليةٌ جداً، أنا، وأنتِ، والبحر، والقمر والنجوم سيكونا شهودًا علينا، وموّثقي هذا اللقاء…
سنكون اثنان ضد واحد، ستكوني الطرف الأضعف في هذا اللقاء، سيحددوا النجوم والقمر نقاط الفوز في آخر المطاف، وسيتخذ البحر طرفي كمـا هو الحال قبل أن التقيكِ…
أنا و البحر رفقاء يا مـرام، نشكوا لبعضنا بعضاً، نتقاسم الأسرار دوماً…
فقد تعاهدنا بأن لا يُخبـئ أحداً منّا على الآخر شيئـًا، لقد أخلصنا لبعضنا بعضاً وما زلنا إلى وقتنا هذا، ولكن لا أخفيكِ بأنهُ الأعمق دوماً…
لم يكتفِ بأخذ أسراري فقط، بل قام بأخذ جُل همومي في عمقـهِ الغزير.
( أن تكن رفيق البحر، هذا يعني بأنك لستُ وحيداً… أن تكن رفيق البحر فلديك من يتقاسم معك همومك و أسرارك)
داهمتني الأفكار لأخرج قبلكِ، إلى شاطئ البحر، لأقم بتجهيز مكاناً لطيفـًا للجلوس بهِ.
استقبلني البحر بهيجانهِ راميـًا جيفـهُ على قدماي، يبدو هذه المرة منزعجـًا من مجيئي، أو ربما مُعاتِباً على غيابي الطويل، أو ربما، رآكِ في عيناي فلم يتقبّل فكرة أن آتي للقاء أحداً سواه.
قمت بألتقاط صورةٌ للمكان وأرسلتها إليكِ، كاتباً أسفلُها „هنا سيكون اللقاء، يا مرام‟.
على شاطئ البحر تحت سماء هذا الكون، تحت ضياء القمر الذي يُنافس نور وجهكِ.
فلكم طاردُني ذلك اللغز الذي بينكِ وبينه، لا أعلم، أأنــتِ القمر؟، أم القمر أنتِ؟، وأياً منكمـا يقتبس النور من الآخر؟.
تسللت تلك الرائـحـة الزكية مع هبوب هواء الشمالي إلى أنفاسي، بدت الرائـحـة تعّج حولي، وكأنها تقترب لتحتل كامل اوصالي، التفتت التفاتة من أدرك مؤخراً بأن هناك من يراقبهُ من الخلف، لأجدكِ مُقبلة إلي بجمالٍ باهر، يسحر القمر فيسقطهُ أرضاً… فما علـيّ سِوى أن أقول لكِ…
جميلةٌ أنتِ
و لا جمال سواكِ
ولا مضاهِ لضحكتُكِ
ولا لسحـر عيناكِ
متميّزةٍ في اعتدال جلستُكِ
وفي خطوات ممشاكِ
عبقةٍ فواحةٍ كأن الورد
قد نبت في خداكِ
يزهوا بطلتكِ كل محضرٍ
وكأن لا لقاء بعد لقاكِ.