الفصل السابع

الساعة الآن تُشير إلى العاشرة بعد منتصف اللهفة والحنين… 
إنني متلهفـاً للقائُنـا القادم، يا مرام. 
قمت بشراء هاتفـًا جميلاً، بدا أنهُ جميل، و بِالأحرى أكتسب الجمال من صورتكِ التي وضعتها  على أيقونتهِ مؤخراً… 
كنت أقوم بكبس زر الإغلاق لأغلق أيقونته، أفعل ذلك عمدًا، لأتليها كبسةٌ أخرى لأرى، هل ستتغيّر ملامحكِ؟، وكنت كلما أفعل ذلك تزدادي توّهجـاً وجمالاً في نظري، وتلقي السلام على قلبي. 


قمت بإدخال كرت البطاقة وزرت جهة اتصالاتي للبحث عن رقم أيهم، سحبت سماعة الإتصال معلناً: ــ الو، أيهم! 
 ــ مرحباً، مجد! 
ــ مرحباً بك، أولاً علـيّ تهنئتك بزواجك، أتمنى لك عمراً سعيداً، و أتمنى أن تقبل إعتذاري لعدم إلقاء تهنئتك في الحفل وذلك لسبب الضجيج هناك.


ما كان أن يبدر منه سوى قهقهتهُ في أُذني، و الحقها 
قائلاً: ــ عليك أن تخدع أحداً سواي أمّا، أنا فلا، عليك أن تتعلم كيف تجيد الكذب بمهارةٌ أكثر، فلتعلم أن لا يجيدون الكذِب إلا من كان الكذب فطرتهم، أو تم تدريبهم عليـه… لذلك يجب عليك تعلُّم الكذّب، إذ لم يكن الكذّب فطرتك… أعرف ذلك الضجيج، يا مجد، ولست عاتبـًا عليك يا صديقي، و لكن لا أخفيك سراً، تبدون ثنائيّ جميل! 
ــ هل شاهدت الصورة أنت أيضاً؟ 
ــ و من الذي لم يُشاهدها! 
ــ حسناً، علـيّ أن اُقدّم طلبـاً لشركة الإنترنت بإن يقوموا بحذف الصورة من على جميع منصات التواصل الإجتماعي، و على جميع من قاموا بحفظُها في هواتفهم بإن يحذفوها فوراً. 


عممت الأمر ليقوم بحذفها هو أيضاً. 
ــ هل تغار على فتاة أجنبيّة، يا مجد؟ 
ــ و هل أنت أيضاً تصفها بالاجنبيّة
ــ لو لم تكن معروفةٍ لدى منال لصدقت يا مجد!، لأصدقك القول يا صديقي إنها أجادة تقمُص الدور ببراءةٌ وجدارة، ولـو اُتيحت لها فرصة التمثيل، لأصبحّت نجمة لامعة في عالم التمثيل. 


ــ لا أحتاج رأيك فيها، يا أيهم أتفهم؟ 
ــ أتغارُ عليها مني أنا ياصديقي! 
ــ ومن نفسي أيضاً! أغار عليها من جميع أشيائها. 
أغار عليها من نسمةٍ تُداعب شعرُها، أغار عليها من قلمي الذي يُجسّـد وصفها، و بِأن  يخط حروف أسمُها.
 
( قليلون من هم يعلمون بإن الغيرة تحرق دياراً بأكملها، ولربما تحرق مدينةٌ إذا أزدادت الأمر سوءًا)

قبل إغلاق سماعة الإتصال، طلبت رقم هاتفكِ، فقام بدورهِ اعطائي من لدى زوجتهِ منال التي هي صديقتكِ يا مـرام.



فلكم فرحت حين وصلُني رقم هاتفكِ برسالة نصيّة، فرحت كفرحة طفلٍ إشترى لهُ أبيه دراجةٍ هوائيّة يقوم بسياقتها في الزقاق ويتسابق مع أصدقائه، وأنا سأقوم بإرسال شوقي الفائض إليكِ… 
لم أجرؤ على رفع سماعة الإتصال إليكِ مباشرةً، بل لم أستطع فعلها أبداً، لإنني قد أكتسب الجبن حين التقيتكِ… 


أذكر كيف كانت تسير أيامي قبل التقيكِ، كيف اتعامل مع المواقف، كيف تبدو ردة فعلي، كيف أرسم مخططاتي وكيف أقم بتنفيذها، كيف اُبادر نحو شيئاً ما، وكيف أبدأ الحديث، وعلى أي نقطة أقف و متى التزم الصمت… 
كنت لا امتلك شيئاً أسمهُ الجبن والتردد… 



كنت لا أخشى شيئاً أسمه خساره، أمّا الأن أخشى، بكلمة مني ، بحركة مني تجعلني أخسركِ.
مرام، أعلم أنهُ لم يمضي على لقائنا سوى بعضاً من السويعات، ولكن الساعة هي عمراً بأكملهِ في الإنتظار… 
الساعة دونكِ عمراً، والعمر معكِ لحظة، فما بين العمر و اللحظة تقطنين أنتِ. 
كيف لي أن اجتاز ساعة الإنتظار،يا مـرام؟ كيف لي و عيناكِ باتت تعصف بي، كيف وقد طوّق الحنين أضلعي.



ها هي تضيء شاشة هاتفي، لأسيـغُ رسالة لكِ، محتواها شوقي إليكِ ولهفتي.
"مـرام، قبل أن أضعكِ بين أسطري أضعتكِ في قلبي، ويبدو ستُخلّدين بهِ أبداً… 


بدأ هذا الأمر من الوهلة الأولى، ومن تلك النظرة التي سددتي بها إلي اللامبالاة لما تنظري، لكنني أيقنت جيداً منذ تلك اللحظة بأن الرجل الشرقي يهوى الصعاب، يعشق الشديد في طبعه و العنيد في مشاعره… 
يحب بإخلاص ووفاء وإن مشى على الجمر بقدميه… 
معنى الحياة في ناظرهِ عبارةٌ عن أنتِ.


فلكم بدت المسافة طويلةٌ… بيننـا، و لكن شعورنا قريباً جداً، لدرجة يكمن كلٍ منا بين فراغ أصابع الآخر… 
فحين أقم بالكـتابة أراكِ تتسللين من بين أصابعي فينحرفُ قلمي ولا أكتب سِوى عنكِ، بينما كنتُ سأكتب نبذةٍ تاريخية ممزوجةٍ بالماضي والحاضر، ولكن تأبى الكلمات إلا أن تصفكِ ولا يوقد الفكر إلا بكِ، حينُها علمت جيداً أن ليس لدي تاريخ ليس لدي ماضٍ ليس لدي حاضرًا إلا أنتِ." أحبّكِ".



ها هي الساعة تشارف إلى الواحدة ظهراً… 
مر على بعث رسالتي إليكِ ساعتان بدقائقها و ثوانيها… 
لم يصلني الرد، ولم أجرؤ على الإتصال بكِ.
ثمان ساعات يفنى المرء بها، يا مرام. 
كيف لثمان ساعات أن تمضي في ثوان.
أعلم إنها  ستمضي بسرعة البرق حين التقيكِ. 
كيف أقم بطيها لتصل، إلى التاسعة مسائـًا؟!
كيف أقم بستقبالكِ حينها؟!
أي مكانٍ سأختار أن نلتقي بهِ؟



إعدادات القراءة


لون الخلفية