بلا مأوى: رحلة أم عازبة بين الألم والأمل

في أحد أحياء الجزائر العاصمة البسيطة، وُلدت "ن. ي" في عام 1973، في عالم لم يكن يعرف الرحمة أو العطف. كانت حياتها سلسلة من التحديات التي بدأت منذ ولادتها، فقد فقدت والديها في سن مبكرة، وكانت وحيدة في مواجهة عالم قاسٍ. لم تلتحق بالمدرسة، ولكن شغفها للتعلم جعلها تتعلم القراءة والكتابة بمجهودها الشخصي. في عالم تتراكم فيه الصعوبات، كانت تبحث عن أمل ولو كان ضئيلاً.

 

كانت "ن. ي" تعمل كخادمة في بيوت الناس، وواجهت صعوبات يومية في تأمين لقمة العيش. وفي أحد الأيام، قررت البحث عن عمل آخر لتحسين وضعها، فذهبت إلى السفارات في حي حيدرة والأبيار. خلال هذا البحث، التقت بشاب يُدعى "وهاب. ف"، كان يعمل سائقا في إحدى السفارات. كان يبدو ودودًا ويعرض مساعدته، مما جعل "ن. ي" تشعر بالأمل والراحة لأول مرة.

 

بمرور الوقت، تطورت العلاقة بين "ن. ي" و"وهاب" إلى مستوى أكثر حميمية. أصبح "وهاب" يتصل بها بانتظام، وأقنعها بأنه يريد الزواج منها. في تلك اللحظات، شعرت "ن. ي" بالأمان الذي طالما افتقدته، وأعربت عن أملها في أن يتحقق حلمها في حياة أفضل. وبينما كانت تفتح له قلبها، لم تكن تدرك أنه كان يكذب عليها منذ البداية.

 

بعد فترة قصيرة، اكتشفت "ن. ي" أنها حامل، مما زاد من تعقيد وضعها. طلبت من "وهاب" أن يتزوجها، لكنه رفض وقدم لها أعذارًا متعددة. وفي محاولة للتعامل مع الوضع، قام "وهاب" بأخذها إلى الأطباء عدة مرات لمحاولة إجهاض الجنين، لكن كل المحاولات باءت بالفشل. مع تقدم الحمل، بدأت تشعر بالقلق والخوف من المستقبل المظلم الذي ينتظرها.

 

وصلت "ن. ي" إلى مرحلة صعبة حيث كان الحمل في شهره السابع، وقد أصبحت حالتها الصحية مهددة. أخذها "وهاب" إلى طبيب في منطقة المرادية، حيث أخبرها الطبيب بأن عملية الإجهاض في هذا الوقت ستكون خطيرة للغاية وقد تعرض حياتها للخطر. كانت هذه اللحظة بمثابة صدمة كبيرة لها، حيث وجدت نفسها مجبرة على الاستمرار في الحمل رغم كل الألم والمشاكل.

 

في مستشفى بارني، أنجبت "ن. ي" طفلتها، التي أسمتها "تيزيغي". كانت لحظة ولادة الطفلة مليئة بالألم والدموع، بينما كانت "ن. ي" تحاول الاتصال بـ"وهاب" للحصول على دعم منه. ومع ذلك، استمر "وهاب" في تقديم أعذار، ورفض تحمل أي مسؤولية عن الطفلة أو الزواج منها. كان يماطل ويتهرب من كل مسؤولية، مما زاد من معاناة "ن. ي" التي شعرت بأنها وحيدة في مواجهة التحديات.

 

بعد ولادة "تيزيغي"، توجهت "ن. ي" إلى مركز "دارنا" للأمهات العازبات، حيث أمضت وقتًا في محاولة تأمين مأوى لها ولابنتها. هنا، كانت تحاول أن تجد الدعم والمساعدة، لكنها واجهت العديد من الصعوبات. كان المركز يسعى لتقديم الدعم للنساء العازبات، ولكن مع الوقت، بدأت "ن. ي" تواجه الضغوطات والتهديدات من قبل المسؤولين في المركز الذين كانوا يريدون أخذ الطفلة منها وتقديمها لعائلة ثرية.

 

خلال هذه الفترة، كانت "ن. ي" تتواصل بشكل مكثف مع "وهاب"، لكن كل محاولاتها كانت باءت بالفشل. في إحدى المحاولات، قررت "ن. ي" الذهاب إلى جيرانه في بن عكنون لفضح "وهاب" إذا لم يوافق على إعطاء اسم العائلة لابنته. كان يائسًا ومُحبطًا، لكنها قررت أن تسعى بكل جهدها لتحقيق ما يمكن أن يحسن من وضعها.

 

في ظل هذه الضغوطات، كانت "ن. ي" تعاني من مشاكل اقتصادية هائلة. لم تستطع دفع الإيجار لمكان سكنها، حيث تراكمت عليها الديون. كان صاحب المسكن يهددها بالطرد إذا لم تدفع الإيجار المتأخر، وكانت تعيش تحت ضغط دائم بسبب هذه التهديدات. لم يكن لديها أي مصدر دخل ثابت، وبدأت تشعر بالقلق من فقدان مأواها.

 

عاشت "ن. ي" في مجتمع لا يرحم، حيث كانت تواجه الانتقادات واللوم من الجميع. شعرت بالعزلة والتمييز، حيث كان الناس ينظرون إليها بعين الشك والازدراء. لم يكن لديها أي دعم من الأصدقاء أو العائلة، وكانت تعاني من فقدان الثقة والشرعية في عيون المجتمع. في ظل هذا الوضع، كانت تحاول أن تحافظ على قوتها وتصمد في وجه التحديات.

 

رغم كل الصعوبات، لم تفقد "ن. ي" الأمل في المستقبل. كانت تسعى جاهدة لتوفير حياة أفضل لابنتها "تيزيغي". حلمت بأن تكون ابنتها قادرة على الحصول على التعليم وتحقق النجاح في حياتها. كانت تصر على أن تعطي ابنتها أفضل فرص ممكنة، ورفضت الاستسلام للظروف الصعبة التي كانت تعاني منها. كانت تعتقد أن المستقبل يمكن أن يكون أفضل إذا استمرت في الكفاح والنضال.

 

في النهاية، كانت "ن. ي" تتصالح مع نفسها ومع ماضيها. كانت تدرك أن حياتها لم تكن سهلة، وأنها ارتكبت أخطاءً، لكنها كانت أيضًا تأمل في أن تتمكن من بناء حياة جديدة لابنتها. كان لديها إيمان قوي بأنها ستتمكن من التغلب على جميع التحديات التي تواجهها، وأنها ستظل تحارب من أجل تحقيق أحلامها وأحلام ابنتها.



إعدادات القراءة


لون الخلفية