نعيش في مجتمع مغلق، تعاني فيه الكثير من النساء من الحرمان من الكثير من الحريات، لكنني درست في الخارج وأعلم أن المرأة من حقها أن تتعلم وتعمل مثل الرجال. لذا، لم أحرم زوجتي من حقها في العلم والعمل.
منذ أول يوم في زواجنا، أخبرتها أنني أساند كافة اختياراتها في الحياة ولا مانع لدي أن تعمل أو تتعلم. كانت مندهشة وأخبرتني أن ما قلته لها أعاد الحياة والأمل فيها، حيث أنها كانت خائفة أن أرفض العمل. لم تكن لي نفس نظرة الرجل الشرقي التقليدي؛ كنت أرغب في أن أشعر بالفخر بها، وأن أدفعها للأمام، ففي الأول والأخير نجاح زوجتي هو جزء من نجاحي.
بدأت زوجتي العمل في أحد الدوائر الحكومية وكنت سعيداً بها، وأسعدني أكثر قرارها بالدراسات العليا. كانت في شهور حملها الأولى ولم أشأ أن أرهقها فطلبت خادمة تقوم بالأعمال المنزلية لكي تتفرغ زوجتي للمذاكرة والراحة فقط.
بعد الإنجاب، أتت والدتي إلى المنزل لتراعي طفلي. حقيقة الأمر أن هناك صداقة تمكنت زوجتي ووالدتي من عقدها، وهو ما جعل جو المنزل مريحاً وهادئاً. كما أن زوجتي تمكنت من إتمام الماجستير والدكتوراه، وكانت أمي بجوارنا حين رزقنا بابننا الثاني.
مرت السنوات وأصبحت زوجتي موظفة على درجة عالية، ترأس تحتها حوالي خمسين موظفاً. كان الأمر مشوقاً ومبهراً فهي أصغر موظفة تتولى مثل هذا المنصب. كان أولادنا في هذا الوقت في مرحلة المراهقة، وكانت هي منشغلة طوال الوقت.
في بعض الأحيان كانت تحمل أوراق العمل ومسؤولياته معها إلى المنزل، تعمل فيها حتى منتصف الليل. تحملت وصبرت وحاولت أن ألمح لها أن لبيتها حق عليها، لكنها كانت تتجاهل ما أقول وأفعل. صار الأمر أصعب حين بدأ الأولاد في التمرد، تمرد المراهقة الطبيعي.
بدأت تتجاهل الأولاد ولا تعطيهم أي نوع من الاهتمام، وكنت ألفت نظرها على الدوام لكي تحذر ابتعادهم عنها في تلك المرحلة بالتحديد، لكنها كانت منشغلة بعملها وأوامرها وموظفيها. كانت تعطي الأوامر وتتخيل أنهم سينفذون دون نقاش أو تمرد.
وقع المحظور وأصيب طفلنا الأكبر بداء الإدمان. تركت كل شيء وتفرغت لأبنائي، أراعيهم وأحاول أن أعدل المسار. ساعدت ابني على النجاة من الكارثة التي وقع فيها، وتمكنت من إنقاذ ابني وحاولت أن أكون صديقاً لكلا أبنائي، لكنها لم تكن هنا طوال الوقت. كانت في عملها مع دائرة معارفها، لا تهتم إلا بالتقدم في عملها كل يوم.
لم أعد أتحمل هذا الوضع أكثر. صارت الحياة بيننا مستحيلة. نصحني من حولي أن أطالبها أن تستقيل من عملها وإلا أهددها بالطلاق أو بالزواج عليها. لكني لم أكن أريدها أن تستقيل، كل ما كنت أريده أن توازن بين العمل والمنزل.
قررت أن أعاقبها بطريقة مختلفة. طلبت من أولادي ومن والدتي التي تسكن معنا وتربي الأبناء أن يجهزوا أنفسهم لرحلة طويلة. بالفعل، أخذتهم واتجهنا إلى محافظة مجاورة. لم أخبرهم أن الأمر عقاب، لكني طلبت أن يعطوني هواتفهم لكي يستمتعوا بالرحلة. مر اليوم حتى منتصفه، وحان موعد عودة زوجتي إلى المنزل. وجدتها تتصل أكثر من عشرين مرة، لا أحد يرد، فكانت تتصل بإصرار أكثر وأكثر.
بعد يومين قررت أن أجيب عن هاتفي. كان صوتها مليئاً بالبكاء، كانت قلقة ومتوترة. طلبت منها أن تهدأ وتطمئن. بعدها أخبرتها أنني قررت أن أبتعد مع أمي والأولاد حتى تشعر بوجودنا وأن عودتنا مرهونة بها. أخبرتها أنني لا أريدها أن تفعل شيئاً لا تريده، كل ما أريده هو خير الأمور، أريد الوسط بين العمل والمنزل.
يومان كاملان بلا حديث، بعدها اتصلت زوجتي وطلبت أن تعرف مكاننا. أخبرتها وبعد ساعتين وجدتها أمامي، جميلة كما أعرفها. أخبرتني أنها نادمة على تركنا كل هذا الوقت، نادمة على تفويت كل السنوات. طلبت مني أن أسامحها وأن نعود من جديد إلى سابق عهدنا في سعادة.
عادت زوجتي إلى المنزل بنظرة جديدة للأمور. كانت قد تعلمت الدرس وأصبحت تُخصص وقتاً أكثر للأولاد وللبيت. بدأت تُشارك في نشاطات الأولاد، وتذهب معهم إلى المدرسة وتتابع دراستهم. شعرتُ أن الأمور بدأت تعود إلى مجراها الطبيعي. الأولاد كانوا سعداء بوجودها بجانبهم، وأنا كنت سعيداً برؤية عائلتي متماسكة وسعيدة.
في أحد الأيام، بينما كنا نجلس جميعاً حول مائدة العشاء، أخبرتني زوجتي بأنها ترغب في أخذ إجازة طويلة من العمل. كانت تريد قضاء وقت أطول معنا ومع الأطفال، لتعويضهم عن السنوات التي انشغلت فيها عنهم. شعرت بالسعادة والفخر بقرارها.
خلال تلك الفترة، بدأنا نعيش حياة مليئة بالحب والتفاهم. كنا نقوم برحلات عائلية ونشارك في أنشطة جماعية. بدأ الأولاد يتفوقون في دراستهم ويشعرون بالفخر بوجود والدتهم بجانبهم. كانت الأمور تتحسن يوماً بعد يوم، وأصبحنا أقرب من أي وقت مضى.
زوجتي عادت إلى عملها بعد فترة الإجازة، لكن هذه المرة بنظام جديد. كانت تُوازن بين العمل والمنزل بشكل أفضل. تعلمت كيف تُنظم وقتها وتُخصص وقتاً كافياً لكل جانب من حياتها. كان النجاح يرافقها في كل خطوة تخطوها، سواء في العمل أو في المنزل.
في نهاية المطاف، أدركنا أن التوازن بين العمل والحياة الشخصية هو مفتاح السعادة. تعلمنا أن الدعم المتبادل والتفاهم هما أساس أي علاقة ناجحة. كانت تلك الفترة الصعبة درساً لنا جميعاً، وجعلتنا أقوى وأقرب لبعضنا البعض.
عشنا معاً قصة حب لا تُنسى، مليئة بالتحديات والانتصارات، وبدأنا نكتب فصولاً جديدة من حياتنا بكل حب وسعادة.