أمسيات الحب الدافئة

جلست هي في هدوء شديد، ممسكة بفنجان القهوة، على كرسي هزاز، تنظر إلى السماء في ليلة هادئة وجميلة. يداعب نسيم الليل خصلات شعرها الأسود الناعم، واضعة سماعات هاتفها في أذنيها تستمع إلى صوت فيروز الرائع. قطع لحظة هدوئها رجل كبير في السن، له لحية بيضاء خفيفة وابتسامة جميلة، وقال: 
– حبيبتي، فيما تسرحين وفيما تفكرين في هذا الوقت؟

– أنتظر محادثة من زوجي، فقد وعدني أنه سيطلبني اليوم في وقت متأخر.

قال الأب: لقد ذكرتني بوالدتك رحمها الله. كانت تجلس نفس الجلسة، وكان يأتي من عمله حاملًا وردة حمراء وأخرى بيضاء، ويضع يده على عينيها ويقبل وجنتيها، ويقول: "اشتقت لكِ حبيبتي"، فتضع فنجانها على الطاولة وتمسك بيده وتقول: "وأنا اشتقت إليك يا حياتي".

قاطعت الفتاة والدها قائلة: رحمها الله يا أبي، أدعو لها أن نجتمع سويًا في الجنة إن شاء الله.
– رحمها الله رحمة واسعة، سأذهب لأنام فقد اشتقت إلى سريري. لا تتأخري في السهر. تصبحين على خير يا ابنتي، وطبع قبلة على رأسها.

– وأنت من أهل الخير يا أبي. نظرت في هاتفها، ثم تلقت رسالة من زوجها تقول: "مرحبا يا حبيبتي، لقد أتيت منذ قليل، سأخذ حمامًا وأصنع قهوتي ونجلس نتحدث، لن أتأخر. لا تنامي حبيبتي". احتضنت هاتفها مغمضة عينيها، فقد اشتاقت إليه كثيرًا، وتساءلت متى يمضي هذا الأسبوع ليعود إليها.

ضحكت فجأة عندما تذكرت طريقة زواجهما وما عانياه. قطعها هاتفها من هذا السرحان العميق، فالتقطته وضغطت على زر الإجابة.

– حبيبي، اشتقت إليك.
– ليس أكثر مني.
– لا، بل أكثر.
– لا، ليس أكثر.
– إذن كم اشتقت إليّ؟
– لا أستطيع وصف اشتياقي لك، فعقلي وقلبي وروحي معك، لا أفكر إلا بك ولا أشتاق إلا إليك ولا أشعر إلا بحبك.
– أدامكِ الله في حياتي يا روحي.
– وفي حياتي أدامك الله يا قلبي. أخبرني متى ستعود؟
– سأحاول أن أضاعف العمل حتى أعود غدًا.
– أخيرًا، لقد طار قلبي من الفرح. أخيرًا سأراك.
– عندي لك مفاجأة عندما أعود. معذرة يا حبيبتي، سأضطر لإغلاق المكالمة الآن لأن موعد العمل قد حان.
– حماك الله، سأشتاق إليك. سلام.

في اليوم التالي، حضر الزوج من السفر. كان الأب يجلس في الصالة، فقال الزوج: السلام عليكم يا عمي.
رد الأب: مرحبا يا ولدي، أين زوجتي؟
– في غرفتها تنتظرك. طرق ثلاث طرقات على الباب وحاول الدخول، لكنه كان مغلقًا من الداخل. حاول ثانية، لكنه مغلق. 
– لحظة واحدة حبيبي، سافتح لكِ. سمع صوت المفتاح وهو يفتح من الداخل، ودخل الغرفة ليجد ضوءًا خافتًا وموسيقى رومانسية وطعامًا على مائدة صغيرة. جلس على ركبتيه وقال: اشتقت إليكِ يا ملاذي، وأمسك بيديها وقبلهما.

أخرج شيئًا من جيبه وقال: أغمضي عينيك. أغمضت فأخرج خاتمًا وسلسلة والبسهما لها. قال: انتظري، لا تنظري. أخرج وردة ووضعها فوق أذنها بين خصلات شعرها، ثم وضع قبلة على خديها وقال: لقد اشتقت إليكِ.

كانت تشعر بالغربة وهو بعيد عنها، فقد امتلك قلبها وعقلها. كان غيابه صعبًا عليها بعد أن اعتادت على وجوده في حياتها. دخل الزوج وكانت زوجته تعد له عشاءً رومانسيًا في غرفتهما. لم تستطع النظر إليه من الخجل، خصوصًا أنها رأت والدها يقف مبتسمًا عند باب الغرفة.
قال الأب: سأغلق الباب عليكما، وأذهب لأنام. تصبحان على خير.
ردا عليه: وأنت من أهل الخير يا أبي.

عندما أغلق الباب، بدأ الزوجان يتحدثان بكلام الاشتياق. في الصباح، قالت الزوجة:
– استيقظ، لماذا أنت نائم حتى الآن؟
– نعم يا حبيبتي، إنني مرهق قليلاً من الطريق. عندي لك مفاجأة جميلة.
– أي مفاجأة؟
– خمني ماذا تنتظرين مني هذه الفترة؟
– العشاء؟ وضربته بيديها الناعمتين على كتفه وقالت: كف عن هذا. إنني حامل. عندما سافرت هذا الشهر، ذهبت أنا وأبي إلى الطبيب، وأخبرته ألا يخبرك.
احتضنها بشدة وقال: أخيرًا سيكون لنا طفل. لا أصدق يا حبيبتي، إنه أسعد يوم في حياتي.

بعد مرور فترة الحمل ويوم الولادة، كان الأب يسأل عن الطبيب، والزوج واقف بجانب زوجته يبكي عليها بألم وهو مرعوب خائف عليها. يقول لها: ستكونين بخير يا حبيبتي. وكانت هي تصرخ بألم. بعد مرور ساعة ونصف، خرجت الممرضة قائلة: ألف مبروك، لقد أنجبت توأمين، ولدًا وبنتًا.

– هل نستطيع الدخول لرؤية الطفلين؟
– نعم بالطبع، تفضلا. دخلا واحتضنها زوجها، وأعطاها والدها قبلة على جبينها. كانوا جميعًا سعداء يحمدون الله عز وجل على نعمته وفضله. قال الزوج: الحمد لله على سلامتك.
– سلمك الله يا حبيبي.
– دكتور، متى سنخرج؟
– بعد خمس ساعات حتى تستعيد بعضًا من قوتها.

بعد يوم، ذهب الزوج لتسمية طفليه، آدم وحبيبة. كبر الأطفال وعاشوا حياة مليئة بمحبة والديهما. توفى الجد بعد مرور ثلاث سنوات من إنجاب الطفلين، وكان لهذا أثر بالغ في نفسية ابنته، فقد كانت تحبه كثيرًا. بعد وفاة والدها، مرضت بشدة وأصابها الشلل في ذراعها.

وقف الزوج معها ولم يتخلَّ عنها لأنه كان يحبها بصدق، وكان يتابع معها عند الأطباء وجلسات العلاج الطبيعي حتى استردت صحتها وشفاها الله. بعدها، عاشا في سعادة كبيرة يواجهان صعوبات الحياة معًا، لم يختلفا يومًا ولم يفترقا أبدًا. كانا دومًا متحابين، يواجهان الصعوبات معًا ويتغلبان عليها بمفردهما.

رغم تعلق الزوجة بوالدها الذي رباها عند وفاة أمها، إلا أن الزوج عوضها خيرًا ولم تشعر يومًا باليتم، بل كان زوجًا وأخًا وصديقًا وحبيبًا لها.



إعدادات القراءة


لون الخلفية