كان هناك شاب في زماننا، بعدما أنهى دراسته الجامعية وعلى عادة التقاليد، قرر أهله تزويجه من فتاة ذات خلق ودين. بحثوا عن فتاة بمواصفات سامية، وعندما وجدوا فتاة في منتهى الأدب والجمال والدين، تقدموا لخطبتها. لم يجدوا أي رفض من أهل العروس، لأن الشاب كان كامل الأوصاف تتمناه أي فتاة لما يتمتع به من منزلة وخلق وهيئة جذابة.
تزوجا وعاشا في سعادة وهناء، أصبحت الفتاة بالنسبة له حلم عمره، رزقه الله بها. كان يذكرها دومًا، يخاف عليها ويغار حتى من والدته. وعلى الجانب الآخر، رأت الفتاة فيه فارس أحلامها، من رغبت به دوماً في أحلامها الوردية. أحبا بعضهما حبًا لم يخلق له نظير.
لكن السعادة لا تدوم طويلاً، فبعد مرور ثلاث سنوات، بدأت والدة الشاب في التحدث دوماً عن تأخر الإنجاب، وأن من تزوج بعدهما أصبح لديه طفل واثنان. بدأت الزوجة تلح على زوجها للذهاب إلى الطبيب وإيجاد السبب وراء تأخر الحمل.
لم تكن تتوقع أن ذهابها للطبيب سيعكر صفو حياتها، حيث أخبرهما الطبيب بأن الزوجة عقيم ولن تستطيع الإنجاب حتى بالعمليات الجراحية. صدمت الفتاة وانهارت، لكن الشاب طمأنها بأنه استغنى عن الدنيا وما حوت بنظرة رضا من عينيها. أكد لها أنه لا يحتاج إلى أطفال لأنها تملأ عليه كل حياته، ويكفيه حبها له.
غضبت والدته وثارت، وأخبرته بضرورة زواجه من ثانية ليتمكن من إنجاب حفيدها. لكن الشاب رفض تدخل والدته بشدة، وأقنعها بأن العقم ليس بعدم الإنجاب بل هو عقم المشاعر بالقلوب. حاولت الزوجة إقناعه بزواجه من أخرى، لكنه أصر على موقفه.
وبيوم من الأيام، تعبت الزوجة تعبًا شديدًا، فذهب بها زوجها لزيارة الطبيب. إذا بها مصابة بمرض خطير نادر، وأن أيامها معدودة في الحياة. فضل الطبيب بقاءها في المستشفى لتنال قدرًا من الرعاية الصحية، لكن الزوج رفض. بدأ في تجهيز كافة الاستعدادات اللازمة لرعايتها في المنزل، قام بشراء الأدوات والمستلزمات الطبية اللازمة، وقدم طلب إجازة مفتوحة بدون مرتب، ووظف ممرضة لمساعدته في العناية بزوجته. كل ذلك فعله لتخفيف آلام زوجته ببقائه بجانبها طوال الوقت.
حاول جاهدًا كبح دموعه والتظاهر بالابتسامة. وفي يوم قريب، وافتها المنية وهي في حضن زوجها الدافئ. لم يستطع فعل شيء لها؛ كانت الزوجة قد تركت رسالة له مع ممرضتها، كتبتها عندما شعرت بدنو الأجل. جاء في الرسالة:
"زوجي الحبيب،
لا ترهق قلبك الغالي بالحزن على فراقي، فالله وحده يعلم أنني لو كتب لي عمر جديد فلن أختار عيشه إلا معك. لو أعطاني الله ألف عمر، لن أرغب في قضائه إلا وأنا في أحضانك. علينا الرضا بقضاء الله؛ ومن أجل خاطري، تزوج بأخرى. أول فتاة لك، أعطها اسمي لأنك جدير بأن تكون لك ذرية صالحة. لا تفارق الحياة بدون ابن صالح يدعو لك. أما أنا، فأنت عملي الصالح الذي تركته خلفي ليدعو لي. وثق تمامًا بأنني سأغار من زوجتك حتى وأنا في قبري.
أحببتك من كل قلبي."