كان يسكن بالقرب منها ويراقبها كل صباح وهي ذاهبة إلى جامعتها بحماس. كانت في غاية الجمال والرقة، لكن خجله منعه من التقرب إليها أو الحديث معها. كان شابًا عاديًا، ليس لديه الكثير من المال أو الجاه، لكنه قرر الارتباط بها وتقدم إلى خطبتها من والديها. طار قلبه فرحًا عندما وافق والدها على الخطبة، فهو على وشك أن يبني بيتًا وأسرة مع حبيبة عمره.
دعاها إلى تناول فنجان من القهوة في أحد الكافيهات الجميلة الرومانسية. كان مضطربًا جدًا ولم يستطع التحدث في بداية الأمر، وهي شعرت كذلك بالإحراج والخجل الشديد، فهي لأول مرة تجلس للتحدث مع شاب. فجأة، خرج الشاب من خجله وأشار إلى الجرسون قائلاً: "رجاءً، أريد بعض الملح في قهوتي."
نظرت إليه باستغراب، لكنها لم تشأ أن تسأله عن ذلك حتى لا يخجل أكثر.
شعر الشاب بذلك، فبدأ يشرح لها قائلاً: "عندما كنت فتى صغيرًا، كنت أعيش بالقرب من البحر، كنت أحب البحر وأشعر بملوحته، فأصبحت أحب القهوة المالحة لأنها تذكرني بطفولتي وأجمل أيام حياتي مع والدي رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته."
تأثرت الفتاة بكلامه وترقرقت الدموع في عينيها، وزاد حبها له لأنه حنون ووفي، وحمدت الله أنه جعل من نصيبها زوجًا طيبًا رقيق القلب.
تزوجا وعاشا سنوات طويلة معًا في سعادة وهناء. فقد كان رجلاً ذكيًا طيب القلب حنونًا وحريصًا على زوجته وأولاده. كانت تشتاق إلى رؤيته كلما أخرج رأسه الأصلع من خلف باب بيتها وهو يودعها. وكانت الزوجة تصنع له كل صباح قهوته المالحة لأنه يحبها هكذا.
بعد مرور أربعين عامًا على زواجهما، توفاه الله بعد أربعين عامًا من الحب والود مع رفيقة دربه الوحيدة. لكنه قبيل موته، عندما شعر بقرب النهاية، ترك لزوجته رسالة هذا نصها:
"سامحيني يا زوجتي الحبيبة، لقد كذبت عليك طوال حياتنا مرة واحدة فقط. أتذكرين أول لقاء بيننا في المقهى؟ كنت مضطربًا جدًا وفي قمة الخجل، وقد أردت أن أطلب سكرًا لقهوتي، ولكن بسبب توتري واضطرابي أخطأت وقلت ملح بدل السكر. وخجلت من العدول عن كلامي فاضطررت إلى الاستمرار في هذه الكذبة.
ولكنني خفت أن أطلعك على الحقيقة بعد ذلك حتى لا تظني أنني بارع في الكذب وتخافين مني. ومن يومها قررت ألا أكذب عليك مرة أخرى أبدًا مهما كان الثمن. أنا لا أحب القهوة المالحة على الإطلاق، فطعمها سيئ للغاية، ولكنني شربت القهوة المالحة طوال حياتي معك ولم أشعر بالضيق أو الأسف أبدًا بسبب شربي لها، لأنها السبب في وجودك معي بقلبك الحنون وحبك الرائع.
لو أن لي حياة أخرى في هذه الدنيا لأعيشها، لعشتها معك حتى لو اضطررت لشرب القهوة المالحة في هذه الحياة الثانية."
قرأت الزوجة الرسالة ودموعها تنهمر على الورقة. وفي يوم ما، سألها ابنها: "يا أمي، ما طعم القهوة المالحة؟" فأجابت: "إنها على قلبي أطيب من السكر، إنها ذكرى عمري الذي مضى." وفاضت عيناها بالدموع.
بعد وفاة زوجها، عاشت الزوجة فترة صعبة وهي تتأقلم مع غياب شريك حياتها. كانت تذهب كل صباح إلى المقهى الذي التقيا فيه لأول مرة، وتطلب فنجانًا من القهوة المالحة تذكيرًا بذكرياتهم الجميلة. كانت هذه اللحظات تمنحها قوة لمواجهة الحياة بدون زوجها.
وفي أحد الأيام، بينما كانت تجلس في المقهى، تقدم إليها رجل مسن يجلس بالقرب منها وبدأ يبادلها الحديث. كان يروي لها قصصًا عن حياته، وكيف أنه فقد زوجته أيضًا بعد سنوات طويلة من الحب. كانت هذه اللقاءات تزيد من شعورها بالطمأنينة وتمنحها الأمل بأن الحب الحقيقي يستمر حتى بعد الفراق.
بدأت الزوجة تشارك قصتها مع الآخرين، وتروي كيف أن كذبة صغيرة يمكن أن تبني حياة مليئة بالحب والسعادة. أصبحت قصتها مصدر إلهام للعديد من الأزواج الشباب الذين كانوا يترددون على المقهى للاستماع إلى حكمتها وتجاربها.
كانت الزوجة تشعر بالفخر لأنها كانت جزءًا من قصة حب رائعة. بدأت تشعر بالسعادة لأنها تمكنت من الاحتفاظ بذكرى زوجها بطريقة مميزة. كانت تعلم أن الحب الحقيقي يتطلب الصبر والتضحية، وأنها قد حصلت على نصيبها الكامل من الحب.
في نهاية حياتها، كانت الزوجة تجلس في غرفتها، تتصفح ألبوم الصور وتتذكر الأوقات الجميلة التي قضتها مع زوجها. كانت تشعر بالسلام الداخلي لأنها عاشت حياة مليئة بالحب والسعادة. وعندما حان وقت رحيلها، كانت تعلم أنها ستلتقي بزوجها مرة أخرى في الحياة الأخرى، وأنهما سيستمتعان معًا بكوب من القهوة المالحة.