ذكريات الظلال: طفولتي في ساحة المقطورات

كنت أعيش في ساحة للمقطورات، وهي المنازل المتنقلة المشهورة في الولايات المتحدة الأمريكية. كانت الساحة التي أسكن بها تحتوي على أربعة أو خمسة أسر بخلاف أسرتنا، وكانت أسرتي تتكون من جدي وجدتي وشقيقتي الصغرى وأنا.

في أحد الأيام، انتقل إلى المقطورة المجاورة لنا رجل يدعى جون. لم يكن جدي شخصًا اجتماعيًا، ولكن في المكان الذي نعيش فيه، لم يكن هناك الكثير من الناس للتعامل معهم، ولذا سرعان ما أصبح هو وجون أصدقاء.

لم أكن أحب جون أبدًا، فقد كان ينظر إلي بطريقة غريبة ومريبة، وكانت رائحته دائمًا تشبه رائحة الخمر. كان يقترب مني كثيرًا حين يتحدث إلي، وأحيانًا كنت أجده يضع يده على ظهري أو كتفي. كنت حينها في التاسعة من عمري.

في أحد الأيام، أخبرني أنا وشقيقتي أن إحدى القطط التي يربيها قد أنجبت العديد من القطط، وأن جدي قد سمح لنا أن نذهب إلى مقطورته لكي نرى هذه القطط ونلعب معها. فذهبت أنا وشقيقتي إلى هناك، وبالفعل كانت القطط رائعة الجمال. كان هناك واحدة تشبه النمر، وأطلقنا عليها اسم ريسي بيسي.

كانت شقيقتي الصغرى مشغولة بأحد القطط حين أتى جون وجلس بجواري على الأريكة. وحينها، وضع يده على ظهري، ابتسم لي وقال:

  • "هل تعلمين أنك فتاة في غاية الجمال؟ أنتِ تشبهين سندريلا صغيرة، سندريلا ملكي."

شعرت حينها أنني أرغب في التقيؤ، وجريت مسرعة إلى الخارج وسحبت شقيقتي معي. لم أخبر أي شخص بما حدث، لكنني كنت أتجنب دائمًا النظر إليه. كنت ألاحظ أنه يجلس أمام مقطورته أثناء ذهابي إلى المدرسة وأثناء عودتي منها.

في أحد الأيام، تعرض جدي لوعكة صحية، وكنت حينها لدى إحدى صديقاتي. عندما عدت إلى المقطورة لم أجد أحدًا. تناولت الطعام وبدأت أنهي بعض واجباتي المنزلية حين سمعت طرقًا على الباب. تخيلت أنه جدي أو جدتي أو شقيقتي، لكنني وجدت جون. طلب مني أحد أدوات جدي، وعندما دخلت لإحضارها له، جاء خلفي وحاول أن يعتدي علي.

قاومته بشدة، حاول أن يخنقني بكلتا يديه. أعتقد أنه كان يحاول أن يفقدني الوعي. كنت أبكي بدون صوت وأكاد أموت من الرعب ومن عدم قدرتي على التنفس. بدأت أرى الأضواء تنخفض وشعرت بأنني أسقط على الأرض. بعد مرور بعض الوقت، استيقظت على يد جدتي التي أخبرتني أنهم وجدوني فاقدة الوعي.

لم أستطع أن أتحدث وأروي لهم ما حدث. شكرت الله أنه لم يقتلني أو يعتدي علي. أنهيت السنة الدراسية وطلبت من جدي أن أنتقل إلى خالتي في المدينة المجاورة. بعدها تناسيت الأمر تمامًا وحاولت أن أعيش بطريقة طبيعية.

بعد أن تخرجت من الدراسة الثانوية، عدت إلى مقطورة جدي لكي أسلم عليهم قبل أن أنتقل إلى الجامعة. لم أرَ جون حين وصلت إلى المنزل، ولم أسأل عنه. لكن جدي فيما بعد أخبرني أنه مصاب بسرطان الكلى.

لم أعلق على الأمر، لكنني حين خلدت إلى النوم حلمت بما حدث منه فيما مضى. شعرت بالرعب وقطعت زيارتي مباشرة، ولم أعد إلا بعد أن علمت أنه توفي بسبب مرضه. لم أكن أريد أن أراه أبدًا، فأنا لست سندريلا.


مرت سنوات الدراسة الجامعية بسلام، وكنت أشعر بالحرية التي افتقدتها طويلاً. التحقت بنادي الدفاع عن حقوق المرأة، حيث تعرفت على صديقة جديدة تدعى ماري. كانت ماري قد مرت بتجربة مشابهة لتجربتي، وأصبحت مصدر إلهام وقوة لي.

في إحدى الليالي، بينما كنا نتناول العشاء في مطعم صغير بالقرب من الجامعة، بدأنا نتحدث عن تجاربنا وكيف أثرت علينا. قررت أن أواجه خوفي وأروي قصتي لماري بالتفصيل. كانت تستمع إلي باهتمام، وعندما انتهيت من الحديث، شعرت بارتياح كبير.

بعد هذه المحادثة، قررت أن أكتب عن تجربتي في مدونة على الإنترنت. لم أتوقع أن تلقى القصة تفاعلًا كبيرًا، لكنها انتشرت بسرعة. بدأت أتلقى رسائل من أشخاص مروا بتجارب مشابهة، وكانت كلماتهم تملأ قلبي بالدفء والشجاعة.

وفي يوم من الأيام، تلقيت دعوة للمشاركة في برنامج تلفزيوني يتناول قصص الناجيات من العنف. ترددت في البداية، لكن بدعم من ماري وعائلتي، قررت أن أقبل الدعوة. كان ظهوري في البرنامج نقطة تحول في حياتي، فقد شعرت بأنني أخيرًا استطعت أن أتحرر من قيود الماضي.

بعد البرنامج، انخرطت في العمل التطوعي لدعم الناجيات من العنف. كنت أقضي وقتي بين الدراسة والعمل التطوعي، وأشعر بأنني أحقق شيئًا ذا معنى. بدأت أفكر في دراسة علم النفس لأتمكن من تقديم المساعدة بشكل أفضل.

في أحد الأيام، تلقيت رسالة من ابنة جون. كانت تعتذر عن ما فعله والدها وتخبرني بأنه كان يعتزم الاعتذار لي قبل وفاته، لكنه لم يتمكن من ذلك. شعرت بمزيج من المشاعر، لكنني قررت أن أستغل هذه الفرصة لإغلاق هذا الفصل من حياتي نهائيًا.

قررت أن ألتقي بابنة جون في مقهى صغير. كان اللقاء مليئًا بالمشاعر، لكنني شعرت بالراحة وأنا أروي لها كيف أثرت تلك التجربة علي وكيف تمكنت من التغلب عليها. بعد هذا اللقاء، شعرت بأنني أغلقت باب الماضي وأصبحت مستعدة لبدء حياة جديدة.

تحولت ذكرياتي المؤلمة إلى مصدر قوة وإلهام لي وللآخرين. تعلمت أن الحياة قد تكون قاسية، لكن بداخل كل منا قوة يمكنها أن تتغلب على أصعب التحديات. اليوم، أعيش حياة مليئة بالأمل والطموح، وأعمل على تحقيق أحلامي ومساعدة الآخرين على تحقيق أحلامهم أيضًا.



إعدادات القراءة


لون الخلفية