الجزء 1

أنانيٌ انت ايها الليل،

قصيرٌ على من ينام،

طويلٌ على من يتألم،

كأنك تسعدُ عندما ترهُم يعانون،

الا يكفيك انك ماضٍ حزينٍ،

كفاكَ قساوةً عليهم، و تعذيباً فيهم،

فلتهدأ قليلا، ايها الليل ،

ولتكون هانئاً لكل نائمٍ، بلسماً لكل متألمٍ،

،،،،،،،،،،،،،،،،،

في ظلام الليل، في غرفة يعمها الهدوء بمستشفى خاص لا يسمع فيها صوتا غير صوت ذلك الجهاز الذي يظهر على شاشته ذلك الخط المتعرج والذي يمثل نبض احدهم .. بدا ذلك الخط الأعوج بانه يود لو عاد الي استقامته ثانية..

من الواضح ان القلب ذاك عاني الكثير ...

كان هناك صفيرا يصدر من ذلك الجهاز يملأ ارجاء الغرفة يعبر عن دقات قلب متثاقلة، كان مع كل دقة منه ذلك القلب يحيا امل جديد في حياة اخرين منتظرين تعافي ذلك القلب الحنون،

الذي ينتمي الي شاب ممدد على الفراش دون حراك ،مغمضا عينيه، موصول به مجموعه من الأجهزة،

كل من ينظر اليه، يعشق ملامحه الهادئة ،فوجهه ابيض كالنور، من يراه يتمنى ان لا يشيح نظره عنه ابدا ، لحسنه وجمال ملامحه اليوسفية ،

لم يكن متواجد في تلك الغرفة بمفرده بل كانت تجلس معه فتاة في مقتبل الشباب راقدة علي سجادتها شاردة الفكر، يبدو عليها انها تحمل جبالا من الحزن، رفعت كفاها تتضرع الى الله باكية، ان ينجي ذلك الشاب مما هو فيه،

تدعو ببكاء ورجاء:

يا رب نجي لي حبيبي، ورجعه لي بالسلامة، يا رب انا خلاص عرفت قمته في حياتي، يا رب انا اتغيرت على شانه، يا رب انا خلاص عرفت ان قلبي بيعشقه هو ،وان انا كنت غبيه لما،.

(بكت بحرقة ثم استكملت بضعف شديد وبكاء

اشد)،

يا رب يفتح عنيه، يا رب انا ماقدرش

اعيش من غيره، انا ضعيفة اوي من غيره ،يا رب قويني ،وصبرني على غيابه.

قطع مناجاتها تلك ،صوت طرق على باب الغرفة،

جعلها تمسح دموعها بسرعة وتنهض .

التقطت سجادتها ووضعتها على الكرسي وانزلت غطاء وجهها وعدلت منه وفتحت الباب لتجد الطارق طبيبا تعرفه جيدا يريد فحص زوجها،

تفاجأت من جرأته في المجيئ ليفحصه ، كان هو،

هو نفسه من دمر حياتها، وجعلها تعاني كل تلك المعاناة،

انزعجت عندما رأته امامها، وتأففت عند رؤيته، ولكن ليس بيدها حيلة فكل ما يهمها الان هو حبيبها،

دكتور طارق : مريم انت كويسه؟

مريم : اتفضل حضرتك شوف شغلك ،وطمنى على زوجي .

تألم قلبه لسماعه هذه الكلمة منها، ولكنه اخفى ألمه ولم يجيبها فهو يعلم انها لن تستمع اليه ولم يعِد سؤاله بل دخل ليفحص زوجها فوجد ان كل شيء علي حاله ، ليس من جديد في حالته فعاد ووقف امامها..

د.طارق : مريم تعالى بره شوية من فضلك دكتور ممدوح المشرف على حالة مالك عاوزك .

مريم بهلع: خير في حاجه؟

د.طارق : اطمني هيقول لك كل حاجه بره.

القت مريم نظرة حنونة على مالك ثم خرجت معه..

وقفا امام باب الغرفة وكانت تنظر له في وجهه فتذكرت كلام مالك لها

~ على النساء ان يغضن من ابصارهن، انتي

لما تعملي كدا بتكوني بتصوني جوزك ،حتى لو مكنتيش بتحبيه على الاقل صونتيه واحترمتيه~

اغمضت عينيها فورا وقالت محدثة نفسها صيناك يا حبييي في غيابك.)،

اخفضت نظرها عنه ، فلم يعلق على فعلها.

وعندما طلب منها ان تجلس على المقعد المتواجد بجوار الغرفة رفضت،

د.طارق: مريم اعدي.

مريم: لا مش عاوزه،اتفضل قولي هو فين دكتور ممدوح؟

د.طارق: في الأوضة الى هناك دي،اهوه خرج.

رأيهم دكتور ممدوح فأقبل عليهم وسأل طارق عن حالة مالك ، فاخبره بعدم وجود اي تحسن، فنظر الى مريم موجها حديثه لها أسفا على ما سيقوله لها،

د.ممدوح بأسف : انا اسف يا مدام مريم على الكلام الى هقوله لحضرتك دلوقت ، بس جوز حضرتك في الغيبوبة بقاله اسبوع، و احنا محتاجين معجزه علشان يفوق ويرجع لنا تاني، و الحاله للأسف مافيهاش امل،الامل ضعيف جدا ، وهو مش هيعيش باقي عمره على الاجهزة كدا،

احنا هنضطر نفصل الاجهزة عنه، صرخت مريم بوجهه

انت بتقول ايه، لا لا مستحيل، مستحيل حبيبي يروح من بين ايديا، مش هسيبك تقرب منه،.

وقفت امام باب غرفة مالك رافعة ذراعيها تمنعهما من الدخول اليه، تحول بينهما وبين الدخول اليه.

مريم بشراسة واصرار : مش هتدخل له، مش هت،

لم تستطع ان تتمالك نفسها اكثر ،وشعرت بأن قدماها لم تعد تحملانها ،وشعرت بضعف يجتاح جسدها الضعيف، وانها ستسقط ضعت احدي يديها علي رأسه عاقدة حاجبيه بألم ، فمد طارق يده محاولا اسنادها ،ولكنه ابعد يده عندما اوقفته ومنعته من الاقتراب منها، وأستندت بيدها على الحائط وجلست علي المقعد القريب من الغرفة ،واغمضت عينيها لتنساب دموعها على وجهها اسفل نقابها دون ان يراها احد ،

د.ممدوح برزانة يواسيها :انا عارف انها صدمة بالنسبة لك بس كان لازم اقول علشان تمضي على الاوراق.

رفعت نظرها اليه وقالت بألم : انت عاوزني امضي على اوراق موت جوزي .... تعالت شهقاتها اكثر وانتفضت من مكانها تصرخ فيه ... لا،لا، مالك كويس،وربنا،ربنا، رب،،.

لم تستطع ان تكمل فقد وقعت مغشيا عليها،

نادى طارق على الممرضات لأحضار الناقلة الطبية سريعا،

نقلن مريم الى غرفة الكشف، وبعد عدة ساعات، وصل ريان الى المشفى ،بعد ان اتصل به طارق ليحضر،

ريان(بلهفة وهلع على شقيقته ):مريم مالها يا طارق ،جرى لها ايه؟

ربط طارق علي كتفه قائلا : اهدى يا ريان اهدى،انت كمان لسه تعبان من الحدثه.

ريان :انا مش مهم ،قول لي بس مريم مالها؟

طارق: شوية ضعف وارهاق،مش اكتر،

ريان: طب انا عاوز اشوفها،

طارق: استنى شويه لحد ما دكتوره مروه تخلص كشف عليها، وتخرج تطمنا ،وبعدها تدخلها.

ريان(رفع يده السليمة ليدعو الله):

استر يا رب، يا رب استر، اللهم اني اسالك اللطف في قضاءك.

نظر الى طارق مرة اخري،

يسأله بأمل : مفيش تحسن في حالة مالك،؟

طارق(بآسى): للاسف مافيش اي تحسن،

هز رأسه : مالك قوي ،وان شاء الله هيفوق وهيعيش علشان مريم ، زي ما ربنا نجاني، هينجيه ان شاء الله،

طارق: ان شاء الله،

هم طارق ليخبر ريان بما قاله د.ممدوح لمريم ،ولكنه توقف عندما فتح باب الغرفة التي توجد فيها مريم ،لتخرج دكتوره مروه بابتسامة تخبرهم بحالتها،

اندفع اتجاهها ريان حينما رأها ليطمئن على شقيقته الصغيرة،

ريان بلهفة : طمنينى يا دكتوره من فضلك ،اخبار مريم ايه دلوقتى؟

د.مروه: حضرتك جوزها؟

رد طارق قائلا : لا، ده باشمهندس ريان اخو مريم يا د.مروه ،طمنينا؟

د.مروه (بابتسامه) :زي ما توقعت يا د.طارق ،مدام مريم حامل،

ادمعت عيني ريان فرحا: بجد يا دكتوره،؟

د.مروه(بابتسامة):ايوه و في الاسبوع التالت كمان ،بس جسمها ضعيف جدا ،ومحتاجه تتغذي، وماتتعرضش لأي ضغط نفسي او عصبي لانها ممكن تفقد الجنين،

سألها ريان : ممكن ادخل اشوفها؟

د.مروه: ايوه، ممكن طبعا.

ريان: شكرا يا دكتوره،

د.مروه: العفو ،الف مبرووك،خلوا بالكوا منها.

ريان: الله يبارك فيكي ،ان شاء الله.

دخل ريان الى مريم ،فوجدها واضعة يداها على بطنها محتضنه جنينها ،شعرت به فنظرت له،

مريم(بفرحه):ريان حبيبي ،انت ايه الى جابك وانت لسه تعبان؟

ابتسم ريان : علشان اطمن عليك يا اميرتي،انتي كويسه؟

بكت مريم من فرط سعادتها : انا عمري ما كنت كويسه زي دلوقتي.

طبع قبلة حانية على جبينها ،ومسح دموعها: مبروك يا حبيبتي ،الف مبروك،

مريم(بسعادة): الله يبارك فيك،اكيد مالك هيفرح اووي،

ريان(بقهر دفين): اكيد ،بس انتي اهتمي بصحتك علشانهم،

مريم :انا هروح اقول له،

ريان(بقلق):تروحي فين؟،انتي تعبانه.

لم تستمع مريم له بل خلعت ابرة المحلول من يدها ،ونهضت لترتدي نقابها و تذهب الى عاشقها المتيم،حاول ريان ايقافها ولكنه لم يستطع ،فكانت تريد ان تعيش تلك الفرحة والسعادة معه ،وعندما خرجت من الغرفة وجدت طارق يقف مستندا على الحائط ،لم تنظر اليه ،ولم تلقي له بالا ،بل ذهبت في طريقها الى حبيبها لتبشره. .عله يستفق عند سماعه ذلك الخبر الجميل،

ذهبت لتعيش معه تلك اللحظات الجميلة ،طلبت من ريان ان لا يسمح لاحد بالدخول عليهم لأنها تريد البقاء معه بمفردهما،

استغرب ريان من خوفها المبالغ فيه على مالك، فقرر ان يذهب لطارق لكي يساله عما حدث،

ريان بتوجس : طارق ايه الى حصل ومخلي مريم قلقانه كدا؟

طارق بحيرة : بص يا ريان، مالك بقاله اسبوع في غيبوبه، ومافيش اي تحسن في حالته، فدكتور ممدوح كلم مريم وقال لها ان احنا هنضطر نفصل الاجهزة عنه لان مافيش امل للاسف، و هي لازم تمضي على الاوراق،

ريان(بانفعال):حرام عليكوا،انتوا عاوزينها تمضي

على ورقة موت جوزها بايديها،

انتوا تعبانين في ايه ،مصاريف المستشفى وبتدفع اول باول، الجشع وصل بيكم انكم تموت الناس وهم عايشين؟

حاول طارق تهدئته : ريان انت....

قاطعه ريان بتحذير : انا مستحيل اسمح بالمهزلة دي ابدا.

تركه وهو منفعلا وقبل ان يغلق الباب ،التفت له مرة اخري قائلا له،(مريم مش هتمضى على اي ورق ،حتى لو نسبة شفى مالك واحد في الميه ،هنفضل مستنين كرم ربنا انه يرجعه لنا تاني،)،


إعدادات القراءة


لون الخلفية