الجزء 1
الفصل الأول
منزل فخم من عدة طوابق، فخامته تشبه تلك العمارات الفارهة فى الأماكن الراقية لكنه يقبع بمنطقة شعبية يقطنه أخوان، تركه لهم والدهم إرثا كما ترك العديد من المنازل والأموال تحت تحكم الأخ الأكبر (سعيد) الذى يعيش برفقة زوجته (نعيمة)
وإبنهما (كريم) بالطابق الأول
والطابق الثانى
نبيل الأخ الأصغر وزوجته (عفاف)
*****
صرخات مدوية تزلزل جدران المنزل، تصدح من أعلاه لأسفله
توترت الحركة فية وإحتدم القلق فى قلوبهم
الأخوان يركضان بسباق مع الزمن كل منهما لا يشغل باله سوى زوجته
خرجا من المنزل وتوجها لمقصدهما نبضهما يتسارع وأنفاسهم تتقطع
وقفا أمام منزل قديم لا يقارن بضخامة منزلهم، طرق سعيد الباب بشدة مناديًا :
يا أم سيد.. يا أم سيد إلحقينا بسرعة نعيمة بتولد
فتحت أم سيد القابضة الباب على عجالة وتطلعت لهما بدهشة ووجهت لنبيل حديثها قائلة :
أوعا تكون عفاف كمان بتولد يااستاذ نبيل
هز رأسه بعنف وهو يلهث انفاسه بصعوبة أثر ركضه الفزع
قبل أن تكمل حديثها جذبها سعيد من يدها بحدة، بتر حديثهم بقوله :
هو انتوا هتتسايروا لسة يلا ياأم سيد خلينا ننتهي ونشوف اللي صوتهم جاى لآخر الشارع دول
تحركت معهم بسرعة وتوجهوا لمنزلهم
قابلتهم صرخاتهم كل منهما تصرخ بشدة تدل على إقتراب موعدها أسرع من الأخرى
وقفت أَم سيد أمام الدرج متحيرة بين الشقتين،
تنهدت بتفكير وقالت طب خلوهم فى مكان واحد
تطلع سعيد لأخيه وزفر بضيق وقال:
إطلع شيل مراتك نزلها أنا مقدرش أطلع أم كريم
وقف نبيل وعلى وجهه علامات التيه حتي زجره سعيد وقال :
إتحرك يابني انت تايه كدا ليه
التهم درجات السلم حتى وصل إليها
توقف أمامها ورؤية ألمها البادى على وجهها أدمت قلبه
يغرقها الماء من كل صوب إمتزج ماء الرحم بعرقها الغزير من فرط الوهن
خارت قواها وصمتت عن الصراخ وخرجت كلماتها بصعوبة وهمهت قائلة:
وديني المستشفى يانبيل بلاش الداية أنا حسه إنى هموت
ازدرد ماء حلقه وابتلع معه غصة تحرق قلبه وقال:
غصب عني ياعفاف، انتِ عارفة تحكمات أخويا كلمته مرة وقالى،
عوايدنا نولد حريمنا على يد الداية.
تطلعت له بأسى وخيبة رجاء وصمتت توسدت برأسها كتفه، أحاطها بذراعيه ونزل بهوادة الدرج
وصل أمام الغرفة وأنزلها برفق حتى أسندتها أم سيد
وفزعهما صرخة من (نعيمة)
فحاولت أم سيد بجهدها السرعة فى إرخاء جسد (عفاف)
جهزت لها مكانًا بالأرض وساعدتها لتفترشه وهبت مسرعة لتساعد نعيمة وقالت موجهة حديثها لعفاف :
إنتِ بكرية ياست عفاف لسه بدرى عليكِ هخلص مع الست نعيمة ألا خلاص اهو الراس بدأت تظهر قدامى
هزت (عفاف)
رأسها باستسلام وقالت بوهن شديد إمتزج بحزن وخوف من مجهول شعرت بقربه :
اللي تشوفيه يا ام سيد
مرت الدقائق وقاربت من الساعة صراخ نعيمة يدوى ويتزايد وأخيرا صمتت وصدح صوت بكاء صغيرة
ودت لو بقت بالأمان للأبد
تطلعت لها نعيمة بدموع وتناست كل الألام وضعتها أم سيد جوارها
وهرعت لعفاف بعد أن توجست من صمتها
اقتربت منها وشهقت بعنف وفزع
طرقت بيدها علي صدرها وقالت :
دى لازم دكتور يشوفها دى هتموت فى ايدى مش عارفة بتنزف كتير أوى
حديثها يصل لأذن (عفاف) بصعوبة وكأن الأصوات حولها صمتت وبقا صوت واحد ورائحة واحدة الموت..
خرجت أم سيد بسرعة إليهم وبلهفة قالت :
ياأستاذ نبيل الست عفاف لازم تتنقل المستشفى دى هتموت لو فضلت كدا
تطلع نبيل لأخيه بتوسل وقال برجاء :
الله يخليك ياخويا حرام دى فى عز شبابها لسه
أشاح سعيد وجهه وتطلع لأم سيد وقال :
يعني متعرفيش تعمليلها حاجة يا أم سيد دا انتى مولده حريم المنطقة كلهم
هزت رأسها نفيًا بأسى وقالت :
أنا عرفتكم عشان أخلى مسؤليتي الوليه جوا ياولداه مش حاسه بينا ولا بتصرخ حتى
إنفطر قلب نبيل على زوجته وترجى أخاه حتى وافق بصعوبة بالغة
وصلوا للمشفى
حالتها أصبحت حرجة للغاية تلقاها طاقم التمريض وتحركا بها بسرعة صوب غرفة العمليات
مر وقت ليس بقليل وهاهو الطبيب يخرج من العمليات وإعتراه الحزن والغضب وقال بأسف :
إنتوا إزاى تتأخروا كدا لحد متجيبوها
تنهد بحزن وأردف أنا آسف فى اللى بقوله بس للأسف إضطرينا نشيل الرحم عشان النزيق يقف
جحظت عين سعيد بشدة بينما تساءل نبيل قائلا:
طب صحتها عاملة إيه يادكتور والعيل الصغير كويس ولا لا
تسللت بسمة بسيطة على وجه الطبيب وقال :
هى كويسة وجابتلك بنت زى القمر
إبتسم نبيل لحديثه بسعادة؛ رفع يديه للسماء وقال ياما إنت كريم يارب
زفر سعيد بضيق وإقترب منه وقال :
يعني إيه اللي الدكتور قاله دا؟ يعنى مش هتخلف تانى
وكمان خلفتلك بنت! يعني لو ولد كان ماشى لكن تبقا خلفتك فى الدنيا بنت تسندك إزاي دي
تطلع له نبيل بغضب وقال :
دا قضاء ربنا وبعدين مالهم البنات ياابو كريم ياخويا دا فضل ونعمة من عند ربنا، بعد إذنك هدخل أطمن عليهم
وقف أمام طفلته الصغيرة خطفت قلبه بجمالها
تطلع لها بإستحسان وقال :
ماشاء الله قمر فى ليلة تمامه
حملها برقه بين ذراعيه وإقترب من أذنها وقرأ عليها الشهادة وتكبيرات الآذان
أدمعت عيناه وأردف بسعادة :
والله لايق عليكِ إسم (قمر)
تطلع لزوجته الغافية والشحوب رُسِمَ بحدة على ملامح وجهها وتنهد بحزن وقال :
قومى بالسلامة بقا ياأم قمر عشان تكمل فرحتى بيكم
إقتربت منه الممرضة وقالت :
متقلقش يااستاذ هتقوم بالسلامة بس البنج يروح وتفوق وتبقى زى الفل
مدت يدها له تحمل الطفلة منه لتعيدها لمهدها
ناولها ياها وأخرج من جيبه مبلغًا من المال وضعه بيدها قائلا :
دى حلاوة سلامتهم.
ارتسمت السعادة على وجهها، وتقبلت النقود وخرجت بعد أن أكملت عملها ودعواتها لهم تتردد لمرات عدة.
(إجعلوا أوقاتكم زاخرة بذكر الله)
بقلم : مروة الجندى
لم يجد سعيد بد من وجوده بالمشفى فتحرك بالسيارة لمنزله
دلف لغرفة زوجته والغضب والحزن يحتلان تقاسيم وجهه ويحكمان على قلبه بعنف
تطلعت له زوجته بوهن وقالت بتساؤل :
جرا إيه يا ابو كريم عفاف ماتت!!
تطلع لها بضيق وزفر قائلا:
لا عايشة خلفت بت وشالولها بيت الولد يعني بقت عاقر
ضربت علي صدرها وقالت بحزن :
ياندامتي ايه اللي بتقوله دا ليه كدا
توجه لخزانة الملابس أخرج مايرتديه وقال :
أهو اللي حصل بقا الدكتور بيقول اتأخرتوا عليها
مش مهم بس المهم أخويا كدا ميبقاش له ولد من صلبه يشيل إسمه
تنهدت بحزن وقالت:
ياعينى على حظك يانبيل يااخويا
تطلعت له بخبث وأردفت :
بس ملحوقة ياابو كريم شوية كدا ونشوفله عروسة تجيبله الواد
هربت من صدره تنهيدة، زم شفتيه بإستنكار وقال :
تفتكرى الفالح هيوافق بكدا، دا بيعملها ألف حساب وبيخاف على زعلها
صدح بكاء الصغيرة، بتر حديثهم وإلتفتوا إليها
حملتها أمها وتطلعت لوجهها، حولت نظرتها إليه بتساؤل قائلة :
ألا صحيح يا أبو كريم البت اللى خلفوها شكلها إيه؟
عقد حاجبيه بضيق وقال :
ولا شفتها ولا عاوز أشوفها هيكون شكلها إيه يعني!
أهى بنت زى كل البنات
طاوعته بالحديث قائلة :
على رأيك
شردت لثوانى يحدثها عقلها قائلا :
إياك متطلعش شكل أمها وتشوف نفسها علينا، التانية اللي فاكره نفسها جاية من فرنسا دى كمان
إبتسمت بشماتة وتذكرت عاهتها وأكملت بداخلها :
تستاهل بكرا جوزها يكسر أنفها ويجيبلها ضرة.
تطلع لها زوجها بإستفهام قائلا :
فى إيه ياولية سايبة البت تعيط وسرحانة فى إيه رضعيها وشوفيها مالها
تطلع لها بإعجاب وأردف :
بس عافية عليكِ ولدتى وقمتى زى الفل مش زى الخرعة اللى أخويا جايبهالنا
تحاملت على نفسها، نفضت وهنها وإبتسمت بفخر قائلة:
معلش تربية العز بتفرق.
مرت ساعات اختلفت فيها أحوالهم منهم من انتشى بسعادة شاعرًا بتحقيق إنتصار عظيم
ومنهم من شقى وتألم بحزن وصمت
بداخل المشفى
فتحت (عفاف) عينيها ببطئ، أطرفت بجفنها عدة مرات قبل أن تستطيع التحكم بها، تطلعت لزوجها وبصوت واهن قالت :
إيه اللى حصل النونو جراله إيه؟
إقترب منها (نبيل) بلهفة وتبددت ملامح حزنه وقال بسعادة :
ياااه أخيرا صحيتى ياغالية
جاهدت وهنها لترسم على محياها بسمة وتلاشت بسمتها بسرعة، رفعت يدها تتحسس بطنها وقالت بلهفة :
النونو فين يانبيل لو جراله حاجة عرفنى متكدبش عليا!
رد بسرعة قائلًا :
متخافيش جبتى بنت من جمالها يتكسف القمر
تطلع لها بحنان ولمعت عيناه بحب وأردف :
شبهك الخالق الناطق.
إبتسمت بسعادة، تململت فى فراشها حاولت الحركة فصرخت بألم
فضبت حاجباها وتطلعت له قائلة بصوت مبحوح من ألم أضعف جسدها :
هما ولدونى إزاى؟ يالهوى دا بينهم شقولى بطنى
تطلع لها بحزن وقبل أن يتحدث دلفت الممرضة إلى الغرفة ومعها أدوية تلزمها لإتمام الشفاء
تطلعت لها بسعادة، تنهدت براحة وقالت :
الحمد لله على سلامتك الواحد كان مرعوب عليكى والله.
العملية مش سهلة بس عدت على خير الحمد لله
تطلعت لها (عفاف) بتساؤل وقالت برعب :
هما ولدونى بعملية يعنى بطنى إتشقت اربع تربع
إبتسمت الممرضة لبساطة عقلها وقالت:
لا يامدام دا فتح صغير ولولا إنهم شالولك الرحم كان هيبقى أصغر، انا مش عارفة الناس بتجيب الإشاعات عالقيصرى دى منين.
وقع كلامها على قلبها كصاعقة أحرقت راحة قلبها وهشمت سعادتها
فغر فاه نبيل بصدمة، نظر للمرضة شزرًا وعيناه تحمل كل معالم اللوم
إقترب من زوجته وربت على رأسها بحنو وقال :
دى إرادة ربنا ياحبيبتى هنعترض عليها يعنى؟ وبعدين دى قمر بالدنيا الحمد لله انها وصلت بالسلامة
ترقرقت الدموع فى مقلتيها، إرتجفت عضلات وجهها
إرتفع صدرها وإنخفض مصدرًا تنهيدة حارقة
تحدثت بصوت خفيض وقالت :
بس كدا مش هعرف أجيبلك الواد
أغمضت عينيها بألم وتطلعت للفراغ بالجهة الأخرى مبتعدة عن نظرات منه قد تؤذيها
إلتفت للمرضة معنفًا وقال :
لو خلصتى شغلك إطلعى
لوت شفتاها بتذمر وأنهت عملها على عجالة وخرجت
تمتم بحديث ساخط
إلتف (نبيل) حول السرير، سحب مقعدًا وجلس قبالتها إقترب منها وأحنا رأسة مقابلا لرأسها
طبع عليه قبلة، رفع وجهها له وقال بصوت حنون :
قومتك بالسلامة عندى بالدنيا، تنهد بحزن وأردف :
أنا بس عاوزك تسامحينى لو كنت سمعت كلامك وجبتك بدرى مكنش جرالك كدا ولا كنت شفت زعلك دا
فرت دمعة من مقلتيها، تلقفها بيده، مسح على وجهها وقال :
حقك عليا
رفعت يدها لتلامس يديه وقالت :
متقولش كدا متحقليش نفسك إنت عملت عشانى كتير، كفاية إنك إتحديت أخوك وإتجوزتني وأنا متربية فى الملجأ مليش حد ولا معروفلى أصل
رفع كف يده على شفتيها وأصمتها قائلا :
هشششش متقوليش كدا تانى محدش بيختار حياته وأهله أصلك بقا من أصلى مش عاوز أسمع منك الكلام دا تانى أبدًا
تسللت السعادة رويدًا رويدًا لقلبها وإرتسمت بسمة راضية على وجهها وقالت :
خليهم يجيبولى (قمر) أشوفها
ذكر إسمها وحده يبدل الحزن بسرور ويضفى على وجهه فرحة لاتوصف
لمعت عيناه بسعادة وقال :
هروح أجيبهالك حالا
دقائق قليلة وكانت جوارها بوجهها الملائكى تبهر الناظرين وتسر العيون
تمتص أصبعها بجوع وتبكى؛ حملتها (عفاف) وإنسابت دموعها فرحًا بقرة عينيها ضمتها لصدرها بصعوبة مقاومة ألم جرحها، حاولت إرضاعها لتسد جوعها ومشاعر جياشة تعتريها
راقبهما نبيل بسعادة وعلامات الرضا على وجهه،
لايعرف مايخفيه لهم القدر ولا كم الألم الذى سيواجهه ليحافظ عليهما،
هل سيقوى على التصدى لسلطوية أخية وجبروت حكمه؟
لم يعد عدته للمجابهة فقط عاش سعادة الموقف دون تفكير بالقادم..