الجزء 11

الفصل الحادي عشر

كم هو مرعب هذا القدر حين يرتبط قدرك بأحب الناس إليك، أيهم تختار راحة قلبك؟ أم تؤثر غاليك على نفسك.
قد كان هذا ماشغل بال (قمر) حين التقطت أذناها حديث والدها وقوله:
أنا بكرة هكلم الدكتور يعرفنى تفاصيل العملية؛ نفسى أوى أشوف قمر وهى عروسة.
تلك التنهيدة التي لمحتها على وجه أمها حين تلاقت عيناهم كانت كافية لتجعلها تتراجع عن رفضها وتعطى سعادتهم فرصة، وتتغاضى عن وغزة قلبها..

اقتربت (قمر) منهم بعد أن أصدرت صوتًا جعلهم انتبهوا لوجودها.
جلست على طرف الأريكة وقالت وعينيها بالأرض وجسدها ينتفض لا تعرف لم:
أنا موافقة أقابله
تطلعت لها (عفاف) بدهشة فقولها مغاير لما لمحته بعينيها منذ قليل.
صمتت وراقبتها بعينيها تراقب انفعالها لمحت بعينيها دمعة تترقرف على أطراف أهدابها، أخفتها قمر مسرعة وتحركت لغرفتها معتقدة ان أحدًا منهم لم يشعر بها..
تلفتت خلفها عفاف، تسلل لقلبها القلق تحركت خلفها وهمست لنبيل قائلة :
انا هشوف قمر مش حاسة انها مبسوطة.
ابتسم نبيل قائلا :
تلاقيها بس اتكسفت متقلقيش.
ربتت علي كتفه وهي تتحرك من جواره وقالت :
هكلمها وأعرف.
طرقت بخفة على باب غرفتها وولجت وعلى وجهها بسمة محبة قائلة بصوتها الحنون :
حبيبة ماما شكلك مش فرحانة ليه؟
تنهدت قمر، بضيق وقالت :
مش عارفة ياماما قلقانة أوي خايفة أسيبكم وابعد عنكم مش عارفة هقدر ولا لا.
ضحكت عفاف قائلة :
بقا هو دا السبب؟ عموما ياحبيبتي دى سنة الحياة وبعدين مش هتبعدى ولا حاجة دول جيرانا يعنى هتفضل قريبة مننا علطول.
اقتربت منها قمر وألقت برأسها تتوسد صدر أمها واحتضنتها بقوة ولسانها يردد :
انتو أغلى حاجة في حياتي،
شعرت بأقدام والدها تقترب منهم استقامت مسرعة وهرعت اليه تحتضنه قائلة بسعادة :
بابا انت هتعمل العملية صح انا درست كل حاجة عنها وكلمت الدكتور مية مرة وأكدلى ان نجاحها نسبته كبيرة. يعني فى وقت قليل اوي هتشوف.
شدّ عليها بحضنه وقال بتمنى :
ان شاء الله ياحبيبتي ،
أبعدها قليلا وتساءل :
انتِ عرفتي ازاي؟ سمعتيني وانا بكلم مامتك.
ردت بحرج قائلة :
غصب عني والله سمعت مش قصدى.
تطلعت لها عفاف بعد ان فهمت سبب موافقتها وسبب نظرة الحزن بعينيها وغزها قلبها لكنها تشعر أنه زوج مناسب لا يجب رفضه لمجرد أنها لا ترغب بالعيش بعيدًا عن والديها.
استدارت قمر لوالدتها وقالت :
كلميهم ياماما حددى معاد معاهم بس الفرح بعد عملية بابا.
أومأت عفاف برأسها وأصمتت عواصف الحيرة التي تعصف داخل عقلها.

الليل ستار يسجى هم كل محزون، اكثر الضاحكون نهارًا يتعاظم بكاءهم ليلا مستترون عن العالم بظلمة الليل وعزلته.
مرت الليلة وكل يتحمل ألمه بصعوبة بالغة وأكثر الألم نصيب ملك.
فهى ترى حلمها يتحول سراب أمام عينيها ولا مناص من الاستسلام للقدر..

كريم بغرفته مؤوق بمضجعه كمن ألقى جسده على حطب مشتعل، يمسك هاتفه ويطالع صورها على صفحات التواصل يتمنى لو استطاع محداثتها ولكنها لم تترك ثغرة واحدة يدخل منها اكتفى بمعرفة أخبارها متابعا لتطورها من طفلته الصغيرة التي عمل أول عمل فى حياته ليسعدها، حتى صارت أنثى بكامل معالمها، سرح بخياله ليرى حالتهم غير الحال لو أن القلوب منذ زمن كانت أصفى وأنقى إلتاع قلبه، وهربت من صدره تنهيدة حارقة، ترك هاتفه من يده وحاول الاستسلام للنوم هربا من ذكرياته.

يليهم بالحزن والدهم فويله بالليل يكبر لم ترى عينه النوم المريح منذ فقد أخيه الأصغر يتذكره كل ليلة، ينظر لصورته يلمسها بحب ويضع يده على صدره يستجدى قلبه بالسماح كما لو كانت الصورة شخصه الحقيقي.
يعرف مكانه ولكنه لا يقوى على الحديث معه.
يخرجه من تيهته وحزنه صوت تأوهات من حسناء تحاول أن تكتمها بصعوبة؛ لا ترغب بزيادة همه
استقام من نومته، أشعل الضوء وتطلع اليها، صدم من منظهرها، وجهها العرق يكسوه ازداد شحوب وجهها وارتسم الألم بقوة على ملامحها،
مد يده عليها تفاجأ بشدة حرارتها.، قفز من جوارها وهو يقول بخوف :
ايه دا حرارتك عالية أوي مش بتقولي ليه من بدرى انك تعبانة؟
تحدثت بوهن قائلة :
شايفاك زعلان مش عاوزة أزودها عليك قلت هرتاح بعد شوية بس التعب زاد أكتر.
أسرع لخارج الغرفة وهو يقول:
البسى أي حاجة هنادى كريم يشوف مالك.
قابلته ريم، ارتابت من مظهره وتساءلت بلهفة :
فى ايه يابابا؟
قبل أن يفتح الباب أشار لها قائلا :
أدخلى لأمك بسرعة ساعديها على منادى كريم يكشف عليها.
استجابت ريم لطلبه ودخلت مسرعة لأمها تساعدها وتدعوا من قلبها أن ينتهى مرضها على خير.

تفحصها كريم وأعطاها مايقدر من دواء يسكن آلامها وخرج من غرفتها وقال موجهها حديثه لأبيه :
الموضوع طول أوي يابابا مينفعش كدا لازم تتصرف.
رد قائلا بتأثر :
طب أعمل ايه يابني انت شفت لفينا علي كتير ومفيش فايدة.
تنهد كريم قائلا :
مش هينفع هنا أنا شايف انها لازم تسافر.
رد سعيد قائلا بلهفة :
طيب شوف اللازم وانا معاك.
هز كريم رأسه وقال بعد تفكير :
أنا أعرف واحد صاحبي شغال فى مستشفى كبيرة فى أمريكا هبعتله تقارير حالتها وهيرد عليا علطول ولو كدا نجهز ورقها وتسافر علطول.
فى الأسفل
شعرت ملك بحركة غريبة فتحت غرفتها لتعرف مايحدث،
طرقت علي باب غرفة كريم وفتحت ببطىء بعدما انتظرت رد مطولًا ولم يصلها؛
تفاجأت بعدم وجوده فشعرت بحدوث أمر سيء، خرجت من غرفته فوجدت كريم أمامها يتحدث وجهه بالحزن والأسى.
تطلعت له بتساؤل وقالت :
فى ايه ياكريم حصل ايه؟
سحب نفسًا طويلا وأخرجه ببطيء قائلا بنبرة متأثرة :
مرات أبوكى تعبانة أوي مش عارفين نعرف فيها إيه حالتها بجد معدتش عليا قبل كدا.
ظهر على وجهها التأثر وقالت بحزن :
طب والعمل؟
رد قائلا بتمني :
هتسافر برا ونشوف هيحصل إيه.

تلك الجملة الأخيرة فزعت لها نعيمة التي تستمع من خلف باب غرفتها اغتاظت بشدة، أخرجت هاتفها الشخصى وأرسلت منه رسالة لشخص مجهول وعلى وجهها علامات الضيق ترتسم بعناية..

ربت كريم على كتف أخته وقال :
أدخلي انتِ نامي دلوقتي عشان تقدري تروحى جامعتك بكرة أنا هبعت الميل وانام أنا كمان.
حاولت رسم بسمة على شفتيها، فخرجت منها منكسرة تعكس الألم الكامن بقلبها.

تصرم الغسق وانبلج الشفق، تسللت أشعة الشمس لغرفة (قمر)
داعب الضوء أهدابها، تملمت فى الفراش تقاوم اليقظة حتى استسلمت لها وفتحت عينيها بصعوبة، استعدت للخروج من غرفتها، تعرف انها اليوم ستحدد مصيرها.
قابلتها أمها بابتسامة حنونة محبة اقتربت منها بحب وقبلتها من وجنتها وقالت :
صباح الخير ياحبيبة ماما خليكي النهاردة بقا بلاش جامعة وانا كمان خدت أجازة عشان نقابل الناس اللي هتيجي النهاردة.
ازدردت ماء حلقها وردت باقتضاب :
حاضر ياماما مش هروح في مكان هستناهم بس ادعيلي ياماما انا قلقانة أوي ومش عارفة ليه؟
ربتت أمها على كتفها بحنان وقالت :
معلش ياحبيبتي دا توتر طبيعي لأي بنت، يلا تعالي افطري بقا ومتقلقيش من حاجة.
تحركت بهدوء وجلست على طاولة الطعام تحاول التصرف بطبيعية عكس داخلها.
اقترب نبيل منها ببطيء وضع يديه على كتفها وقال بصوته الرخيم :
صباح الخير ياحبيبتي.
رفعت يدها تمسك يده، قبلتها بحب وقالت :
صباح الخير ياأغلى مافى حياتى.
ابتسم بحب وتحرك خطوات يحفظها حتى جلس على مقعده وقال بتفاؤل :
دكتور مراد وابنه يوسف هيكونوا هنا الساعة (٥)،الساعة (7) هنزل أروح للدكتور ونحدد معاد العملية.
تطلعت له قمر بسعادة وهبت من مكانها تقفز بسعادة قائلة :
بجد يابابا أحلى خبر سمعته فى حياتي أنا واثقة انها هتنجح وهترجع تشوف تاني..
اقتربت منهم عفاف قائلة بسعادة :
أنا كمان حسة بكدا ان شاء الله ربنا مش هيرد عشمنا فيه.
تحركت عقارب الساعة بصعوبة ولكنها مرت والآن قمر أمام قدرها المجهول تبتسم له بشدوه فهو
وتسارعت دقات قلبها أمام عينيه، وتلاشت مخاوفها وكأنه سرق قلبها من جوف صدرها.
مد يده لها وعينيه تتفحصها بإعجاب وعينيها تفحصته بنظرات حرجة، أثارت وسامته إعجابها، بعينيه السوداء الواسعة وأهدابه الكثيفة ووجهه المنحوت بذقن يتوسطه شق يضيف عليه جاذبيه، ويبدو عليه هيبة وشخصية تتمناها أي فتاة،
صمتت كل أصوات اللغو حولها ولم تستمع منهم سوى إسمه يتردد صداه بأذنها (يوسف)
ابتسمت بخجل وتطلعت بالأرض مبدية موافقتها على الزواج وتبدل خوفها بسعادة،

بمكان آخر.
بجامعة القاهرة، أنهت ملك محاضراتها، خرجت برفقة صديقاتها لمقصف الجامعة وتفاجأت بما رأته أمام عينيها بشدة..


إعدادات القراءة


لون الخلفية