الجزء 4
الفصل الرابع؛
تطلعت نعيمة للطبيب والدموع تفيض من عينيها، تحدثت بوهن وقالت :
يعنى ايه يادكتور تقصد إيه بمستحيل أخلف تانى دى وإزاى أنا مش حامل!؟
تطلع الطبيب لنتائج التحاليل مرة أخرى وقال :
انتى افتكرتى تأخر الدورة الشهرية حمل لكن هو للأسف نتيجة لمرض الشيخوخة المبكرة
كلماته خرجت من فمه تنهش فى روحها صمت أذنيها بأصابعها وصرخت بقوة وانهارت من البكاء ، جن جنونها وصارت تلطم خدها وتقطع شعرها وتخدش جسدها بعنف وقوة دون وعى؛ كأن الصدمة أصابت عقلها وأتلفته؛ أشار الطبيب للمرضة لتمسك بيديها وإقترب منها بحذر وأعطاها حقنة مهدئة،
ظلت تقاوم وتتحرك حتى أغمضت عينيها وإستسلمت لسبات عميق متألمة من فرحة لم تكتمل
متخوفة من رد فعل زوجها..
عاد (سعيد) إلى البيت وتفاجأ بخلوه، بحث عن نعيمة وملك فى أرجائه ولم يجدهم
تطلع لكريم بتساؤل وقال:
هى أمك راحت فين دلوقتى دا حتى مش وقت سوق!
تحير كريم قليلا ورد قائلا :
معرفش مقالتش حاجة قدامى بعد إذنك بس يابابا انا هروح لهانى صاحبي أذاكرله اللي مش فاهمه فى المنهج.
هز رأسه موافقا،
جلس والحيرة تعبث بعقله، أثارت الفوضى بالمكان شكوكه وتوجس خيفة أن يكون مكروها أصابهم
خرج أمام منزله يبحث بعينه عنهم
توجه للمنزل المقابل بهم وطرق على بابه ووقف جانبا منتظرا للرد متطلعا للأرض بخجل فالمنزل تسكنه أرملة صغيرة فى السن وعلى قدر عالى من الجمال والهدوء
فتحت الباب وقفت أمامه بطلتها الساحرة وأنوثتها الفاتنة وجهها المستدير يزينه عينان بلون البندق وفم صغير مكتنز بلون الكرز وأنفها الصغير وتاج على رأسها شعر طويل يقترب من آخر ظهرها سترته بعفوية بحجاب خفيف يظهر منه أكثر مايخفى
تطلع لها سعيد بإعجاب ولأول مرة ينتبه لجمالها
حسناء هى ولها من إسمها نصيب
نفض عن رأسه الافكار وتنحنح بحرج نظر للأرض وقال :
لامؤاخذة ياست حسناء متعرفيش أم كريم فين ؟
طرقت حسناء بيدها على رأسها وقالت بحزن :
هو انت متعرفش يا حاج سعيد دي تعبت هى وملك ونقلوهم المستشفى.
فزع سعيد وتحرك مسرعا نحو سيارته وقف فى منتصف الشارع واستدار لها متسائلا :
متعرفيش إسم المستشفى إيه؟
اخبرته بإسمها وتوجهت لداخل منزلها تمتم بدعاء مناجية ربها لحفظهما
فى منزل (هانى) صديق كريم
جلس الاثنان يراجعان دروسهما وكريم يشرح لهانى مالم يفهمه من المعلم بالمدرسة وفى منتصف الشرح توقف كريم وقال :
بقولك إيه ياهانى ايه رأيك في شرحى؟
تطلع له هانى بدهشة ورد :
جميل بفهم منه جدا بس بتسأل ليه؟
تنحح كريم بحرج وقال :
اصلي عاوز أشتغل ودا اللي فكرت فيه، يعني نقول لكام واحد من صحابنا اني هشرحلهم اللى مش فاهمينه قصاد حاجة بسيطة َن مصروفهم
تحمس هانى لفكرته ورد بحماس قائلا :
فكرة حلوة جدا وانا أول واحد عندك
هز كريم رأسه نافيا بعنف وقال :
مينفعش اللي بتقوله دا انت صاحبى واخويا هو انا لو شرحت لملك هاخد منها فلوس؟
على ذكر ملك تذكر هانى وشهق قائلا :
صحيح هى عاملة ايه دلوقتى؟
ضيق كريم حاجبيه وتطلع له بإستفهام وقال :
هتكون عاملة إيه يعنى أنا خرجت وسبتها كانت كويسة.
رد هانى مستفهما بدهشة :
ايه دا انت متعرفش انها تعبت هي ومامتك وراحوا المستشفى دا الناس بيقولوا اتسمموا
فزع كريم لما سمعه جحظت عيناه برعب وخرج مسرعا متوجها لمنزله ليخبر أبيه بما عرفه.
وفى طريقة إصطدم بحسناء فوقع على الأرض؛ مدت يدها وأوقفته وقالت بلهفة:
جرالك حاجة ياكريم؟
تطلع لها بأسف وقال بصوت تغلف بالحزن :
لا أنا كويس بس مستعجل ياابله حسناءعاوز اعرف ابويا ان امي وملك فى المستشفى.
تأثرت لحزنه وقالت بنبرة حانية :
أبوك عرف وراحلهم تعالى عندى محدش فى بيتكم على ميوصلوا.
تحرك معها باستسلام والقلق يعتصر قلبه اليوم عصيب وشديد البأس وكأن لعنة حلت بعائلته الصغيرة
جلس أمام نافذة حسناء ينتظر وصول أحد من عائلته ووجهه الصغير إستعمره الحزن
إقتربت حسناء منه بعد أن أعدت له مشروب يتناوله مدت يدها به له وقالت بابتسامة متفائلة:
إشرب دا ياكريم انت قاعد من ساعتها قدام الشباك ومتقلقش أوي كدا إن شاء الله خير.
أومأ برأسه نفيا وقال بصوت خفيض :
لا ياأبلة حسناء شكرا مش عاوز أشرب حاجة انا مستني أبويا يرجع وياخدنى يوديني المستشفى اشوف امي جرالها ايه.
تنهدت حسناء بحزن وقالت :
ان شاء الله هتقوم بالسلامة هي وملك وترجع تلعب وتملى الدنيا ضحك ولعب تانى.
رد بحزن وتمني قائلا :
يارب.
بعد قليل وصل لأذنهم صوت عجلات سيارة تقترب من بعيد
اخرج كريم رأسه من النافذة وصرخ بتهليل :
بابا جه ومعاه امي كمان
ابتسمت حسناء وفتحت باب شقتها وخرج منها كريم مسرعًا وقفت السيارة ووقف أمامها كريم واضعا يده عليها يترقب من بداخلها لا يفهم سبب وجومهم ولا الحزن على وجوههم على الرغم من ان أمه تبدو بصحة جيدة كذلك ملك إلا ان الحزن مرتسم بعناية على ملامحهم
حمل سعيد ملك ودلف إلى منزله دون مبالاة بنعيمة الأمر الذى مزق أواصل قلبها وأضاف فوق حزنها حزن وأسى..
إقترب كريم من أمه وأسندها بحنان ووجه يبتسم فرحا برؤيتها مرة أخرى.
تحركت ببطىء وخطوات متثاقلة للداخل وأوقفهم صوت حسناء تقترب منهم لتساعدها بحب وحنان قائلة :
حمد الله عالسلامة يا نعيمة الحمد لله جات سليمة
جاهدت نعيمة ليخرج صوتها المقهور قائلة :
متشكرة ياحسناء الحمد لله على كل حال
دلفا معا للداخل جلست نعيمة على اقرب مقعد وظلت حسناء واقفة قليلا حتى استقرت نعيمة بجلستها واستأذنت للعودة لمنزلها التفتت لتخرج فكادت تصطدم بسعيد وتلاقت عيناهم بنظرة خاطفة؛ اخفضت حسناء عيناها بخجل وخرجت مسرعة من أمامه.
لاحظت نعيمة نظراته لها واحتنقت بشدة وبعد ثوانى معدودات ابتسمت بخبث وقالت :
غلبانه أوي حسناء وحلوة وخلفتها كانت كلها ولاد الله يرحمهم هما وجوزها من بعد الحادثة اللي ماتوا فيها اتقطفت ودبلت على عودها.
استمع اليها سعيد بحرص ليفهم مغزى حديثها فأكملت حديثها قائلة :
أول منبيل يوافق هخطبهاله علطول.
اعتراه ضيق لا يفهم مصدره اقترب منها جلس أمامها زفر بضيق وقال :
خلى نبيل علي جمب وفهمينى انا مش فاهم حاجة يعنى ايه كلام الدكتور دا مش فاهم
تطلعت للأرض بحزن وأسف على حالها وبكت بحرقة حتى تهدج صوتها.
تأفف بغضب وقال بصوت مرتفع :
هو انا بسألك عشان تعيطى متفهمينى يابنت الناس
من بين شهقاتها ردت :
الدكتور قال انى مش هخلف تانى
خبط بيده على رأسه بحزن فأردفت :
الحمد لله احنا ربنا مراضينا بولد وبنت اهو غيرنا مش طايل
تطلع لها بغضب وقال :
مش كان كلامك ان العيال عزوة وان وصية أبويا نملى البيت عيال عالعموم مش وقته الكلام دا انا هقوم اريح شوية وأروح اشوف نبيل أخويا في المستشفى.
وقف من مقعده وتحرك أمامها تاركها غارقة فى حزنها وقلقها وشكوك تساور عقلها ترعبها وتهز كيانها.
في المشفى
تطلعت عفاف لقمر النائمة كملاك صغير نزل من السماء رحمة لأهل الأرض
جوارها الطبيب يتفحصها،
تطلع له نبيل وتساءل قائلا :
هو احنا نقدر نخرجها إمتى يادكتور؟
تطلع لها الطبيب بتأثر وحزن وقال :
مستحيل تخرج من غير متعمل العملية حالتها صعبة جدا انا مش فاهم انتوا ازاي ملاحظتوش انها تعبانة
ردت عفاف بحزن وقالت :
هى ياحبيبتي مش بتشتكى بس مش بتلعب كتير وبتفضل ترتاح وتنام اكتر من اللعب كنت فاهمة ان طبعها هادى معرفش انها تعبانة.
رد الطبيب بحزم وقال :
هى مش تعبانة هى لو معملتش العملية فى اسرع وقت مش هنقدر ننقذها.
أنهى حديثة وخرج
تطلعت عفاف لنبيل أمسكت قميصه وصرخت بحزن قائلة :
اعمل اللى اخوك عاوزه انا مش هقدر اتحمل ان بنتى تموت
زخات دموعها تتحدث عن حزنها وملامح وجهها تضج بالأسى
ربت نبيل على يدها بحنان وقال بأسف :
مش قادر هظلمك وأظلمها واظلم نفسى انا قلبى معرفش غير يحبك
بادلها البكاء هو الآخر واحتضنها بشدة وتطلع لأعلي وببكاء مرير قال مناجيًا :
يارب حلها من عندك انت العالم بينا.
انتفضت (عفاف) بين يديه وابتعدت عن حضنه
جثت على ركبتيها وتوسلت بدموع :
أبوس رجليك نفذ اللى هو عاوزه أنا راضية والله راضية المهم بنتى تقوم بالسلامة حرام مشافتش حاجة من الدنيا لسه.
مد نبيل يده ورفعها وبحزن شديد قال:
خلاص اللى تشوفيه هعمله بس متعمليش فى نفسك كدا
خرج نبيل من المشفى وتوجه للمنزل والدنيا تدور أمام عينيه بدوائر رمادية اللون كلون قلبه المهترئ من فرط الحزن والأسى.
وصل لمنزله وطرق على شقة أخيه ودون مقدمات تحدث بحزن :
انا موافق اتجوز.
جحظت عين سعيد وتفاجأ بشدة لا يعرف يفرح ام يحزن الخوف تسلل لقلبه وشعر انه يفقد أخيه الوحيد
وعلى الجانب الآخر ضحكة نعيمة تجلجل بفرحة أنستها حزنها ومرضها.
صعد نبيل لشقته وقبل ان يصعد عدة درجات استوقفته نعيمة قائلة :
انا هروح اكلملك العروسة انت عارفها حسناء جارتنا غلبانة وملهاش حد.
إستدار ببطئ ورمقها بطرف عينيه وقال :
اللى تشوفيه.
تطلع لها سعيد بدهشة وقال :
إنتِ قادرة تخرجى يعنى وقادرة تمشى
ردت بثبات قائلة :
متقلقش عليا أنا كويسة بس لازم نتحرك كدا قبل ميرجع في كلامه
زفر نبيل بضيق وطأطأ رأسه بغيظ وتنهيدة ملتهبة فلتت من صدره ،
أكمل طريقه لشقته يجر اقدامه المتثاقلة وقلبه يدمى ألما وُضِعَ عمدا بين مطرقة وسندان فتهشم بقسوة، دلف لغرفة نومه وقبل أن يلقى بجسده على فراشه رن جرس الشقة؛ توجه ليفتح الباب ليجد ضيفا لم يتوقع زيارته..