الجزء 7
الفصل السابع
وقفت نعيمة تستمع لحديثها وعينيها تدور بدوائر تطالع زوجها وتعود بعينيها لعفاف مرة أخرى وترمق حسناء بغيظ وغضب؛ وفجأة انقضت عليهم كوحش هائج سرق أحدهم طعامه وهو فى ذروة جوعه،
أمسكت عفاف بيد والأخرى انهالت بالضرب فوقها وتصرخ وتهلوس دون وعى بحديثها :
منك لله انتي السبب في كل دا من يوم مدخلتي البيت وانتى شايفة نفسك عاملة فيها هانم يارد الملاجئ.
صرخت عفاف ورأسها محنى بمحاولة منها لتفادى انتزاع شعرها تدخل سعيد مسرعا وأبعدها عنها فاستدارت لحسناء تضربها بعنف هى الأخرى.
بدأ الناس فى التدخل السيدات تقدمن يبعداها عن حسناء وسعيد ابتعد قليلا بعد تدخل النسوة وتوعد نعيمة بعقابها على مافعلته.
أبعدتها النسوة عن حسناء فباغتتهم واستدارت تنقض مرة أخرى على عفاف.
ولكن هذه المرة احتاطت عفاف وباغتتها هي جذبت شعرها ولفته على يدها وتحدثت جوار أذنها بصوت ينم عن نفاذ صبرها :
مش ذنبى انك شفتيني أحسن منك انا جيتلك وحيدة واتمنيتك تحتويني لكن انتي ناقصة وشفتيني كاملة زيادة عنك اوعى تفكرى انى مش فاهماكي ولا داخل عليا حركاتك انا بس ساكته عشان عندي اللي اهم منك آخر تحذير ليكي ملكيش دعوة بيا
أنهت حديثها وأبعدتها بيدها بحدة لتواجه سعيد وعينيها تطلق شرر مشيرة بإصبعها أمام وجهه بتحذير قائلة :
فلوس جوزى تكون عندى النهاردة قبل بكرة اخوك وبنته مرمين جمب بعض فى المستشفى نبيل عمره موافق يدخل اعمامك بينكم لكن هلجأ ليهم لو مقدرناش عليك.
ابتلع سعيد ريقه بحزن وقال بصوت منخفض :
من غير متقولي لحد اللي عاوزه اخويا هيكون بس يسامحني.
ضحكت بسخرية وتهكم وأردفت :
يسامحك؟ لا معتقدش اننا هنسامحكم تانى ولا انا ولا بنتي ولا حتى جوزى عاوزينكم فى حياتنا تانى.
انهت حديثها واستدارت من امامه تحاول الحفاظ علي قوتها بقدر المستطاع،
قوتها الزائفة قاربت على النفاذ انتظرت حتى تورات عن أنظارهم وتركت لدموعها العنان،
@Marwa Elgendy
فكم هي قاسية حياتها وكم هو مهلك قدرها اللعنة علي قلوب حاقدة بسببها تهاوت سكينتها،
استندت علي حائط تستريح قليلا حتي تستعيد قدرتها علي الوقوف مرة أخري، تحمد الله ان الشارع خالى من المارة لتجمعهم من حيث أتت،
لفظت عدة انفاس، كفكفت دمعها وزفرت بقوة تبث بداخلها طاقة واستقامت متوجهة لمنزلها،
جمعت ما يحتاجه زوجها وخرجت وفى طريقها قابلها كريم بلهفة وحب كالمعتاد،
اقترب منها يحتضنها قائلا بفرحة :
ماما عفاف جيتي الحمد لله قمر جات معاكى؟
تسمرت مكانها قليلا لاتعرف اتقسوا ام تحن؟ حتي اتخذت قرارها وابتسمت رغما عنها قائلة:
قمر تعبانة شوية يا كريم مش هتيجي دلوقتي ادعيلها تخف.
ربتت علي شعره بحنان وابتعدت عنه،
فوقفت تأثرًا بقوله :
يارب يشفيكي ياقمر وتقومي بالسلامة وترجعى اذاكرلك تاني.
استدارت بوجهها رسمت بسمة حزينة وأكملت طريقها، تتعجب بداخلها كيف لملاك مثله أن يولد بين شياطين!!
وصلت للمشفى بالقرب من غرفة زوجها استمعت لصوت مرتفع يصدح من غرفته، يتأفف بسببه العاملون بالقسم، تطلعت لهم بأسف وفتحت الغرفة لتفهم الوضع،
تطلعت له بحدة ونطقت بغضب :
هو انت متعرفش توطي صوتك مش ملاحظ انك فى مستشفى؟
زفر بضيق وقال بنبرة منكسرة :
اوطي صوتي ازاي وانا بكلم أخويا مش بيرد عليا ومدير وشه عنى، هو انا ذنبي ايه بس والله مكان في دماغى يحصله كل دا.
ابتسمت بسخرية وقالت :
ذنبك ايه؟ ذنبك انك جبار.. ذنبك انك ذليته وكسرت نفسه خليته ماشي يكلم نفسه اقولك ذنبك ايه تاني؟ من يوم ولادة قمر كان ذنبك لوحدك اني مقدرتش اخلف تانى ولما تعبت لويت دراعنا بيها و النتيجة قدامك أخوك كان هيموت.
تجنب سعيد الرد عليها وتطلع لأخيه بحزن وقال :
نبيل مدير وشك الناحية التانية ليه انا كنت فاكر انى بضغط عليك عشان مصلحتك. حقك عليا.
رد نبيل بوهن :
عاوزنى اقولك ايه؟ زعلان انك مش شايف وشى منا مش هشوف وش حد تاني سيبنى في حالي انا مش عاوز شفقة منك خلينى فى حالى وكفاية كدا.
خرج سعيد من عنده يجر أذيال الخيبة والحزن فالآن تأكد انه خسر أخيه الصغير بقوة الضغط انفجر صمام الحب بينهم وصنع فجوة هائلة بينهم
أوقفته عفاف قائلة بحزم :
لو سمحت عدى عالحسابات فى المستشفى خلص الحساب معاهم واخصمهم من الميراث.
هز رأسه باستسلام وتحرك مرة أخرى بثبات وقلبه يعتصره الألم ويدميه.
قرر الطبيب ضرورة السرعة بإجراء العملية الجراحية لقمر وحدد موعدها فى نفس اليوم.
توترت عفاف بشدة وارتعدت فرائسها سألت الطبيب بلهفة:
طب مينفعش نسفرها برة يادكتور؟
رد الطبيب:
لا مينفعش ومتقلقيش الدكتور اللي هيعملها العملية فرنسى نازل مصر اسبوع بس يعنى حظها حلو جدا.
تنهدت براحة ودعت من قلبها :
يارب سلم يارب نجيهالي واشفيها هي وابوها.
عاد سعيد لمنزله بوجه متوجم يشعر بالضيق والحرج يرمقه الجميع بضيق وكأنه مجرم فر من محبسه،
أمام منزله قبل أن يدخل وصل لأذنه صوت خفيض ينادى بإسمه بخوف :
التفت لمصدر الصوت وقال بدهشة :
حسناء! ايه اللي خرجك من البيت؟
اقترب من منزلها فتحت له الباب وارتمت بحضنه تبكى بحرقة. وتشكى من ظلم نعيمة لها ربت على ظهرها بحنان وقال :
اهدي بس وفهميني ايه اللي حصل؟
نطقت من بين شهقات البكاء وقالت :
بعد منتا مشيت جيت اطلع الشقة زي مقولتلي وقفتلى عالسلم ضربتني وبهدلتني وطردتنى بره البيت بعد مهزقتني وفرجت الشارع عليا وفضلت تشتم وتقول اني خطافة رجالة.
يسمتع لها بصمت، يتنفس ببطئ ويفكر كيف يتصرف معها.
أبعد وجهها عن صدره قليلا وأمسكه بيده أحنا رأسه يقابل رأسها ومسح دمعها بكفه وقال بحنان :
حقك عليا انا هحطلها حدود مش هتقدر تتخطاها ولا هتقدر تقرب منك تانى.
تنهدت حسناء براحة وتسللت ابتسامة راضية لشفتيها واستشعرت الأمان من حديثه.
جذبها من يدها وقال تعالى ندخل تشوفى لو محتاجة حاجة من هنا لحد مننزل بكرة نشترى طلباتك.
خرجا من منزلها وتوجها لمنزله بعد أن جمعت ما تحتاجة.
فتح الباب وقف فى منتصف المنزل أمام شقته وقال بصوت جهورى رج أرجاء المنزل :
نعيمة ياااانعيمة.
خرجت نعيمة من شقتها يتحكم بملامحها الغضب ترفع حاجب وتخفض الآخر،
وقفت أمامه معتقده بأنها ندا له وقالت ويدها تتوسط جذعها :
نعم عاوز إيه؟
لمحت حسناء خلفه تستتر به فتخطته وانقضت عليها؛ كادت تفتك بها فأبعدها سعيد بعنف ورفع كفه ليهوي على وجهها لولا أن لمح أبناءه يتابعون الموقف والخوف ينبثق من أعينهم؛ كف يده عنها، ضم قبضته وضرب بها الحائط بعنف أسرى بجسدها رعشة رعب.
وقال بصوت أجش ونبرة تحذير:
آخر مرة هسمحلك تتطاولى على حد فى البيت دا، البيت دا له كبير وكبيره انا مش انتِ، وافهمي كويس حسناء بقت مراتى وليها هنا زى مليكي ولو مش عاجبك كلامى الباب يفوت جمل.
الموقف مشحون بالمشاعر بين منتصر ومنكسر وغاضب ومندهش غير مدرك لما يحدث؛ يشاهدون بصمت ويلتمسون الأمان بحضن بعضهم البعض.
رمقته نعيمة بغيظ فشلت محاولات كبته، أشارت بإصبعها جهة حسناء وقالت بتعالى:
بقا عاوز تساويني بدى ورحت اتجوزتها عليا من غير متاخد رأيي!
زفر سعيد بضيق وقال بحدة :
مش كان كلامك بردو ان دا شرع ربنا والزوجة ملهاش رأي فيه؟ ولا أستنى انا كدة فهمت، كل دا كان خطة عشان تضايقى عفاف مش اكتر يعني هى معاها حق! كله فاهمك وانا الوحيد المغفل فيهم..
تلعثمت في الحديث وقالت بصوت خفيض :
انا كان قلبى علي اخوك كنت عاوزاه يفرح بعيال كتير حواليه.
رد بحزم قائلا :
وأنا كمان عاوز عيال كتير حواليا.
استدار من امامها وتركها تستشيط غصبا ابتسمت حسناء ابتسامة تغلفت بنشوة النصر؛
احتدم الغضب داخلها واشتعلت النيران بقلبها وانقضت على حسناء تقطع شعرها وتصرخ صرخات هستيرية متلاحقة.
استدار سعيد مسرعًا وأمسكها من يديها بشدة ألمتها حتى تركت حسناء التى تحولت بسمتها لبكاء وتألم..
تطلع سعيد صوب أبناءه وصرخ بكريم قائلا بنبرة آمرة :
خد أختك وأدخل على أوضتك متخرجوش منها دلوقتى.
انتفض جسديهما وتحركا بسرعة لداخل الغرفة وجلسا داخلها تنفيذا للأوامر دون جدل أو مناقشة. تصل أصواتهم إليهم تزيد من رهبتهم.
حاول كريم طمأنة اخته وقال بصوت خفيض :
متخافيش ياملك بابا مش هيعمل حاجة هو عمره مضرب حد فينا اصلا.
هزت ملك رأسها والدموع تتهتز داخل عينيها حتى سقطت دمعة علي خدها فاحتضنها كريم وربت على ظهرها بحنان أشعرها بالسكينة والأمان.
إطمأن سعيد لعدم وجود أبناءه فشدد من قبضته علي يد نعيمة حتى كادت تكسر بيده؛ شهقت بألم وقالت بترجى :
سيب ايدي هتنكسر فى ايديك.
لم يبالى بألمها واقترب من أذنها وقال بصوت كفحيح أفعى :
لو مديتي ايدك عليها تانى هيكون آخر يوم فى عمرك انتِ فاهمة؟
صمتت دون رد فردد قوله بحزم :
فاهمة؟
ردت بانكسار وتحشرج صوتها بالبكاء :
فهمت فهمت.
تركها وصعد السلم وبيده حسناء
فى شقتهم تركها سعيد واعتذر قائلا :
معلش ياحسناء محتاج اكون لوحدي شوية.
تفهمت حسناء وضعه أومأت برأسها بخفة وتركته وحده يجالس ذكرياته وأحزانه أخرج من جيبه محفظته وصوره وهو وأخيه؛ وترقرقت بعينيه دمعة تلتها صرخة من أعماقه فزعت لها حسناء
دخلت مسرعة لغرفته وهرعت اليه تحتويه بين ذراعيها فأطلق لدمعه العنان ومن بين بكائه قال :
خسرت أخويا بسببها وبسبب غبائي، خسرته وخسرته كل حاجة، ياريتني كنت انا اللي اتعميت مش هو.
ردت حسناء بتأثر وقالت بحزن على حاله :
متعملش فى نفسك كدا هو هيقوم وهيفتح تاني متخافش ربنا كبير.
تطلع لها بعينيه المضجرة بحمرة البكاء وقال بحزن :
حتي لو قام مش هيسامحنى انا في نظره ظالم بس والله كان غصب عنى.
ظل يتحدث بين ذراعيها حتى استكان ونعس كطفل صغير هدهدته أمه حتى غفى..
فى المشفى
تجهزت قمر لإجراء الجراحة ودخلت غرفة العمليات وعفاف أمام الغرفة تستعر النيران بقلبها تنهش روحها ويلها ويلين تخفى على زوجها أمر طفلته تارة تذهب اليه وتارة تذهب لطفلتها مكلوم قلبها ومنفطر لا تملك سوى الدعاء لهما تستجدى خالقها لينجيهم من كربهم،
تشعر بوحدة قاتلة تتمنى لو وجدت من يساندها بمحنتها؛ تائهة بأحزانها، أخرجها من تيهتها ربتة على كتفها إستدارت لها بدهشة غير متوقعة أن تجد أحدًا بهذا الوقت جوارها..