الجزء 13

الفصل الثالث عشر

رعشة خفيفة تسري بالجسد من عذوبة الكلمات، يتبعها دهشة عارمة قفزت معالمها واحتلت تقاسيم وجهها بحرفية حتي انتقلت عدواها لعفاف فتساءلت قائلة:
في إيه ياقمر مالك؟
ردت قمر وهي تتلفت حولها، اقتربت من النافذة وأمعنت النظر جيدا حتى لمحته من بعيد يقف وعيناه مسلطة عليها يترقب حركاتها ويراقبها ببسمة ساحرة..
اتسعت حدقتيها وتدفق الدم من قلبها بسرعة خدرت أطرافها أسرعت بغلق النافذة والستائر بعدها واستندت بظهرها عليها تتلقف أنفاسها
تعاظمت دهشة عفاف من تصرفاتها وعادت تساؤلها بلهفة غاضبة :
يابنتي فهميني في ايه؟
صمتت قمر حتى جاءها الأمر من نبيل قائلا :
في ايه يابنتي معطلانا ومش فاهمين حاجة قولي فى إيه؟
ازدردت ماء حلقها وتنحنحت بخجل قائلة ببسمة :
دا يوسف بعتلى رسالة.
ابتسمت عفاف وشدت علي يد نبيل الذي بادلها البسمة واقتربت من أدنه هامسة :
الواد دا جنن بنتك عالآخر.
ضحك نبيل عاليا وتحرك وهو يقول بمشاكسة :
انا بقول بلاها الجوازة دى انا عاوز بنتي بعقلها.
ارتفعت أصواتهم بالضحك وقمر لا تشعر بحديثهم فتحت الهاتف مرة أخري تعبث بأناملها بحروف رسالته وتشعر كأنها تلامسه كل حرف منهم يدغدغ حواسها.
كلماته مختارة بعناية وكأنه ساحر للكلمة وأكثر ما راقها مراقبته المتلهفة لها،
حثتها والدتها على الإسراع فأغلقت هاتفها و أسرعت إليهم،
ركبت السيارة وبعد أن تحركت بهم راقبت الطريق بحثًا عنه لكن يبدو أنه رحل، أعادت رأسها للخلف يهمس عقلها بكلماته فتحت رسالته مرة أخرى وكأنها لم تكتفى من رؤية حروفه بعد..

(خاطبتنى الألوان تشكوا سوء حظها تحسد اللون الأزرق الذي يلامس جسدك، ارتديه دومًا ولا تبالى بغضبهم فهو يعكس بريق عينيك الساحرة)

عزف بكلماته على أوتار قلبها أثار بداخلها مشاعر لم تكن تعرف أنها تملكها من قبل.. سرقها من عالمها فلم تعد تشعر بوجود أحد حولها وصمتت كل الأصوات ليتردد صوته بداخلها وتلاشت الصور وتشوشت لتبقى صورته وإبتسامته نصب عينيها،ابتسمت بخفة وأغمضت عينيها بخجل.
عادت لواقعها بعد أن شعرت بتوقف السيارة، تطلعت لهم قائلة بشَّدَهُ :
وصلنا خلاص؟
ردت عفاف قائلة وقلبها بدأ بالخفقان :
أيوه وصلنا يارب المرة دي يكون خير.
شعرت قمر بتوتر نبيل فاقتربت منه وأمسكت يده، شدت عليها بقوة وقالت بثقة :
بابا أنا متأكدة بجد المرة دي ربنا مش هيخذلنا أبدًا.
ربت نبيل على يدها وقال بنبرة متلجلجة :
ان شاء الله.

فى مكان آخر
شعر هانى باستياء لما بدر منهم أمام ملك وخزه قلبه وشعر أنها غضبت لم يعرف لما اهتم ولكنه وجد نفسه يسير بسيارته حتى وصل لمنزل كريم صديقه،
وقف أمامه متحيرًا، لا يعرف يدخل أم يبتعد سحب نفسًا طويلًا وأخرج هاتفه يجري منه مكالمة
فتح كريم الباب وهو يحمل الهاتف بيده ويتلفت حوله حتى لمح هاني على مقربة منه يجلس بسيارته، اقترب كريم منه وفتح باب السيارة ودلف داخلها، مد يده سلم عليه وعلى وجهه اقتضاب جعل صدر هاني يضيق؛
تطلع له هاني وقال :
هي آنسة ملك قالتلك اني شفتها في الجامعة النهاردة
رفع كريم حاجبه باستنكار وقال :
ملك أختي لو اتنفست بتحكيلي، اه عرفت ان بنت معاك نادت عليها وهي جات وقفت معاكم دقيقتين ومشت.
تطلع هاني لأسفل بخجل وقال :
انا مطلبتش منها تناديلها والله واتضايقت منها بس هي مسمعتنيش عموما أنا جاى اعتذر ليك وليها.
رمقه كريم بحزن وأردف :
اعتذر ليا كفاية مش لازم ليها أنا هوصلها اعتذارك، ومبروك خطوبتك.
تطلع له هاني بدهشة قائلا :
خطوبتي!! خطوبة ايه لا مخطبتش لسه.
اعتدل هاني بجلسته ليستدير مواجهها وجهه بوجه كريم وتساءل بدهشة :
أمال مين اللي كنت واقف معاها في الجامعة دي.
ضحك هاني قائلا :
لا دي واحدة صديقة مفيش بيني وبينها حاجة وبعدين انا اما احب أخطب اخطب واحدة فى أخلاق ملك أختك كدا.،
جحظت عين هاني بعد أن خرجت منه تلك الجملة الأخيرة لم يعرف كيف هربت الكلمات منه لتخزيه بهذا الشكل..

ابتسم كريم بفخر وقال :
ماشي ياهاني ربنا يوقعك في واحدة زيها..
تنهد هاني قائلا:
يارب.
صمت قليلا يستجمع شجاعته وقال :

هو انا لو اتقدمت لآنسة ملك هتوافقوا بيا.

ابتسم كريم بسمة وقورة لم يفاجئه ما سمعه فهو شعره من بداية حديثه صمت قليلًا دون رد فاستطرد هاني بحزن قائلا :
خلاص ياكريم خلاص ولا كأني قلت حاجة احنا أصحاب وأختك أختي.
لكزه كريم بكتفه وقال مازحًا :
انت ماصدقت ياحيوان هو انا قلتلك لا.
تطلع له هاني بدهشة يحاول تفهم الأمر واتسعت ابتسامته وقال :
يعنى موافقين؟
رد كريم بفرح قائلا :
عن نفسى مش هقول لا بس آخد رأي العروسة وبابا كمان..
ابتلع هاني ريقه بصعوبة وقال :
ربنا يستر وموقف النهارده ميخليهاش متضايقة مني.
تنهد بضيق وأردف :
تفتكر أبوك هيوافق عليا!
تطلع له كريم بدهشة وقال :
هيرفضك ليه يابني دا عارفك من صغرك وعارف أبوك الله يرحمه..
تطلع له هاني وابتسم بتمني قائلا :
فاتحهم بس ورد عليا لو كدا هكلم عمي وآجي أخطبها،
ابتسم كريم وقال :
حاضر هرد عليك بكرة
استطرد هاني قائلا :
النهاردة.
تطلع له كريم بدهشة قائلا :
النهاردة! انت مجنون يابني ولا ايه! مش تديني فرصة أكلم أبويا وأتفاهم معاه.
رفع هاني ساعة يده وتطلع بها بإمعان قائلا :
طيب احنا بدري اهو ومعاك وقت ساعتين حلو أوي، وأنزل بقا من العربية وروح قولهم عشان متضيعش وقت.
ترجل كريم من السيارة وهو يضحك بقوة عليه قائلا :
والله العظيم انت مجنون رسمي أصل انا كنت ناقص مجانين.

وقف كريم أمام منزله متحيرًا بين الدخول لأخته والذهاب لوالده ليعرف رأيه، لم يحتاج الكثير من الوقت ليقرر وتحرك متجهًا لوالده..

بداخل محل كبير يعتبر الأكبر فى منطقته، جلس سعيد على مكتبه يحيط به كافة أنواع التوابل رائحتها النفاذة تعبق المكان لتسحر الأنوف فيتهافت الناس على شراءها،
وتلك التركيبات الطبية التي ساعد كريم والده بعملها زادت من صيته وشهرته فجعلته من أكبر العطارين بمصر. الأمر الذى زاد من ثروته لكنه لم يفقد تواضعه، حتي أنه رفض ترك بيته والانتقال لموقع آخر أكثر فخامة ورقى.
تطلع كريم بالزحام تسلل القلق لنفسه خوفًا من رفض والده لهانى بحجة أنه أقل مالا منهم ونسبًا..
دلف بخطى متئدة، وقف أمام والده ببسمته الهادئة وقال بصوت منخفض :
الحاج سعيد عنده وقت لحاجة مهمة..
رفع سعيد عينيه لمصدر الصوت وقام من مكانه وقال بدهشة :
خير يابني حصل حاجة في البيت.
أشار له كريم بالنفى وقال بابتسامه تطمئن والده :
لالا مفيش حاجة في البيت متقلقش يابابا، دا موضوع كدا كنت عاوز أكلم حضرتك فيه وأعرف رأيك.
تنهد سعيد وقال :
يابني قلقتني هو الموضوع دا مكانش ينفع لما أروح.
أشار لأحد العاملين ليحضر لكريم مقعدًا،
جلس عليه كريم وقال بأسف لاعنا هاني وتسرعه بداخله :
معلش يابابا أصل صاحب الأمر مستعجل جدا عالرد.
تطلع له سعيد بإهتمام وقال :
طب هطلبلك قهوة وعلي متيجي تفهمنى الموضوع باختصار كدا.

بمكان آخر
دلف نبيل لغرفة الطبيب وحده كما طلب منهم، لم يرغب أن يستمع أحدهم للحديث المتبادل بينهم..
تحرك نبيل ببطء وعصاه أمامه ترشده للطريق تتبع صوت الطبيب حتى وصل للمقعد وجلس بهوادة،
رحب به الطبيب وتحدث قائلا بلغته الأجنبيه :
هل تشعر بأنك على استعداد لهذا الأمر؟
تنهد نبيل وقال :
نعم ولكن أخبرنى أولا هل نسبة النجاح كبيرة حقًا كما أخبرت إبنتي؟
فتح الطبيب حاسبه وبحث بملفاته سريعا حتى وصل للملف الخاص بنبيل وطالعه مسرعًا مرة أخرى قبل أن يرد،
تلك اللحظات التي انتظر نبيل فيها سماع الرد كانت بمثابة قرون.. ثارت الثورات بداخله واعتملت مشاعر القلق بتجويف صدره، صارت أنفاسه مسموعة من قوتها وصدره يرتفع وينخفض بشده لاحظها الطبيب فأنهى مطالعته مسرعًا ليطمئنه قائلًا :
نسبة النجاح ممتازة ولكن عليك أن تعلم أمرًا فالخطر يلازم أي عملية جراحية دقيقة.. والآن قرار بيدك وحدك.. تخوض التجربة أم تتراجع.
ابتلع نبيل غصة عالقة بحلقه تلهبه، أغمض عينيه وقال بألم :
مستعد.. اذا سمحت لى قبل البدء بالإجراءات سأجلس مع عائلتي قليلا لأتحدث معهم بأمور مهمة..
رد الطبيب بلهجة صارمة قائلا:
لا نملك المزيد من الوقت لنهدره فرحلتى ستنتهى هنا بعد أربعة أيام لا يمكننا التأخير.
استطرد نبيل قائلا :
حسنًا فقط أمهلنى خمس دقائق معهم بمفردى.
خرج الطبيب من الغرفة وهو يقول حسنا سأذهب لأجعلهم يعدون لك غرفة وأتركك مع عائلتك..
خرج الطبيب وأشار لقمر ووالدتها بالدخول لنبيل..
دلفتا الغرفة واقتربتا منه بحب والدموع تنسال على وجوههم لتعلن خوف ثلاثتهم من مجهول مقبلين عليه بأنفسهم..
مسح نبيل وجهه بيده وسحب نفسًا زفره ببطء وقال بلغة آمرة :
أنا كلها كام يوم وأعمل العملية ولو جرالى حاجة متأجلوش جوازة قمر فاهمين ولا لا..
شهقت قمر بفزع وقالت :
بابا متقولش كدا عشان خاطرى
اقتربت منه تحتضنه فربت عليها بحنان وقال :
العملية مش قليلة ياقمر ممكن أخرج وممكن لا عشان خاطرى لو جرالى حاجة متستسلموش للحزن واتجوزى وعيشي حياتك وخلي بالك من أمك.
اقتربت منه عفاف وقد خارت قواها وتفتت بعد تماسكها الزائف جثت على ركبتيها أمامه وأمسكت يده بترجى قائلة :
بلاش تعملها يانبيل. أنا مش هتحمل لو جرالك حاجة
شدّ علي يدها يبث بها قوة من قوته وقال :
هعملها عشان وحشتني عنيكي، وعاوز أشوف قمر وهى عروسة..
طرق الطبيب على الباب ودخل،
استقامت عفاف وابتعدت للخلف واعتدلت قمر وترقبوا أوامر الطبيب فأشار للمرضة أمرها بالاقتراب من نبيل لأخذه لغرفته..
وقال بلهجة آمرة :
أكثر مايهم فى تلك المرحلة حالته النفسية غير مسموح بالبكاء والطاقة السلبية.. وإلا منعت عنه الزيارة..
تطلعت قمر لعفاف واقتربت منها أمسكت يدها وقالت بنبرة ثابتة بمحاولة بائسة منها لتبث القوة لوالديها :
أنا واثقة ان بابا هيقوم بالسلامة .
تنهدت عفاف وكفكت دمعها وردت قائلة :
يارب.

في مكان آخر أنهى كريم حديثه لوالده وانتظر رأي والده بترقب.
فرك سعيد جبهته بأنامله بتفكير وتطلع لكريم بنظرة لم يفهم كريم مغزاها فزاد توتره وارتبك بشدة..


إعدادات القراءة


لون الخلفية