الجزء 14

الفصل الرابع عشر

أنصت سعيد لحديث ولده بتأنٍ وصبر، صمت قليلًا يفكر فى مقاله، فرك جبهته بأنامله ونظر لكريم نظرة تساؤلية وقال :
هو انت بقالك قد إيه بعيد عن هاني صاحبك دا؟

فهم كريم المغزى من حديث والده، توتر قليلًا وتلعثم بالحديث قائلا:
يابابا هاني صاحبي من واحنا صغيرين وطول عمري عارف أخلاقه، آه بعدنا عن بعض فترة بس أنا واثق انه زي مهو..
زفر سعيد بضيق وقال :
يابني اليوم بيغير البني آدم مابالك بسنين.

سادت لغة الصمت بينهم لثوانٍ حتى بترها كريم قائلا بأسى :
يعني أفهم إن حضرتك رافض؟

استغرق سعيد مزيدًا من الوقت في التفكير حتي استطرد قائلًا:

لا مقلتش رافض بس بالنسبالي دا مش صاحبك دا عريس غريب هسأل عنه وعن أخلاقه وبعدها أقابله واتكلم معاه وأنا ليا نظرة في اللي قدامي، والأهم من دا كله رأي ملك..

ارتسمت علي وجه كريم بسمة حاول كبتها فأبت الخنوع له، فأثارت حفيظة والده وبفطنته ورجاحة عقله فهم أن هناك أمرًا مستترًا بين كريم وملك، ابتسم هو الآخر وآثر الصمت على التحقيق بالأمر،
رمق كريم بنظرات متفصحة أربكته فتحرك مسرعًا واستأذن بأدب قائلًا :

بعد إذنك يابابا عشان هحضر لمحاضرة بكرة.
أنهى حديثه وقام من مكانه وقبل أن تخطو قدمه بالأرض خطوة تذكر أمر هام، تلفت لوالده وقال :
بابا ياريت تسرع في أوراق السفر لأبلة حسناء عشان متتأخرش أكتر من كدا..

تذكر سعيد بأسها، ابتلع غصة محرقة ألهبت حلقه بمرارة الألم وقال بصوت غلفه الحزن :
الورق بياخد عالأقل تلت أسابيع ربنا يستر وميحصلش حاجة..
رد كريم مطمئنا والده:
خير يابابا متقلقش مش هيحصل حاجة..

في مكان آخر بمشفى من أكبر المستشفيات بالعاصمة الفرنسية.
جلست قمر ووالدتها بالجناح المخصص لنبيل ليتمم فحوصاته الحيوية قبل الدخول بالعملية الجراحية..
تطلعت عفاف بالساعة وشعرت بتأخر الوقت ؛
نظرت لقمر وقالت والقلق ينهش دواخلها، هما اتأخروا كدا ليه؟

أومأت قمر رأسها بحزن نافية معرفتها بأي شيء، يبدو عليها التوتر الشديد تصول وتجول بالغرفة، توقفت بغتة وقالت :
أنا هروح أسأل الدكتور مش قادرة أصبر أكتر من كدا..
هبت عفاف واقفة من مكانها وقالت :
هاجي معاكِ.

طلبت قمر من مساعدة الطبيب أن تسأله السماح لهم بمقابلته؛ أشارت لهم بالإنتظار قليلًا حتى يفرغ مما بيده.

مرت الدقائق عليهم ببطء مهلك، الخوف تملك من قمر تمنت لو أنها لم تطلب من والدها القيام بهذه الجراحة وصارت تخشى أن يحدث له مكروهًا فيصير ذنبًا يؤرق حياتها للأبد.
أمسكت هاتفها تتلاعب به بعصبية لاتعرف ماتريده منه فقط تتلاعب أناملها على شاشته،
أمام عينها أيقونة رسائل لم تهتم بها من قبل مدت سبابتها لتفتحها وقبل أن تفتحها انتبهت على صوت المساعدة تأذن لهم بالدخول.
أغلقت الهاتف وسحبت نفسًا عميقًا، اخرجته ببطء ودلفت للغرفة مستبقة أمها بخطوة..
وقفت أمام الطبيب ولوعة قلبها بدت متجلية على معالم وجهها.. تحشرج صوتها قليلا فتنحنحت وقالت بصوت مرتعش من القلق :
هل لى أن أعرف لم أستغرق الفحص كل هذا الوقت؟
هل هناك شيء سيء ظهر؟
تطلع لها الطبيب بود وعلى وجهه ابتسامة وقور حاول بها طمأنتها وقال :
لا يوجد شيء أبدا ولكنها إجراءات احتياطية لضمان سلامة أجهزته الحيوية أثناء الجراحة..
Marwa elgendy
اقتربت عفاف أكثر قليلا وتساءلت قائلة :
مانسبة خطورة العملية؟
زم الطبيب شفتيه وقال :
لا يمكن أن أخبرك أنها عملية بسيطة وهى ليست كذلك فجراحات المخ دومًا حساسة ولكن يمكننى أن أخبرك اننا وضعنا يدنا على أساس المشكلة واذا نجحت العملية سيمكنه الرؤية مرة أخرى..
تنهدت عفاف وأعادت السؤال :
النسبة؟
رد الطبيب بثبات وقال :
نسبة النجاح ثلاثون بالمائة..

توجم وجه عفاف وخرجت من أمام الطبيب وشكرته قمر وخرجت خلف والدتها..
لاحظت ترنحها.. فهرعت اليها مسرعة وقبل ان تهوى بالأرض لحقتها بيدها وجلست بالأرض ورأسها على يدها.
صرخت بقوة طالبة المساعدة وانسدر الدمع على وجهها، شعرت ببرودة تخللت جسدها فمن تدفئت بهم دومًا حالتهم يرثى لها؛ أسرع اليها العديد من العاملون بالمشفى.
حملوها الي غرفة وأتي طبيب شاب ليعرف ما أصابها
بعد قليل أنهي الطبيب عمله وحقنها بمهدئ لتستكين وتغفوا قليلًا فما حدث لها انهيار من فرط التوتر والقلق..

تركتها قمر تستريح بغرفتها ووقفت أمام نافذة بالردهة تحاول الاستنشاق بالهواء المثلج عله يخبو نيران القلق المتأججة داخلها..

في مكان آخر
جلس هاني برفقة أصدقائه ويبدو عليه التوتر بشدة،
اقترب منه (زياد) صديق له بنفس مهنته تساءل بدهشة من مظهره وقال:
مالك يابني قاعد شكلك غريب كدا ليه؟
دلفت ميرنا للمقهى بخطوات خفيفة تبتسم بمداعبة
أشارت لزياد بالصمت وأكملت بطريقها عامدة على مفاجأة هاني وتوقعت سعادته برؤيتها؛ رفعت يدها تسجي بها عينه من الخلف وقبل أن تمدها باغتها بقوله لزياد :
قلقان أوي يازياد خايف أبو كريم ميوافقش على خطوبتى من بنته..
ازدردت ماء حلقها بصعوبة، ارتعدت فرائصها وانسابت دمعة من عينها تلقفتها على يدها مسرعة لتخفى استعار نيرانها..
تجمدت بمكانها لثانية واستجمعت رباطة جأشها وتحركت بدلالها المصطنع وجلست جوار هانى ونجحت برسم بسمة على وجهها أخفت خلفها تلألأ الدمع بعيونها..

تطلع لها هاني بدهشة وقال :
ايه دا انتي جيتي امتي؟

اتسعت ابتسامتها وقالت :
لسه جاية حالا بس مين أخت كريم دى بقا؟
رفع حاجبه باستنكار وقال :
ملكيش دعوة انتِ وفهميني ازاي خرجتي فى وقت زي دا؟
زفرت بضيق وقالت بتأفف :
عادى يعنى قلتلهم عندي كورس وخرجت..
أدار وجهه عنها آنفًا وتسلل الحنق لصدره، وابتسم بداخله لتذكره أخلاق ملك ودعا بداخله أن يوفق فى طلبه..
رتبت ريم الأفكار برأسها حتى استدلت على هوية من يتحدث عنها كريم
تحدثت بداخلها قائلة :
اه يابنت ال وديني مهعديهالك وفضيحتك هتبقا على ايدى سايقه علينا دور المؤدبة وتروحى تخطفى اللي بحبه منى..

وصل كريم منزله نده بأعلى صوته على ملك..
خرجت ملك من غرفتها مسرعة بعد أن فزعها الصوت واقتربت معها أمها لتعرف ماحدث، تطلع كريم لهم وقال :
عندى خبر بمليون جنيه،
ردت الإثنتان بصوت واحد ونبرة ملهوفة :
خبر ايه؟
ضحك على منظرهما واقترب من ملك قليلا وتطلع لها بحب وقبل وجنتها، تحت دهشة عارمة احتلت نعيمة ودهشة لا تقل قوة عنها اجتاحت ملك،
ضمت حاجبيها بتساؤل وقالت بضحكة:
في إيه ياكريم اتجننت؟
ابتسم وقال بنبرة محبة :
مش قلتلك ربنا هيراضيكي؟ قلتلك انك مش هتزعلى.
أمأت ملك رأسها واغرورقت عينها بالدموع وقالت بنفاذ صبر :
طب فهمنى بس في ايه؟
أمسكها من كتفها وقال :
فى عريس متقدملك.
تسمرت ملك بمكانها فهى غير مستعدة تماما لهذا الأمر وقلبها لم يشفى بعد، أخفضت رأسها بالأرض وقبل أن تنطق
بادر كريم بالحديث وقال :
هاني طلب ايدك مني.
تطلعت له بشرود وتبدل توجم وجهها لتوهج ، تسارعت دقات قلبها وجحظت عيناها شعرت أنها فقدت مخارج الحروف. تضحك فقط بسعادة لا تستطيع إخفاء معالمها، مزعتها صرخة من نعيمة صائحة بإعتراض :
لااااا دا على جثتى والله متحصل أبدًا انتو بتقولوا ايه؟
التفتوا لها بدهشة محاولين استيعاب ماتقوله فاستطردت قائلة :
بنتي مش هتتجوز واحد مش لاقي ياكل، وأقفلوا الكلام فى الموضوع دا فاهمين ولا لا.
همت ملك بالنطق فشد كريم على يدها وأمرها بالصمت بإشارة فهمتها..
تلقت أمره وصمتت وهربت لغرفتها بسرعة وقد تبددت سعادتها بلحظة واحدة،
اقترب كريم من نعيمة وقال :
فكرى تاني ياماما لو سمحتي لأن بابا موافق ومش حابب ان الجوازة دى تتم من غير موافقتك..
جحظت عين نعيمة وقالت بغضب عارم :
يعنى إيه ياكريم هتتحدونى عشان أبوكم موافق مليش دعوة يعنى.
رد كريم باقتضاب وقال :
انتى مزعتينا في وسطكم عملتينا فريقين حرام عليكي بقا ملك بتحب هاني هتخليها تتعذب ليه.
تطلعت له كريمة بثقة وقالت :
مش هتكلم معاك دلوقتي بس خليك عارف الجوازة دي مش هتتم.
تركته ودخلت غرفتها تستشيط غضبًا.
أخرجت هاتفها وطلبت رقمًا وقالت بصوت منخفض،
هجيلك بكرة ضرورى.
صمتت قليلا حتى اتاها الرد عبر الأثير
فاستطردت قائلة :
لا مش ضرتى المرة دى بنتي.

في المشفى

أنهي نبيل الفحوصات المطلوبة لهذا اليوم ورجع لغرفته رأته قمر فاقتربت منه مسرعة وأمسكت يده حتى وصل للسرير،
وقبل أن يصعد عليه تساءل بقلق :
امال أمك فين.
تلجلجت قمر بالحديث وقالت بصدق فهى تعرف أن والدها يميز كذبها من صدقها:
ماما ضغطها علي شوية وتعبت خدت علاج ومهدئ ودلوقتى نايمة بس متقلقش
هز نبيل رأسه بحزن وقال :
ودينا عندها أطمن عليها،
رفعت قمر ساعتها وقالت :
طيب يابابا أنا هوصلك ليها وبعد كدا هروح البيت أجيب هدوم ليك وليها وارجع علطول..
تحرك معها بحزن وقلبه يكاد ينخلع قلقًا على حبيبته.
تركتهم قمر وعادت للمنزل على عجالة أوقفت السيارة جواره ونزلت منها مصدومة، ومزهولة مما رأته أمامها..


إعدادات القراءة


لون الخلفية