الجزء 16
الفصل السادس عشر
تسابق كريم ووالده للذهاب نحو الصوت وصرخات الإستغاثة من الصغار تلهب حواسهم برعب، تحثهم على الإسراع أكثر وأكثر؛
فتح (سعيد) الباب مسرعًا وهرع بلهفة إلى زوجته ليحمل جسدها النحيل الذى إحتضنته الأرض بترحاب.
دلف لغرفتها وأنزلها بحظر شديد على فراشها وتطلع خلفه يبحث بعينيه عن كريم ليساعده فى إنعاشها وإفاقتها؛ فرآه يسرع بخطواته لخارج الشقة؛ لم يلبث ثوانٍ حتى عاد وبيده حقيبته وشرعها يفحصها بتأنٍ، ووالده يقف خلفه يضم صغاره بين يديه، يحاول طمأنتهم يظهر لهم عكس مايبطنه يطفئ نيرانهم وتستعر نيرانه حتى التهمت دواخله.
لملم كريم أدواته الطبية وأغلق حقيبته، التفت لوالده وهربت تنهيدة من صدره وعينيه انسدلت أجفانها حزنًا رغمًا عنه وقال:
بس لو أفهم السبب كل التحاليل والأشعة بتقول ان الجسم سليم لكن اللى قدامي يقول جسد بيحتضر.
شهقت ريم بفزع، وجحظت عين (سعيد) معاتبًا ونظراته تعاتب ابنه على قسوة حديثه..
ربت على ريم بحنان وقال :
متخافيش ياحبيبتي هتبقي كويسة ومش هيجرالها حاجة وحشة أبدًا،
أمسك وجهها بين كفيه ونظر بداخل عينيها المكت بالدمع وقال بثقة تصنعها بعناية فبدت حقيقية :
مش هسمح يجرالها حاجة.
ازدرد كريم ريقه بصعوبه وشعر بالضيق من نفسه لقسوة قوله.. ربت على كتف أخته الصغيرة بحنان وانتقل لرأس أخيه بحنو قبل رأسه وخرج من الشقة برمتها مخفيًا تأثره بما يحدث..
شعرت ملك بأقدام كريم تقترب فرفعت صوتها منادية :
كريم.. يا كريم.
استجاب كريم لنداءها ودخل لغرفتها بلهفة.. إقترب منها يلمس جبهتها وقال بلهفة :
مالك ياملك حسه بتعب تاني؟
هزت ملك رأسها نافية وقالت بصوت واهن :
فهمت ان طنط حسناء تعبانة وحاولت أطلع أشوفها بس ماما موافقتش.
ابتسم نصف إبتسامة حزينة وقال وعلى وجهه علامات الأسى:
إدعيلها بس حالتها بقت غريبة جدا تطلعت له ملك بتساؤل، وضيقت حاجبيها وقالت بدهشة :
ليه ايه اللي اتطور في حالتها يعني؟
تنهد كريم واستطرد :
الأول كان فى سبب عضوي فى جسمها يعنى إلتهابات فى المعدة على شوية أملاح، ڨيروس فى الدم.. هى آه مش توصل التعب للدرجة دى لكن فى سبب. بنعالجه، الغريب دلوقتى ان كل دا خلاص مش موجود العلاج سيطر عليه ومبقاش ليه أثر ومع ذلك الحالة بقت أسوء!!
زفرت ملك بحزن وقالت :
يمكن لما تسافر يظهر فى الفحوصات عندهم حاجة مش واضحة هنا.
مط كريم شفتيه ورفع كتفيه وقال :
أتمنى فعلا يكتشفوا السبب ويقدروا يعالجوه قبل فوات الأوان..
صمت قليلًا يعاتب نفسه مرة أخرى على ذلقات لسانه، تصنع الإبتسامة وحاول تبديل مجرى الحديث فقال :
إنتِ أحسن دلوقتى؟ ولا لسا دايخة؟
تفهمت ملك مايربو إليه فابتسمت بخفة وقالت :
لا مفيش دوخة ولا حاجة أنا بس محتاجة أنام.
وقف كريم من مكانه ومد يده للغطاء ودثرها،. رفع الوسادة من تحت رأسها وقبل رأسها بحنان فاض من عينيه وغمرها به.. خرج من غرفتها بعد أن أطفأ الضوء بها وأغلق الباب بهدوء..
واستدار فأبصر أمه تقف على مقربة من الباب وعلى مايبدو كانت تصتنت لحديثهم وعلى وجهها سعادة تظهر بها شماتتها التي امتقت بسببها كريم، سحب نفسًا بقوة وأخرج معه نيران غاضبة من صدره وقرر الصمت والهروب من أمامها فدخل غرفته وأحكم قفلها على نفسه..
في مكان آخر
جلس هاني بغرفته شارد بنظره يطالع الفراغ يسبح بأفكاره يتذكر عيناها، يتنهد بلوعة لا يعرف لمشاعره إسم ولا يفهم لها سبب.. شاهد الكثير من الفاتنات لم تأسره وتسحره نظرة كنظرتها، صوت ضحكاتها مع أخيها يرن بأذنيه يتمنى لو كانت الضحكات له يتذكر يديه ممتدة ليديها تتلهف للإحتضانها ورفضته.. عقد حاجبيه بتفكير وابتسم قائلا لنفسه :
ايه دا أنا عمري محسيت كدا؟ عملتي فيا إيه يابنت العطار؟
أخرج هاتفه يبحث بلهفة عن حسابها علي مواقع التواصل عله يروى شوق عينيه لرؤيتها. بعد قليل من البحث وجدها بصورها المرحة إبتسامتها الساحرة بجوار أخيها.. ووحدها ومع صديقاتها شعر بالغيرة لرؤيته صورها واغتاظ لإمكانية رؤية غيره لها..
فتح قائمة الإتصال وأخرج رقم كريم انتظر قليلا يستمع رنين الهاتف حتى أتاه الرد فقال بلهفة ودون مقدمات :
كلمت الحاج في الموضوع.
إبستم كريم ورد :
كلمته ياهاني ومعندوش مانع بس حابب يتعرف عليك.
اغتبط هاني بشدة ظهرت على صوته فقال بسعادة :
طب أجيله إمتي؟
صمت كريم قليلًا وقال بهدوء :
أصبر بس شوية ياهانى أبويا عنده مشاكل كتير وأهمها مرض مراته. خليه بس يومين كدا وهكلمك أحدد معاك معاد.
شعر هاني بخيبة أمل ورد بحزن قائلا :
اللى تشوفه.
صمت قليلا واستطرد قائلا:
طب إنت خدت رأي آنسة ملك.
حبس كريم انفعاله ورد قائلا :
ملك رأيها من رأيي ورأي والدها.
كتم الهاتف ليفلت ضحكة بعد تخيله لمنظر هاني بهذا الوقت.
أغلق هاني الهاتف وبداخله شعور غريب لم يستطع تفسير حديث كريم هل هو رفض بطريقة مهذبة أم هو موافقة مشروطة بالصبر حتي مرور الأزمة..
ألقى بجسده على فراشه وظلت الأفكار تتقافز لعقله والأحاسيس والمشاعر تعتمل بقلبه.. حتي أصمتها بالهروب من الواقع نائمًا مستسلمًا لخيال الأحلام..
مرت الليلة علي الجميع منهم من تمسك بأمل رسمه لنفسه ليستطيع مواصلة الحياة.. ومنهم من قاوم لكى لا يستسلم لليأس..
أشرقت شمس يوم جديد نشرت أشعتها الذهبية تخللت لغرفة هاني وعلى عكس عادته لم يقاوم يقظته بل استسلم لها ورحب بها فاتحا جفنيه على مصرعيهما وهب من فراشه مسرعًا.. لم يلبث وقت حتي جهز نفسه للخروج علي أمل أن يراها قبل الذهاب لعمله.
جلس بسيارته أمام مقر الجامعة يراقب مداخلها ينتظر قدومها..
لمحته ميرنا يجلس بسيارته وعينيه تبحث عن ضالة شعرت أنها تعرفها واغتاظت بشدة، اقتربت منه بدلالها المعهود الذي بات يغضبه خبطت بخفة على نافذة السيارة فتحها قليلا وطالعها بضيق وعينيه تابعت البحث.
تحدثت بغضب قائلة :
على فكرة مش هتيجي النهاردة ريح نفسك سمعت من أصحابها إنها تعبانة.
جملة ألقتها لتراقب رد فعله وعينيها تراقب تغير ملامحه للفزع والتوتر وقال بلهفة :
ملك تعبانة؟
رفعت حاجبها وقالت باستنكار :
يعني جاى تشوفها هى فعلا؟
رمقها بضيق وقال :
انتِ مالك أصلا أشوفها ولا أشوف غيرها هيفرق معاكِ في إيه؟. المهم بس عرفتي منين انها تعبانة.
حافظت ببأس على ثباتها وقالت :
سمعت صحبتها من شوية بتحكي للتانية
شعر بالضيق والقلق ولم يشعر بنفسه إلا وهو يسرع بسيارته بدرجة كبيرة حتى انها كادت تقع لولا انتبهت وابتعدت عن الزجاج بسرعة..
وقفت تتطلع حولها بغضب اشتد لبرود مقابلته وجفاء معاملته وسارت فى طريقها تتأجج داخلها نيران تنهش روحها و تحرق من يقترب منها..
وجد هاني نفسه أمام منزل كريم للمرة الثانية لا يعرف ماذا يفعل فقط ينتظر بالسيارة يعبث بهاتفه يخرج رقم كريم ويغلق الهاتف قبل أن يضغط ذر الإتصال
ويعيد الكرة مرارًا وتكرارًا وصل الضيق به حتي كاد يكسر هاتفه وفجأه توقفت الساعة وصمتت الأصوات حوله. شعر ببروده تلفح وجهه تضاربت مع نيران تلهب قلبه أنفاسه تسارعت ودقات قلبه تسابقت معها.
وابتسم لقدر جعلها تشعر بوجوده وتقرر فجأه أن تفتح نافذة غرفتها لتسمح للهواء النقى بالولوج لها فدخل حاملا معه عبق عاشق لم يكن يعلم بعشقه.
لمحته يبتسم فتقابلت أعينهم لثوانٍ كان الصمت بينهم لغة حققت هدفها من التواصل أخبرته لمعة الفرح بعينيها بموافقتها وأخبرتها نظرات اللهفة بحبه لها.
تسللت حمرة الخجل لوجنتيها فنزلت من النافذة لتهرب من عينيه مسرعة.
وابتسم هو وتحرك لعمله بعد أن تلقى مكالمة تستوجب سرعة وصوله.
راقبت نعيمة الموقف وتأففت لما تراه لم تنطق بكلمة لكنها عمدت علي تنفيذ خطتها الشيطانية بأسرع وقت وتحدثت داخلها قائلة :
كدا معدش وقت لازم اتدخل أحسن الأقي بنتي متجوزة الزفت دا مهو مش أخرتها بنتي تتجوز واحد مش لاقي ياكل..
عند قمر..
حدد الطبيب موعد العملية وجاء الموعد سريعًا لم يكن متوقعًا.
معظم الوقت يوسف يحاول التقرب من قمر بكل ما أوتي من حيل وقوة أحيانا تشعر بالألفة وأحيانا أخرى تشعر بالخوف من طبعه المتحرر..
لم يترك فرصة الا وحاول لمسها وتبعده دومًا بطريقة أو بأخرى..
دخل والدها غرفة العمليات وطلبت هى من الطبيب ألا يخبر والدتها خوفًا عليها فأعطاها حقنة جعلتها تنعم بنوم غفير وتركتها قمر ووقفت أمام العمليات تنتظر انتهاء العملية على خير..
لم يتوقف لسانها عن الدعاء وعينيها تذرف دمعًا يتساقط بصمت دون حديث لم تستطع الجلوس والابتعاد عن باب الغرفة التي يمكث بها والدها..
تطلعت خلفها فرأت يوسف يعبث بهاتفه يحادث أحدهم ويبتسم غير مبالي بما تشعر به..
شعرت بغضب يجاور الحزن ويسيطران على قلبها، فتطلعت أمامها،
واستمرت بالدعاء والبكاء يلازمها، تتلهف بتوق لسماع خبر يهدئ من روعها..
مرت ساعتين وهم على نفس الوضع يقترب منها فقط لتعبث أنامله على ظهرها وكأن طريقته فى مساندتها لمسها بطريقة تضايقها فيقشعر بدنها وتزداد غضب منه.
تنكمش من لمسته وتبعد بخطوات عنه فيبتعد خائب الأمل مغتاظ بشدة..
ساعات أخرى مضت جلست مكانها من التعب وهو بمكانه.. تستند برأسها على جدار وهو يعبث بهاتفه
فُتِحت الغرفة بغتة وخرج الطبيب منها.. استقامت من جلستها وأسرعت إليه كاد جمود وجهه يقتلها لولا أن تنهد وقال ببسمة خفيفة :
مبروك لقد نجحت الجراحة يومان فقط ويمكنه الرؤية بشكل طبيعى..
كلمات تنشيها بسعادة تدغدغ حواسها تلونت الدنيا حولها بألوان زاهية تبدل الألم والتوتر بلحظة لسعادة فائقة ودت لو رقصت لو قفزت وصرخت بسعادة كطفلة صغيرة تائهة وعادت لمنزلها صمتت قليلا وتساءلت للتأكيد فخرجت كلماتها غير منمقة ولا مختارة :
هل هذا حلم؟
ابتسم الطبيب وهو يقول :
بالطبع لا.
وتركها ورحل لمكتبه.
تطلعت حولها فرآها يوسف واقترب منها وعلت وجهه بسمة وهمس بأذنها قائلا :
مبروك وعلى فكرة لازم نحتفل.
هزت رأسها موافقة وهي لاتريد التفكير سوى في تلك اللحظات السعيدة التى حلمت بها دومًا.
أسرعت لغرفة والدتها وجدتها تستفيق بصعوبة من أثر المنوم فاقتربت منها واحتضنتها ودموع السعادة تنهمر تحدثت بين يديها بسعادة قائلة :
ماما بابا عمل العملية ونجحت بابا هيرجع يشوف ياماما بابا هيعرف شكلى بقا ايه.
استعادت عفاف كامل وعيها في لحظة وهللت بالحمد والتكبير تحتضن ابنتها وتبعدها عنها تنظر لوجهها وتتساءل بلهفة :
يعني هو كويس؟
هزت قمر رأسها بعنف وقالت :
الدكتور بيقول انه هيبقا طبيعي جدا وفى وقت قليل أوي.
قفزت عفاف من فوق سريرها وهي تقول بفرحة عارمة :
عايزة أشوفة عايزة اطمن عليه الحمد لله يارب الحمد لله.
أخرجت هاتفها وحادثت مدير مكتبها بالقاهرة
وقالت بفرحة :
أستاذ مجدى لو سمحت إدبح ٥ عجول وأوهبهم لله نبيل رجع يشوف تاني ااقل حاجة أشكر بيها ربنا.
راقبت قمر فرحة والدتها والآن فقط اكتملت سعادتها..
مر وقت وخرج نبيل من العمليات نقل لغرفة العناية فاقترب يوسف منهم وقال :
أنا بيتهيألي انتو المفروض تروحوا.
هزت عفاف رأسها بالنفي وقالت :
لا انا مش هروح غير معاه لو حابة ياقمر تروحي انتي ترتاحي روحي.
تمسك يوسف بحديث عفاف وقال :
أه فعلا لازم تروحي ترتاحي شوية وتغيري هدومك
.استسلمت قمر لطلبه وخرجت برفقته عائدة لمنزلها وفي الطريق تساءل يوسف بدهشة وقال :
هو انتو ليه مش عندكم حد يساعدكم في شغل البيت؟
ردت قمر بتأثر :
بابا مكنش بيحب حد غريب يشوفه كان حابب يكون علي راحته.
اومأ يوسف برأسه متفهمًا وصمت يفكر رمقها بنظرات خبيثة ورسم بعقله خطة اقترب له موعد تنفيذها..