الجزء 19
التاسع عشر
سار كريم بطريقه وذراعه يضم شقيقته بحنان يحتويها ويشد عضدها ليخبرها ويخبر الجميع أنها جوهرته الغالية ولا صحة لما يدور من إساءة حولها، يبتسم بثقة ويتطلع لها ليري نظرة دهشة تعتري عينيها لاتعلم سبب الزينة حولها ومتي وضعت، سارت جوار أخيها آمنة تراقب مايحدث مترقبة لتعرف سببًا لما يحيط بها من زينة وورود، ثوانٍ مرت فتلجمت بأرضها والصدمة اعتلت ملامحها وأمامها مبنى يتوسط الجامعة فيظهر بوضوح للعيان، على واجهته صورة لها بالحجم الكبير يحتضنها أخيها فيها وجوراها الصورة الزائفة وبخط كبير كُتِب على الصورة..
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)
تطلعت ملك لكريم واغرورقت عينيها بالدموع وقالت:
انت عملت دا امتى؟
عقد كريم حاجبيه تزامنا مع رفعه لكتفيه بنفي وقال :
أنا معملتش حاجة ولا أعرف حاجة عن الموضوع دا.
ابتسم براحة مضيقًا عينيه واستطرد قائلًا:
بس كدا عرفت مين اللي عمل كدا كنت واثق انه هيعمل حاجة..
رمقته ملك بتفكير وقبل أن تنطق ظهر أمامها هاني بطلته الساحرة وابتسامة هادئة تزين وجهه، بيده باقة من ورود البنفسج رائعة المظهر وعلى مقربة منهم وقف والدها فاردًا ذراعيه لإبنته أسرعت بخطواتها إليه وارتمت بحضنه فربت علي ظهرها بحنان أبكاها رفع وجهها بيديه وكفكف دمعها وأمسك وجهها وقال :
أوعى تفكرى ان حد هيكسرك وانا عايش وتطلع لكريم وأردف ومن بعدى أخوكي هيسندك.
أمسكت ملك بيده وقبلتها بامتنان وقالت :
ربنا يخليك ليا يابابا
اقترب هاني منهم بوجه متوجم وبحركة جامدة مد يده بباقة الورد قائلا بحزن مصطنع :
يعنى ياحاج افتكرت الكل ونسيتني مش من شوية قلتلي اني بقيت عندك زي كريم وانك هتآمن علي ملك معايا.
مدت ملك يدها وأمسكت باقة الورد باقتضاب وقالت بضيق :
متشكرة لحضرتك ياحضرة الظابط وقفتك معايا وقت متهموني كان فعلا حلو جدا.
زفر هانى بضيق وقال :
على فكرة والله ظلمتيني انا مشكتش لحظة واحدة أنا بس حبيت أثبت للكل براءتك بالدليل مش بالكلام وبس.
اقترب كريم منها ومال على أذنها وقال :
على فكرة معاه حق لو اتكلم كان واحد هيصدق وعشرة لا.
تطلعت لوالدها فغمزها بعينيه واقترب منها هامسًا :
بصراحة اللي عمله خلاه كبر في نظري انتِ مشفتيش وهو بيجري من هنا وهنا عشان يجهز كل دا، دا غير إنه قبض عاللي عملوا كدا عشان يكونوا عبرة لغيرهم ومحدش يفكر يلعب بسمعة بنت.
لاحت بسمة خفيفة على وجهها اتسعت بالتدريج
حين التفتت وجدته جاثيًا على ركبته وبيده خاتم خطبتهم وقال بترجى :
تقبلي تكونى ملكة على عرش قلبي؟
لمعت عينيها بسعادة احتلت وجهها من بعد حزن أرهقها.. انتقلت ببصرها بينه وبين أبيها وأخيها لتعرف رأيهم قبل أن تبدي موافقة أو رفض أغمض سعيد عينيه وابتسم موافقاً و لكزها كريم بخفة وابتسم قائلا:
خلصى يابنتي الواد حمض قدامنا وشكله بقا وحش..
مدت ملك يدها لتمسك الخاتم وابتسمت بخجل هربت الكلمات من فاهها وتضرج وجهها بحمرة خجل زادت من جمالها.
ارتسمت معالم السعادة علي ملامح هاني بشدة وقال بنبرة عاشقة :
تعرفي النهاردة حلم عمري اتحقق،
رمقته ملك بدهشة فاستطرد قائلا :
متستغربيش انا كبرت علي حبك وعشت أحلم بيكي رجعت عشانك وكلي خوفي متقبليش بيا كانت فرحة عمرى يوم ملمحت حب في عيونك والغيرة اللي شفتها لما كنت مع غيرك أكدتلي حبك اللي دعيت ربنا يكون من نصيبي دايمًا.
فرت دمعة فرحة من عينيها تلقفتها مسرعة فرمقها بحب وقال :
دموعك بتخرج من قلبي بلاش أشوفها تاني وأوعدك انك معايا هتضحكي وبس ومش هتعرفى الدموع دى تاني.. الا لو كانت دموع فرحة وكدا
ابتسمت بين دموعها وقالت :
دي دموع سعادة وفرحة علي فكرة.
تطلعت حولها بخجل استعمرها بقوة وتجلت معالمه علي وجهها.
توقف هاني عن الحديث وعينيه أفاضت بكلام خرج بصمت من قلبه ليربط بين قلوبهم ويعلن للعالم ميلاد قصة عشق تجمع طرفيها بأمل لقاء يتكلل برباط مقدس..
ارتفعت أصوات التصفيق والتهليل حولهم وتحولت نظراتهم الغاضبة لنظرات معجبة بتحول الموقف من خزي لفخر ومن حزن لفرح.. أخ محب وأب متفهم وحبيب واثق بحث ليقتلع براءتها من براثنهم ويعيد الأمور لنصابها، واضعًا ياها بمحلها الصحيح ملكة متوجة بأخلاق سامية نشأت وتربت عليها..
عاد الجميع معًا للمنزل ليستكملوا الإحتفال بخطبة إبنتهم.
استهلت جدران المنزل بسعادة عارمة لسعادة ساكنيه، فالجميع فرح بما صار.. واحدة فقط اشتعلت نيران غضبها وثارت بداخلها لتحرق مشاعر أمومتها رفضت الرضوخ لرغبة إبنتها وعزمت على فض الأمر مهما كلفها الأمر..
Marwa elgendy..
صبرٌ، لهفة وشوق لرؤية أحبة طال فراقهم عن العين دهورًا الوقت يمر ببطء فتبدو الأيام شهورًا.
الآن حانت اللحظة المنتظرة والصبر أتى بثماره، دقات القلوب تتسارع، والأنفاس تقطعت إشرأبت أعناقهم؛ تراقب يدى الطبيب تعمل على فك قيود قيدت أرواحهم، قبل أن تخفى عينيه ،
ضمادة تلو الأخري تُسْحَب أرواحهم مع انتزاعها بانتظار نتيجة تتوقف عليها مسار حياتهم ومع كل لحظة يتخبط الجميع بين يأس وأمل صبرٌ أضحى صبرًا تجرعوه بحلوقهم مررها،
وحده الدعاء والتضرع لله يبقى قلوبهم بمحلها فهي اختلجت بحدة حتى كادت تقتلع من جوف صدورهم،
انهي الطبيب عمله فتوقفت الأنفاس وصمتت الأصوات مترقبين ..
اقترب الطبيب بكشاف صغير وسلطه علي عيني نبيل فأغمضها نبيل مسرعًا وشعر بألم بهما ظهر علي ملامحه.
ابتسم الطبيب والتفت لهم قائلًا :
مبروك نجاح العملية الجراحية.
صمتت عفاف وتطلعت للطبيب ببلاهة غير مستوعبة حديثه،
قمر انفرج ثغرها وتطلعت لوالدتها بسعادة وصمتت ثانيةً قبل ان تشرع بنوبة صراخ بسعادة عارمة، وقفزت بمحلها واحتضنت والدتها التي صمتت تمامًا واستسلمت لدمع بارد فرح ينضح من مقلتيها..
ابتعدت عفاف عن قمر واقتربت بخطى وئيدة مرتعشة حنت جزعها وتطلعت لوجهه؛
فتح جفنه ببطء وتثاقل وأغلقه مرة أخري مسرعًا وأعاد فتحها مرة أخري بشوق لرؤيتهم،
رؤيته مشوشة ضبابية تتضح ببطء رويدًا رويدًا ظهرت أمامه حبيبة اشتاق لرؤيتها.
تجلت ملامحها أمامه فابتسم بسعادة، وتنهد برضا مد يديه لوجهها يحتضنه بين يديه ورفع جزعه ليقترب من جبهتها ويقبلها..
اعتدل من نومه وجلس يطالع وجوههم، جذب عفاف لحضنه وشدّ عليها بين ذراعيه وهمس بجانب أذنها قائلًا :
معقول السنين دى كلها ولسة زي منتي جميلة.
ابتعدت عفاف عن صدره وقالت برعشة من شفتيها من فرط البكاء :
معقول يانبيل انت شايفني انت شايف خلاص بجد التفتت خلفها منادية على قمر وقالت بشهقات باكية :
بابا شايف ياقمر بابا هيشوفك زي مكنتي بتحلمي.
شاركتها قمر البكاء واقتربت منهم فجذبها نبيل وقربها من وجهه ورمقها بنظرات طويلة متفحصة وتلألأت الدموع بعينيه وقال :
معقول الجمال اللي بقيتي فيه دا ياقلب بابا انا شفتك بقلبي بس عيني فرحت بشوفتك اوي.
احتضنها هي الأخري بشدة وبكت بداخل حضنه بقوة ابتعدت عن حضنه تقبل وجنتيه بحب سحبت دمعها داخل عينيها وكفكفت من فر منهم بيدها وقالت :
مش هنعيط خلاص كفاية عياط احنا هنفرح بس يابابا.
ربتت قمر علي كتف والدتها فكفكت دمعها هي الأخري وابتسمت بعيونها اللامعة وقالت :
معاكي حق ياقمر كفاية دموع كدا خلاص.
اومأ نبيل برأسه وقال ببسمة :
ياريت والله عشان انا احترت معاكم تزعلوا تبكوا تفرحوا تبكوا مش معقول كدا.
لحظات مرت لاحظت قمر نظراتهم العاشقة لبعضهم ابتسمت قائلة :
أنا هروح أشوف الدكتور هيكتبلنا خروج إمتي
غمزت لوالدها بضحكة وقالت هخليكم براحتكم بقا
استشعرت عفاف الخجل ورمقتها بضيق قائلة لنبيل :
شايف البت بتقول ايه.
تطلع لوجهها بعشق وقال :
والله بت بتفهم حبيبة أبوها بجد بقولك إيه اعملي حسابك هنخرج من هنا ونروح نعمل شهر عسل جديد..
لكزته بخفة وضحكت بسعادة قائلة :
بتقول ايه انت يامجنون مينفعش طبعا.
وضع يديه علي كتفه محل لكزتها وظهر علي وجهه ألم اعتصر ملامح وجهه، ارتعدت عفاف وتوقفت بفزع تتلفت حولها تسرع لتطلب الطبيب ولسانها يردد إعتذار عما سببته له من ألم، وقبل أن تتحرك سحبها نبيل من يدها بقوة واحتضنها قائلًا بضحكة :
انتِ صدقتي علطول كدا يعني تفتكرى ايديكِ دي توجعني؟ ايدك دي تخفف جروحي انتِ بلسمي.
تنهدت براحة وتبدلت ملامحها الفزعة لهادئة تململت بين يديه وابتعدت عن حضنه وقالت بغضب مصطنع :
حرام عليك يانبيل خضيتني هنت عليك كدا توجعلى قلبي.
جذبها مرة أخرى وقال بضحك :
انتِ اللي قلبك بقا خفيف أوي.
رفعت حاجبها بإعتراض وقالت :
بقا كدا يعني الحق عليا اني بخاف عليك.
إبتسم لها ورمقها بعشق ليملى عينيه من عينيها التي طال انتظار رؤيته لها.
جلست قمر أمام غرفة الطبيب وسأمت الإنتظار ، أخرجت هاتفها تعبث به لتقضي علي الملل حتي يأذن الطبيب بدخولها..
جحظت عينها بقوة وهي تنظر بشاشته، واعترتها دهشة عارمة أفقدتها تركيزها وشردت بأفكارها تائهة أخرجها من تيهها صوت ينطق بإسمها التفتت إليه وتضعافت دهشتها..