الجزء 9

الفصل التاسع

كلماته القاها عليها دون أن ينتبه لأثرها عليها فهو لا يرى الحزن على وجهها وإن شعر بيه فتلك المرة جاهد كى لا يشعر،
رعدت السماء بشدة وكأنها تنذره بسوء قوله انهطلت الأمطار متزامنة مع دموعها التى لا تقل عن المطر غزارة،
صوتها كفيل لينقل له صورة عن حزنها بكاءها وحده يكفى تساءلت بحزن دفين قائلة :
ليه؟ أثرت معاك فى إيه عشان تقول كدا!!
انتقل من مقعده وتحرك بخطوات وئيدة حتى وصل أمام النافذة يستجدى من الهواء البارد مايثلج قلبه المحترق وأردف :
كفاية عليكِ كدا اتحملتي كتير وتعبتى كتير شيلتي الدنيا علي كتفك لوحدك كفاية تعبك في المصنع
ابتلعت ريقها بصعوبة وكفت عن الدمع وقالت بثبات :
هو أنا اشتكيت؟ وبعدين انا عملت ايه
دنت منه حتى لامست كتفه واستندت عليه من ظهره وقالت :
انت فاكر انى كنت أقدر لواحدي من غير دعمك فاكر كام مرة حسيت بيا من غير متكلم وجيت وقفت في ضهري تدور علي حاجة تريحهولي وتطبطب عليا؟ لو انت مش فاكر انا فاكرة مواقفك البسيطة دي كانت اقوى دافع ليا خلتني محسش بالتعب فعلا شيلته عني من غير متحس.

التفت حوله ووقفت أمامه وقالت بنبره حنونة :
احنا واحد يانبيل متحاولش تفرقنا مش هقدر أعيش بعيد عنك في جسد يعيش من غير روحه؟
صمت نبيل بحزن لثوانٍ وقال :
أنا الشرط اللى عندى قلته.
صرخت عفاف بقوة وأصابها الهياج الشديد كسرت كل ماوجدته أمامها،
ظهرت معالم الحزن على وجهه وبدأت عينيه تزرف الدمع المحرق بلهيب الحزن.
وصلت أصوات الصراخ لقمر؛ فزعت وهرعت إليهم مسرعة لتعرف مايحدث فهى غير معتادة على هذا الأمر منهم.
فتحت الباب بعد أن طرقته ودخلت متساءلة بلهفة :
فى ايه ياماما حصل إيه؟
استدار نبيل مسرعًا ليخفى دمعه العزيز عنها،
تطلعت لها عفاف وقالت بحزن :
أبوكِ وافق يعمل العملية، أكملت حديثها وهي تتطلع إليه بحزن :
بس شرط يعيش فى دار مسنين لحد ميعملها ولو منجحتش يكمل حياته فيه.
صمت الجميع بترقب لحديثها ، بتر الصمت صوت ارتطام جسدها بالأرض،
لتعلن لهم اعتراضها على حديثهم بغياب عقلها عن وعيه..
صرخت عفاف بقوة وجرت إليها وتحرك نبيل جهة صوتهم مسرعًا ودقات قلوبهم تتحدث عن خوفهم ولهفتهم عليها.
احتضنتها عفاف وبكت لا تعرف كيف تتصرف، صرخ نبيل قائلا :
اتصلى بالدكتور بسرعة!
تركتها عفاف بحرص وجرت مسرعة تتطلب المساعدة من طبيب يقطن بمنزل قريب نسبيًا لهم..

Marwa Elgendy

بمكان آخر بغرفة كريم..
فتحت ملك الباب ودخلت مسرعة انتفض كريم، وأغلق حاسبه بحرج جعلها تندهش؛
قال بغضب :
فى ايه ياملك مش تخبطي الأول!
تنحتحت بحرج وقالت معلش جيت أناديلك للغدا بس قولى الأول اتخضيت أوي ليه كدة؟
عاد بظهره للخلف وفتح حاسبه مرة أخرى وقال :
فكرتك ماما مش أكتر
اقتربت ملك من الحاسب وتطلعت في الصور المفتوحة وقالت :
لسه بتفكر فيها ياكريم؟ بعد السنين دي كلها دا انت كنت طفل لما سافروا.
تنهد كريم بحزن وقال :
عمرى مهنساها انا روحى اتعلقت بروحها من يوم مشفتها فى اللفة، عارفة ياملك والله مش عشان شكلها والكلام دا انا فعلا آخر حاجة أهتم بيها دلوقتي الشكل بس قمر فيها روح عمك واخدة حنيته، انتِ متعرفيش عمك دا حنين قد إيه
زمت ملك شفتيها وقالت :
آه حنين أوي بدليل انه رافض يكلم أخوه الوحيد وطول السنين دى معيش أبوك بقهرته على فراقه.
تطلع مرة أخيرة بصور قمر قبل أن يغلق شاشة حاسبه وتحرك معها وهو يتمتم :
متعرفيش مين صح ومين غلط اللي بينهم كان كبير أوي.
ضمها بحنان أخوي وخرج برفقتها لأمهم التي تستشيط منهم غضبًا.
تزفر بضيق وتخبط الأطباق قبل وضعها على المنضدة.
لكز كريم ملك وأشار لأمها واقترب من أذنها هامسًا :
ليلتنا مش هتعدى النهاردة انا عارف.
سحبت ملك نفسًا طويلًا، أخرجته ببطئ وقالت :
أنا خايفة.. انت بتعرف تهرب والشغل بيخليك تقضى وقتك بعيد لكن أنا اللى بيطلع روحى معاها.
ضحك كريم وكتم ضحكته بعدما شعر بإنتباه أمه، مال على أذن ملك وقال :
تعالى اشتغلى معايا فى العيادة واهربى إنتِ كمان.
تطلعت لهم نعيمة بغضب وعينيها تطلق رصاص يخترق أجسادهم وأشاحت وجهها بعيدًا عنها قائلة :
لو مربية بط كان نفعنى عنكم، أوعوا تقفوا معايا أبدا خليكم علطول فى صف أبوكم وعياله،
اقتربت ملك منها بمشاكسة وقبلتها قائلة :
إيه يانونو اللى بتقوليه دا بس هو احنا عندنا أغلي منك! بس الحكاية اننا مش عاوزين مشاكل مش أكتر. ولا إيه ياكريم؟
سحب كريم مقعدًا وجلس فوقه وقال :
ياماما بصراحة الضرب مينفعش حد يسكت عليه ومهما كان دول أخواتنا وصغيرين وبعدين كفاية البهدلة اللى عايشينها مع مرض أمهم، متبقيش مع الدنيا عليهم.
صمتت نعيمة وبسمة تشفى ظهرت على وجهها وقالت داخلها :
ولسه ياما هتشوفى ياحسناء.
تطلعت ملك لها بدهشة وقالت :
إيه ياماما هتفضلى واقفة يلا بقا أنا ميتة من الجوع.

فى الطابق الأعلى
عادت حسناء من الخارج ودلفت لشقتها تجر قدماها بصعوبة بصحبتها (حميدة) التى وظفها سعيد لمساعدتها،
وجهها شاحب، نفسها بطيء، هالات سوداء ارتسمت بحدة بمحيط عينيها،
تقارب زمن عودتها مع عودة سعيد فدخل اليها بلهفة قائلا بأسف :
عملتى ايه ياحبيبتي معلش عارف اني قصرت ومجيتش معاكِ بس غصب عنى انتِ عارفة شغل الجملة كل شوية مع تجار من شكل.
رفعت حسناء يدها تصمته قليلا وعلى وجهها ابتسامة محبة وقالت :
ياحبيبي مش محتاج مبررات انا عارفة لو فى ايديك تيجي معايا هتيجى.
تنهد براحة ولثم يدها المرتكزة فوق شفتيه وقال :
طب طمنيني الدكتور قالك ايه؟
هزت رأسها بحزن وقالت :
مش عارفة ، تالت دكتور ويحتار انا مبقيتش فاهمة فى ايه ياسعيد بجد انا تعبت أوي مش بقدر اعمل اي حاجة لوحدى.
احتضنها سعيد بحب جارف وقال :
معلش ان شاء الله خير لو فضلتى تعبانة كدا هسفرك برا تتعالجى متخافيش.
استكانت بين ذراعيه وقالت :
انت أكيد جعان مش كدا؟
هز رأسه بعنف قائلا :
جدا ومستنيكِ.
تطلعت حولها متسائلة:
أمال العيال فين؟
مش عارف فين فعلا ملهمش صوت
تحركت لغرفة ريم وفتحتها ببطئ وتفاجأت من رؤيتهم، اقترب سعيد منها تخطاها واقترب منهم، دثرهم فى فراشهم جيدًا وابتسم بحب وتحرك ببطىء خارج الغرفة،
سحبها من يدها بحنان وجلس جوارها تبسمت قائلة :
عيالك واخدين حنيتك ، شايف بيحبوا بعض ازاي.
تنهد بحزن قائلا:
فكرونى بيا انا ونبيل زمان ترقرقت عينيه بدموع وقال :
تعرفى اما امي ماتت مكانش بينام غير جمبي لازم افضل حاضنه وحاطط دراعى عليه طول الليل فضل كدا سنين، تعرفى دا أكتر سبب كان مخليني نفسى أشوفله عيال كتير يكون قلبهم على بعض.
ربتت علي يديه بحنان وابتسمت قائلة :
ربنا يجمعكم من تانى يارب.
سحب نفسا طويلا وهدأ قليلا وقال :
خير ان شاء الله، يلا هخلى حميدة تجهز الأكل
هزت رأسها قائلة :
ياريت والله بس هصحى العيال يتغدوا معانا.
رفع حاجبيه باعتراض قائلا:
سيبيهم نايمين شوية وحشك الزن بتاعهم يعني.
ضحكت قائلة :
اه والله انا كدا من صغرهم طول مهما صاحيين مطلعين عيني وأول ميناموا يوحشوني.
رفع يديه بالهواء مستسلمًا وضحك قائلا :
ربنا يهديكم والله.
استقام من جلسته وقال مناديا :
حميدة ياحميدة جهزى الغدا لو سمحتى.
ردت قائلة :
حالا يااستاذ سعيد.

عند قمر
ثقل جفنيها حال دون فتحها لهم، أطرفت بهم عدة مرات حتى فتحت عينيها ببطئ،
ابتسم (مراد) طبيب في العقد الخامس من عمره
جمع حقيبته بعد أن اطمأن على صحتها وخرج من الغرفة متوجها للخارج وأثناء خروجه والقاءه التحية قال :
حمد الله عالسلامة ياآنسة قمر.
تطلع لوالديها وقال :
ياريت بلاش انفعالات ياجماعة لو سمحتوا اللي حصلها كان انهيار عصبى.
انهى كلماته وأكمل طريقه خارج المنزل..
اقترب نبيل منها وخرجت عفاف برفقة الطبيب.
جلس نبيل علي مقربة منها مد يده بالهواء يتحسسه ليصل اليها..
مدت يدها تمسك يده، ترشدها لوجهتها فتحسس وجهها وقال بحزن :
سامحيني ياقمر غصب عنى حسيت انكم زهقتوا وتعبتوا منى.
بكت قمر واقتربت منه تحتضنه قائلة :
متقولش كدا يابابا انت متعرفش احنا بنحبك قد ايه انا مقدرش اعيش من غيرك ثانية واحدة حتى.
ربت على شعرها وقال :
ربنا يخليكي ليا ياحبيبتي
اقتربت منهم عفاف وظهر عليها التأثر وقالت :
ياريت الموضوع دا ميتفتحش تانى ولا الخروج من البيت ولا العملية حتي ولو حصل وحبيت تعمل عملية يبقا قرار منك لوحدك مش هيكون لينا دخل فيه
تبدد الأمل بقلب قمر وشعرت بالحزن ولكنها التزمت الصمت ودعت من قلبها ان تتم العملية برغبة والدها ويعيد الله اليه بصره مرة أخرى.

لم يمر وقت طويل حتى رن جرس الهاتف.
ردت عفاف وبعد ثوانٍ من الحديث ظهر على وجهها معالم الدهشة العارمة.....


إعدادات القراءة


لون الخلفية