الجزء 20

الفصل العشرون.

أغلقت قمر هاتفها على عجالة وتطلعت للصوت المنادى خلفها، ابتسمت بمجاملة له وقالت بصوت منخفض :
أهلا مستر زين نورت.
بادلها زين البسمة ولكنها تختلف عن بسمتها فبسمته لعاشق قر عينيه برؤية حبيبته، وقال :
حمد الله على سلامة بابا، على فكرة أنا متابع مع الدكتور خطوة بخطوة وعرفت أنه هيكتبله خروج النهاردة.

عقدت قمر حاجبيها بدهشة تلتها إبتسامة واسعة وقالت :
يعني إنت عرفت بابا هيخرج أمتي قبل معرف أنا!

رفع حاجبه بثقة وأردف بزهو :
انا أعرف كتير أوي قبل أي حد.

مطت شفتيها وابتسمت نصف بسمة وقالت :
طب طالما عرفت أنه هيخرج النهاردة ملوش لزوم أستني الدكتور بعد إذنك هروح أعرفهم يجهزوا.

تحركت من أمامهم خطوتين فأستوقفها قائلًا :
استني ثواني.
التفتت له ورمقته بنظرة تساؤلية فاستطرد قائلًا :
انتِ كويسة؟
هزت رأسها بتفهم مضيقة عيناها وقالت :
أيوه كويسة.
همت للرحيل مرة أخري فجذبها من يدها وقال بنبرة حازمة :
قمر شكلك مش طبيعى لو في حاجة عرفيني وأنا هتصرف لو سمحتى ثقى فيا.
تطلعت لعينيه فاستشفت صراحة في حديثه، شردت تفكر قليلًا حاولت التحدث ولكنها ابتلعته وترددت فى مصارحته بما يشغلها وابتسمت قائلة :
لو في حاجة حصلت هعرفك بيها بس حاليا مش شاغل بالي غير إمتحاناتي اللي قربت ولسه مجهزتش ليها.
ترك يديها وتنهد براحة قائلًا :
خلاص لو احتجتي مساعدة في مذاكرتك كمان أنا موجود.. تحرك جوارها والبسمة علي شفتيه أشار لها بيده لتتحرك وقال :
هتطمن علي نبيل بيه وأباركله قبل مروح.
أومأت برأسها قائلة :
أكيد اتفضل.
تحركت جواره مشتتة لا تعلم وجهة لتفكيرها ومضات تضيء بعقلها بذكريات بعيدة، ارتسمت دومًا في منامها حلم تشبثت به وتخطت به صعاب كثيرة..
تلمح بعيني زين بريق يتوهج بقربها منه، أما هي فعينيها جامدة كلوح من الثلج لا تملك بالحياة تجارب متعددة ولكنها تعلمت درسًا كاد يكلفها حياتها، فتعلمت كبح جماح قلبها والتريث باختيارها،
وقفت أمام غرفة والدها وطرقت الباب بخفة قبل أن تلج بنصف جسدها، مطلة عليهم برأسها بمرح وضحكت قائلة :
أدخل ولا مش عايزين إزعاج؟
اعتدلت عفاف فى جلستها وابتعدت عن يدي نبيل الذي رفض بالبداية تركها ولكنه رضخ بصعوبة لطلبها وقال بضحكة مرحة :
تعالي ياقمر حياتنا..
تذكرت قمر بأمز زين فالتفتت له وجدته مبتسم ويحاول بشدة كتم ضحكة عالية محافظًا ببأس على وقاره.
طرقت بطرف يدها على رأسها وقالت :
نسيت خالص مستر زين جه يطمن على بابى. فتحت الباب كاملًا، سحب زين نفسًا طويلًا وتحكم في وقاره المعتاد ودلف للغرفة بخطوات ثابتة، علي وجهه إبتسامة وقور تألق بها كعادته وقال بهدوء :
حمدالله عالسلامة يانبيل بيه واسمحلي بالمناسبة دي أنا عازمكم كلكم تقضوا شهر فى الفندق بتاعى في أمريكا.
شهقت قمر بسعادة وارتفع حاجبها انفرج فاهها فرمقها والدها بنظرة غاضبة، تفهمتها فشعرت بخحل وتطلعت بالأرض ولم تنطق ببنت شفة.
ابتسم نبيل لزين وقال بنبرة شاكرة :
والله يامستر زين.
قاطعه زين قائلًا بحزم :
زين بس حضرتك في مقام والدي.
ابتسم نبيل واستطرد قائلًا :
تمام يازين متشكر لعرضك الجميل هنفكر ونرد عليك.

راقبت عفاف نظرات زين الحائرة ومحاولته لسرقة نظرة من قمر وابتسمت فرحة..
أما نبيل فاشتعل غيظًا وبنظره إبنته ارتبطت بعلاقة بيوسف ولا يمكن السماح بنظرات الإعجاب تلك.
إستغرقه لحظة من التفكير حتي قال :
أمال خطيبك فين ياقمر؟
إرتبكت قمر وعفاف وظهر عليهما التوتر ورد زين باقتضاب وقال :
دا بني آدم حقير.
قاطعته عفاف بمحاولة لإخفاء الأمر مؤقتًا خوفًا على زوجها من الصدمة وقالت :
مش وقته الكلام دا يا زين بعدين نتكلم فيه.
إقتضب نبيل وغضب بشدة وقال بحزم :
لا أنا عاوز أعرف ومش انتوا اللي هتحددوا الوقت لو سمحتوا عرفوني حصل إيه؟
أنهي حديثه وتطلع لقمر فوجد وجهها يتغير وملامحها تنكمش برعب وعينيها هددت بفيض من الدمع فزاد قلقه واعتملت المشاعر داخله،
انتقل ببصره لزين وقال :
لو سمحت يازين عرفني اللي حصل.

تطلع له زين فوجد بعينيه إصرار لمعرفة ماحدث؛ تنفس بهدوء وسحب مقعدًا جلس جواره وشرع يقص عليه ماصار. ونظرات نبيل تعلقت بوجه قمر ولمح عليه رعب وألم وكأنها عايشت الموقف مرة أخرى، أغمض عينيه بألم ورفع يديه لزين قائلًا :
كفاية كفاية مش قادر أسمع أكتر.
صدح بكاء قمر عاليًا وتعالت شهقاتها فالتفت لها الجميع بعيون امتلأت بالحزن وفتح لها (نبيل) ذراعيه فاقتربت منه واستكانت بين ذراعيه وهو يربت علي ظهرها بحنان ويقبل رأسها قائلًا بخفوت :
حقك عليا أنا مكنتش موجود أحميكي دايما كنتي لوحدك. انتِ وأمك شيلتوا كتير وأنا عاجز مش قادر أساعدكم.
اقتربت منهم عفاف وقالت بحزن :
خلاص يانبيل الحمد لله ربنا عداها علي خير وانتِ ياقمر إنسي وإحمدي ربنا أن زين وصل في الوقت المناسب.
التفت نبيل لزين وقال بإمتنان :
أنا لو فضلت عمرى كله أدور على طريقة أشكرك بيها مش هلاقي..
ابتسم زين وقال :
في طريقة.
صمت يراقب ملامحهم واستطرد قائلًا بإبتسامة تعتلي وجهه :
تقبل الدعوة وتحسسوني اني ليا عيلة أنا بصراحة محتاج أفصل شوية من الشغل محتاج أجازة بس مش لوحدي، تطلع لقمر بطرف عينيه وقال :
مع عيلة حاببها.
ابتسمت عفاف وغمزت لنبيل بموافقتها فإنفرج فم نبيل ببسمة خفيفة وقال :
معنديش مانع وأهو نغير جو كلنا.

بمكان آخر بمنزل متطرف لا يعيش على مقربة منه أحد
جلست نعيمة بالقرب من سيدة أكلت السنين من جسدها ووجهها حتى اهزلته ورسمت السنون علي وجهها وديان عمقها بعمق الشر داخلها.

صوتها كفحيح الأفعى ونظراتها مريبة تطلعت بقطعة من القماش مدتها نعيمة لها وقالت بحزم :
انتِ متأكدة من اللي هتعمليه؟
صمتت نعيمة قليلًا تفكر وهزت رأسها بعنفوان قائلة بحزم :
أيوه خلصيني من الجوازة دي بأي شكل.
ومتنسيش تجددي عمل التانية مش عارفة ماسكة في الدنيا كدا ليه كل الناس بتقول أعمالك بتجيب الأرض ودي مش راضية تتحرك.
إبتسمت العجوز مظهرة أسنان تآكلت وما تبقي منها سوادها مقيت وقالت :
كله بأوانه متقلقيش هتنولي كل مرادك بس الأسياد ترضى.
أخرجت نعيمة مبلغ من الأموال ووضعته بيدها وقالت بتمنى :
يارب يرضوا عني ويعملوا اللي بتمناه.
تبدل صوت العجوز وقالت بصوت مهيب :
أخرجي استني برة وأما اناديلك أدخلي.
ارتعدت فرائص نعيمة واختلج جسدها برعشة مرتعبة من صوتها فقامت مسرعة وخرجت وهي ترمقها بنظرات مرتابة.

في المنزل جلست ملك بغرفتها ومعها ريم أختها وجوارها حسناء ترمقها بحب وسعادة تساعدها على إنهاء زينتها.
انتهت ملك وظهر جمالها البسيط بلمسات بسيطة من أدوات التجميل و ثوب طويل بلون الزمرد الزاهي وعلى رأسها حجاب فضى اللون بسيط ومع بساطتها ظهرت أميرة فى يوم تتويجها ملكة على عرش مملكة عريقة.. مملكة الحاكم بها قلبها والمحكوم عقلها وروحها. إبتسامتها تزين وجهها حتى تذكرت غياب والدتها فعبست بحزن وتساءلت :
طنط حسناء هي ماما لسة مجاتش من المشوار اللي قالت هتروحه؟
تنهدت حسناء بغضب وارتفع حاجبها مع نصف شفتها وقالت :
مجاتش وبصراحة مش فاهمة يعني إيه تروح تزور صاحبتها يوم خطوبة بنتها دا لو بتموت مش تعبانة بس.
تطلعت ملك لريم وقالت :
معلش ياريم ممكن تشوفيها جات برا ولا لا؟
تطلعت ريم لوالدتها لتستطلع رأيها فأومأت برأسها وقالت :
إطلعي ياحبيبتي أبوكي برا وأخوكي كمان متخافيش مش هتعملك حاجة.
ربتت ملك علي كتفها وقالت بحزن :
معلش ياريم حقك عليا أنا ربنا يهديها إن شاء الله
@marwa Elgendy
ابتسمت ريم بمجاملة وقالت :
عادي ياملك كله يهون عشان خاطرك وخاطر أبيه كريم.
قبلتها ملك من وجنتها بحب وقالت :
طب روحي إسألي كريم وخليه يتصل عليها الناس قربوا يوصلوا وهي مش موجودة.

اقتربت منها حسناء وقبلتها من وجنتها وقالت بحب :
ألف مبروك ياحبيبتي ومتزعليش اني مش هعرف أحضر أنا انتهزت فرصة ان والدتك مش موجودة وقلت أباركلك.
أمسكت ملك بيدها وقالت بترجى :
خليكي ياطنط حسناء احضري خطوبتي ماما مش هتعمل مشاكل .
ابتسمت حسناء وقالت :
حاضر ياملك هفضل عشان خاطرك وربنا يستر.

أبواق سيارات دوت عالية دلالة على حضور العريس بفرحة عارمة تبادلها الجميع وارتفع صوت الأغاني ليؤكد حضوره.
تسارعت دقات قلب ملك بسعادة وهي تسترق النظر من نافذة غرفتها؛ فلمحته يترجل من سيارته ببدلة زرقاء اشتدت بها وسامته وحسدتها عليه عيون الفتيات من الجيران والأقارب.
دخل كريم الغرفة عليها فوجدها تراقبه من خلف النافذة؛ ابتسم واقترب منها بخفة وطرق بأصابعه خلف أذنها فارتعشت بفزع؛ رمقته شزرًا وقالت بغضب مصطنع :
حرام عليك ياكريم دا انت دكتور وفاهم والله كنت هتوقف قلبى.
ضحك كريم علي مظهرها واقترب منها بإبتسامة سعيدة وقال :
قلبك ايه اللي يقف وأنا رحت فين إن شاء الله. لكزها بكتفها بخفة واستطرد قائلًا :
بس إيه الجمال دا كله؟ ينفع كدا كل دا يجي هاني عالجاهز ياخده مننا!
تبسمت ملك بثقة وقالت :
علي فكرة بقا محدش يقدر ياخدني منكم مهما كان.
ربت علي كتفها بحنانه الأخوي التي اعتادت عليه منذ صغرها وقال بحب :
ربنا يخليكي لينا ياأجمل وأرق عروسة.
رفع يده له فتأبطتها وخرج معها وارتسم على وجهها الخجل وعلي وجهه السعادة والحبور..
اقترب والدها منها وقبل رأسها وتساءل بمزاح قائلًا :
انتِ موافقة عالجدع دا بجد ولا نمشيه ونفضها سيرة؟
تطلع له هاني بدهشة وانتقل ببصره لوجهها يراقب انفعالها فلمح بريق عشق بعينيها وتسلل خلفه خجل سحق داخلها وأشعل وجنتيها بحمرته فأكتفت بإماءة من رأسها تبدى بها موافقتها، تسارعت على أثرها دقات قلب هاني واقترب يمسك يديها فأوقفه سعيد قائلًا :
لا عندك قدامي بقا عالمأذون ونكتب الكتاب الأول زي متفقنا.
جحظت عين ملك بدهشة وسعادة وتطلعت لكريم فغمزها بطرف عينيه وقال :
كدا أحسن عشان تكونوا علي راحتكم والفرح بعد الإمتحانات علطول.
اقترب هاني من سعيد وقال بإمتنان :
انا بجد مش عارف أشكرك إزاي ياعمي علي ثقتك الغالية دي.
ربت سعيد علي كتفه وقال :
انا واثق إنك قد الثقة دي.

عند قمر
وصلت العائلة لمنزلهم وما ان خطت قمر داخله حتي تذكرت ماحدث لها واعتراها فزع أهلكها، انتفض جسدها وتذكرت طيفًا لمحته وهي بمحنتها ومض بعقلها ومضات من طفولتها، تطلعت لها والدتها وتساءلت بريبة :
قمر حبيبتي انتِ كويسة؟
تنهدت قمر وقالت :
أيوة ياماما الحمد لله كويسة محتاجة بس أرتاح بعد إذنك هطلع أوضتي.
ردت قائلة بحزن :
إطلعي ياحبيبتي وزي مقلتلك حاولي تنسي واحمدي ربنا إنك بخير.
صعدت قمر غرفتها وأغلقت الباب استندت بظهرها عليه وخرجت منها تنهيدة اهتز صدرها بها، أخرجت هاتفها وأعادت فتح الرسائل التي قرأتها وتمعنت بحروفها وقالت لنفسها :
معقول دا اللي بشوفه دايمًا في الحلم! أنا إسم كريم دا مش بيخرج من بالي أبدًا ياتري إيه الحكاية ولو هو زي مكاتب إنه كان قريب منى أوي واحنا صغيرين ليه بعدنا؟
سارت بخطوات متعثرة حتى وصلت لفراشها وألقت بجسدها عليه تحملق بالفراغ أمامها شاردة بذهنها تبحث داخله عن ردود مقنعة لتساؤلاتها وأخيرًا قررت أن تتحدث مع والدها بعد أن تكتمل رحلة شفاؤه..

بمكان آخر

أنهي المأذون كلماته وتم عقد القران ومع كلمة تشعر ملك بضيق يملأ صدرها كادت عينيها تذرف دمعًا من فرطه؛ تتلفت حولها بدهشة لا تفهم ما يحدث لها قرب المأذون الدفتر لها لتخط بالقلم حروف إسمها فينتهي الأمر ويعلنهما للعالم زوجًا وزوجة، أمسكت القلم بيد ترتعش وبصعوبة بالغة قاومت وخطت إسمها وعلت صوت الزغاريد، وتقدم الجميع بالتهنئة وهي زائغة العين لا تفهم مايحدث لها
وصلت نعيمة أخيرًا ووقفت ترمقهم بصدمة مهولة وضعت يدها علي خدها وتذكرت تحذير العرافة لها، (لو فضل متمسك بيها بعد العمل دا هتتأذى هي)
قطع الندم أوصالها وهي تتابع إبنتها وتحول وجهها ومع اقتراب هاني منها ليبارك لها ونفسه صُدِمَ الجميع بشدة لما حدث..


إعدادات القراءة


لون الخلفية