الجزء 12

الفصل الثانى عشر

ليلة صعبة قضتها ملك؛ لم تغب آثارها عن محياها بعد، انتفاخ جفنيها وشحوب وجهها وهالاتها السوداء، تحدثت عن نيران أُضرمت بداخلها أنهت محاضراتها بصعوبة وهامت تتوسط صديقاتها بخطوات وئيدة حتى وصلت لمقصف الجامعة، تدور الأفكار برأسها وعقلها يطرح تساؤلات عدة، يتحدثن من حولها ولا تشعر بهن؛ عقلها غرق فى غياهب الفكر يطرح تساؤلات وينتظر إجابتها..
هل ارتبط بفتاة أخرى؟ هل يبحث عن زوجة له أم وجد بالفعل؟ لا تعرف إجابة لأسألتها ولكنها تعرف أنه لم يفكر فيها أبدًا..
الآن أمام عينيها إجابة واضحة لسؤالها، إجابة جعلتها تنتفض قهرًا، كَمَدَ وجهها من فرط الحزن، أشاحت وجهها للجهة الأخرى مسرعة قبل ان تقابل عينيه بعينيها المكتنزة بدمعٍ تسعى جاهدة لتحكم محبسه..
استدارت وأذنها ظلت تلتقط صوت ضحكاتها الرقيعة ، وصوت ضحكه يرتفع، يهز وجدانها يدمي قلبها، همست إحدى صديقاتها قائلة :
إيه دا هى ميرنا دى كل يوم مع واحد!
تطلعت لها بغضب وقالت :
ملناش دعوة بحد كل واحد حر فى حياته، اهى ياسمين جايه اهى يعنى دقيقة و نمشى من هنا.
قبل أن تمضى الدقيقة لمحها هانى، تطلع لها وقال بصوت مسموع :
ايه دا مش دى ملك؟
تطلعت ميرنا صوبها وقالت بدهشة :
أيه دا إنت تعرف المعقدة دي؟
رفع حاجبه بتساؤل وقال بضيق:
ليه بتقولي كدا؟
ابتسمت بسخرية قائلة:
هتعرف دلوقتى.
خطت (ملك) خطوة لتبتعد بعد أن وصلت من تنتظرها من رفيقاتها فباغتها صوت أنثوى ينادى بإسمها؛
نكزتها صديقتها قائلة :
كلمى بتناديلك.
تسمرت بمكانها ثوانٍ قليلة؛ سحبت نفسا طويلا استمدت منه قوة زائفة واتجهت نحوها مدعية الإبتسامة
مدت ميرنا يدها بالسلام قائلة:
ازيك ياملك عاملة ايه؟
صافحتها ملك وابتسمت بمجاملة قائلة :
الحمد لله بخير بتنادى ليه محتاجة حاجة.
أشارت ميرنا بإصبعها لهاني وقالت :
هاني بيقول انه يعرفك
تطلعت له وقالت :
آه فعلا دا صديق لدكتور كريم أخويا.
تطلعت لهم ميرنا بدهشة قائلة :
يعني فعلا تعرفوا بعض كدا مش محتاجة أعرفكم بقا.
تعرفيني علي مين دى أخت صاحبي وعارفها من وهى بيبي يعني تعتبر زى أختى.
أنهى حديثه ومد يده لها يصافحها؛ تطلعت ليده قليلا وقالت بصوت خفيض :
آسفة مش بسلم.
أخفض يده بخجل، ابتسم بحرج وتلجلج لسانه بالحديث قائلا :
ولا يهمك.
اعتذرت ملك قائلة :
بعد إذنكم لازم أمشي
تطلعت لميرنا قائلة بحزم :
بعد إذنك ياميرنا لما تكوني واقفة مع حد تاني بلاش تناديني؛ كابتن هانى زى مقالك مش غريب بس محبش حد يشوفنى واقفة مع واحد مفيش بينا أى علاقة شرعية.
مطت ميرنا شفتيها بسخرية بعد أن ادارت ملك ظهرها وقالت بضحكة :
مش قلتلك معقدة.
ابتسم هانى وشرد بعقله وعينيه أبت ان تتركها حتى ابتعدت فى الأفق.
أشارت ميرنا بأصابعها بوجهه، طرقعت بهم أمام عينيه؛ انتبه لها فوجد علامات الضيق ارتسمت على وجهها اعتذر قائلا :
معلش ياميرنا مخدتش بالى كنتي عاوزه حاجة.
رفعت حاجبها ونصف شفتاها باقتضاب وقالت بغضب :
لا شكرا مش عاوزه بعد إذنك رايحة أشوف محاضراتي.
هز رأسه لها موافقًا وقال :
أوك روحى انتي انا هرجع شغلى.
زفرت بضيق وشعرت بشيء ما يحدث لا تفهمه.
رحل من أمامها وتركها دون مبالاة كأنه وجد حجة للهرب من أمامها.
Marwa Elgendy
فى المنزل

وصل كريم متعبًا من يوم عمل شاق؛ ألقى التحية على أمه، دلف لغرفته
سحب حاسبه من حقيبته وفتحة، قرأ البريد الوارد وابتسم بسعادة،
أخرج هاتفه وأجرى اتصالا بوالده
: ألو أيوا يابابا ازى حضرتك
صمت قليلا ليتلقى الرد عبر الأثير وأردف :
صاحبى كلم المستشفى ورد عليا دلوقتي بس نجهز ورق السفر وقريب أوي هتكون مسافرة بإذن الله.
ابتسم قائلا :
ان شاء الله خير مع السلامة.
أغلق هاتفه بعد تلقيه الرد.
رفع رأسه وتفاجأ بأمه أمامه وعينيها تطلق شرر مشتعل قالت بغضب :
هتسفر مين ياسي الدكتور، عاوز تعالج ضرتي!!
ازدرد ماء حلقه وقال :
ياماما المرض مفيهوش كره معلش أنا مقدر غيرتك علي ابويا بس بصراحة الست بقالها سنين بتعاني.
زفرت بضيق قائلة بصوت كفحيح الأفعى :
متتعب ولا تغور فى داهية انت مالك انت.
اقتربت منه وجذبته بعنف من ملابسه قائلة بحدة :
إنت إبني أنا مش إبنها فاهم ولا لا.
أمسك يدها بحنان وقال بنبرة هادئة محاولًا امتصاص غضبها :
ياأمي ياحبيبتى أنا بتعامل معاها على أساس إنى دكتور وهي مريضة عندي مش أكتر.
ردت بضيق :
يعنى مفيش فايدة فيك؟
بدأ صبره ينفذ، استطرد باقتضاب :
ياماما كفاية بقا كفاية أرجوكى سنين عايشين فى عذاب مش كدا، مشى عمى ومراته بدأتي مع مرات أبويا، شوية سلام فى البيت دا بقا احنا تعبنا بجد.
تغيرت نبرتها للإستعطاف وقالت بحزن :
وأنا يعنى اللي عاملة المشاكل فى البيت كدا ياكريم
بدأ البكاء يطغى على حديثها
وخرجت من امامه مسرعة..
ألقى بجسده على مقعد مكتبه وتسلل الضيق لقلبه، فرك ذقنه بيده بضيق واراح رأسه للخلف، تنهد ببطيء مستجديًا القليل من الراحة.
اعتدل مسرعًا وكأنه تذكر أمر هام، فتح حاسبه وأخرج صور قمر وتطلع لها بحب جعل الراحة تتسلل لقلبه مرة أخرى.
??????
ماذا لو تلاعب بنا القدر ليضعنا أمام أمر لم يكن يوما في الحسبان؟
سينصاع الجميع راضخين لأمر القدر سنسير هائمين وجهتنا تغيرت، طموحنا تبدل، كل الأحلام تناثرت وحل محلها أحلام جديدة ، اليوم خطوت أولى خطواتى بحياة جديدة، ربما كانت انتصار جديد سيضاق لقائمتى وربما كانت هزيمة مريرة لا أعرف ولكن سأنتظر أحكام القدر وأرضخ لها فمن منا لايفعل..

كلمات مبهمة نشرتها على حسابها بمواقع التواصل الإجتماعى حاول كريم فهمها لم يستطع؛

أرسل لها بالخاص رسالة لا يعرف هل ستصلها هذه المرة أم انها لن تلاحظها كما سبقها من محاولات
(أميرتى الصغيرة أربكتنى كلماتك بشدة ولأول مرة لم أفهمها، كم أتمنى لو وصلتك رسالتى وأرسلتِ توضيحك لى ليتك تعلمين كم كان قلبى ومازال بك متعلق)

أغلق حاسبه وجلس يفكر فى كلماتها يعيدها بداخله مرارًا وتكرارًا، وغزه قلبه وابتلع ريقة بصعوبة محاولا النجاة من هذة الغصة بحلقه.
تنهدًا قائلا لنفسه :
لا مش معقول يكون قصدها ارتباط..
أخرج أوراقه من حقيبته يطالعها ويحضر مايلزم لعمله وقبل أن يبدأ،
طرقة خفيفة على الباب تنبه لها وتطلع صوبه مجيبا بصوت رخيم :
اتفضل..
دلفت ملك بهدوء بوجه متجهم وقلب مكلوم،
جلست أمامه تذرف دمعها الحارق
تطلع لها بحزن اقترب منها وقال بلهفة متساءل :
فى ايه ياملك حصل ايه ضايقك كدا.
تطلعت له قليلا تحاول السيطرة على البكاء لتقوى على التحدث وقالت ببحة ظهر عليها الحزن :
هاني كان فى الجامعة مع حبيبته .
ضيق عيناه بضيق، سحب نفسًا وأخرجه ببطيء قائلًا :
طب انتِ زعلانة ليه ياملك مش من امبارح وانتِ عارفة انه احتمال كبير يكون مرتبط.
أخفضت رأسها بحزن وقالت :
اتخنقت أوي لما شفته، عارفه والله انه مش من حقى وعارفه ان الغلط غلطى انا عشان اتعلقت بواحد ميعرفنيش غير على أساس انى أختك؛ بس غصب عنى اتخنقت أوي وخصوصا لما نادتلى تعرفنى عليه.
رفع حاجبه بدهشة متساءلا :
نادتلك؟ ازاي يعني وانتِ وقفتي معاهم في الشارع عادى كدا.
أخفضت صوتها بخجل وقالت :
معرفتش أقول ايه رحت بس مرضيتش أسلم عليه وقلتلها متناديش تاني وهي معاها حد.
تطلع لها بفخر وزهو واقترب منها قبل رأسها بحب وقال:
متوطيش راسك قدامي مليون مرة قلتلك انا مربيكي وعارف أخلاقك وواثق فيكي أوي، المهم دلوقتي عاوزك تفهمى حاجة
التقط دمعة من على خدها وقال :
دمعتك دى غالية عندي أوي مش عايز أشوفها تانى واتأكدى لو ليكى خير فيه هتاخديه ولو ملكيش خير فيه يبقا ربنا عاينلك الأحسن عشان انتِ تستاهلى كل خير.

ابتسمت براحة بعد حديثه واقتنعت بقوله،
ضحك واستطرد قائلا :
بقولك ايه مش كل يوم تزعلى وأخرجك وأصرف عليكي قد كدا انا لسه بكون مستقبلى ياهانم.
تبدل بكاءها بضحك فتسللت الراحة لقلبه.

بنصف آخر من العالم..
جلست قمر مع امها وعقلها بمحل آخر غير محله تتذكر ماحدث منذ قليل، تبتسم بصمت دون حديث
تراقبها أمها وشعرت براحة لسعادة إبنتها،
اقتربت منها عفاف وقالت بنبرة حنونة :
ها ياقمر مسمعتش رأيك؟
لم تنتبه قمر لها عقلها وفكرها فى تلك النظرات الساحرة التى أسرت قلبها وأربكت وجدانها وتسلل ببراعة لقلبها الذى أغلقت نوافذه دومًا بخوف من أمور العشق والجوي.

رفعت عفاف صوتها وأعادت التساؤل مرة أخري،
انتبهت قمر لارتفاع الصوت دون ان تلتقط الحديث فقالت :
بتقولى حاجة ياماما؟
ضحكت عفاف بشدة على حالتها وقالت :
لااااا دا انتِ مش هنا خالص.
ابتسمت قمر بخفة وكست الحمرة وجهها من فرط الخجل.
اقتربت عفاف منها وقالت :
تحبى أكلمهم وأرفض.
جحظت عين قمر وتوترت قائلة :
ليه ياماما مش كانوا عاجبينك حصل إيه بس.
ارتفع صوت ضحكها وجاء نبيل على صوتهم بعد أن استعد للخروج وزيارة الطبيب، قال بدهشة :
بتضحكوا على ايه؟
ردت عفاف من بين ضحكها قائلة :
أبدًا مفيش أصل بقول يعنى نرفض العريس دا، فقمر اتضايقت.
توترت قمر واشتد خجلها وقالت لأمها بنبرة معاتبة :
فى ايه ياماما أنا مقلتش حاجة اللي شايفينه أعملوه.
اقترب نبيل منها بحذر ومد يده حتى لامس وجهها وقال بحب بالغ :
مبروك ياحبيبة أبوكي كان نفسى أشوف شكل عريسك.
ترقرقت الدموع بمقلتيها وقالت بتمنى :
هتشوفه يابابا متأكدة ان العملية المرة دى غير كل مرة.
ربت على يدها قائلا :
ان شاء الله ياحبيبتي.
اقتربت عفاف منهم قائلة طب يلا بينا بقا عشان منتأخرش على معاد الدكتور.
تحركت عفاف ممسكة يد نبيل وخلفهم قمر شعرت باهتزاز هاتفها أخرجته وتطلعت لشاشته ووقفت قليلا، تطلعت عفاف خلفها وجدتها تنظر لشاشة الهاتف والدهشة تحتل معالمها فتسللت الدهشة إليها كعدوى تنتشر بلمح البصر..


إعدادات القراءة


لون الخلفية