الجزء 6

الفصل السادس

يوم توشح بالسواد وملأ كافة أركانه.. بكاء حار، عويل آهات حسرة وحزن مرير
قلوب منفطرة، عيون بالحزن مشتعلة تظهر آلام إجتاحت أرواحهم وهشمتها
الناس تهيم بسيرها أقدامهم الحزن أثقلها وبينهم تسير عفاف ببطئ
مكفهر وجهها وحزن ينبثق من عينيها المضجرة بحمرة إنسياب الدمع
تتلفت حولها وكأنها فقدت صوابها، لم تعد تفهم أين هى وماذا تفعل.. من هؤلاء ماعملهم، لم النحيب! لم العويل
كفاكم صراخ يدمي القلب لا شيء سيء حدث يستوجب هذا الكم من الحزن.
ولكن مهلا ماهذا أهذا حبيبها!! نديمها!! زوجها ورفيق دربها سندها ومعينها بالحياة الموحشة..
الآن فهمت الآن عاد صوابها؛ صرخت من أعماقها صرخة تهز الأرواح داخل الأجساد تخلع القلوب..
سقطت على ركبتيها تعنف بيدها الأرض وتضربها تعاقب الثرى على مواراته لحبيبها..
شهقت بألم وأغمضت عيناها لتغيب مرة أخرى عن وعيها..
فتحت عينيها على لكزة بذراعها وصوت يعبث بأذنها :
يامدام فوقى يامدام يامدام..
فتحت أجفانها ببطئ وانتفضت من مكانها تتلفت حولها وتتساءل بدهشة :
أنا فين؟ مين اللى جابنى هنا
اقتربت الممرضة تهدأها وقالت :
انتى هنا من بدرى بس أغم عليكي.
تنفست ببطئ وقالت بدموع :
طب ونبيل جراله إيه.
ابتسمت الممرضة وقالت :
ان شاء الله هيبقا كويس هو دلوقتى فى العناية ومنتظرينه يفوق بين لحظة والتانية متقلقيش الدكتور قدر يسيطر عالنزيف،احمدى ربنا إن الحادثة حصلت قدام المستشفى ودخل بسرعة العمليات.
تنهدت براحة وحمدت الله وتسلل لقلبها أمل دعت من قلبها أن ينجيه.
تطلعت للمرضة وقالت بتوسل :
عاوزه أشوفه الله يخليكى.
الممرضة :
هخليكي تشوفيه بس المحلول يخلص الأول
سحبت عفاف إبرة المغذى من ذراعها وقالت بثبات :
أنا كويسه مش محتاجاه خليني أروح أشوفه.
أشارت الممرضة لها بإستسلام لتسير معها وقالت :
طب اتفضلى هتدخلى عنده دقيقتين بس عشان ممنوع الزيارة أحسن الدكتور هيبهدلنى لو عرف.
هزت (عفاف) رأسها بإستسلام وتحركت بلهفة تطمئن على زوجها.
@marwa ELgendy

خرج سعيد من منزله وتلك القبضة المهلكة لم تترك قلبه،
قابلته حسناء بوجه متجهم بعد أن عقدت نيتها على الرد
أوقفته بحرج وقالت وعيناها فى الأرض :
لو سمحت بلغ أم كريم إني موافقة عالجواز.
صمت قليلا، وغزه قلبه وأطال النظر إليها حتى لمح بعينيها دمعة تجاهد كى لاتفر من محبسها
تنهد بضيق وقال :
تعالى نتكلم فى مكان مش هينفع نتكلم عالواقف.
تطلعت حولها بحرج وقالت مينفعش ياابو كريم الناس تتكلم فى حقى
تملك الغضب من نبرته وقال بثقة :
مين دا اللي يتكلم عنك وانتي مع سعيد العطار محدش يستجرى يجيب سيرتك.
إستجابت لطلبه وسارت خلفه بإستحياء
وصلا لقارعة الطريق، أشار (سعيد) بيده لسيارة أجرة توقفت وفتح لها الباب لتستقلها وتقدم للأمام وجلس جوار السائق..
سارت بهم السيارة حتى وصلت لمتنزه عام وكان هذا طلبها.
ترجلا من السيارة وجلسا علي أحد المقاعد؛
تحدث سعيد بنبرة حازمة :
سؤال واحد وجاوبى عليه وافقتى ليه؟
أخفضت بصرها بالأرض وقالت بصوت خفيض غلفه الحزن :
الوحدة وحشة ربنا ميكتبها على حد.
رفع حاجبه باستنكار ورد سريعا بلا تفكير :
بتكدبى فهمينى لو عالوحدة كنتى وافقتى على اللى اتقدمولك قبل كدا، وافقتى ليه من غير كدب؟
رفعت عيناها لتواجه عينيه وقالت وبثبات :
انا عمرى مكنت طماعة ودايما راضية بقليلي بس قليلي قريب مش هيبقا موجود
ضيق عينيه وتساءل :
تقصدى ايه.
تنهدت بحزن قائلة :
صاحب البيت عليا ليه إيجار وجايبلى حكم بالطرد وحتي لو دفعته مش هيسكت هو عاوز يهد البيت ويطلع بيه عمارة.
فرك بذقنه ممسكا شعيرات لحيته التى تضفى علي وسامة فوق وسامته
رفع عينيه للسماء وزفر بضيق وقال :
يعنى موافقة إجبار.. نعيمة تعرف الكلام دا كلة صح؟
هزت رأسها بالايجاب وكان هذا كفيلا ليوقد نيران ثورته.
يعنى بدل متساعدك بتستغل الوضع وتجبرك عالجواز
قدماه تهتز بتوتر بالغ يشعل سيجار تلو الآخر، يتطلع لوجهها وتستعر النيران أكثر وأكثر
هب من مكانه أخيرا وقال :
انتي مش مضطرة تتجوزي نبيل عشان تعيشي من النهاردة انا هتكفل بيكي من كافة شيء
تطلعت له بغضب وقالت :
انا مش بقبل إحسان من حد.
احتدم غضبه وقال معنفا انا مش حد مش كنتى موافقة تتجوزى اخويا عشان يصرف عليكي؟
ابتلعت ريقها بضيق وتطلعت بالأرض، فأضاف مسرعا
نبيل بيحب مراته مش هيبصلك عمره هتتعذبى معاه وانا مرضاش ليكي العذاب.. انا عندى حل لو وافقتى عليه هترتاحى
تطلعت له بعينين تلمعان من عبراتهما وماعادت قادرة على حبسهما
فلتت الدموع مبللة وجهها،
مد يده مسرعا يكفكف دمعها بحنان أسرى بجسدها رجفة وقال :
تتجوزينى
جحظت عيناها بشدة فأضاف :
ودلوقتى حالا،
شهقت قائلة :
طب وام كريم هنعمل فيها ايه؟
أضاف بلامبالاة :
هى مالها انا متأكد انها مش هترفض دي كانت دايما تغلط في ام قمر عشان رافضة وبتقول انها بتقف قدام شرع ربنا.
تطلعت حسناء لأسفل تفكر قليلا؛ وحديث نعيمة بالأمس عن عدم اعتراضها على زواجه يدور بعقلها، رفعت وجهها وابتسمت بخجل؛ بادلها بسمتها وقال :
تعالى نروح نشوف مأذون،
شهقت بفزع قائلة :
دلوقتى!!
سحبها من يدها وقال خير البر عاجل الشقة فى الدور التالت جاهزة مش ناقصها غيرك تنوريها.
طب مش هتعرف أم كريم
زفر بضيق قائلا :
تانى هتقولي ام كريم ياستى اخلصى ملكيش دعوة بحد انا الراجل مش هى.
تحركت معه وداخلها سعادة لا احد ينكرها فهى تحقق حلم حلمت به طوال عمرها فقد كان لسعيد العطار نصيب فى أول دقة قلب لم تنساها أبدا حتى لو تعايشت وتزوجت وتناست الا أن نيران العشق لو نفخت ترابها تشتعل مرة أخرى.

فى المشفى..
الوقت مع الإنتظار يمر بصعوبة بالغة تجلس عفاف على مقعد تتآكل دواخلها من القلق والتوتر، لا تكف عن الدعاء وان كف لسانها يكمل قلبها..
عيناها لا تترك باب الغرفة وكأنه سيخرج منها إليها
لاحظت توتر من غرفته الممرضة تهرول وتعود بطبيب آخر غير ذلك الذى جواره منذ مدة..
هبت من مكانها تحاول ان تتوسلهم ليخبروها بما يحدث ولا أحد يتحدث،
الحزن يظهر علي الملامح أولا وملامح الجميع تشبعت به حتى فاض بقوة على ملامحهم، لا تفهم السبب..
جلست تبكى وتفرك يديها بعضهم بعض..
صوت نبيل صدح عاليا؛ يصرخ بألم وصدمة بادية على صوته
تخطت عفاف الممرضة بعدتها بيدها وفتحت الباب عنوة وقفت أمامه مصدومة تبكى بحزن وقهرة تستمتع لحديثه المصدوم بكلمات غير مرتبة :
أنا مش شايف أي حاجة كل حاجة قدامى سودا ايه اللي حصلي عيني عيني..
طبيب العيون وصل فتح عينيه يحرك كشاف الضوء أمامها دون استجابه منه له.
تأكد الخبر وتمتم الجميع بأسف :
لاحول ولا قوة الأ بالله
تبع حديثهم صرخة مشتركة بين نبيل وعفاف
هرولت إليه تحتضنه بحنان وتحتوى حزنه.
تألم بين يديها؛ أرخت قبضتها عليه وتبادلا بكاء مرير بقلوبهم المكلومة
همهم بأذنها بحزن من بين شهقات بكاءه:
مش هقدر أشوفك تانى خلاص اتحرمت من عينى،
ردت ببكاء :
ياريتك تاخد عيني ياحبيبي ياريت ينفع اديك عيني.
إقترب الطبيب منهما وقال بحزم :
مينفعش كدا غلط اللي بتعملوه دا انتوا مؤمنين بالله دا قضائه.
حالته كانت حرجة جدا كان ممكن يروح فيها. عموما يرتاح من العملية الأولي وأكيد فى حل إن شاء الله
أغمض نبيل عينيه بحسرة فقده لهما والدمع يجرى على جانبي وجهه
قامت
عفاف من جواره تبكى وتردد كلمة واحدة :
منه لله اللي كان السبب
تعيدها مرارا وتكرارا
أخرجها الطبيب من الغرفة ومنع عنه الزيارة خوفا على صحته
خرجت من أمامه تهيم على وجهها توجهت لغرفة إبنتها ووقفت أمامها تطالع وجهها الشاحب
وخرجت من الغرفة ببطئ كى لا توقظها..
توجهت لبيتها والنار تكوى قلبها. ماعادت عيناها ترى
تورمت أجفانها حتى سدت عيناها، تطل على العالم من نافذة ضيقة للغاية بين انتفاخ جفونها
أوقفت سيارة أجرى وركبتها..
وقفت قريبا من منزلها نزلت منها تجر جسدها بصعوبة
تتذكر بكاء نبيل فتلتهب بالدموع عيناها تزامن وصولها
بوصول سعيد برفقته حسناء،
ما أن لمحته حتى إستعادت نشاطها وتضاعفت قوتها.. التهمت الأرض بأقدامها حتى وصلت إليه
يدها المرتعشة باتت قوية انهالت على خده بصفعة دوى صداها في الأرجاء
صمت الجميع وكأن الزمن توقف..
الكل يراقب رد فعله؛ متعطشين لفهم السبب،
حسناء شهقت بفزع رفعت يديها تلثم فمها وعيناها إنفرجتا بدهشة عارمة..
أما هو فلم تعنيه الصفعة فمنظرها كان لقلبه أكبر صفعة..
تطلع لها بأعين تقاوم فرار دمعها وبصوت خفيض مرتعش قال :
قمر ماتت.؟
أمسكته من قميصه تجذبه وتبعده تصرخ بوجهه تعنفه..
لا يلقى بالا بعنفها بل هو يرجوا منها المزيد ليتخلص به من عذاب الضمير
صاعقة هوت على قلبه الآن بعد سماعه لآخر جملة قالتها :
أخوك كان هيموت بسببك وبسبب ظلمك ماشى سرحان عربية خبطته.
أخوك إتعما بسببك، عمرنا مهنسامحك أبدا.
فيها إيه لو سبته فى حاله يختار فى حياته
يستمع لحديثها صامت؛ دون ان ينطق بكلمة واحدة حتى ابتعدت عنه إقتربت حسناء منه تمسك يده تشد أزره وتدعمه تلعثم بالحديث وقال ببطئ :
كنت غيرت رأيى وبطلت أغصبه عالجواز.
لطمت عفاف خدها بحزن قائلة :
بعد إيه؟
تلفت الجمع مرة واحدة للجهة المقابلة بترقب متابعين احتدام الأمور بينهم..
فالآن اكتمل الأمر بوصول رأس الأفعى (نعيمة) تصرخ وتولول بعد أن لمحت يد حسناء تتعلق بيد زوجها..
اقتربت منهم وأبعدتها عن يده بحدة قائلة بهدر :
لمي ايدك وابعدى عن جوزى ياحسناء مالك لزقاله كدا ليه؟ انتى نسيتي اننا خطبناكي لنبيل مش لأخوه!
تطلعت حسناء بالأرض
الدهشة ارتسمت على ملامح عفاف رددت الكلمة بداخلها تربط بين حديث سعيد وبين الموقف
وقبل أن يجيب سعيد قهقهت هى عاليا بهستيرية مصحوبة ببكاء وتشفى قائلة :
حفرتيها ليا وقعت فيها واتدفنتي بالحيا دمرتينا بسوادك وغلك دمرتي جوزى وفى الآخر جوزك انتى اللى إتجوز عليكى.
تطلعت نعيمة لسعيد تلتمس الفهم منه.. وجدته يشدد قبضته على يد حسناء يسحبها خلف ظهره.
فهمت نعيمة ماحدث ورد فعلها لم يتوقعه أحد.......


إعدادات القراءة


لون الخلفية