في ليلة ظلماء تكبدت الغيوم الداكنة وطغت على الموجودات في السماء .. ودوى صوت الرعد ممزفاً سكون الليل وهو يشق الغيوم .. ثم هطلت الأمطار في غزارة لتغرق الطرقات واسطح المنازل والسيارات التي تراصت بجوار الرصيف .. وسالت القطرات على واجهة شقتي الزجاجية كأنها قطرات الندى !!
وقفت أتأمل الأمطار مستمتعاً بمنظرها وهي تتقاطر .. والرياح الباردة تعدل من مسارها وتتدافع يمنة ويسرة .. لا أعرف سر حبي للمطر !! .. ربما لتلك اللذة التي أستشعرها وأنا محصن داخل منزلي الدافيء .. والبرد والمطر يزئر في الخارج !!
تسائلت في فضول : ترى هل كل البشر محصنين داخل منازلهم ؟ أم هناك من يعاني من البرد والمطر في الخارج ؟
جائني الجواب بأسرع مما أتخيل عندما شاهدت شبح شاب يسير مستترً بالمنازل وكأنه يحتمي من السيول المنهمرة .. لكن على ما يبدو أنه فشل مع كل تلك المياة التي تتساقط منه !!
لمحت فجأة ذلك الشيء الذي يتلوى خارجاً من باطن الأرض .. كان يبدو كالدخان .. دخان أسود كثيف .. مقبض .. مخيف .. جعلني أشعر بخوف وفزع شديدين .. اندفع ذلك الكيان الأسود الشيطاني الرهيب نحو ذلك الشاب .. الذي على ما يبدو كان هاربً منه والذي حدق فيه لحظات ثم أطلق صرخة هائلة رجت المنطقة كلها .. وأخذ يركض محاولة الهرب !!
لكن ذلك الكيان الشيطاني أندفع نحوه بسرعة خارقة .. وأختلط دخانه بجسده وهو يدور حوله .. ثم سرعان ما جذبه بقوة رهيبة إلى تحت الأرض !!
كادت عيناي تخرج من محجريهما وأنا أشاهد الكيان الأسود وهو يخترق أسفلت الطريق ويجذب جسد الشاب الذي أطلق صرخات مدوية عالية .. وشاهدت جسده وهو يغوص شيئاً فشيئاً في الأرض الأسفلتية .. وبطريقة تنافي أي عقل ومنطق .. حتى تلاشى جسده تماماً وأختفى معه ذلك الكيان الشيطاني الرهيب !!
تسمرت في رعب شديد .. وأنا لا أكاد أصدق عيني .. ثم تنبهت فجأة إلى أنني وقفت كمتفرج ولم أحاول المساعدة بأية طريقة .. ولكن كيف كنت سأساعده من ذلك الكيان المخيف ؟ للأسف لا توجد طريقة أعرفها ..!!
لفت أنتباهي شيء ملقى ويتلامع على ارض الطريق وقد أغرقته مياة الأمطار .. فحدقت فيه لكي أتبين كنهه !! لكني لم أستطع ..جذبني الفضول لمعرفة ذلك الشيء .. وهل هو السبب فيما حدث للشاب ؟ .. أم أنه سقط من شخص آخر ؟
لم أفكر كثيراً ذكرت الله و قرأت المعوذتين ونزلت من شقتي إلى الطريق المغرق بمياة الأمطار .. وذهبت رأساً إلى ذلك الشيء وألتقطه بيدي .. لم يكن شيئاً ذي أهمية .. مجرد خاتم قديم كبيرً بعض الشئ !!
أخذته ورجعت مرة أخرى إلى شقتي لأتأمل الخاتم في نور الردهة .. في البداية ظننت انه خاتم تراثي مزخرف بنقوش قد سقطت من احد المارة .. لكن وبعد تأمل عميق أخذتني الدهشة .. لم تكن زخارف الخاتم تحمل اي تعابير البشر وما كان يوجد به من رموز ملتوية ك الأغصان لم استطع فك رموزها .. وهل كان للخاتم علاقة بالأحداث ؟؟
نظرت إلى السماء وقد بات المطر يزداد هطول وكأنة يشاركني حجم الغموض .. نظرت مرة أخرى إلى الخاتم القديم وقرأت علية آية الكرسي تحسباً .. ودار بذهني أن اذهب إلى صديق جدي لعلي أجد الجواب !! .. فلم يكن احدٌ ألجئ اليه بعد الله غيره .. " و انا يتيم " رحمة الله على والدي وعلى جدي المتوفى .. فصديق جدي ذات دين ويعلم بعض أسرار الجن .. " العالم الأخر " .. فلم يتشتت نصب تفكيري عن زيارتي له!!
ذهبت إلى الفراش المركون على زاوية الغرفة .. تمر الأحداث في خاطري برعب شديد وكأن الليل لن ينقضي .. ثم ذكرت دعاء النوم وبدأت عيناي تأخذ طريقها إلى النوم بعد أن شاهدت من الرعب ما لم اشاهده من قبل !!
بعد نوما عميق وليلة مملؤة بأحداث مرعبة .. شق سكون الفجر جرس المنبه وهو يرج أرجاء الغرفة .. وشئ فشئ يتسلسل الى مسامعي صوت المنبه .. استيقظت ومتدت يداي لتسكت غضب المنبه المتواصل ونظرت اليه بعينين متثاقلتين .. لقد حان وقت صلاة الفجر !! .. ذكرت دعاء الاستيقاظ ثم ذهبت إلى الحمام و الوضوء و التوجه إلى المسجد المقابل للطريق لصلاة الجماعة !!