الفصل الثامن

صمت الشيخ برهة وكأن في صمته شئ مريب .. ثم قاطعته بسؤال يدور بذهني : يا شيخ كيف عثرتم على الخاتم الذي طُمس منذ زمنً بعيد ؟ ومن كان ذلك الشاب والكيان الأسود ؟

نظر الشيخ إلي نظرات هادئة وقال بتبسم : قصة عثور الخاتم قصة طويلة ولكن ما يجب عليك أن تعلمه أن أحد أقوى شبان قريتنا وفرسانها قد عثر عليه .. وتفشى الخبر .. وسمع به قبيلة الجن الكافرة .. الذين يقطنون الجهة المقابلة لحدود قريتنا .. فتعقبوا اثره بأعتى شياطينهم فترصدوا له .. وحدث ما رأيت من مشهد في تلك الليلة .. وظننا أن الخاتم وقع بأيديهم .. لكن الحمد لله لم يكن كذلك .. ولكن للأسف ظل الشاب أسيراً لديهم والذي يساومنا العدو بالمقايضة بينة وبين إطلاق عدد كبير من أفرادهم في سجن القرية !! .. ثم صمت الشيخ !!



نظرات متبادلة بين كبار القبيلة و الشيخ في ذلك المجلس الكبير لم أدرك محوها .. جاءني الجواب على شكل نداء من خارج المجلس : قد حان وقت صلاة الظهر !! .. قام الشيخ وكل من حضر المجلس وقال : هيا بنا للوضوء وصلاة الجماعة يا عباد الله !!

ما لم يخطر ببالي كيف تكون صلاة الجن !! هل يؤدونها مثل ما يفعل البشر؟ ..نظر الشيخ إلي وكأنه يقرأ حبال أفكاري !! .. قم بنا معاً نصلي في جماعة فصلاتنا لا تختلف عن صلاتكم في شئ .. وبأذن الله تعالى سوف نعد و نكمل الحديث !!

بعد أداء الصلاة " سكينة و اطمئنان " توجهنا من جديد إلى المجلس وكل واحد منا اخذ مقعده السابق .. فقال الشيخ : تفضل يا ولدي .. كلنا آذان صاغية .. فسئل ما شئت !! .. نظرت إليه بفخر .. فلم يزدني إلا احتراماً وتوقيراًً للشيخ .. أحدث ذاتي و أتسائل هل يوجد أمثاله من الأنس في عالمنا ؟!!



و باحترام شديد و أعجاب أجبت : اجل ياشيخ !! من هي تلك الفتاة التي قادتني لقريتكم ؟ وكيف علِمتم أن الخاتم بحوزتي ؟

بدت ابتسامة لطيفة عجيبة وكأنها لوحة فنية دافئة من الشيخ ثم قال : تلك هي ابنتي الوحيدة وهي من أجمل الفتيات و أشدهن قوة وذكاء !! .. كلمات الشيخ هزت زواي القلب باشتياق ونبضاته تحن لرؤيتها .. و أنا أتلفت يمنة ويسرة لعلي أرها من بين الحاضرين !!

تابع الشيخ حديثه بهدوء وكأنه يعلم سر انفعالي : ما أن عبرت يا بني قرب وادي قريتنا وأحد أفراد القبيلة يحرسها من جهة الشارع المواجه لوادي الأعداء .. إلا وقد أحس بقوة الخاتم بحوزتك .. فأرتد الحارس ليعُلمني أن الخاتم العظيم بحوزة شاب مسلم من بنو البشر .. فما كان إلا أن أرسل ابنتي أقوى فرسان القبيلة مع بعض الجنود لتتعقبك وترجع الخاتم بسلام !!

أحدث نفسي : إذاً تلك الفتاة كأنها الحور .. من سحرتني .. هي ابنة ملك الجن .. ابنة الشيخ !!



يتابع الشيخ حديثه : بعد مدة أتتني ابنتي الوحيدة وهي تحمل البشرى أن الخاتم في أمان .. لكن ..!! .. طلبت مني طلب .. وترجتني كل الرجاء أن اقبله .. ولأنها ابنتي الوحيدة ولا ارفض لها طلب .. وافقت مبدئياً على طلبها !! .. فما كان منها إلا أن قالت : يا ابتي إن ذلك الشاب الذي كان الخاتم بحوزته صاحب خلق ودين فقد أنقذنا من أن يقع الخاتم بيد الأعداء فيَغيروا علينا .. وقد احضرته لقريتنا تكريماً له .. فأطلب منك أن تستضيفه بعالمنا وان تأمر أهالي القبيلة أن يتشكلوا بهيئة البشر وان لا يؤذوه أبدا !! .. فما كان مني إلا أن ارضخ للأمر الواقع .. أمر وجودك في عالمنا و لطلب ابنتي .. ثم أعقبتها بسؤال : هل كان هذا سبب جلب الشاب هنا ؟ .. ابتسمت وأطرقت برأسها .. واحمر وجهها خجلاً !!
 


انظر إلى الشيخ بانبهار وفرحة .. واستولى على الفكر أكثر هو نهاية حديثه .. لكن !!.. هل يعقل أن ابنة ملك الجن معجبة بي وفعلت ما فعلت من اجلي ؟ وما سر تلك الأحاسيس الجميلة التي تجتذبني عندما تقع العين عليها وهي تبادلني تلك النظرات الوردية !! .. هل أنا معجب بها وهي تشاطرني الشعور ؟ .. أم أن الأحداث المرعبة استوحشت القلب نظرة الحنان فما أن استقرت العين في جمالها أخذت تغرد به هربًا من الأحزان !! شعورٌ متناقضٌ هو في عالمً عجيب !!
 



إعدادات القراءة


لون الخلفية