الفصل التاسع

سحابة سكون تهيمن سقف المجلس ونظرات أعينهم تنهال علي كالمطر .. فلم أدرك ذلك إلا بعد أن قام الشيخ بهيبة وكبرياء ونظر لجميع الجالسيين وقال بنبرة صارمة : انصرفوا !! .. فما كان منهم إلا أن اختفوا في طرفة عين .. ثم جلس و نظر إلي و بصوت رؤوف قال : هل تحبها ؟؟ .. قصف من الأسهم إنهال علي أو كأن مطرقة هُش بها لساني !! .. ثم بصوت مرتعد وخافت أجبت : اجل احبها !! .. ابتسم الشيخ وتهللت وجنتيه بالرضى وقال : هل يعني هذا انك سوف تتزوجها ؟؟

فرحة غامرة امتلكت كياني وتسللت الى أن تصل اللسان .. لكن !! وبصوت متردد : نعم اتزوجها !!! لحظات جميلة هي تلك .. لكن هل فعلاً احبها او هي تعشقني ؟ أو لماذا ترجم لساني بزواجها .. وكيف اتزوجها !!

تنفس الشيخ بهدوء وقال : هل توافق على مهرها ؟؟ .. أنا !! و بثقة يشوبها الخوف والتأني : لكن ما مهرها يا شيخ ؟ فأنا يتيم .. ولا املك إلا القليل والحمد لله على ما تيسر من حال !! .. تقهقه الشيخ قليلاًً فقال : لا يا ولدي ليس هذا ما اعني .. إن العدو أسر ذلك الشاب الذي وصفته مع الكيان الشيطاني في مكان يدعى
" كهف الهلاك .. أعلى جبل الظلام " .. فإن استطعت فكاك اسره فذلك مهرها !!



نظر الشيخ الي وكأنه يعزز ثقتي بنفسي ثم قال : يا ولدي إن جبل الظلام وكهف الهلاك احيط بقوى شديدة من شياطين الجن .. يصعب علينا نحن الجن وتضعف قوانا القتال و الطيران حوله .. لكن انتم البشر لا ينطبق عليكم نظامنا .. ويسهل عليك فك اسره بما تملك من الإيمان و الثقة وعدم الخوف .. ولا تنسى يا ولدي أن ابنتي قد تقدم لها كثيراً من فرسان القرية ومن القرى المجاورة .. فأن زوجتك إياها هكذا .. فلن يرضي هذا اغلبهم وقد اواجه بعض الاضطرابات بيني وبين سكان قريتي وبين قبائل القرى المجاورة !! لكن إن استطعت أنت أن تفعل ما يصعب عليهم فعله .. فسوف يكون مهراً ثميناً .. يعجز عنه اغلبهم وافخر به أنا أمام القبائل الأخرى ويكون حجة قوية لزواجك منها .. فلذلك طلبت مهرها فكاك الأسير !!

خواطر وأحداث سريعة كالبرق تمر في شريط ذاكرتي !! .. الخاتم .. اهتزاز السيارة .. صديق جدي .. الفتاة .. عالم الجن !! .. وها أنا يعرض على أن أتزوج ابنة ملك الجن ولا اعلم عنها الكثير !! .. لكن ما اثق فيه أن وميض جمالها يجري في الدم لينبض القلب وكأن الحياة مربوطة بها .. فأن فارقتها توقف شريان الحياة .. لكن !! قد طلب الشيخ فك الأسير من كهف الهلاك مهراً لها !! .. فعصف بقلبي هاجس سريع .. هل اقوى على مهرها ؟ .. وماذا ينتظرني في جبل الظلام ؟ وكيف ببشراً أن يتزوج بجنية ؟

بينما كنت غارقاً في تفكيري .. تحدث الشيخ فقال : يا ولدي أنت تعلم أن ابنتي قد تقدم لها كثير من فرساننا وفرسان القرى المجاورة .. وكانت ترفضهم !! .. و ما شدني لسؤال زواجك منها سر تعلق ابنتي بك .. وهي قد أحضرتك هنا .. ونظراتها إليك وما كنت تبادلها الشعور من نظرات .. وأنا لا اشك إنها معجبة بك !! .. لكن قبل أن تقبل أو ترفض المهر سوف اسألها إن كانت ترضى بك زوجا ؟ .. فلتعذرني يا بني .. سوف أعود إليك بعد لحظات !!



اختفى الشيخ فجأة بضع دقائق معدودة .. انقضت دقيقة بعد دقيقة وأنا أحس بها ساعات ثقال .. شعور عميق يلفه الصمت وتصارع محتد بين الفكر والعاطفة يلتهم ما تبقى من مخيلتي .. هل سوف تقبل بي زوجً ؟. أم هل أستطيع على مهرها الذي يهز أركان شجاعتي ؟ وقت عصيب وهدوء غريب اسمع فيه دقات القلب .. وفجأة !!! ظهر الشيخ جنبي في لمح البصر وهو يحمل أطنان من البشرى أنها قد وافقت !!

أصبح الخيال واسع وشريط الذاكرة سريع و النفس تتلاطم و الأفكار تتبعثر وأعاتب استعجالي .. كيف لي أن أحضر المهر !! ومن أين ؟ من جحيم الشياطين
" كهف الهلاك " !!!!



تعقدت الأفكار في عقلي .. وقبل أن تتحرك شفتاي بكلمة .. قال الشيخ : انتم البشر تخشون الجن أليس كذلك ؟ .. بلى يا شيخ نحن نخاف من الجن !!..إذا يا ولدي ماذا لو أخبرتك أن الجن يخشون فيكم أمورا ويستغلون فيكم موضعا !! يا ولدي حافظ على صلاتك في وقتها تكن في حفظ الله .. واحفظ آية الكرسي تكون حجاب لك منهم .. واذكر الله كثيراً يهابك الجن .. ولا تنسى أن الجن يستغلون فيكم مداخلاً !!.. فكن طهوراً لا يجد الجن مدخلاً .. وأجتنب المعاصي فأنها تستهوي الشياطين .. يا ولدي إن الخوف مدخل لهم فإن أخافوك فأذكر الله و احفظه يحفظك !!

بعد ما زرع الشيخ في قلبي جبالً من الثقة و الشجاعة .. وفي وقت زمني قصير لا يسمح ببقائه طويلا لم استطع أن ارفض .. و الأخص أني في عالم الجن .. عالم لا اعلم ما يخفي في طياته .. ولم استطع أن ارفض مهر أجمل ما رأت عيني في هذا الكون .. وإنها ابنة ملك !!

 



إعدادات القراءة


لون الخلفية