مع تتابع الخطوات وهي تمشي برشاقة الغزلان .. نزلنا إلى منطقة منخفضة عن الوادي وقد بدت من بعده قرية كأنها هجرت منذ قرون عدة .. تحرسها الجبال من كل زاوية .. وبها منازل صغيرة طينية متباعدة وقد بدا تهدم بعض أطرافها مع تحطم أبوابها الخشبية .. والرياح الملتوية بالرمال تعصفها من كل جانب وتدفع الأبواب يمنة ويسرة لتصدر صوتً كأنة ضرب الفؤوس على العظام و الذي زادها وحشة ورعبا !!
هدوء غريب وسكون رتيب .. كانت خطواتها تزداد سرعة كلما اقتربنا من القرية .. ثم توقفَت لحظة ولتفت بوجهها الساحر الذي يضئ كالقمر ليلة البدر .. لتقابلني عيناها الواسعتين الذي يتوسطاهما حجر اسود كريم .. وشعرها الحريري الذي انساب مع دورانها ومع حركة الرياح ليغطي بعض الوجه ويرسم لوحة ساحرة أخرى مزخرفة بأجمل الألوان .. ثم تحدثت بصوت رقيق حازم : انتظر هنا لحظات !! فهناك ما لا يجب عليك أن تراه في القرية !! .. سوف أعود إليك بعد قليل !! .. ذهبت مسرعة كالرياح وكأن قدميها لا تلامس الأرض و اختفت بين البيوت المترامية !!
انتظرت قليلاً ومخالب الفضول تنهشني من كل جانب .. يا ترى ما الذي يجب أن لا أراه في القرية ؟ وما سر وجود هذة القرية التي لا تحمل اي صورة من صور الحياة ؟ ومن تكون هذة الفتاة الجميلة ؟ وماذا تريد مني ؟ .. فلم أتحمل الانتظار !! .. خطوات متقاربة وأنا أسلك الطريق للاقتراب من القرية شئً فشئ !!
مع اقترابي المتواصل إلى القرية وعين الفضول تحدق يمنة ويسرة .. كادت العين تخرج من محجرها وهي تلمح ذلك الكائن الغريب !! .. كائن مخيف .. مرعب .. رأسه اسود كبير .. عيون ملتهبة .. ومن فتحة الثم تخرج أنفاس كالدخان .. ويكسو اغلب جسمه قشور كقشور التماسيح .. ومن منتصف ظهره برزت مجموعة عظمية متصلبة ذات رؤوس حادة .. وزاد من حدة الخوف ذلك الصوت المنبعث كخوار الثور عند ذبحه .. هنا فقط سكن الرعب أوصالي فسرت في الجسد قشعريرة كادت أن تُوقِف القلب .. وشعرت بأن قدمي ترتعش ولا تقوى حتى على الوقوف .. وكم تمنيت الموت لحظتها !!
بعد ذلك المشهد المريع و الجسد متجمد بلا روح .. تحرك العقل الباطن فانحلت عقدة من اللسان لأصرخ بأعلى صوت أستطيع
" اعوذ بالله من الشيطان الرجيم " .. تردد صدى الصوت في سماء القرية وكأن الجبال تبادلني الشعور.. بعد لحظات من الرعب هو الموت لم تصدق عيناي مرة أخرى عندما بدء الكائن المخيف التحول شئً فشئ على شكل بشر !! هل كان صراخي بالتعوذ سبب ذلك ؟ .. جائني الجواب بشدة وقد تنبه لوجودي ثم استدار إلي !!
انقطعت انفاسي وانفتحت العينين على مصراعيهما والكائن يتجه نحوي بعد تحوله بشرا وقال بعصبية : من ماذا تستعيذ ؟.. هل تعتقد أن أشكالكم انتم بنو البشر تعجبنا ؟ .. لقد اجبرنا ملك القبيلة بأن نتشكل بهيئة البشر بسبب وجودك على أرضنا !!
تجمدت أوصالي حتى عن الهرب وشعرت ببرد يسري في الأطراف وعجز اللسان أن ينطق بحرف سوى أن أتمتم بآيات كنت احفظها .. فبينما أنا كذلك في ذلك الموقف العصيب !! .. ظهرت تلك الفتاة مسرعة لتقف الحاجز بيني وبين ذلك الكائن الذي تشكل على هيئة بشر .. كأنها أتت لتنقذ غرقي وتحملني إلى شاطئ النجاة !! .. ثم وقفت برهة و أطرقت برأسها إلى الأرض وبهدوء رفعت رأسها لتنظر بغضب إلى ذلك الكائن المتحول وتحدثت بكلمات لم افهمها .. أو هي كلمات الجن كما اعتقد !! .. ثم أشارت بإصبعها إليه أن يرحل !!
ما لبث ذلك الموقف لحظات وهي تقف بصفي .. حتى ارتدت الروح إلى القلب .. و أخذ الدم يتدفق من جديد بعد أن تصلب في مجرى الشرايين .. كأن قوى الفتاة تسيطر على قوى الكائن الغريب أو أنها أعلى منه مقاما .. فبعد اشارتها له .. نظر الكائن المتحول إليها بانصياع ثم أخذ أدراجه وتلاشى بعيدا عن ساحة المكان .. كأن الأرض ابتلعته !!
بعد الحادثة العجيبة و أنا أتنفس الصعداء والملم أفكاري و الغموض يعتليني من كل حدب ليخاطب المنطق في منطقة المخ فينسجه إلى حاسة الإدراك أني لست في عالم الإنس .. بل عالم الجن .. عالم أخر وقوانين مختلفة تماما عن ما أعيش وأعايش في أرض الواقع !!
وبينما كان الذهول و الانبهار يمزقني و يشتتني .. نظرت تلك الفتاة إلي بنظرة حادة وبزاوية تنحدر إلى العصبية وبصوت يشوبه التهجم ثم قالت : الم أقل لك من قبل أن لا تغادر مكانك وتنتظرني لحظات ؟