الفصل السادس

بعد سؤالها العسر في ذلك الموقف الصعب انكسر حالي أن أنبس بكلمة !! .. قطع ذلك الموقف الغريب صوت أقدام كالهدير تتجمع وتتصاف بعضها ببعض بشكل عجيب .. استدرت لمصدر صوت وقع الأقدام لينطلق البصر تجاه الطريق الرملي بين المنازل المترامية و المتهدمة لأرئ أفواج من الناس مجتمعون واخرين يخرجون من منازلهم ليلحقوا بهم .. ويتوسطهم شيخ مهيب كامل الخلقة بلحيةٍ بيضاء طويلة زادته هيبة و وقارا !!
 


الغريب في الأمر إنهم يتقدمون إلي بخطوات ثابتة وأنا انظر الى ذلك الشيخ المهيب .. الذي لا يوجد أدنى شك انه يترأسهم !! .. كانت قدماه حافيتين كأنهما لا تلمسان الأرض !! .. في الأمر شيء واحد غريب جعلني أتأكد بأن الشيخ أيضاً من الجن !! .. ما هي إلا لحظات قصيرة واجدهم يقفون أمامي كالحلقة متصافين .. لكن ما أن تقدم الشيخ قربنا حتى قامت تلك الفتاة التي كانت بجانبي بفرحة .. استبشرت وتشبثت بيد الشيخ ثم أشارت إلي !! .. و الغريب أظن أن الجميع ينظر إلي بتحفز كأن الغنيمة وصلت فحان حصادها !!
 


لسان حالي يقول : كم شيطاناً منهم سيتلبسني ؟ .. ازداد الرعب في النفس عندما أشارت إلي .. و ارتعدت كل خلية في الجسد .. فأصبحت اقرأ اية الكرسي همساً .. لحظات شديدة ثم انحنى الشيخ و سألني بصوتٍ غليظ : ماذا تقرأ و على من ؟ .. ابتلعت لعابي وأنا أفكر : لماذا لا تردعهم حتى آية الكرسي ؟ .. لمن سألجأ بعد الله وبمن احتمي ؟ .. ما مصيري ألان وقد عجزت عن ردعهم عني وأنا لا أستطيع أن أحرك ساكنا ؟

انعقد لساني أن أجيب سؤال الشيخ .. نظر الشيخ إلى حالي المزري الذي يرثى عليه وابتسم في وجهي ثم استرسل قائلاًً : لا تقلق يا بني فلن يؤذيك أحد .. نحن مثلك ندين بالإسلام و نعرف حرمة أذية المسلم !!

كانت كلماته كالغيث يُسقى بها ارضٌ ظلت سنين قاحلة .. فطمئن قلبي بعض الشئ واسترجعت أنفاسي .. ثم قلت بوجل : من انتم ؟ .. وماذا تريدون مني ؟

أجاب الشيخ باسماً : نحن قوم من الجن وأنا ملك الجن في هذا الوادي و قد أمرت القبيلة بحسن استقبالك وان لا يؤذيك احدٌ أبدا .. وان يتشكلوا بهيئة البشر خوفاً أن يصيبك الهلع أو الجنون إن رأيت أشكالنا الحقيقية !!

أصابتني لحظات من الصمت و التردد و أنا انظر الى تلك الفتاة الجميلة التي تقف مع الشيخ .. لماذا كلما انظر إليها يستحوذني سحرها ؟.. او اني اعشقها وملكت القلب من غير سابق إنذار .. شعور غريب .. عجيب .. أنساني بعض الخوف !! .. بادلتني النظرات وابتسمت بوداعة كأنها تطمئنني أن لا تخف فأنت تحت رعايتنا !!
 


نظرت الى الشيخ وبصوت متهدج وكأني طفل صغير سئلت : هل تقسم بالله أنكم لن تؤذوني ؟ .. ابتسم الشيخ مرة أخرى وربت على كتفي .. فشعرت بيده الدافئة .. دفئٌ يسري الى القلب سكينة وهدوء .. ثم تنحنح الشيخ قليل قبل أن يقول لي : لا تقلق يا بُني فلن يعصىِ أمري احد من القبيلة !!

غموض كبير وكم من الأسئلة تجتاح مخيلتي .. قطع تفكيري صوت الشيخ وهو يقول : هيا يا بني !! .. قم بنا الى مجلس الجن وسوف تعلم كل شئ بأذن الله تعالى .. فأنت في ضيافتنا !!

هدوء وسكون خيم على سماء القرية .. ونظرات من شيخ القبيلة موجة لأفراد القبيلة .. قبل أن يقول بصوت عالي تجاههم : مرحباً بك في قرية الجن مرحباً بك خارج عالم البشر!! مرحباً بك !!!!! أنت الآن في ضيافتنا !!!!! أنت الآن " في ضيافة الجن "

امتلأ الوادي بالترحيب و ضجت أركانه بالهتافات و الصيحات الغريبة وكأن القرية تهزها الزلازل من كل جانب !!!!!

لم ينتابني من قبل شعورٌ بالفخر كمثل الذي اشعر به و أنا امضي بجوار ملك الجن في ذلك الوادي و خلفه باقي أفراد قبيلة الجن وهم يحتفون بي ويستقبلوني استقبال الأبطال .. ونحن نسلك طريقنا بينهم الى مجلس الجن الذي كان خلف جبلً عظيم !! .. " كلنا سوف يفخر بهذا المشهد "

لكن شد انتباهي في الطريق و أنا أتوجس حولي يمنة ويسرة .. تزايد عدد أفراد القبيلة وانضمامهم الى الأخرى .. المدهش !!! أن منهم من يطير ومنهم من يتشكلون على شكل بشر ومنهم من يقارب البشر مع بعض التشوه .. ومنهم من أرى أشكال مرعبة .. مخيفة .. واعين متوهجة !!
 


كان بعض الخوف و الهلع يستشري أركان شجاعتي .. لكن بعد طمأنة ملك القبيلة لي وترحيبهم الحار .. وجدت نفسي أكثر ثقة وتأقلم بعض الشئ مع أشكالهم الغريبة !!

سؤال غريب يدور بذهني .. هل كل ملوك الجن يحضون بذلك الحب و الاحترام قِبل شعبهم في عالم الجن ؟ أم أن ملوك الإنس ليسوا كملوك الجن ؟
 



إعدادات القراءة


لون الخلفية