بعد الصلاة و الدعاء .. وشئ من العناء يسري في الجسد ليطلب الراحة .. ظهر الشيخ من جديد فقال : لن أطيل عليك يا ولدي .. لقد أنهكك التعب مما صادفك من أحداث و وجب عليك أخذ قسط من النوم و الراحة .. ولكن سوف تمكث ساعة واحدة فقط في هذا السرير قبل أن يبدأ حضور القبائل المجاورة .. وسوف أسعى أن تحظى بأقصى راحة من النوم .. واعذرني يا بني !!
بعد نومك سوف تكون قد انتقلت إلى عالمك .. عالم البشر .. ومن ثم تعد بعد صلاة العشاء إلى نفس الطريق المواجه للوادي الذي صادفتك ابنتي فيه .. ما أن تصل الطريق قرابة الوادي قل :
" سيدكم العظيم فاتح الطلاسم إقفال سمصمائيل " أقرأها 3 مرات وأحفظها جيدا يا ولدي .. ومن ثم سوف ننقلك إلى عالمنا وقريتنا بأذن الله تعالى .. سوف أرحل عنك الأن لأبدا الأهتمام بترتيب الاجتماع و الضيوف و المراسم ولا تنسى ما أخبرتك به !!
أجبته بالفهم و الموافقة .. لكن ما سقاني به الشيخ من حديث طويل لم ارتشف منه إلا قطرات بسيطة لكيفية طريق العودة لمقابلة ملكة جمال القلب و الروح و الطبيعة .. لم يكن العقل مشغول إلا بها .. ولكن دوامة التفكير والإجهاد و التعب و الأحداث التي أنهكتني استسلم لها الجسد و الروح أخيراً .. لاغطاً في نوم عميق في نعومة السرير و دفئه الحنون وكأنه يحتضنني لأفرغ شحنات الإرهاق فيه !!
بعد ساعة من النوم في ذلك السرير الناعم الذي لم اشعر بأنعم منه من قبل .. فتحت عينيّ بنشاط ليتلقف بصري أشعة الشمس الذهبية .. وعيني تغمض قليلا لتقلل تأثير سطوعها .. والرياح الساخنة تلفح قليلا من وجهي .. وقد توسد رأسي بسخرة ملساء صغيرة .. و وجدت نفسي استظل تحت جبل صغير وكأن السماء كانت لحافي و الرمال سريري .. ثم قمت من مكاني بتعجب أنفض التراب من حولي .. وشعرت أن نومي كان ساعات طوال جميلة و مريحة وليست ساعة واحدة فقط .. فخلت أنني كنت في حلم جميل .. حلم صادف وجودي والنوم في هذا المكان !!
لكن كل الدلائل والمؤشرات .. براهين دامغة .. أدلة واضحة .. تثبت أن ما يحدث معي حقيقة وليس خيالاً .. ثم تقدمت خطوات سريعة بعد الجبل .. لعل الموقف أشعل فتيلة التخيلات ليخلق ضباباً بين الحلم و الحقيقة .. لكن مع تتابع الخطوات وما أن وقع بصري على الشارع العام و سيارتي المتوقفة جانب الطريق أحسست بفرح يغمرني .. فرح ينتشلني من الخيال وبين الحقيقة .. ربما ذلك الشعور أني في عالمي .. عالم البشر !!
ما كان لي احدٌ اقصده بعد كل الأحداث غير الذهاب إلى صديق جدي وأعلِمهُ بكل ما جرى !! .. انطلقت بسرعة عائداً إليه .. وكأني أسابق الزمن و احقق الحلم .. وصلت بلدة صديق جدي الطيبة و أنا اقترب من منزله وقد أخذت ذرات الشمس الذهبية تتسلل من النافذة تاركة خلفها ظلا لطيفاً ممزوجاً ًببرودة ناعمة .. نظرت من النافذة وإذا بقرص الشمس يكاد أن يتوارى في الأفق البعيد وراء الجبال.. ترجلت عن السيارة وطرقت الباب عدت مرات .. لكن الغريب لا صوت يبادلني من الداخل .. لا حركة اسمعها !! .. يا ترى ماذا حدث لصديق جدي فهو لا يقوى الخروج من منزله إلا في أوقات نادرة !!
وفي وسط إعصار التفكير جاءني الجواب من احد المارة وهو يلقي السلام و التحية ثم يسألني عن من تبحث فشكلك يوحي انك لست من هذة البلد وقد أتيت من مكان بعيد ؟ .. رددت السلام .. ثم أخبرته أني ابحث عن صديق جدي الذي يقطن هذا المنزل !!
نظر إلي بغرابة ثم باندهاش قال : لقد توفى الله صديق جدك منذ قرابة أسبوعين .. رحمة الله عليه !! .. تحدثت بتعجب و استنكار كبيرين وكنت كالمشدوه : كيف !!! لا يمكن !!! فقد كان موجودا هنا في منزله في هذا الصباح وقد استضافني !!! وجلسنا مع بعضنا البعض نتناول زواي الحديث !!! .. ثم رحلت عنه وهو في أفضل حال !!!
لحظات وتساؤل مبهم مع كل الأحداث.. هل كنت احلم ؟ .. تلك الأفكار حولت نفسي لميدان عراك .. ميدان اشتد فيه الصراع بين العقل والمنطق من جهة .. وبين العاطفة والقلب من جهة أخرى !!