الفصل الحادي عشر

لو كان شخص حي بذلك المكان ورأى ذلك الموقف المفزع لمات رعباً .. لكن لن أقف هكذا .. سوف أتغلب على تيار الخوف الذي ينتشلني !! فسرت موجة هي الشجاعة المتدفقة من باطن القلب فتسللت ذاهبة إلى العقل فنصعت هناك وانبثقت لتحل عقدة اللسان بكلمات روحانية قوية انصدع جبل الظلام لها .. كلمات صوتها عميق تنبعث من نفسً مطمئن تشكلت في تلاوة سورتي المعوذتين .. نعم إنها كلمات الله والتوكل عليه و الثقة به !!
 


فبعد التلاوة المتواصلة توقف ذلك الكائن المرعب وكأنه يحتضر .. وبدأ جسمه بتلاشي .. و انطلقت صرخة شديدة منه هي الموت .. وكأن كلام الله عز وجل تُحول جسمه إلى ذرات ثم تطايرت وانتثرت بين الضباب الأسود .. سبحان الله ولا اله إلا الله .. كم كان الموقف عجيب ومفزع .. والرئة تسحب هواء الموقف بشدة ليعود الاستنشاق والتنفس لطبيعته في ذلك المكان الشيطاني .. الحمد الله !!

تابعت الصعود في طريقً ضيق بعد ذلك المشهد المفزع و أنا على ذكر الله أمضي و الصخور من حولي تتحرك والأرض تهتز كأنها سوف تسقطني من فوق الجبل ومن بينه تصدر أصوات غريبة .. مرعبة .. مخيفة .. تخترق الأذن .. صريخ .. خوار .. طنين .. كأنك تسمع ألف شخص يعذب أو ألف حيوان يسلخ .. و أصوات أخرى شديدة .. يكاد القلب يرتعب فزعاً من وقعها .. و تفتح أبواب الخوف على مصراعيها .. لتسيطر عليك وتستحوذك .. ويحدث ما لا يحمد عقباه .. لكن لن استسلم أبدا ولن افتر عن ذكر الله وأنا أتقدم بحفظه !!

خطوات راسخة وحذرة وأنا اشق الطريق في ذلك الجبل المظلم والعين تترقب يمنة ويسرة لعل شئً أخر مفزع .. مرعب .. يترصدني من قريب بعيون شريرة جهنمية .. فبعد عناء وصبر شديدين توقفت خلف صخرة كبيرة قرابة قمة جبل الظلام أخذ أنفاسي واستجمع قواي !!

بينما أنا كذلك و الظلام من حولي يتبدد وينقشع بعض الشئ .. أخذت استرق النظر بنصف عين على غرابة المكان و شموخ الجبل ومن أسفلي من بعيد عمق الوادي و إحمرار تربته التي يكسوها ضباب أسود .. ومن هواء الجو الحار الذي يلفحني من كل جانب .. بعد تأملي للمشاهد شد بصري النظر أعلى الطريق .. فهناك وعلى مرمى البصر بدت ساحة مستوية .. وأرى بعدها فتحت كهف بين الصخور .. لا شك أنه كهف الهلاك !! .. أعلى الكهف حروف كبيرة منقوشة بها مربعات وخطوط منفصلة عن بعضها البعض .. لا اعلم معناها !! .. ومن داخل الكهف أضواء حمراء لا تدري أين منبعها ؟



وما بين الكهف حارسان من شياطين الجن .. لونهما أحمر .. لا أكد أميز وجهيهما.. لكن كأن أعيينهما متوهجة كبيرة تأخد اغلب ملامح الوجه .. وأسنان طويلة تتدلى من فكيهما حتى تصل قرابة الأرض .. أجسادهما طويلة صلبة و دخان اسود ينبعث منهما زادهما بشاعة وشرا !!

تصلبت في موقعي وقبضت أنفاسي ، و العين تترقبيهما بحذر شديد وكأنهما يستشعران وجودي .. فبعد انتظار طويل و العين تسترق تحركات الحارسين .. إذا بهما يذهبان للداخل !! .. تقدمت بخطوات سريعة ثابتة رأساً إلى مدخل الكهف .. وعند قرابته تذكرت قول الشيخ : لا تنسى قبل أن تدخل الكهف أن تتلوا آية الكرسي !! .. قرأتها بخشوع شديد وتوكلت على الله .. ثم تحركت القدمان للداخل !!

كان كهفاً عميقاً طويلاً .. لكن وأنا في الطريق أشعر أن احدهم يتتبع خطواتي ويكاد يُطبق على شفتي أن تنطق بذكر الله .. لكن كنت أقاوم بشدة وأنا أتقدم .. ففي أخر الكهف هناك كان كائن ما .. كائن مخيف يجلس على الأرض مكبلاً بالسلاسل من كِلا يديه .. والسلاسل نفسها منقوش عليها نقش غريب .. ربما كان مشابها للنقش للذي كان أعلى الكهف !!



لابد إنه الفارس الذي حدثني عنة الشيخ !! .. فوصف شكله المخيف.. شئ صعب !! .. تقدمت إليه .. وفجأة ظهر الحارسان في طرفة عين وهما يقفان بجانبه كأنهما يحاولان أذيتي و منعي مما أقدمت عليه !! .. كم كان شكلهما مرعب جداً .. إن الأسير لهو أجمل وصفاً بالنسبة للحارسين !!
 


مع استمراري المتواصل لذكر الله عز وجل أمام الحارسين .. بدأ لساني يثقل ولا يقوى الكلام .. وأخذت الأطراف لا تستجب لأوامر الحركة .. وشعرت باني ارتفع عن الأرض وقد فقدت الأرض جاذبيتها أو أن روحي خرجت تحلق من جسدي .. أو أنه أصابني مس شيطاني .. قوي .. حاد .. وهما يمرقاني بنظرات الغضب و الكراهية .. ويزمجران بصوت شديد الفزع .. ويتشكلان بأبغض الأشكال وابشعها رعبا .. لعلهم يجدون مدخلاً للخوف في النفس ثم يكون ما لا يحمد عقباه .. !! و كان الخوف يستشري الأوصال !!



إعدادات القراءة


لون الخلفية