الفصل الثاني

بعد الصلاة و الدعاء رجعت إلى شقتي بهدوء .. ويتسلل ذاتي شعورا بأمواج الراحة و الاطمئنان .. ثم دخلت الغرفة أنظر إلى ثرياها البسيطة و انظر إلى الخاتم القديم فوق الطاولة الخشبية وكأنة يبادلني الغموض و الاستنكار .. يا ترى ما سر هذا الخاتم القديم ؟ وما علاقته بالأحداث السابقة ؟.. وبحزم ينتشل أطرافي .. لن انتظر الجواب !! سوف أرحل إلى صديق جدي الذي يقطن بعيدا عن زحام المدينة .. لعل الاجوبة تأخذ مسارها لتطفئ لهيب الفضول و التعجب !!

سوف تكون رحلة طويلة يسابقني الزمن في اسفلت الطريق لقطع مسافة 350 كلم على أفضل تقدير .. لأشق طريق الوصول إلى بيت صديق جدي الذي اشتاقه القلب .. أم العين فلم تنعم حلاوة ناظرة منذ قرابة الشهرين .. كم جميلاٌ أن ازوره ويشفي الشوق و الحيرة سرور لقائه !!

استعددت للرحيل ولأمال تدفعني .. و أنا احمل الخاتم القديم بجيبي قاصدً سيارتي المركونة جانب الطريق التي تزاحمت السيارات من حولها !! .. ثم بسكينة وهدوء دخلت السيارة و انا اقرأ دعاء السفر الذي أمرنا به نبينا المصطفى .. ودب شعورا بالنشاط والحيوية يحثني على النهوض .. وشعورا بالراحة والطمانينة عمل على تهدئة اعصابي .. ثم انطلقت بالسيارة مسرعاً .. وكأنها تهرب من ضجيج وخناق المدينة ومن ذلك المشهد المخيف في تلك الليلة الظلماء !!
 


بعد مضي مسافة قصيرة بالسيارة .. وصور أحداث تلك الليلة الرهيبة ما زال راسخٌ طابعها وهي تسيطر على زواي تفكيري .. فترددت اليد وهي تمتد لشريط ألاغاني لعل سماعها يقلل من روعتي ويأنس وحشتي .. ثم أنساب صوت ألاغاني ليذوب في مداخل الاذن وكأنها سوف تعيد لبس الهدوء و كسوة السكينة إلى الأعصاب التي أرهقتها موجات التوتر و الاستغراب من فاجعة تلك الليلة !!

وبينما صوت ألاغاني يتراقص مع أسفلت الطريق و يصدح داخل السيارة ليهز شعوري المتناقض بين الغموض و الهدوء .. حطم حاجز الحال تمايل السيارة العنيف الذي أخذها يمنة ويسرة وكأنها سوف تنقلب راس على عقب .. حاولت بقوة السيطرة عليها وكأن شئً .. غريب .. مخيف .. او مارد .. يريد أن يقتلعها عن مسارها الذي تعهدت عليه .. وأخرى أصوات غريبة مرعبة تضرب جوانب السيارة بمطارق كأنها الرعد حين يقصف جو السماء !!

غرقت الأفكار في بحر الخوف إلى أن رأت قارب النجاة وهو يُذكرها أن الشياطين تفر من ذكر الله !! لحظتها لم أتردد !! .. فبسرعة متناهية لا إرادية أطفئت الموسيقى .. وبصوت عالي وسريع .. صرخت كالتائه الذي وجد ضالته فاهتدى فقلت :
" اعوذ بالله من الشيطان الرجيم " وتلوت ما حفظ صدري من بعض آيات و ذكر الله الحكيم .. وكل زاوية من عظامي تنتفض و ترتعش من الخوف .. أما وجهي فأصفر لونه كاصفرار الأموات !!



مع صدمتي بجدار الموقف المفزع وتواصل تلاوة آيات القرآن الكريم .. أخذ رداء السكون يهيمن شئً فشئ على غرابة تلك الأحداث المرعبة إلى أن سيطر الهدوء زمام أنفعال السيارة ثم عادت إلى طبيعتها وتلاشى صوت ضرب المطارق و التمايل بجسم السيارة .. لقد تبلل جسمي عرقاً وارتعشت أوصالي خوفاً وشعرت بالقلب ينبض تحت القدمين وأنا أقول برعب : أعوذ بالله ما كان هذا الذي حدث ؟؟ .. كنت كالمشدوه لا ادري ماذا افعل !!



أوقفت السيارة بعد عدة كيلو مترات جانب الطريق بين السهول .. وأنا اذكر الله والتهم أنفاسي والملم أفكاري واستجمع قواي من الموقف المخيف .. الحمد الله الذي نجاني من هذة المحنة !! .. استقر بخاطري بعد رخاء وجلاء في الصدر والذي كاد أن ينفجر من شدة هلع الموقف .. أن اتابع المسير و أن لا افتر عن ذكر ربي إلى أن اصل بلدة صديق جدي !!



وبعد طول الرحيل والسيارة بعجلاتها تنهب الطريق وتلتهم المسافات امتاراً وراء أمتار .. اقتربت من بلدة صديق جدي .. لقد كانت بلدة بسيطة البنيان تحيطها جبال شامخة وكأنها تحرسها .. سكانها طيبون .. تزخرفها أشجار النخيل المتمايلة مع نسيم الرياح بشكلً جميل .. وتجري الافلاج من بينها لترسم نور أخر زادها جمالً وبهاء .. شعورٌُُُ رائع جميل يتراقص بداخلي شتت أثار الخوف بالقلب .. يا ترى هل كل من يعيش في المدينة محروماً من هذا الشعور ؟ ... زاد ذلك الشعور العذب بعد أن شق البصر منزل صديق جدي .. الحمد لله !! .. وصلت اخيراً !!



إعدادات القراءة


لون الخلفية