الجزء 10

الفصل التاســـــع :

في مشفى الجندي الخــاص ،،،

إحتقن وجــــه أوس بحمرة غاضبة رغم شحوبه ، وتشنجت تعابيره بشدة لعدم وجـــود زوجته معه ، وصـــاح بصوت أكثر إنفعالاً :
-تقــــــى ..!

انتفضت الممرضة فزعاً وهي تدلف راكضة إلى داخل الغرفة بعد أن سمعت صوته لأول مرة ..
تهللت أساريرها بعد أن رأت أوس الجندي قد إستعاد وعيه ، وهتفت غير مصدقة :
-أوس باشا ، حمدلله على السلامة يا فندم ! ده آآ...

صـــاح بها مقاطعاً إياها بصوت غاضب :
-فين مراتي ؟!

نظرت له الممرضة ببلاهة :
-هـــــه !

تحامل أوس على نفسه لينهض عن الفراش ، ولكن إجتاح الآلم صدره بشدة ، فصرخ فيها بصوت هــــادر وهو يرمقها بنظرات نارية :
-بأقولك فين مراتي ؟ ايه مش سامعة ؟

اقتربت منه على حــذر ، وحاولت تثبيته في مكانه وهي تردد بهدوء زائف :
-اهدى بس ، حضرتك لسه في أول مرحلة الشفاء ، والجرح آآآ....

أمسك بها من رسغها ، وضغط عليه بقوته الغاضبة ، ثم جذبها نحوه ، وحدق فيها بنظرات مخيفة ليكمل صياحه الهادر :
-انتي مش هتقوليلي أعمل ايه ، ردي عليا ، فين مراتي ؟

إنتاب الممرضة حـــالة من الخوف الشديد ، وإرتجفت بشدة وهي تحاول تخليص معصمها ، وأجابته بنبرة مذعورة :
-أنا .. أنا معرفش حاجة ، ثـ .. ثانية واحدة أناديلك الدكتور مهاب وهو هايقولك

أرخــى أصابعه عنها ، فركضت الممرضة إلى خـــارج الغرفة لتبحث عن الطبيب مهاب ...

دفـــع أوس بيده العقاقـــير الطبية المسنودة على الطاولة الصغيرة المجاورة لفراشه ، وصرخ بإهتياج :
-هاتولي تقى هنا ، فين مراتي ، مش موجودة ليه ؟

دلف كبير الأطباء للداخل بعد إبلاغ الممرضة عن إفاقته ، ورسم على ثغره إبتسامة مستفزة وهو يقول :
-أوس باشا ، خضتنا عليك ..

ثم اقترب منه ليتفقد حالته ، ولكنه تفاجيء به يقبض على ياقته .. فشهق مصدوماً ..
جذبه أوس بعنف نحوه ، ثم إنقض على عنقه ، وأطبق عليه بأصابعه الغليظة ، وحدجه بنظرات مميتة ، وكز على أسنانه ليقول بشراسة جلية :
-فين تقى ؟

حاول أن يحرر كبير الأطباء عنقه من قبضته ، وابتلع ريقه بصعوبة بالغة ، وحاول أن يجيبه ، فخرج صوته متحشرجاً مختنقاً ومتقطعاً :
-مـ.. مش هنا !

ســأله بنبرة أعنف :
-أومــال فين ؟
-آآآ.. مـ... معــ..

-أوس .. سيبه !
قالها مهاب بقوة غريبة فأدار أوس رأسه في إتجاه والده ، ورمقه بنفس النظرات المشتعلة ، وأكمل بغضب :
-فين مراتي ؟

رد عليه مهـــاب بجمود قاتل :
-طردتها !

أرخـــى أوس أصابعه عن عنق كبير الأطباء بعد تلك العبارة الصادمة ، فسعل الأخير وهو يحاول إلتقاط أنفاسه ..
اقترب منه مهاب ، وربت على ظهره معتذراً :
-معلش يا دكتور ، سيبنا لوحدنا شوية
-حـ.. حاضر !

ثم غمغم كبير الأطباء مع نفسه وهو يفرك عنقه ليقول بتهكم وهو يلج للخــارج :
-اولعوا مع بعض ، مش أحسن ما روحي كانت هاتطلع في ايد ابنك المفتري ده

سلط أوس أنظاره المحتقنة على والده الذي كان هادئاً بدرجة مستفزة ..
في حين سحب الأخير مقعداً ليجلس على مقربة من الفراش ، ثم وضع ساقه فوق الأخــرى ، ونظر إلى ابنه ببرود وهو يســأله بنبرة فاترة :
-كنت بتســأل عن مين ؟

رد عليه أوس بتسائل عنيف وهو يرمقه بنظرات مغلولة :
-طردت مراتي ليه ؟

أسند مهاب مرفيقه فوق ساقه ، وشبك أصابعه معاً ، وأجابه بهدوء مميت :
-لأنها مش قيمتك ، ولا تستاهلك

إنتفض أوس من جلسته ليصرخ فيه بإنفعال والشرر يتطاير من مقلتيه الحمراوتين :
-هي مراتي ، محدش ليه الحق إنه يتحكم في اللي يخصها غيري

هـــز مهاب رأســـه ببرود ليســأله :
-أهــا .. وبعدين ؟

صــــاح أوس بصوت صـــارم وهو ينفث غضباً :
-أنا عاوزها تيجي هنا حالاً

رفع مهاب حاجبيه للأعلى ، ورد عليه بنبرة فاترة
-مش هايحصل

هـــدر أوس بصوت متشنج :
-نعم !

حــل مهاب أصابعه من تشابكهم ، ولوح بكفه في الهواء ليبرر قائلاً :
-أوس .. شوف العصبية اللي انت فيها دي أنا مقدرها ، حاجة كانت في ايدك مسلياك يومين

صرخ فيه أوس بصوت عنيف وقد برزت عروقه الغاضبة من وجهه وعنقه :
-دي مراتي .. مش لعبة !

أنزل مهاب ساقه ، وإنتصب في جلسته ليرمقه بنظرات جامدة ، ورد عليه بجفاء :
-وإن يكن .. خلاص كفاية عليها كده !

تشنجت نبرة صوته وهو يكز على أسنانه بشراسة ليقول :
-مش انت اللي هاتقولي كفاية ، دي آآآ...

قاطعه مهاب ببروده المستفز :
-بطل الكلمة البايخة دي ، مراتك .. مراتك .. مراتك ، إيه يعني مراتك ؟

حذره أوس وهو يحاول كبح ثورته من الإنفجـــــار :
-دكتور مهاب ، بلاش تستفزني !

نهض مهاب عن المقعد ، ونظر إلى قراءة جهاز قياس نبضات القلب ، والذي أشـــار إلى زيادة واضحة في معدل ضربات قلب ابنه ، ثم أردف قائلاً بجمود وهو يطرق بإصبعه على الشاشة :
-اهدى شوية ! النبض الزيادة مش حلو عشانك

استشاط أوس غيظاً .. واحتقنت عينيه أكثر ، في حين أكمل والده ببرود وهو يوليه ظهره :
-أوس يا حبيبي ، البنت اللي بتدافع عنها ماتستهلش إنك تنطق اسمها ، وخصوصاً لما تعرف إنها آآآ...

توقف عن إكمـــال جملته ليحدق في عيني ابنه الملتهبتين ، واقترب أكثر منه ليهمس له بخبث :
-احم .. كان ليها عشيق سري !

جحظت عيني أوس بصدمة رهيبة .. وبدى وجهه كالقنبلة الموقوتة التي توشك على الإنفجار ..
استغل مهاب الوضع المحتقن ليضيف بلؤم :
-وده مش كلامي ، كل الأخبار في الأيام اللي فاتت آآآ...

هدر أوس قائلاً بصدمة واضحة :
-أيــام ، هو .. هو أنا بقالي أد ايه هنا ؟

رد عليه مهاب بهدوء وهو يمسح على جبين ابنه :
-بقالك فترة

أزاح أوس يد والده عنه ، وأشـــاح بوجهه بعيداً ليحدق في الفراغ ، وردد بلا وعي :
-يعني .. يعني تقى لوحدها كل ده ؟

نفخ مهاب بصوت مسموع ، وهتف بنزق :
-برضوه بتجيب اسمها ، يا ابني افهم ، البنت دي سمعتها قذرة والكل بيحكي عنها !

زاد إتســــاع حدقتي أوس ، وإلتفت برأسه في إتجاهه ، وحدجه بنظرات نارية مميتة ، وضغط على أسنانه بقوة ليهتف بشراسة :
-دكتور مهاب ، مافيش داعي للغلط في مراتي

تجهم وجـــه مهاب قائلاً بغل :
-ايه مستخسر تقول بابا ؟

لم يعقب أوس ، واكتفى برمقه بنفس النظرات المحتدة ..
فتابع والده قائلاً بهدوء مصطنع وهو يوليه ظهره :
-براحتك ، بس أنا دوري يحتم عليا أمنع الوســاخة دي تلوث شرفك وسمعتك

كور أوس قبضة يده بشدة ، وتمالك أعصابه الثائرة ليرد عليه بنبرة حاسمة :
-عارف يا دكتور مهاب لو الدنيا كلها قالت عن تقى إنها أوسخ من أوسخ حد عرفته في حياتك ، فأنا مش هاصدق !

إغتاظ والده من رده ، وأضــاف قائلاً بصوت شبه منفعل :
-انت مش في وعيك ، تسلطك وحب التملك عاميك عن إنك تشوف حقيقتها

رد عليها أوس بنبرة واثقة دون أن تطرف عينيه :
-لأ .. حبي ليها مخليني متأكد إنها أطهر من أي حد .. حتى مني أنا شخصياً

كــز مهاب على أسنانه ليقول بصوت متشنج :
-انت مخدوع فيها ، أنا عاذرك ، بس لما تسمع وتشوف اللي اتقال هتغير فكرتك تماماً عنها

جاهد مهاب ليحافظ على هدوئه أمامه ، بينما رد عليه أوس بإصرار :
-برضوه مش هاصدق

قهقه والده عالياً ليثير حنقه أكثر بعد أن فشل في إقناعه ، وأكمل ساخراً :
-صدقني ، لو شوفت بس اللي بأقولك عليه هتغير كلامك ، ده انت مش بعيد تدبحها يا .. يا أبو دم حامي

هتف أوس قائلاً بنبرة عدائية مهددة :
-دمي الحامي ده هايقطع لسان كل كلب جاب سيرتها على لسانه ، مش مرات أوس الجندي اللي يتكلم عنها أي حد !

هـــز مهاب رأسه مستخفاً بحديثه ليقول :
-اصبر بس وشوف ، وبعد كده أحكم

ثم أخـــرج هاتفه المحمول من جيبه، وظل يعبث به ، ومــد يده نحو ابنه ليكمل بحدية :
-خد .. اتفرج ، أنا بنفسي مجمعلك كل الأخبار هنا عشان تتأكد

أبعد أوس يد والده عنه ، وتصلبت عروقه وهو يقول بحسم :
-مش عاوز أشوف حاجة

رمقه مهاب بنظرات مستخفة وهو يقول بسخرية مستفزة :
-لألألألأ .. ازاي يا بني ، وده يصح ، دي برضوه مراتك

ثم أسند الهاتف على طرف الفراش وتابع قائلاً ببرود وهو يغمز له:
-لازم تشوف .. وأنا هاسيبك براحتك !

تركـــه مهاب دون أن يضيف كلمة زائدة .. وإلتوى فمه بإبتسامة شيطانية وهو يحدث نفسه بتوعد :
-ولسه لما أكمل الباقي !

إلتقط أوس الهاتف بأصابع متشنجة ، ونظر إلى شاشته التي أضاءت بإسمه واسم زوجته ليقرأ ما قيل عنهما طــوال الفترة الماضية ...
.......................................

في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب ،،،

هب عدي واقفاً من على مقعده ، ودفعه بقدمه للخلف ليهتف بصياح :
-أوس فــــاق ، انت متأكد ؟

تنفس الصعداء وهو يصغي بإنتباه للطرف الأخـــر ، وأضاف قائلاً بحماس :
-شكراً يا دكتور ، لأ تمام .. انا جاي

أنهى معه المكالمة ، وتنهد بحرارة وهو يضيف :
-ياااااه .. أخيراً ... الحمدلله

ثم انطلق مسرعاً نحو باب الغرفة بعد أن إلتقط ميدالية مفاتيحه ، ولكنه توقف مكانه ليتابع بجدية بعد أن تذكر شيئاً ما :
-لازم أعرف مدام تهاني ، أكيد هتفرح أوي ، ده ابنها !

وبالفعل وضــع الهاتف على أذنه وهو يلج إلى الخـــارج .. ثم ضغط بكفه الأخر على زر إستدعاء المصعد ..

تعجبت السكرتيرة من خروج عدي المفاجيء من مكتبه دون أن يبلغها بشيء ، وتسائلت مع نفسها بفضول :
-هو في ايه حصل ؟ عدي باشا بيجري كده ليه ؟!!!

تابعته بأنظارها إلى أن وصــل للمصعد ، فعاودت التطلع إلى شاشة الحاسوب الموضوعة على مكتبها

ردت تهاني بصوتها الهاديء على عدي ، فصاح هو بحماس :
-الو .. ايوه يا مدام تهاني ، عندي ليكي خبر هيفرحك أوي

سألته بإهتمام بادي في نبرتها :
-خبر ايه ؟

هتف دون تردد وهو يدلف داخل المصعد :
-أوس فـــاق !

صمتت ولم تعقب وكـــأن المفاجأة ألجمت لسانها ، فسأل متوجسًا :
-مدام تهاني سمعاني ! أوس فـاق

صرخت تهاني بلا وعـــي :
-ابنــــي !
.......................................

في منزل تقى عوض الله ،،،

لم تصدق تهاني أذنيها حينما أبلغها عدي بأن إبنها الوحيد قد إستعاد وعيه بعد تلك الجراحة الخطيرة ..
تنهدت بعمق ، وأدمعت عينيها بفرحة حقيقية ، وهمست لنفسها :
-ابني .. آآآه يا ضنايا .. الحمدلله يا رب ، ألف حمد وشكر ليك يا رب

رفعت بصرها للسماء ، وحمدت المولى كثيراً ،
ثم ركضت نحو غرفة تقى وعلى ثغرها ابتسامة مشرقة ..
..................................

جلست تقى في حالة شرود - كعادتها - على فراشها ، وهي ضامة ركبتيها إلى صدرها ، وعاقدة لذراعيها حولهما ..
وجدتها خالتها على تلك الحالة ، فرمقتها بنظرات سعيدة ، ثم جلست إلى جوارها ، ومدت يديها لتمسك بكفيها المعقودين ، وهتفت بسعادة جلية :
-تقى .. أوس ابني فاق ، خلاص عدى مرحلة الخطر والحمدلله

اتسعت حدقتيها بإهتمام عقب عبارتها الأخيرة ، وإنفرج فمها في صدمة ، وظنت أنها تتوهم ما تسمعه .. بينما تابعت تهاني بفرحة عامرة وهي تحيط نفسها بذراعيها :
-يــــاه .. ياما كان نفسي أخده في حضني واقوله حمدلله على سلامتك يا بني ، ولا كنوز الدنيا تسوى حاجة قصاد غيابك عن حياتي ، ولا آآ...

لم تصغْ تقى إلى ما تقوله خالتها ، فمـــا علق بذاكرتها هو الإبتسامة الراضية التي إعتلت ثغر أوس وهو في أحضانها حينما كانت تصرخ بإسمه ..
ابتسمت تلقائياً بعد أن تجسد نصب عينيها ذكريات الأوقات الأخيرة التي قضاها الاثنين معاً في الساحل بعيداً عن كل تلك الضغوط ..
تذكرت ما ظنت أنه وهماً حينما رأته يعبث بمنامتها الحمراء ، ومن إختلاسه للنظرات نحوها ، وإنكاره لإنهيارها المذعوم ، ثم دفاعه المستميت عنها ، وتمسكه بها حينما أوشكت على السقوط من حافة الشرفة ..
كذلك مزاحه الجاد معها .. وحمله إياها رغم تذمرها وإعتراضها على ذلك ..
وسعيه الحفي في تعويضها عن تعذيبه إياها .. وتوقه الشديد لإرضائها ..
ندمـــه الواضح على جريمته النكراء ..
توبته عن أفعاله المشينة ..
منعه لنفسه عنها رغم أسلوبها القاسي وتحديها المستفز لرجولته ..
رغبته الملحة في تقبلها له والصفح عن جريرته ..
وأخيراً سكونه في أحضانها بعد مسامحتها إياه ..

تنهدت بعمــق ، وأحست بإرتيــاح عجيب .. ربما لأنها لم تهنأ منذ أشهر .. واليوم فقط تذوقت للحظات طعم الراحـــة بعد أن إطمأنت عليه ..

-انتي مش سمعاني يا تقى ؟
قالتها تهاني وهي تنظر لها بإستغراب فقد ظلت صامتة لفترة ولم تعلق على تلك المفاجأة السارة

انتبهت الأخيرة لصوت خالتها الجــاد ، وردت بتلعثم :
-أنا .. أنا معاكي

ابتسمت لها خالتها ، وبدت أكثر تحمساً وهي تتابع قائلة :
-الحمدلله ، عقبال ما ربنا يجمعكوا سوا ، وتربوا ابنكم اللي جاي في حضن بعض

أثارت كلماتها الأخيرة القشعريرة في بدنها .. وإرتجفت لوهلة وهي تحاول تخيل وقـــع الصدمة على أوس حينما يعلم بمســألة حملها ...
.........................................

في مكــــان ما ،،،،

دلف مهاب الجندي إلى أحد مواقع تصوير البرامج الحوارية الشهيرة ، فأسرع أحد معدين هذا البرنامج المعروف بمد يده لمصافحته فور رؤيته إياه ، وهتف بجدية :
-نورت الاستديو يا دكتور مهاب ، بجد أنا مش مصدق إن حضرتك وافقت على الظهور في البرنامج بتاعنا

رد عليه مهاب بجمود وهو يرمقه بنظرات متمعنة من رأسه لأخمص قدميه :
-ده لمصلحة ابني

هز الأخير رأســـه قائلاً بنبرة مجاملة :
-أكيد طبعاً

اتجهت مذيعة مــا – صارخة الجمــال – تضع الكثير والكثير من مساحيق التجميل على وجهها ، وترتدي ثياباً رسمية داكنة نحوهما ..
رسمت على ثغرها إبتسامة مصطنعة ، ومدت يدها لتصافح مهاب قائلة بنبرة رقيقة :
-أهلا وسهلاً يا فندم

بادلها مهاب المصافحة قائلاً بنبرة جافــة :
-اهلا بيكي يا أستاذة

ازدادت إبتسامتها إتساعاً ، ورددت بإمتنان وهي تشير بيدها :
-شكراً لتشريف حضرتك ، وظهورك في البرنامج عندي

رد عليها بصوت آجش
-العفو .. !

ثم رفع أنفه للأعلى ليكمل بكبرياء مشروط :
-بس قبل ما نبدأ تصوير للحلقة ، أنا عاوز أشوف الأسئلة ، وده شرطي قبل ما اطلع على الهوا

هزت رأسها موافقة ، وأجابته بهدوء وهي ترسم تلك الإبتسامة الباهتة على محياها :
-حاضر .. وأنا عاوزة حضرتك تطمن ، كل الأسئلة هاتكون ضمن اللي حصل وبيتقال

مط فمه في إعجاب ليضيف بجدية :
-تمام .. ومش عاوز مكالمات هاتفية أو غيره

نظرت له بنظرات مطولة ، وأكملت بإطراء :
-اوكي .. اللي انت عاوزه يا دكتور مهاب ، ظهورك في البرنامج عندي إضافة ليا

تقوس فمه قليلاً قائلاً بإيجاز :
-متفقين !

ثم تحرك الاثنين سوياً نحو منطقة التصوير ، وأردفت المذيعة قائلة بحماس :
-أنا واثقة إن الحلقة هاتحقق أعلى نسبة مشاهدة

نظر لها بقوة ليضيف بإزدراء :
-أنا مايهمنيش نسب المشاهدة أد ما يهمني إن الكل يخرس ويلزم حدوده !

تنحنحت في حرج لتقول بخفوت :
-طبعاً .. ده حقك

ثم إلتوى فمـــه بإبتسامة خبيثة ، وغمغم مع نفسه بنبرة دنيئة :
-طالما ابني مش واعي للقرف اللي جاي من ناحية الملعونة دي ، يبقى لازم أتصرف وأخلصه منها بطريقي .. بالظبط زي ما أنا متعود أعمل كل حاجة مهمة بنفسي !
..................................................

بأحــد أسواق الحارة الشعبية ،،،

وقفت فردوس أمـــام إحدى عربات بيع الخضــار لتنتقي ما هو مناسب لتبتاعه وفق حاجتها ، ومن ثم تطهوه في المنزل لعائلتها ..

راقبتها سيدتين على مقربة منها ، وهمست إحداهما للأخــرى بسخط وهي تغطي فمها بطرف حجابها :
-ياختي الولية عينها قادرة ، نازلة وماشية وسطنا كده عادي ولا كــأن بنتها عملت عاملة منيلة بستين نيلة !

مطت الأخرى فمها لتضيف بتهكم :
-دي فاجرة ولا حد بيهمها ، ده لولا الواد شعبان قالي على الكلام اللي البتاع اللي اسمه ابصر ايه الفيس ولا كنا هنعرف

مالت الأولى على رأس رفيقتها قائلة بحنق :
-هما دول بيهمهم

إلتوى فم الأخــرى بسخط واضح وهي تقول :
-ربنا يسترها على ولايانا ، عالم مايجيش من وراها إلا الفضايح

تسائلت الأولى بحنق :
-طب احنا هنسيبها كده ؟

ردت عليها الأخــرى بتساؤل وهي ترفع حاجبها للأعلى :
-يعني نعمل ايه ؟

ضيقت السيدة الأولى عينيها لتهمس بلؤم :
-نسمعها إن الوضــع مش عاجبنا

برقت عيني السيدة الأخرى بلمعان مريب ، وهمست وافقة وهي تشير بكفها :
-وماله ياختي ، إياكش يأثر الكلام في جيتها النحس دي

تحركت الاثنتين قليلاً .. ثم هتفت الأولى متعمدة وبصوت شبه مرتفع رامقة فردوس بنظرات إحتقارية :
-ألا قوليلي ياختي ، هو مافيش خشى خالص كده ، صحيح ناس كاشفة وشها ولا هامهما اللي بتعمله بناتها

أكملت السيدة الأخـــرى بسخط وهي تهز حاجبيها :
-ماهو اللي اختشوا ماتوا يا حبيبتي من زمــان ، بس بعيد عنك في ناس عينها أد كده ومابيهماش !

شعرت فردوس أن هذا الحديث الجانبي موجــه إليها ، لذا إستدارت بجسدها نحوهما ، ورمقتهما بنظرات حـــادة ، وتسائلت بصوت شبه منزعج :
-انتو بتتنأرزوا على مين يا ولية منك ليها ؟

لوت السيدة الأولى فمها لتجيب بتنهيدة متأففة :
-اللي على راسه بطحة بيحسس عليها

احتقنت عيني فردوس قليلاً ، وهتفت بنبرة مهددة وهي تلوح بذراعها محذرة :
-قصدك ايه ؟ لمي لسانك انتي وهي بدل ما شبشبي أنسله على جتت كل واحدة فيكم !

ردت عليها السيدة الأخــرى قائلة بنبرة مهينة :
-بدل ياختي ما تمدي ايدك علينا ، روحي ربي بنتك اللي جابت سمعة الحارة للأرض

صاحت فردوس بصوت غاضب وهي تحدجهما بنظرات نارية :
-بنتي ، قطع لسان أي حد يجيب سيرتها ، دي شريفة و متجوزة وآآ..

قاطعتها السيدة الأولى قائلة بسخرية :
-متجوزة أه ، شريفة دي .. احم .. متأخذنيش

برزت مقلتي فردوس الغاضبتين أكثر ، وهتفت :
-نعم ؟

أضافت السيدة الأخــرى بحدة :
-روحي شوفي الكلام اللي بيتقال عنها على النت وبعدين اتكلمي !

فغرت فردوس شفتيها لتتساءل بعدم فهم :
-نت ! ده ايه ده كمان ؟

هزت السيدة الأولى كتفها في عدم اكتراث وهي تجيبها ببرود:
-اسألي بنتك وهي تقولك !

أمسكت السيدة الأخــرى بكتف رفيقتها ، وقالت بجمود :
-بس يا ولية .. واحنا مالنا ، تلاقيهم مطبخينها سوا !

زاد إندهــاش فردوس وشعورها بالبلاهـــة ورددت :
-هــــاه ، مطبخينها !

تغنجت السيدة الأولى بجسدها ، وأردفت قائلة بإزدراء :
-يالا بينا ، لأحسن نتشبه

ردت عليها السيدة الأخـــرى بسخط :
-على رأيك .. و ربنا يسترها علينا ، ويكفينا شرهم !

وابتعدت الاثنتين عنها ، فظلت أنظارها معلقة بهما ، وتسمرت في مكانها تفكر ملياً فيما حدث ، وتسائلت مع نفسها بنبرة حائرة :
-هما بيتكلموا عن ايه بالظبط ؟ نت ايه وفضايح ايه اللي بنتي عملاها ، أنا لازم افهم منها !
................................................

في مشفى الجندي الخــــاص ،،،،

شـــاهد أوس الجندي بتركيز شديد ما قدمه له والده من مقاطع مرئية مسجلة ومنشورات إخبارية تخصه وتخص زوجته تقى .. فزاد إحتقان وجهه ، وبرزت عروقه الغاضبة من عنقه ، وإشتعلت عينيه كجمرتين متقدتين ...
قذف بالهاتف ليتحطم إلى أجزاء على الأرضية صارخاً بعصبية رهيبة :
-مش تقى اللي تعمل ده ! وابن الـ **** اللي عمل كده هاندمه عن كل حرف كتبه في حقها !

ظل أوس يطلق سباباً لاذعاً ، وتهديدات متوعدة لمن أســاء إلى حبيبته ..

وفي نفس اللحظة ، دلف الطبيب مؤنس إلى داخل الغرفة ، ونظر بإندهـــاش إلى الهاتف المحطم ، وتسائل بتخوف وهو يتأمل ملامح وجهه المحتقنة :
-أوس باشا .. انت .. انت كويس ؟

إستدار أوس برأســه ناحيته ، وبدى شرساً للغاية وهو ينطق بصوت صــارم :
-أنا عاوز أخــرج من هنا

تفحص الطبيب مؤنس صدره بحذر ، وإلتفت برأسه لينظر إلى مؤشراته الحيوية عبر الشاشات الموصولة به ، ثم أردف قائلاً بهدوء جدي :
-قريب ، بس الوقتي مش هاينفع ، لازم الجرح يلم الأول

كـــز أوس على أسنانه قائلاً بإصرار :
-يلم وأنا برا ، مش وأنا راقد هنا وعاجز !

ابتلع الطبيب مؤنس ريقه ، وتابع بجدية :
-كله عشان صحتك يا باشا !

هـــدر به أوس بإنفعــــال :
-أنا أدرى بصحتي عن أي حد

دلف عدي إلى داخـــل الغرفة وعلى وجهه سعادة واضحة ، وهتف بحماس وهو يرى رفيقه يتحدث مع الطبيب :
-أوس

نظر الأخير نحوه ، ورمقه بنظرات شبه محتدة وهو يردد بهدوء زائف :
-عدي .. تعالى

اقترب منه رفيقه المقرب والوحيد ، وانحنى بجذعه عليه ليحتضنه بصدق ، وهمس له :
-وحشتني أوي يا صاحبي ، حمدلله على سلامتك

ثم رفع رأسه ليقبله في جيبنه ، وتابع بحماس :
-لو تعرف حالنا كلنا كان عامل ازاي من غيرك كنت هتعذرنا

ابتسم مؤنس لوجود عدي في الوقت الحالي ، وتعشم خيراً أن يثنيه عن رأيه المتصلب .. ونظر له بتفائل ، لكنه وجد نظرات أوس الجامدة مسلطة عليه ، وشعر أن وجوده غير مرغوب به ، فتنحنح قائلاً وهو يتجه نحو الباب :
-احم .. طيب اسيبكم أنا على راحتكم وأطمن عليك وقت تاني يا باشا

تابعه أوس بنظراته المشتعلة إلى أن خرج من الغرفة ، فهتف بتلهف و دون تأخير :
-عدي ، فين تقى ؟

أجابه عدي بتلعثم بعد أن اعتدل في وقفته :
-آآ.. هي آآ..

أضـــاف أوس قائلاً بإصرار واضح في نبرته ونظراته :
-أنا عاوز أشوفها ، هي فين ؟

رسم عدي إبتسامة باهتة على ثغره وهو يجيبه بفتور :
-اطمن ، هي في بيت اهلها !

سأله أوس بإهتمام وهو محدق به :
-انت شوفتها بنفسك ؟

أومــأ برأسه إيجاباً :
-ايوه

ثم ضغط على شفتيه قليلاً ، ووضع يده على رأسه ليحكها للحظة .. ونفخ بخفوت .. فقد كان متردداً في إبلاغه بما حدث .. وخشي عليه من أن تثور ثائرته حينما يعلم بما قيل من اقاويل مغلوطة تخصه ..
ولكن في النهاية حسم تفكيره المضطرب بأن هتف سريعاً بصوت آجش :
-أنا مش عارف أقولك ايه ، بس اكيد انت عرفت باللي اتنشر عنك وعن تقى ، و آآ....

قاطعه أوس بصوت غاضب ومحذر :
-ماتكملش يولع كل ده ، أنا عاوز مراتي ، سامعني !

أردف عدي قائلاً بهدوء حذر وهو يترقب ردود أفعال رفيقه الغير متوقعة :
-ماشي .. بس أنا حابب أعرفك باللي اتقال في غيابك ، والفيديوهات على لسانا وآآ..

إتسعت حدقتي أوس بشدة ، وقال بصوت شرس :
-اسمعني يا عدي ! لو الدنيا كلها قالت إن تقى زانية وبنت **** ، فأنا الوحيد اللي استحالة أصدق ده عنها ، سامعني استحالة !

هز رأســه موافقاً إياه :
-تمام ..!

ثم ضغط على شفتيه ، وتابع قائلاً بحرج :
-أنا .. أنا أسف يا صاحبي لو جرحتها بكلامي ، بس والله غصب عني ، الكلام كان زبالة وأنا كان يهمني انت وآآ...

قاطعه أوس بعتاب وهو يرمقه بنظراته القوية :
-عيب عليك تصدق على مرات صاحبك كده !

مط عدي فمه قائلاً بنبرة نادمة :
-عندك حق
ثم أضـــاف محدثاً نفسه وهو محدق بأوس :
-ايوه .. وبنت خالت مراتي !

حــــاول عدي أن يغير مجرى الحديث في محاولة منه لتخفيف حدة الأجواء المشحونة ، فأردف قائلاً بإعجاب :
-بأقولك يا أوس ، هو انت عرفت إنها انقذتك ، ونقلتك على المستشفى ؟

إرتسمت علامات الإندهـــاش على وجهه ، وحدق فيه بعدم تصديق .. و تسائل بجدية ممزوجة بالتلهف :
-هي عملت كده لوحدها ؟

ابتسم عدي وهو يجيبه :
-ايوه .. لوحدها

ولكن سريعاً ما تلاشت إبتسامته وهو يتابع بصوت أسف :
-بس طبعاً انت عارف الصحافة بتشمشم على أي خبر وغيروا الحقايق وآآ..

قاطعه أوس بنبرة تهديدية صريحة :
-ولاد الكلب اللي عملوا كده مش هايترحموا !

ثم تنهد بعمق ، وحدق أمـــامه ليضيف بنبرة صادقة :
-تقى غير أي واحدة عرفتها في حياتي ، أنا .. أنا بأشوف فيها نفسي ، ضعفي وقوتي معاها ، مش محتاج أكون غير بس أوس الحقيقي عشان أحس بيها وتحس بيا !

أصغى عدي له بتعجب واضح على ملامح وجهه ، فهو لم يتوقع يوماً أن تفعل فيه تلك الفتاة الضعيفة التي لا حول لها ولا قوة كل هذا ، وتغير ما عجز الأخرين عنه ...

هتف أوس بجدية بالغة بعد أن اشتدت عينيه إصراراً :
-المهم أنا عاوزك تجبهالي أشوفها

تسائل عدي بقلق :
-الوقتي ؟

هز أوس رأسه إيجاباً ، ورد عليه بتلهف :
-ايوه .. مش قادر أصبر على بعادها

زم عدي فمه ليقول بإنزعــاج :
-ماشي .. بس انت عارف انه هايكون صعب هنا ، أبوك عامل حراسة امنية رهيبة

صــاح أوس بإصرار وهو يرمقه بتلك النظرات القوية :
-اتصــرف ، هات مرات أخوك !
-حاضر

ثم صمت للحظة ليتسائل بعدها بحذر :
-طب .. وآآ.. ومدام تهاني ؟

نفخ أوس قائلاً بضيق :
-مش وقتها .. أنا عاوز مراتي وبس !

برر عدي ما فعلته قائلاً :
-أوس .. صدقني مدام تهاني كان قلبها بيتقطع عشانك ، انت ماشوفتش كانت عاملة ازاي ، وآآ....

قاطعه أوس بنفاذ صبر :
-مش وقته يا عدي ، خليني في مراتي وبس

رد عليه عدي بإحباط :
-تمام .. اللي تشوفه

ثم تسائل أوس بإهتمام :
-وايه اخبار ليان ؟

أجابه رفيقه بفتور :
-أهوو .. في تحسن شوية في حالتها

هز رأسه قائلاً بنبرة راضية :
-كويس ، والشغل ؟
-شغالين ، اطمن

حك أوس طرف ذقنه ، وأضــاف قائلاً بجدية بالغة :
-عارف يا عدي اللي خطط إنه يقتلني مكنش حد عادي ، لأ ده مراقبني كويس وعارف تحركاتي

أومــأ عدي برأسه موافقاً إياه ، وهتف :
-أهــا .. ده واضح من كلام تقى !

انعقد ما بين حاجبيه في إستغراب ، وتسائل بإهتمام واضح :
-وانت عرفت ازاي ؟

رد عليه عدي بهدوء :
-من تحقيقات النيابة ، أصلهم حققوا معاها في الأول ، والمفروض هياخدوا أقوالك ..
-أها

ثم أكمل قائلاً بجدية :
-كمان أنا موصي المحامي منعم يتابع التفاصيل ويبلغني بالجديد أول بأول !

تابع أوس قائلاً :
-عظيم .. وآآ...

لم يكمل الأخير جملته حيث اقتحم الغرفة الطبيب مؤنس ، وهتف بتوتر رهيب :
-سوري إني بأقاطعكم ، بس في حاجة مهمة لازم تتابعها يا أوس باشا !

إنقبض قلبه للحظة ، وتسائل بتخوف :
-حاجة ايه دي ؟

حدق الطبيب مؤنس فيه ، ورد عليه بإرتباك :
-د. مهاب على الـ TV في برنامج توك شو ، وبيتكلم عنك !

قطب أوس جبينه ، وردد على الفور :
-عني !

هز الطبيب مؤنس رأسه قائلاً :
-أهــا

شرد أوس للحظة فيما يمكن أن يفعله والده ، ثم تسائل بنبرة شبه قلقة بعد أن تجهم وجهه بشدة :
-فين بالظبط ؟

مـــد الطبيب مؤنس يده بهاتف محمول ، ورد عليه بحذر :
-حضرتك اتفضل تابع الحلقة على الإستريم المباشر ده

تناوله منه أوس ، ونظر إليه بترقب مريب ..
..................................

في منزل تقى عوض الله ،،،،

حدقت تقــى بأعين جاحظة أمـــام شاشة التلفاز بعد أن رأت وجـــه المقيت مهاب ظاهراً عليه في أحد البرامج الحوارية ..

ابتلعت ريقها بتوجس ، وشعرت بخفقات قلبها المتتالية ، فظهوره في الوقت الحالي غير مبشر على الإطلاق ...
نظرت تهاني بإزدراء إليه ، وهتفت بحنق :
-قلبي عمره ماهيصفى ولا يرتاح للانسان ده

ردت عليها تقى بنبرة شبه خائفة :
-أنا.. أنا حاسة انه ناوي على كارثة

هتفت تهاني بفتور وهي تلوح بذراعها :
-ميقدرش ، بلا وجـــع دمـــاغ !

ثم أوشكت على تغيير المحطفة الفضائية ، فصاحت فيها تقى بتلهف :
-استني يا خالتي .. أنا عاوزة اسمع هايقول ايه

ردت عليها تهاني بضجر :
-يا بنتي ده راجل مش مظبوط ، مش بيجي من وراه إلا وجع القلب والمشاكل

نظرت لها تقى بتوسل وهي تهمس بإستعطاف :
-معلش ، عشان خاطري

ردت عليها تهاني بإستسلام :
-الأمـــر لله .. حاضر يا بنتي

في نفس اللحظة فتحت فردوس الباب لتدلف إلى الداخل ووجهها شديد العبوس .. وعينيها تشير إلى غضب جم ..
لم تنبس ببنت شفة ، ولكنها سلطت أنظارها المشتعلة على ابنتها ..
وهتفت بصوت قاتم :
-سلامو عليكم

ردت عليها تهاني بنبرة عادية :
-وعليكم السلام .. تعالي يا فردوس اقعدي جمبي

نظرت فردوس بإحتقار إلى ابنتها ، وأضافت بسخط جلي في نبرتها
-أجي فين ، ماكفاية الهانم مشرفانا !

نظرت لها تهاني بعدم فهم ، وسألتها بتوجس :
-قصدك ايه ؟

صاحت فردوس بصوت محتقن :
-يعني مش عارفة يا تهاني ؟ ولا مطرمخاها مع المحروسة

اعتدلت تهاني في جلستها ، رومقت أختها بنظرات حادة ، وعاتبتها قائلة :
-ايه الكلام الغريب اللي بتقوليه ده ؟ عيب كده يا فردوس

وفجـــأة صاحت تقى بنبرة شبه مرتجفة وهي تشير بيدها :
-عَلي صوت التلفزيون شوية يا خالتي ، الراجل ده بـ .. بيتكلم عني !

أدارت فردوس رأسها نحو شاشة التلفاز ، ورددت بتجهم :
-عنك في التلافزيون ؟

ثم حدقت في صورة مهاب الجندي ، وتسائلت بحيرة بادية على تعابير وجهها :
-وده مين ده كمان ؟!

إلتوى فم فردوس بصورة متجهمة لتضيف بسخط :
-ولا هي المشرحة ناقصة قُتلى !

.............................

في إحدى استديوهات التصوير ،،،

وضـــع مهاب الجندي ساقه فوق الأخــرى ، وجلس بكبرياء عجيب وهو يتطلع إلى المذيعة الجالسة قبالته بثبات ..
بينما حاورته الأخيرة بجدية شديدة :
-معنى كده إنك بتنفي تماماً علاقته بتقى عوض ؟

تنحنح مهاب بصوت خشن ، ثم رد عليها بنبرة رزينة :
-زي ما قولت لحضرتك ، ابني أوس معدتش ليه علاقة بالبني آدمة اللي الكل بيتكلم عنها

أضافت المذيعة قائلة بهدوء وهي ترفع رأسها بشموخ :
-بس دي مازلت زوجته يا فندم !

تصلب وجهه ، وأدار رأسه في مواجهة الكاميرا ، وأردف قائلاً بثبات قاتل :
-كانت ! وأنا من عندك هنا في البرنامج بأعلن رسمياً انفصــال ابني عنها .......................................... !!!


إعدادات القراءة


لون الخلفية