الجزء 35

الفصل الخامس والعشرون ( الجزء الثالث ) :

في المستوصف الشعبي ،،،،

اقتحم أوس مدخل ذلك المستوصف المتدني في خدماته بقوة وإنفعال محاولاً المرور بين أجساد الرجال المتلاحمين ، ولحق به عدي ورجــال حراسته الخاصة ، وكذلك الشيخ أحمد ..
كان الإستقبال مسدوداً ، وتعذر عليه الدخــول ، واستمر التراشق بين المتواجدين بكل ما تطاله أيديهم ، فتراجع مسرعاً للخلف ، ورفع السلاح الذي بحوزته للأعلى ، وأطلق عدة أعيرة نــــارية في الهواء .. فتوقف الجميع عن الإقتتال ، وحدقوا به بإستغراب .. وظنوا من هيئته الراقية أنه من رجــال المباحث ..

تدخل أفراد الحراســة ، وبدأوا في تفريق الجموع بعنف وقوة ، ومع هذا استمر السباب والتطاول بالألفاظ الجارحــة ...

مـــرر أوس عينيه على أوجـــه الجميع باحثاً عن تقى بينهم ، وخاصة بين السيدات المتواريات في الخلف .. فلم يجدها بينهن ، فقفز قلبه رعباً في صدره ، وتلاحقت أنفاسه برهبة واضحة ..
إتسعت حدقتيه بفزع كبير حينما وقعت عينيه على فردوس المنكبة على وجهها على الأرضية ، فركض نحوها ، وجثى على ركبته أمامها ، وسألها بهلع وهو يحاول رفع جسدها للأعلى :
-ايه اللي حصل ، وفين تقى ؟

تراخى جسدها ومالت برأسها للأمـام ، وتأوهت بصوت مكتوم ..
فتأمل هو تلك الدمـــاء التي تغطي جبينها بذعــــر واضح على تعابير وجهه .. وسألها مجدداً بخوف :
-حصل ايه ؟ مراتي فين ؟
ظلت فردوس تئن بخفوت ، وأجابته بصوت ضعيف وهي تشير بإصبعها :
-الحق ..آآآ.. الحقها هي .. هي جوا !

نظر أوس إلى حيث أشـــارت بإصبعها .. ثم أسندها على الأرضية بحذر ، وركض نحو الممر الجانبي ..

رأى عدي ذلك المشهد الدامي ، فأخـــرج هاتفه المحمول وهاتف – دون تردد - شرطة النجدة على الفور ..

وقف الشيخ أحمد في مكانه يضرب كفاً على الأخـــر بتحسر وهو يردد :
-لا حول ولا قوة إلا بالله ! لا إله إلا الله ! إيه اللي بيحصل هنا ؟!

وصـــل العم عوض إلى المستوصف وهو مذهــــول مما يراه ..
لم يتخيل أن يتحول ذلك المكان المعروف عنه بمداواة المرضى من الفقراء والمحتاجين إلى ساحة للحرب ... لكن لم يطرأ بباله أن تكون زوجته شريكة في إلحاق الأذى بإبنته الوحيدة ..
.....................

ركض أوس عبر الممر باحثاً بجنون عن زوجته تقى ، شعـــر وكأن عقله قد غــاب تماماً عنه ..
لم يعرف إلى أين يذهب وأين يبحث عنها ، فالغرف كثيرة ، وهناك عدة ممرات جانبية متشعبة ..

انتبه هو إلى تلك الأصـــوات الغاضبة ، فأدار رأســه للخلف ، وتحرك نحو مصدرها ، فرأى عدة رجـــال يسحلون طبيباً على بطنه ، ويركلونه بعنف وهم يتعمدون إهانته ..
صرخ شامل مستغيثاً وهو يتآلم من تلك الضربات الشرسة :
-آآآآه ، هاموت في ايدكم ، آآآه !

نظر لهم أوس بنظرات محتدة وسألهم بإنفعال :
-ايه اللي بيحصل هنا ؟

رمقه أحدهم بنظرات عدائية وهو يصيح فيه بغلظة :
-ملكش فيه ! ووسع من سكتنا بدل ما تتكوم جمبه

إستشاط أوس غضباً من طريقته المهينة ، ورفع سلاحه في وجهه وهو يصرخ فيه بغضب جم :
-هاتكون ميت قبل ما تعملها

لحق عدي بأوس ، ورأه وهو مشهر سلاحه في وجه بعض الغرباء ، فصــاح بقوة وهو يتجه نحوه :
-أوس ماتتهورش ، البوليس جــاي دلوقتي وهايتعامل مع الأشكال دي كلها !!

أضــاف رجل أخـــر بصوت محذراً وهو يلوح بذراعه التي تحمل عصا غليظة :
-بص يا أخ إنت وهو ، إحنا مالناش دخل بيكم ، كل اللي يهمنا النجس ده ، ومسكناه

صـــاح شامل مستغيثاً بتوسل :
-الحقوني ، هـ.. هايموتوني !

صـــاح أوس بصوت جهوري متعصب وقد إحتقنت عينيه بشراسة :
-ولا ده ولا مليون غيره يفرقوا معايا ، أنا بأدور على مراتي هنا !

انضمت المرأة إليهم على إثر صوتهم المرتفع ، وهتفت بتذمر غاضب :
-هو الكلب ده لسه هنا ؟ مطلعتوش بيه بـــرا ليه ؟!

أجابها أحدهم بصوت محتقن :
-الأخ ده مانعنا

ضيقت المرأة عينيها ، وهدرت بعصبية :
-والله لو جابولك مين يا **** يا **** ، محدش هايحوشك من ايدي !

أضــــاف عدي قائلاً بتحذير وهو يرمقها بنظرات قوية :
-اسكتي يا ست انتي واعرفي بتتعاملي مع مين !

صـــاح بها أوس بصوت مخيف :
-أنا عاوز مراتي ، مش عاوز الكلب ده

رددت المرأة بصوت متعجب :
-مراتك !

تابع بنبرة عدائية وقد أظلمت عينيه :
-ايوه ، ومحدش هيتحرك من هنا قبل ما أعرف هي فين !

أضافت المرأة بلا وعي وهي تفرك جبينها :
-تكونش هي البت اللي مفرفرة جوا ، ولحقتها قبل ما النجس ده يعمل فيها زي ما عمل في اختي ، وآآ...

وقعت كلماتها كالطعنة النافذة في صدر أوس ، فتلونت مقلتيه بحمرة مخيفة ، وبرزت عروق وجهه بشراســة جلية ، وربط سريعاً بين ما سمعه عبر هاتف تقى ، وبين حديث المرأة الغاضبة ، فقاطعها بصوت هــــادر وقوي :
-هي فيـــــــن ؟؟؟؟

انتفض جسدها للحظة من صوته المتشنج ، وأدارت رأسها للخلف ، وأشــــارت بذراعها وهي تجيبه بحذر :
-أخـــر الطُرقة دي !

حدج أوس شـــــامل بنظرات مميتة ، وصاح بصوت صـــارم لعدي :
-الكلب ده يخصني أنا كمان ، مايتسابش إلا لما أحاسبه !

هز رأســــه موافقاً وهو يجيبه بإيجاز :
-ماشي

اعترضت المرأة قائلة بتذمر :
-لألألألأ ... ده يخصني ، قسماً بالله ما هاسيبوه من إيدي قبل ما أخلص حق اختي !

لم يصغْ أوس إليها ، بل صــاح مجدداً بصوت متصلب في عدي :
-سامعني ياعدي ، ده يخصني وبس !

رد عليه رفيقه بحذر محاولاً تهدئة ثورته الغاضبة :
-حاضر .. حاضر !

ثم ركض أوس بخطوات سريعة إلى حيث أشارت ..
...............................................

وصـــل الطبيب بدران إلى المستوصف ، وتفاجيء بالتجهمر الكبير أمـــام مدخله ، فتسائل بإنزعـــاج :
-في ايه هنا ؟ ده مستوصف مش آآآ....

-امسكوه الكلب ده كمان !!!
قالها أحد الأشخاص مقاطعاً إياه بصوت آجش ومنفعل

إستدار بدران إلى مصدره ، وتفاجيء بمن يضربه بعصا غليظة على كتفه ، فطرحه أرضــاً وهو يصرخ من قوة الضربة ..

تسمرت تهاني في مكانها مذعورة مما رأته ، وتمسكت بإبنتها وهي تشهق قائلة بهلع :
-يالهوي ! إيه اللي بيحصل هنا ؟!

جابت بعينيها المكان باحثة عن أوس ، فرأت العم عوض وهو يقف في الخلف ، وإلى جواره الشيخ أحمد ، فضغطت على أصابع ابنتها ، وهتفت فيها بقلق بالغ :
-عمك عوض واقف هناك أهوو .. !

ثم ســـارت الإثنتين بخطى سريعة نحوهما .. وما إن أصبحت تهاني على مسافة قريبة حتى هتفت بصوت مرتفع :
-يا عم عوض ، ايه اللي حاصل عندك ؟

إلتفت عوض برأســه نحوهما ، وأجاب بصوت منزعج :
-مش عارف والله ، بس الدنيا مقلوبة جوا

أضـــاف الشيخ أحمد قائلاً بتوتر :
-ربنا يسترها على عباده

تسائلت تهاني بتلهف وهي تتفرس تعابير وجهه :
-طب فين أوس ؟

أجابها عوض بهدوء زائف وهو يشير بعكازه :
-جوا مع فردوس وتقى

جحظت بعينيها مشدوهة ، وسألته بقلق جلي :
-اييييه ؟ وهما ايه اللي جابهم هنا ؟

تهدل كتفيه وهو يجيبها بحيرة :
-محدش عارف لسه !
...............................................

تســـارعت دقــات قلب أوس بعد أن وصــل إلى وجهته المنشودة .. ولهث بصعوبة وهو يحاول ضبط أنفاسه على عتبة باب غرفة العمليات ..
إزدرد ريقـــه بخوف وهو يدلف إلى الداخل حيث إلتقطتها عينيه المحتدتين ..
همس بإسمها وقلبه يكاد يخرج من بين ضلوعه :
-تـ.. تقى !

وقف أمـــام الفراش الطبي ، ونظر إلى وجهها المغطى بقناع الأكسجين بهلع ، ثم أزاحه ببطء ، وتأمل ملامح وجهها المتشنجة برعب واضح على قسماته .. ثم تحسس وجنتها بحذر ، وهمس لها بصوت خائف :
-تـ.. تقى ، أنا .. أنا هنا جمبك !

ألقى نظرة سريعة على جسدها بعد أن أزاح الملاءة من عليها ، وتفحصها بهلع ليتأكد من عدم إصابتها بمكروه ، وتنفس الصعداء لعدم وجود أي جــرح أو نزيف بها ، فانحنى عليها ولف ذراعيه حولها ، ورفعها إلى صدره ليضمها بشغف كبير إليه .. وتابع بصوت شبه مختنق :
-متخافيش يا تقى ، محدش هايعملك حاجة ، أنا معاكي !

ثم أحاطها بذراعيه ليحملها ، وعـــاد مسرعاً من حيث أتى ، وعينيه لم تبرحا تأمل وجهها الساكن ...

.....................................
وصلت عــــدة سيارات إسعاف خـــارج المستوصف ، فخفق قلب تهاني بقوة ، وتسائلت بلهفة :
-هما .. هما جايين هنا ليه ؟

استطرد الشيخ أحمد حديثه قائلاً بتوجس :
-سترك يا رب ، جيب العواقب سليمة

أضـــاف عوض بقلق واضح :
-قلبي مش مرتاح ، حاسس إن في كارثة جوا !

تسائلت ليان بإهتمام وهي تحاول رؤية ما يحدث بالداخل :
-هو فين أوس وتقى ؟

أفســــح بعض الأشخاص الطريق للمسعفين ليحملوا المصابين إلى الخــــارج ، فشهقت تهاني بهلع ولطمت على صدرها حينما رأت فردوس من ضمنهم ..

أسرعت هي خلفهم وهي تهتف بخوف :
-فردوس ، جرالك ايه ياختي ؟

ضيق الشيخ أحمد عينيه قائلاً بإنزعاج :
-لا حول ولا قوة إلا بالله ، هاتروح ورا مراتك يا عم عوض ؟

نظر له بجمود ، وهز رأسه نافياً وهو يقول بفتور :
-مش قبل ما اطمن على تقى !

تسائلت ليـــان بحيرة وهي تتلفت حولها :
-هما .. هما رايحين فين ؟
-خليكي هنا يا بنتي
رد عليها عوض بجمــــود غريب وهو يشير بعكازه لها ...
ضغطت ليان على شفتيها بضيق ، ولم تبرح مكانها ، ولكن كان الفضول يقتلها لمعرفة ما الذي يدور بالداخـــل ...
........................................

إنهـــالت المرأة بحذائها القاسي على رأس شامل بعد أن تم تقييده من يديه وقدميه ، وركلته في معدته وهي تصرخ بشراسة :
-مش هارحمك ، وهاخلص ذنب اختي منك !

أضاف أحد أقاربها قائلاً بحنق :
-عنك انتي ، اومــال احنا هنا ليه !

تدخل عدي قائلاً بتحذير شديد اللهجة :
-محدش هيلمسه قبل ما يجي أوس باشا

لوت المرأة ثغرها قائلة بإحتجاج :
-لا بشوات ولا بهوات ، احنا هناخد بتارنا منه الاول !

أشـــار عدي بكفه لأفراد الحراسة الخاصة بالتدخل فوراً وتكوين حاجز بشري أمام ذلك الطبيب .. فتذمر الرجـــال وكانوا على وشك الصدام معاً ، ولكن صـــاح بهم عدي قائلاً بصوت جهوري :
-الكل هيستنى لحد ما يجي الباشا !

خــــرج أوس إلى الاستقبال حاملاً تقى بين ذراعيه ، فأسرع إليه عدي متسائلاً بقلق واضح وهو يتفحص وجهها :
-هي مالها ؟ حصلها ايه ؟

رد عليه أوس بنبرة ممتعضة :
-مش عـــارف لسه ، بس هحاسب اللي عمل فيها كده

هتفت المرأة بغيظ وهي تقترب منهم :
-بص يا جدع إنت ، ابن الـ **** ده كان ناوي يعمل في مراتك حاجات استغفر الله العظيم وآآ....

قاطعها شامل بصراخ مختنق :
-كدابة ، أمها هي اللي جابتها عشان تسقطها ، وأنا كنت هاعملها العملية وبس !
شخصت أبصــــــار أوس عقب تلك العبارة الصادمة ، وإحتقنت عروقه بشدة حتى كاد وجهه يتحول لقنبلة موقوتة على وشك الإنفجار في أي لحظة ..
للحظة توقف عن التنفس ، وشعر بعجز تام في أوصـــاله .. ولكنه نجح في التغلب على صدمته ، وأفـــاق من حالة الشلل المؤقت التي إنتابته ..
لقد آلمه بعنف التفكير في كونه من وافق من البداية على أرسلها إلى والدتها لزيارتها ، نعم ..تلك التي خانت ثقتها ، وكادت أن تودي بحياتها وحياة جنينه ..
شعر عدي بحالة رفيقه والذي بدى في حالة مريبة للغاية خاصة وأن الطعنة الغادرة جاءت من أقرب الناس إلى زوجته ، فخشى عليه أن يتهور ويرتكب أي حماقات وهو في أوج غضبه .. لذا هتف بنزق :
-أوس خد تقى على الدكتورة بتاعتها وآآآ...

قاطعه أوس وهو يكـــز على أسنانه بشراسة أشد :
-خدها مكاني على عيادة بارسينيا ، وانا هاحصلك

اعترض عدي متضرعاً له بعد أن رأى تحول عينيه للإظلام التام ، وتجمد تعابير وجهه :
-يا أوس ما آآ.....

قاطعه أوس مرة أخرى بصوت آمــــر وأكثر تصلباً :
-اسمع الكــــــلام !

هــــز عدي رأســه مستسلماً ، فقد أدرك أن أي محاولة لإقناع أوس بالعكس لن تفلح معه ، فقد سبق السيف العذل ..
...............................................

في قصر عائلة الجندي ،،،،

ضرب مهاب بقبضة يده بعنف على سطح مكتبه وهو يصرخ هاتفياً في محاميه :
-بأقولك يا نصيف الورق كله اللي يديني اتسرق من عندي !!

صمت للحظة ليستمع إليه ، وتابع بصوت محتد :
-لازم تتصرف بسرعة وتشوفلي أي طريقة أخرج بيها من البلد دي لحد ما أرتب أموري وأعرف انتقم من اللي عملوا فيا كده !

نفخ بصوت مسموع ، ووضع يده على رأسه ليفرك فروته ، وهتف بإنفعال :
-مافيش وقت ، أنا مش ضامن هايعملوا ايه !

صـــر على أسنانه بقسوة ، وضاقت عينيه وهو يكمل بغل :
-مش هاسيبهم ، بس أئمن نفسي الأول !

ضغط مهاب على شفتيه ، ودار حول نفسه في غرفة مكتبه ، ثم صــاح بعصبية :
-هيوصلك اللي انت عاوزه بس انجز !

ثم أنهى المكالمة ، وزفـــــر بعصبية .. وكور قبضة يده بغيظ وهو يردد بتهديد :
-بقى انتي يا ليان تسرقيني ، دي أخرتها ! ماشي .. ماشي ، ليكي حساب معايا انتي واللي بعتتك ليا ! هاحمي ضهري الأول ، وبعدها هاخلص القديم والجديد ..!!!!

................................................
في المستوصف الشعبي ،،،

مـــد أوس ذراعيه اللاتين تحملان تقى إلى عدي ، فإلتقطها الأخير منه ، وحملها برفق بين ذراعيه ، واتجه بها نحو الخــارج ولحق به إثنين من رجــال الحراسة الخاصة ..

ثم ســار بخطوات ثابتة في اتجاه شامل المقيد على الأرضية ، وقد إنتوى أن ينتقم منه وبلا رحمة ..
شعر الأخير بحجم الخطر المحدق به ، وصـــاح مستغيثاً بإهتياج :
-معملتش حاجة ، أنا مظلوم ، دول .. دول هما اللي بيجوا عندنا عشان نشيل وساختهم ، واسألوا د. بدران

هتف بدران هو الأخـــر مدافعاً عن نفسه :
-احنا ملناش دعوة ، الكل بيبقى جاي هنا بمزاجه ، مش بنضرب حد على ايده عشان يتعالج ولا عشان يداري عيوبه !!

صرخت فيه المرأة بصوت غاضب منفعل :
-انتو مفكرينا ايه ؟ بناتنا مالهاش أهل عشان تجيوا على عرضنا وتنهشوه!

صــــاح رجل أخـــر بنبرة متوعدة وهو يلوح بعصاه :
-دول هايتعلقوا قبل ما نسلخ جلدهم من لحمهم

تحرك أفراد الحراسة للجانب لإتاحة الفرصة لأوس للمرور بعد أن لكز أحدهم في جانبه ..
وقعت عيني شامل على عيني ذلك المتجهم الذي يقترب منه ، فأنخلع قلبه من فـــرط الرعب .. واستعطفه برجاء :
-أنا .. أنا مجتش جمبها .. صدقني !

ابتلع ريقه بخوف ، وتابع بنبرة مرتجفة وهو يراقبه :
-أمها .. أمها هي اللي جاتلي من كام يوم تقولي بنتي غلطت في الحرام ، سـ .. ساعدني يا دكتور ، وهادفعلك اللي انت عاوزه بس .. بس ساقطها ، و.. وأنا مكونتش أعرف .. و.. وكنت هاجهضها بس !

لم يدرك شامل بغبائه أنه - بلا وعــي – قد نزع فتيل القنبلة الموقوتة التي تقف أمامها ..

شعـــر بدران بتأزم الموقف ، وهمس مغتاظاً :
-يخربيتك ، ضيعت نفسك وضيعتني معاك !

انفجــــر أوس غاضباً بصورة غير طبيعية بالمرة ، وإنهـــال بأشد اللكمات قسوة وعنف على وجـــه شامل حتى حطم فكه ، وأنفه فتناثرت دمــاء الأخير عليه .. ولم يشعر بتلك الجروح الغائرة في قبضته نتيجة عنفها المفرط .. ثم أطبق على عنقه بضراوة ، وخنقه بأصابعه حتى شعر بأنفاسه تتحشرج في حلقه ..
جحظ شامل بعينيه المتورمتين، وتشنج جسده بشدة .. فقد كان على وشك لفظ أنفاسه الأخيرة ..

تدخل أحد الحراس فوراً ، وحاول إبعاد أوس عنه وهو يتوسله بقلق :
-باشا ، هايموت في ايدك ، سيبه واحنا هنربيه ، باشا !

إنضم إليه أخـــر بعد أن أدرك خطورة الموقف ، ونجح مع زميله في تحرير عنق شامل ، ولكن لم يستطيعا منع أوس من ركله بقدمــه بكل ما أوتي من قوة فأحدث به الكثير من الكدمات الموجعة ..
خـــارت قوى شامل تماماً ، وسعل بشهقات متتالية وهو يكاد لا يصدق أنه نجا من الموت على يد ذلك الرجل العنيف الذي لم يتخيل شراسته مطلقاً ، ولكنها لا تقــارن بما هو مقبل عليه بعد ذلك ..

سمع الجميع بعد ذلك نبـــــاح حاد لعدة كلاب أنيابها تبرز بشراسة من بين لعابها المقزز .. فإلتفتوا نحوها بإستغراب ..

أرجع أفراد الحراسة أوس للخلف ، وحاولوا تهدئته بحذر ..
بينما لم يحدْ هو بنظراته المحتقنة عنه .. وهدر بنبرة عدائية :
-هاموتك ، هادفنك هنا !

صاحت المرأة بنبرة قاتمة وهي ترفع حاجبيها للأعلى ومشيرة بذراعها :
-دوري أنا بقى ، أنا سبتك تاخد حقك الأول ، جه وقتي معاه

اقترب رجل ما يحاول السيطرة على تلك الكلاب المسعورة من شامل ، وأردف قائلاً بصوت متحشرج وهو ينظر نحو المرأة الغاضبة :
-أوامرك يا ستنا

أشـــارت بيدها وهي تجيبه بإبتسامة قاسية :
-سيبوا الكلاب عليه
جحظ شامل بعينيه مرعوباً ، وهتف متوسلاً :
-لألألألأ .. ارحموني ! لألألألأ !!

ولكن لم يصغْ إليه أحد ، وجرجره رجلين من أقاربها من قيوده بالقرب من المدخل ، ثم ألقوه على وجهه ، وأطلقوا تلك الكلاب الشرسة لتنقض بعنف عليه وتغرز أنيابها القاتلة في أجزاء متفرقة في جسده فصرخ صراخات مخيفة مستغيثاً .. ولكن لم يجرؤ أحد على التدخـــل ...

راقب بدران ما يحدث لزميله بهلع كبير ، وتوسل لهم بإستعطاف :
-أنا هاقول على كل حاجة ، بس سيبوني ! أنا .. أنا بريء

وكــأنه يحدث أصناماً ، فقد هجم عليه أقارب المرأة وكالوا له من الضربات من جعله يصرخ بهوس من أجل تركه ...
...................................
في الخـــــارج ،،،،

تعالت التهليلات والصيحات بداخل المستوصف ، فإنتاب الفضول معظم من يقفون بالخـــارج لمعرفة ما الذي يدور هناك ...

استطرد الشيخ أحمد حديثه قائلاً بعتاب :
-ماينفعش تسيب مراتك لوحدها وتفضل واقف هنا

رد عليه بحنق وهو يرمقه بنظرات لامعة :
-بنتي يا شيخنا

ربت الشيخ أحمد على كتفه ، وحثه قائلاً بنبرة مهذبة :
-هي معاها جوزها ، شوف مراتك ، وخليك معاها !

تنهد بإنهـــاك ، ولكنه امتثل لطلب الشيخ ، وتحرك مبتعداً عنه .. بينما ظلت ليـــان واقفة في مكانها تتابع المشهد عن كثب .. ولكنها فغرت شفتيها بصدمة حينما رأت عدي يخــــرج مسرعاً من المستوصف حاملاً تقى وهي فاقدة للوعي ..
فركضت خلفه وسألته بهلع وهي تحاول اللحاق به :
-مالها ؟

أجابها بجدية واضحة وهو يتجه نحو السيارة الأقرب إليه :
-مش عارفين لسه !

سألته بتوتر وهي تزيح خصلات شعرها للخلف :
-طب انت رايح بيها على فين ؟

رد عليها بصوت لاهث :
-طالعين على العيادة بسرعة

هتفت بلا تردد وهي ترمش بعينيها :
-استنى أنا جاية معاك

أوقفته كلمتها الأخيرة ، وحدق بها متعجباً .. ولكن سريعاً ما اختفت علامات الإندهاش من وجهه ومن نظراته ، وأشــار للحارس بفتح باب السيارة الخلفي ، فجلست ليان أولاً ، ثم انحنى بحذر للداخل ليسندها إلى جوارها ، فلفت ليان ذراعيها حولها ، وأردفت قائلة بجدية :
-أنا مسكاها كويس !
-تمام ..
هــز عدي رأسه وهو يرسم ابتسامة باهتة على وجهه ثم اعتدل في وقفته ، وأغلق باب السيارة ، وأســرع بالجلوس على المقعد الأمامي ، وهتف في الحارسين بصرامة :
-خليكوا هنا مع الباشا أوس لحد ما يمشي !
-أوامرك

ثم أشــار للسائق بإصبعيه ليتحرك فوراً ..
.......................................

على الجانب الأخـــر ، وقفت تهاني بجوار المسعف الذي يضمد جراح فردوس الغائرة ..
بدت قلقة للغاية وهي تسأله بهلع :
-هي .. هي هتبقى كويسة ؟!

أجابها بنبرة رسمية :
-ربنا ييسر ، أنا بأعمل اللي عليا ، وبأوقف النزيف

استمعت هي إلى صوت أختها الضعيف وهي تهمس قائلة :
-تـ.. تقى !

مالت تهاني برأسها نحوها ، واستطردت قائلة بتلهف :
-اسكتي يا فردوس ، متتكلميش كتير

تابعت فردوس بصعوبة وهي تجاهد لفتح عينيها :
-شوفي تقى .. هـآآ.. هاتضيع بسببي !

صدمت من عبارتها الأخيرة ، وبدى عليها علامات الإنزعــاج ، ولكن لا وقت لتضيعه في معرفة التغفاصيل .. لذا ردت بجمود :
-طيب أنا رايحلها ..!

ثم إلتفتت نحو المسعف ، وتوسلته برجاء :
-الله يكرمك خد بالك منها لحد ما أجيلك تاني !

رد عليها المسعف بجمود :
-اطمني ، ده شغلي !

تركتها تهاني بصحبة المسعف وانصـــرفت عائدة نحو المستوصف لتطمئن على تقى ، ولكن إعترض طريقها العم عوض ، فتوسلت له بإستعطاف :
-فردوس هناك يا عوض ، ماتسيبهاش لوحدها

رد عليها على مضض وهو يهز رأسه بخفة :
-ماشي .. !
...............................................

خـــــرج أوس من المستوصف وهو يفرك كفه المجروح بأصابعه ..
ناوله أحد حراســـه منشفة ورقية نظيفة ليضعها عليه ، فأخذها هو منه دون أن ينبس بكلمة ..
وما إن رأه الشيخ أحمد حتى أقبل عليه وهو يســأله بنبرة شبة هادئة :
-خير يا بني ؟

لم يجبه أوس ، ولكن إحتقان عينيه كان كافياً للإشـــارة لعِظم الأمـــر ...
لمح الشيخ أحمد بطرف عينه المشهد الدامي ، فشهق من هــول المنظر ، وصــاح محتجاً :
-لا حول ولا قوة إلا بالله ، ايه يا إخوانا اللي بتعملوه ده .. لالالا .. ده مايرضيش ربنا ، وقفوه ..!!!!

انزعجت تهاني من إزدحـــام أهالي المنطقة ، وصعوبة الوصــول للمستوصف ، ولكنها رأت ابنها وصدره ينهج بوضوح في أحد الزوايا ومن حوله رجاله ، فإتسعت عينيها بخوف حينما دققت النظر فيه ورأت الدمــاء التي تلطخه ، فسارت نحوه بخطى سريعة ...

وقفت على مقربة منه ، وهتفت بإسمه بلهفة أمومية صادقة :
-آآ... أوس !

إلتفت نحو صوتها المألوف ، وحدجها بنظرات قاسية .. ثم أشــاح بوجهه بعيداً عنها ..
تحركت هي نحوه ، ونظرت له بعينين دامعتين وهي تهمس له بصوت شبه مختنق :
-انت .. انت كويس يا بني ؟ فيك حاجة ؟

صرخ فيها بصوت متشنج وهو يحدجها بنظرات أكثر قسوة :
-جاية بتسألي عني ولا بتطمني إن خطة أختك نجحت ؟!

إنفرج ثغرها بذهول وهي تردد بإستنكار :
-هــاه ، إنت .. إنت بتقول ايه ؟

هدر بها بإهتياج وقد برزت مقلتيه من محجريهما :
-ايوه ، ايوه مثلي دور الضحية !

ثم صمت للحظة ، ولوى فمه ليضيف بقســـاوة :
-إنتو أمهات إنتو ، ده انتو تستحقوا الرجم والقتل !

ازدردت ريقها بإضطراب واضح ، وهتفت بصوت مرتجف :
-أنا مش فاهمة منك حاجة !!!

وضـــع أوس يديه على كتفيها ، وهزها بعنف وهو يصرخ فيها بجنون :
-ايييييه ! مجاش في بالك للحظة إن تقى كان ممكن تروح مني ومالحقهاش ؟ ولا حتى حد ينقذها من الوسخ اللي اتقطع جوا ده ؟!

احتقنت عينيه ، واصطبغت بتلك الحمرة المميتة وهو يتابع معاتباً بصوت أكثر تشنجاً :
-طب مهانش عليكي ولا على اختك إني أتحرم من ابني قبل ما يشوف الدنيا ، ولا .. ولا تلاقيكي عاوزاني اتعذب زيك ؟!

هزت رأسها نافية ، ودافعت عن نفسها بتوسل :
-حرام عليك يا أوس ، أنا معرفش حاجة من اللي بتقولها دي

هزها بعنف وهو يصرخ فيها بإنفعال :
-كفاية كدب بقى

إختنق صوت تهاني ، وأجهشت بالبكاء وهي تبرر قائلة :
-انت .. انت بتظلمني ، أنا كنت سايبة تقى مع أمها وخدت ليان معايا نجيب الورق اللي يثبت جرايم مهاب من القصر !

تشنج وجهه أكثر ، وضغط على أسنانه بشراسة هادراً فيها بعصبية :
-اييييه ! كمــــان ، كنتي عاوزة تضيعي بنتك ، مكفاكيش أنا ، قولتي تخلصي من ليان بالمرة !!!

أشـــارت بكفها محتجة على إتهامه المجحف لها ، وردت عليه قائلة بنشيج :
-إنت غلطان ، والله أبداً ، أنا مكونتش عاوزاها تجي من الأول ، ورفضت ده ، بس .. بس هي صممت تعمل كده عشاني وعشانها وآآ....

قاطعها قائلاً بسخط جلي :
-أنا مش متخيل إن في أمهات زيكم ، لأ وأنا بإيدي دي جبتهم عندكم ، آآآآه !

شهقت بأنين وهي تتوسله بإستعطاف
-اهدى يا أوس واسمعني للأخـــر

ضاقت عينيه بحدة ، وأشـــار لها بإصبعه مهدداً بنبرة عدائية :
-صدقني يا .. يا مدام تهاني هاندمك إنتي وأختك عن كل لحظة أذيتي فيها تقى وليان ، ومش هتتهنوا لثانية !!

إنتحبت والدته بأنين مسموع وهي ترجوه أن يعطيها الفرصة للدفاع عن نفسها ، ورغم هذا لم يرقْ قلبه لها ، بل حدجها بنظرات نارية إحتقارية ، ثم دفعها بقسوة من كتفها بكتفه ، وابتعد عنها وهو يطلق سباباً لاذعاً .. ولكن أوقفه مسعف مـــا ليضمد جراح يده ، فلم يعبأ به أوس ، ودفعه من صدره بعنف ليبحث عن قاتلة زوجته ليذيقها العذاب ..

لم تتحمل تهاني كل هذا اللوم بمفردها ، فركضت عائدة إلى أختها لتفهم منها حقيقة الأمـــــر ...
..................................

انتهى المسعف من ربط رأس فردوس لوقف النزيف مؤقتا ً، والتفت قائلاً لزوجها بجدية :
-احنا هننقلها فوراً على المستشفى

رد عليه عوض بخفوت :
-ماشي ، شوف الصالح واعمله

هتفت تهاني بصوت متشنج ولاهث وهي تلوح بذراعها :
-استنوا !

ثم وقفت أمـــام سيارة الإسعاف ، وصرخت بإنفعال :
-عملتي ايه في بنتك يا فردوس ؟

جحظ عوض بعينيه ، وخفق قلبه بقوة عقب تلك الجملة الأخيرة ..
ابتلعت فردوس ريقها بصعوبة ، وتلعثمت وهي تجيبها بصوت واهن :
-آآ.. أنا ...!

إهتاجت تهاني صارخة بغضب وهي ترمقها بنظرات قاتلة :
-إزاي تعملي في تقى كده ؟

سألها عوض بهلع وهو يرمش بعينيه من التوتر :
-هي .. هي عملت ايه ؟

أضافت تهاني قائلة بتشنج :
-بقى انتي يا فردوس تموتي بنتك بإيدك ؟ طب ليييه ؟ هان عليكي تضحي بضناكي كده بالساهل ؟ إيش حال ما أنا قدامك بأموت عشان أخد ولادي في حضني تاني !!!

...................................
في نفس التوقيت بحث أوس بعينيه عن فردوس ليمسك بها قبل أن تفلت بجريمتها ، وتبعه رجــال حراسته ، فوجدها بالفعل عند سيارة الإسعاف ، فكز على أسنانه بقوة ، وكور قبضة يده بشراسة ، ولكنه تسمر في مكانه حينما رأى تهاني أمامه وتتشاجر مع أختها بصوت جهوري غاضب .. فأشار لرجال حراسته بالتوقف ، والتراجع للخلف ، ثم تحرك بحذر ليقف على مقربة منهما ليراقبهما ......
.......................................

هتفت فردوس بصعوبة وهي تنظر لأختها برجاء :
-غــ.. غصب عني .. كـ.. كان هايموتها

صرخت فيها تهاني بعصبية :
-مين ده ؟

أجابتها بصوت متقطع :
-طـ.. طليقك مهاب !

اشتعلت مقليتها بغضب وهي تردد بعدم تصديق :
-اييييه ؟ مهاب !!!!!!

تابعت فردوس مبررة بصوت واهن :
-خــ.. خوفت عليها منه .. وآآ..

هدرت فيها تهاني بقسوة :
-تقومي ترميها في النار بإيدك ؟ تموتي بنتك وحفيدك ؟

ذرفت فردوس العبرات وهي تقول بندم :
-عـ.. عقلي مكانش فيا ، وافتكرت إنها هترتاح لما أعمل ده !

لطمت تهاني على صدرها بكفها ، وهتفت بنشيج :
-حــــرام عليكي يا فردوس ، ضيعتي أخـــر فرصة ليا أقرب من ابني تاني ، هو مفكر الوقتي إني السبب في اللي حصلها ، لأ وكمان هايحرمني من ليان أخته !

حدقت فيها فردوس بنظرات أسفة وهي تهمس :
-أنا ..

ابتلعت تهاني غصة مريرة في حلقها ، فغباء أختها قد طالها ، وأفسد ما بينها وبين ابنها ..
هزت رأسها مستنكرة وأكملت بصوت منتحب يحمل التهكم :
-انتي استحالة تكوني أم أصلاً ، انتي معندكيش ذرة أمومة واحدة عشان تحسي باللي أنا فيه !!

أجهشت بالبكاء ، ودفنت وجهها في راحتي يدها ، وأصدرت شهقات متتالية مسموعة ، ثم رفعت عينيها لتعاتب أختها وهي تكمل بأنين :
-سنين كنت محرومة من عيالي ومن إني أسمع كلمة ماما من ابني الكبير ، اتبهدلت واتظلمت واتمرمطت واترميت في الشـارع وعقلي مكانش فيا ، وجع قلبي زاد لما حرموني منه غصب عني ، اتقهرت وكنت بأموت مليون مرة في اليوم وأنا مش قادرة اطول ابني ولا أخده في حضني !

إحتضنت تهاني نفسها بذراعيها ، وأضافت بتحسر :
-جربتي إحساسي ده يا فردوس ، جربتي ولادك ينكروكي وإنتي عايشة ؟ جربتي تكوني أم ميتة بالنسبالهم ؟

أغمضت فردوس عينيها ندماً ، وهمست بصعوبة :
-آآ.. أنا

أكملت تهاني بآلم واضح في نبرتها الباكية :
-أنا كل يوم بأندم إني محاولتش أعمل أكتر من اللي أقدر عليه عشان أرجع أوس تاني لحضني ..!!

ثم صمتت لتكتم فمها بيدها فتمنع تلك الشهقة المريرة من الخروج ، واستطردت قائلة :
-ولما ..عرفت بإن ليان بنتي حـ.. حية لسه ، ومصدقت انها رجعتلي وبقت معايا !

رفعت عينيها في وجـــه اختها ، ورمقتها بنظرات تحمل الآسى ، وأكملت بمرارة :
-خـ.. خلاص راحت .. راحت مني بسببك إنتي !

توسلت لها فردوس بصوتها المختنق :
-سـ.. سامحني، أنا مقصدش

صرخت تهاني بوجـــع كبير وهي تضرب رأسها بكفيها :
-آآآآه يا حرقة قلبي ، انتي النهاردة بعدتي ولادي عني للأبد ! منك لله يا فردوس ، منك لله !

لمعت عيني عوض ، وبدأ بالبكاء حزناً على ابنته ، وعاتب زوجته بصدمة :
-ليه يا فردوس ؟ هان عليكي بنتنا تقتليها ؟

نظرت إليه فردوس ، وهمست لها بأسف :
-عـ.. عوض .. إنت .. إنت مش عارف حاجة

ضرب كفه على كفه الأخر المسنود على عكازه وهو يردد بتحسر :
-إنا لله وإنا إليه راجعون ، إنا لله وإنا إليه راجعون !

ثم أولاها ظهره ، وغمغم مع نفسه بحزن كبير .. فجاهدت فردوس لترفع نبرة صوتها وهي تقول برجـــاء :
-اسـ.. استنى .. يا عوض ، طب اســ.. اسمعوني للأخـــر !

............................

شعـــر أوس بأنه تلقى موجات حــــادة من الصدمات المتتالية التي أصابت تفكيره بالعجز ...
حالة من الإستياء والسخط سيطرت عليه .. وجعلته متخبطاً في الوصـــول لقرار نهائي بشــأن كل شيء ...
نعم لقد أصبح في وضعية يُحسد عليها ، ما بين مطرقة تهاني التي دفعت بتهورها شقيقته لتقف في مواجهة غير محمودة العواقب مع أبيه المتحجر القلب واعترافها بمعاناتها التي لم تفارقها للحظة منذ ابتعادها عن فلذات كبدها ، وبين سندان فردوس التي أثرت أن تتخلص من جنين ابنتها بالإتفاق مع نفس الشخص القاسي ، فخسرت للأبد من لم تتأخر للحظة عن الدفاع عنها حتى بروحها .. وكلتاهما بلا أدنى تفكير عاقل ألحقت الأذى بأقرب أحبائهم ...
لقد بات أوس بمفرده الآن هو الشخص الوحيد الموكل إليه – رغماً عنه - أن يقف في مواجهة نهائية محتومة المصير مع والده ليحسم كل شيء ... وللأبد .................................................. !!!


إعدادات القراءة


لون الخلفية