الجزء 19
الفصل الرابع عشـــــر :
في منزل تقى عوض الله ،،،
هبت تهاني واقفة من مكانها وعلامات الصدمة جلية على قسمات وجهها .. حدقت أمامها بذهول ، خاصة بعد أن تفوهت السيدة هياتم بإسم ألد أعدائها ( ناريمان ) وأبلغتها عن لسانها برغبة الأخيرة في رؤيتها في محبسها بالسجن النسائي ..
لم تفق تهاني بعد من ذهولها حينما أضافت هياتم قائلة :
-هي بتُصر على حضورك ، وبتقولك المسألة خطيرة جداً ، ومش عاوزاكي ترفضي
هتفت تهاني بعدم تصديق :
-مــ.. معقول ! ناريمان ! لألألأ .. طب ازاي وليه ؟!
نهضت هياتم من على الأريكة ، وتمسكت بحقيبتها بكفيها ، وتشدقت قائلة :
-انتي تقدري تسأليها بنفسك ، وعموماً أنا هاجهزلك تصريح الزيارة والمطلوب !
ثم تنحنحت بخفوت لتكمل :
-هستأذن أنا دلوقتي ، وفرصة سعيدة إني شوفت واطمنت عليكي
ابتلعت تهاني ريقها لتقول بحرج :
-انتي .. انتي لسه ماشربتيش حاجة ، وأنا .. وأنا معملتش معاكي الواجب
ابتسمت لها هياتم ابتسامة مصطنعة وهي تقول :
-عادي ، وقت تاني ! عن اذنك !
أشـــارت لها تهاني بكفها قائلة بهدوء :
-اتفضلي ، هاوصلك للباب
..................
في نفس اللحظة تراجعت فردوس مبتعدة عن الباب بعد أن تصنت على حوارهما الخاص ، وإستندت بكفيها على أحد مقاعد الطاولة ..
ولجت هياتم للخــارج ونظرت إلى فردوس بنظرات غريبة ، ثم تحركت صوب باب المنزل .. وتهاني من خلفها تودعها قائلة :
-شكراً على تعبك معايا ، كتر خيرك
لوحت لها هياتم بإصبعيها لتقول بخفوت :
-العفو .. باي !
وما إن أغلقت تهاني الباب حتى أسرعت فردوس في سؤالها بفضول :
-كانت جاية ليه الست دي ؟
ردت عليها تهاني بإيجاز وهي تتحرك نحو الغرفة :
-حاجة تخصني !
سألتها فردوس بإهتمام والغموض يكسو نظراتها :
-تخصك ؟ إزاي يعني ؟
هتفت تهاني بتنهيدة مطولة ومرهقة :
-بعدين يا فردوس ، بعدين !
ثم تركتها ودلفت إلى الغرفة لتفكر ملياً في سبب تلك الزيارة الغامضة ....
....................................
في منزل عبد الحق بالزقـــاق الشعبي ،،،،
جابت إحســــان الصالة ذهاباً وإياباً وهي تعقد يديها خلف ظهرها تحاول التفكير في وسيلة للإنتقـــام من تلك المخادعة التي لعبت عليها بمكر فأوهمت الجميع أنها السبب في إجهاضها ..
جلست على الأريكة ، وهزت ساقيها بعصبية .. ثم وقفت مجدداً لتعاود الإلتفاف حول أركان الغرفة ..
وفجــــأة لمعت عينيها ببريق شيطاني مخيف ، ورددت قائلة لنفسها بنبرة وعيدة :
-بس .. هو ده اللي هايجيب من الأخــر معاكي !
زادت عينيها قتامة ، وتابعت بغل :
-وزي ما لابستني الليلة ، أنا هالبسك في الحيطة ، ومش هاتشوفي لا حَبَل ولا خلفة أبداً يا بنت الـ *** ....!!
...........................................
في مكتب الصحفي وفيق ،،،،
أسند وفيق التقارير الخاصة بنسبة المتابعة والولوج إلى موقعه الإلكتروني على سطح مكتبه ، وأرجع ظهره للخلف ليتنهد بإرتيـــاح وهو يحسب الربح المادي الذي عـــاد عليه ..
شبك ساعديه خلف رأسه ، وإنفرج فمه بسعادة لينطق قائلاً :
-كده فل أوي ، موضوعين تلاتة من نوعية عيلة الجندي وهابقى في الـ Save Side
انضم إليه الصحفي بكر ، وجلس على المقعد المقابل لمكتبه بعد أن بادله التحية ، وأردف قائلاً بحماس :
-بصراحة مش عارف أشكرك ازاي على المكافأة السخية دي !
إلتوى فم وفيق بإبتسامة خبيثة وهو يتابع قائلاً :
-انت تعبت معايا ، وأنا بأقدر المجهود !
هز رأسه إيجاباً ليقول بجدية :
-تمام يا ريس
انتصب وفيق في جلسته ، وأرخى ساعديه ، ليضعهما على سطح مكتبه ، وهتف قائلاً بمكر :
-عاوزين الفترة الجاية مانضيعش اللي عملناه ، ونشتغل على المشاهير ونجوم المجتمع ، الفضايح بتجذب الجمهور ، والناس هنا بتموت في الفضايح ، انت فاهمني طبعاً
غمـــز له بكر قائلاً بثقة :
-اعتبره حصل !
تمطع وفيق بكتفيه ، وطقطق عنقه مكملاً بهدوء :
-عظيم .. وكل ما هايكون في شغل ، هايكون في .. Money ( تمام ) !!
...........................................
في منزل أوس الجديد ،،،،
وقف أوس أمــــام خزانة الملابس ، وسحب من الضلفة الخاصة بثيابه ( تيشيرتاً ) رمادياً بدون رقبة ، وبنطالاً قماشياً من نفس اللون ..
ثم إستدار بجسده ناحية تقى ، وأردف قائلاً بهدوء :
-خدي شاور ، وغيري هدومك ، حاجتك زي ما هي في الدولاب ، وأنا هاطلع أقعد برا !
أومـــأت برأسها بخفة .. ولم تعلق عليه ..
بينما تحرك بحذر نحو الخـــارج تاركاً إياها تفعل ما تريد دون الشعور بالحرج منه ..
راقبته بعينيها الزرقاوتين حتى انصــرف من الغرفة ، فنهضت من على الفراش ، وإتجهت لخزانة الملابس لتبحث عما يناسبها لتبدل ثيابها فيه بعد أن ظلت مرتدية إياها على مدار يومين ..
اتجهت بعدها للمرحــاض لتستحم ، وتنفض عن جسدها أثــار الارهــاق والتعب ..
........................................
بمجهود ليس بالقليل تمكن أوس من إرتداء ملابسه ، ثم أراح جسده على الأريكة بالخــارج ..
تأوه بخفوت حتى لا يزعج تقى وهو يرفع ساقيه عليها ، وتحسس بحــذر صدره ..
أخــذ نفساً عميقاً ، وزفره مرة واحدة .. ثم تمطع بكتفيه ، وأغمض عينيه ليستريح قليلاً .. ولكنه سمع صوت دقــات ثابة على باب منزله ، ففتح عينيه ، واعتدل بحذر على الأريكة .. ونهض من مكانه ليتجه نحوه ..
فتح أوي الباب فوجد شخصاً يرتدي ملابساً تحمل الشعــار الخاص بأحد محلات الطعام الشهيرة ، ويحمل في يديه عدة حقائب بلاستيكية ..
قطب أوس جبينه ، وســأله بجمود :
-خير !
جاب الرجل بعينيه باب المنزل ، وتسائل بنبرة رسمية :
-ده منزل أوس باشا الجندي ؟
رد عليه أوس متسائلاً بإقتضاب :
-أها ، عاوزه ليه ؟
أجابه الرجل بهدوء :
-معايا أوردر أكل مبعوت ليه من الأستاذ عدي عبد الرحمن
مط أوس شفتيه قليلاً ، ومــد ذراعه ليلتقطه منه وهو يتابع بجدية :
-تمام ، هاته ، حسابك كام ؟
أجابه الرجل بهدوء :
-كله مدفوع يا فندم بالبقشيش !
رفع أوس حاجبه للأعلى مندهشاً ، وهتف قائلاً بإستغراب :
-نعم !
برر الرجل قائلاً بنبرة عادية :
-الحساب اتدفع في المحل ، الأستاذ عدي دفعه كله !
ثم لوح بذراعه ليضيف وهو يستدير نحو المصعد :
-سلام عليكم !
-مممم ..
إعتلى ثغر أوس ابتسامة هادئة بعد تلك اللفتة الطيبة من رفيقه الذي تكفل بكل شيء حتى الطعام .. ثم التفت عائداً للصالة بعد أن أغلق باب المنزل ، وأسند الطعام الجاهز على الطاولة ، وعــاود الجلوس على الأريكة وسلط أنظــاره على الرواق المؤدي إلى غرفة النوم ..
تنهد قائلاً لنفسه بضجر :
-هو لسه قدامها كتير ولا ايه !
فرك وجهه بكفه ، وتمدد على الأريكة ..
..................................
تأملت تقى إنعكاس هيئتها أمـــام المرآة بعدما انتهت من أخذ حماماً سريعاً ودافئاً لتنعش جسدها قليلاً .. وارتسم على محياها ابتسامة راضية .. فقد كانت تحتاج إليه كثيراً ..
لفت حول شعرها المنشفة القطنية ، وأكملت إرتداء المنامة الحريرية ذات اللون الفيروزي .. وحدثت نفسها قائلة :
-متفكريش في حاجة يا تقى ، مافيش حاجة هاتحصل هو وعدك بده ، انتي زي ما انتي !
عضت على شفتها السفلى ، وأزاحت تلك القطرات المبتلة من على جبينها ، وتابعت بقلق :
-بس .. هو .. هو ممكن آآ....
دار بخلد تقى بعض الهواجس حــول احتمالية إستغلال أوس الفرصة والتقرب منها بصورة حميمية ..
ضمت ساعديها إلى صدرها ، و انكمشت على نفسها ، وهزت رأسها نافية :
-لالالا .. مش هايعمل كده ، مش هاسمحله !
إزدردت ريقها ، وأخذت نفساً عميقاً ، ورفعت رأسها للأعلى ، وفردت كتفيها ، وأنزلت ذراعيها وهمست لنفسها بتشجيع :
-اجمدي .. انتي قدرتي تقفي قصاده ، وهو.. وهو آآ..
شعرت بتخبط في تفكيرها ، فحاولت إقناع نفسها بـ :
-انتي وجودك معاه هنا عشان تساعديه وبس !
أطرقت رأسها للأسفل لتنظر إلى بطنها ، ووضعت كفيها عليه لتتحسه ، وتسائلت بخوف :
-طب .. طب وابني ؟
رفعت رأسها مجدداً لتنظر لنفسها بالمرآة ، وتمتمت بتردد :
-هو وعدني هيحميه ويحمينا ، مش هايسبنا ! هو قــال بيحبني .. بس .. بس أنا آآ..
دفنت وجهها في راحتي يدها ، وظل صامتة تحاول ترتيب أفكارها المضطربة والتي أصابتها بالحيرة ..
تنهدت بإنهاك وأضافت لنفسها :
-مش وقت أي تفكير ، أنا محتاجة أرتاح ، وبعد كده هاشوف هاعمل ايه !
خرجت من المرحـــاض ، وتلفتت حولها بتوتر باحثة عنه في الغرفة فلم تجده ..
تنهدت بإرتيــاح ، واعتلى ثغرها ابتسامة عريضة .. وهمست قائلة بسعادة وهي تصفق بيديها بخفوت :
-كويس انه برا ، كده أقدر أنـــام براحتي
-لأ مش هايحصل يا حبيبتي !
قالها أوس بثقة وهو يستند على عتبة باب الغرفة ، وعاقداً لساعديه أمـــام صدره ..
ثم أكمل بهدوء جـــــاد :
-مش قبل ما تاكلي !
إستدارت بجسدها بحركة دائرية مفاجئة نحو مصدر صوته ، فأصابها دوار خفيف ، ولكنها تمالك نفسها ..
إعتدل أوس في وقفته ، ورمقها بنظرات جادة ، وهتف محذراً :
-بالراحة يا تقى !
أشـــارت له بكفها ليظل باقياً في مكانه ، وهتفت بتلهف :
-أنا كويسة ، ماتجييش هنا !
عقد ما بين حاجبيه ، وعبس بوجهه ، وتسائل بنبرة معاتبة وهو يتحرك نحوها :
-انتي لسه خايفة مني ؟
توترت كثيراً ، وارتبكت من حضوره الطاغي عليها .. وتوردت وجنتيها بحمرة باهتة تزيد درجتها تدريجياً بإنفعالها الداخلي ..
حاولت أن تبرر له موقفها ، ولكنها فشلت في إيجاد الحجة المقنعة ، فتلعثمت قائلة :
-آآآ... أنا
اقترب منها بخطوات بطيئة ، وهمس بجدية وهو يرمقها بنظرات مطولة :
-أنا وعدتك مش هاعملك حاجة !
حاولت تقى ألا تتحرك من مكانها ، ولكن جسدها كان يرتجف يحاول الفرار ..
كم تعددت المواجهات بينهما ، وظفرت هي بأغلبهم ، لأنها اعتادت تحميله ذنب جريمته معها ، ولكن اليوم هي تقف لا حــول لها ولا قوة ، في حــالة تخبط ، واضطراب ..
تريد أن تواجهه ، ولكن يعجز لسانها عن النطق ..
الكلمات تتزاحم في رأسها ، ولكن ترفض أياً منها الخروج على شفتيها ..
أفاقت تقى من شرودها على تنهيدات أوس الحارة أمام وجنتها وهو يهمس لها بعذوبة :
-وبعدين .. أنا .. أنا آآ...
مــد كفه ليلتقط كفها براحته ، ورفعه إلى فمه ليقبله ، وتابع بخفوت آســـر :
-بأحبك !
ثم أسند كفها المعقود في كفه على صدره ، وأكمل بهمس :
-ونفسي تحسي بده أوي !
لم ترمش بعينيها ، بل ظلت تطالعه بنظرات غريبة ..
أسند إصبعيه على طرف ذقنها ليرفعه ناحيته ، ومــال برأسه عليها أكثر ليسألها بنبرة رخيمة :
-مش هناكل مع بعض ؟
هزت رأسها عفوياً لتخرج من تأثيره القوي ، فتراجع بهدوء للخلف ، وابتسم لها مضيفاً بتساؤل :
-هناكل هنا ولا بـــرا ؟
توترت وهي تجيبه بصوت متقطع :
-بـ... بــرا !
أشــار لها بإبهامه ، وهو يتجه نحو باب الغرفة :
-تمام ، يالا !
وقبل أن يخرج تماماً ، إستدار بجسده نصف إستدارة ليقول بمزاح :
-بس شيلي الفوطة دي من على دماغك ، مخلياكي شبه الهنود !
ضيقت عينيها ، ورفعت يديها عفوياً لتتلمس المنشفة ، فأكمل بإبتسامة عريضة :
-أيوه هي دي !
ثم تركها وانصـــرف إلى الخـــارج وهو لا يقـــاوم الابتسام بسعادة ..
.........................................
في منزل تقى عوض الله ،،،،
إستندت تهاني برأسها على كفها وهي جالسة على الأريكة محاولة التفكير بتعمق في ناريمان ورغبتها في الحديث معها ..
عصرت تفكيرها محاولة تخمين السبب الخفي وراء تلك الزيارة ..
تمتمت مع نفسها بإنزعــاج :
-ناريمان مش بتعمل حاجة ببلاش ، لازم هاتستفيد من وراها ، بس هي هاتكون عاوزاني في ايه يا ترى ؟
دلفت فـــردوس إلى الغرفة ، ورمقت أختها بنظرات حادة ، وسألتها بفضول :
-ها قوليلي بقى ، كانت عاوزاكي الولية دي في ايه ؟
لوت تهاني فمها لتجيبها بإمتعاض :
-مافيش
هتفت فردوس محتجة وهي تلوح بذراعها :
-ازاي مافيش وهي من ساعة ما جت ومشت وانتي أعدة على حالك ده
نفخت تهاني قائلة بنفاذ صبر :
-يووه يا فردوس ، كانت جاية تسأل عليا ، إرتاحي بقى
وقفت فردوس قبالة أختها ، ووضعت يدها في منتصف خصرها ، وهتفت بصوت محتد وهي تلوح بذراعها الأخـــر :
-لأ بصى يا تهاني ، شغل الملاوعة والكلام الحلامانتشي ده أنا مافهمش فيه !
ثم صمتت للحظة لتضيف بمكر :
-وبعدين أنا سمعت طراطيش كلام عن آآآ...
قاطعتها تهاني بنبرة مصدومة وهي ترمقها بنظرات إستنكار :
-انتي بتتجسسي عليا ؟
ردت عليها فردوس ببرود وهي تحرك جسدها بطريقة مستفزة :
-لأ ياختي ، أنا بأشوف وضعي ايه في البيت ده ، ماهو في الأخــر البهدلة كلها بتحصل عندي هنا !
كزت تهاني على أسنانها لتصيح بحنق :
-بجد .. انتي آآآ..
قاطعتها فردوس بإصرار مزعج :
-ماتلفيش وتدوري عليا ، كانت جيالك ليه ؟ وزيارة ايه اللي هـ آآ...
لكزتها تهاني من كتفها وهي تتجه نحو الخــارج قائلة بصوت متشنج :
-حاسبي يا فردوس ، انتي ماينفعش يتقعد معاكي ، أنا داخلة الحمام
أمسكت بها فردوس من ذراعها ، وهتفت محتجة :
-ماتهربيش مني
أزاحت تهاني كفها بعيداً عن ذراعها ، وصاحت بتذمر وهي تلج للخــارج :
-روحي شوفي جوزك عوض ، بينده عليكي
رمقتها فردوس بنظرات ساخطة ، وهتفت بإحتجاج :
-بقى كده يا تهاني ، طيب !!
ثم ضيقت عينيها أكثر ، وأضافت بنبرة عنيدة :
-بس برضك مش هاكون طيشة في البيت ده ، وهاعرف كل حاجة !
...................................
في منزل أوس الجديد ،،،،
انتهى الاثنين من تنــاول بضعة لقيمات من الطعام الذي رصــه أوس على الطاولة ..
لم يكن لدى تقى أي شهية لإبتلاع المزيد .. فقد اكتفت بما سد جوعها .. وغمغمت بخفوت وهي تنفض كفيها :
-الحمدلله
رمقها أوس بنظرات قوية ، وتسائل بهدوء حذر :
-كده بس ؟
هزت رأسها بخفة وهي تجيبه بتوتر :
-اها .. أنا..آآ.. شبعت!
رفع حاجبه للأعلى مستنكراً ، وهتف بجدية :
-بجد ؟! ازاي يعني ؟
أجابته بحذر وهي تتحاشى النظر إليه :
-كده ، ماليش نفس !
تابع قائلاً بمزاح وهو يسند طرف ذقنه على مرفقه :
-هو حد قالك إني عاوز ابني مسلوع ؟
إنفرجت شفتيها لتردد بإندهاش :
-هـــاه !
تابع أوس قائلاً بجدية وهو يغمز لها :
-لازم يطلع زي أبوه !
نظرت له مدهوشة ، وتقطع صوتها وهي تردد :
-ز.. زيك ؟!
هـــز رأسه ليجيبها بثقة تامة وهو ينتصب بصدره :
-طبعاً في الشكل والقوة وآآ.. آآآه
تأوه بخفوت بعد تلك الحركة ، وابتسم ليضيف بسخربة :
-يعني وأنا بصحتي !
حركت تقى رأسها معترضة ، وهتفت بإحتجاج :
-بس .. أنا مش عاوزاه زيك !!
تجمدت تعابير وجهه ، وكذلك نظراته ، عقب عبارتها الأخيرة .. في حين أطرقت رأسها للأسفل ، وعبثت بطرف صحنها وهي تتابع بصوت شبه مختنق :
-أنا عاوزاه يكون حنين ، عنده قلب ، مايفتريش على الضعيف ، يكون .. يكون زي بابا في طيبته ، وروحه الحلوة ، وصبره ، مايجيش على الغلبان وآآ...
أغمض أوس عينيه خزياً ، وكور قبضة يده معتصراً أصابه ، فقد أحدثت كلماتها وجعاً في قلبه ..
رفعت تقى عينيها بحذر نحوه لتتأمل ردة فعله ، فوجدته على تلك الحالة ، فتوجس قلبها خيفة أن يكون أصابه مكروه ، فسألته بتلهف وهي تمد يدها نحو كفه :
-حاسس بحاجة ؟
فتح أوس عينيه على إثر لمستها التي أصابت كفه برعشــة رهيبة ، ونظر لها بأعين شبه دامعة .. ورسم ابتسامة باهتة على وجهه وهو يقول :
-أنا تمام !
ابتلع غصـــة مريرة في حلقه ، وتنفس بصوت مسموع وهو يضيف بتريث :
-تعالي نرتاح جوا
اتسعت حدقتيها بصدمة جلية ، وسألته بهلع :
-هـ.. هنام ؟
رد عليها بنبرة عادية :
-ايوه ، مش هانفضل صاحيين !
ارتجفت قليلاً وهي تهمس بإرتباك :
-بس آآ..
أسند أوس كفه على يدها ، وإحتضن أصابعها بأصابعه ، وأردف قائلاً بهدوء :
-تقى ، احنا هنام عادي ، اهدي !
صمت لعدة ثوانٍ ، ثم ابتسم لها بنعومة وهو يضيف :
-ماتحطيش في بالك أي حاجة ، اوكي ؟
ابتلعت ريقها بتوتر ، وأومـــأت برأسها موافقة ..
نهض أوس عن مقعده أولاً ، ولم يحرر كفها من قبضته ، وأجبرها على النهوض معه ، ثم سحبها خلفه بخطوات متمهلة نحو غرفة النوم ......
تعالت دقات قلبها من فـــرط التوتر وهي تسير مستسلمة ورائه ..
تكرر المشهد أمـــام عينيها ، مع إختلاف الوضع والظروف ..
في السابق كانت تُحمل جبراً معه إلى مكان مماثل حيث اغتــال برائتها ، واليوم تسير بإرادتها معه لتختبر شجاعتها في مواجهة مخاوفها منه ..
نعم هي لم تعد تهابه كما كان حالها من قبل ، ولكنها مازلت تخشى تكرار تلك التجربة المؤلمة بكل ما فيها من جديد ..
-تحبي تنامي هنا ولا هنا ؟
سألها أوس وهو يتطلع إليها بشغف واضح ..
صمتت ولم تجبه ، فتعجب منها ، ولوح بكفه أمــام وجهها وهو يتسائل بجدية :
-انتي معايا ؟
أفاقت تقــى من أفكارها المتضاربة ، وردت عليه ببلاهة :
-انت كنت بتقول حاجة ؟
ضغط على شفتيه وهو يحك رأســـه ، وهتف قائلاً بتعب :
-انتي مش معايا خالص !
أشـــار بعينيه نحو الجانب الأيمن من الفراش ، وإستأنف حديثه بإنهاك :
-عموما ، أنا مش قادر أفتح عيني ، فهنام هنا !
أرخى أصابعه عن قبضتها .. واتجه إلى الفراش ليلقي بجسده عليه ..
ثم أولاها ظهره حتى يطمئنها بأنه لا يفكر في شيء مما يدور في بالها ..
راقبته لعدة دقائق وهي متسمرة في مكانها حتى تأكدت من سكونه .. فسارت ببطء نحو الفراش ..
وبحذر شديد تمددت إلى جواره ، وأولته ظهرها .. ثم أغمضت عينيها مستسلمة للنوم ..
فتح أوس عينيه ، وإلتوى ثغره بإبتسامة ماكرة ، ثم أدار جسده ناحيتها ، ومد ذراعه ليلفه حول خصرها ..
شهقت مذعورة من لمسته ، وفتحت عينيها مصدومة ، ثم وضعت يدها على ذراعه محاولة إزاحته عنها ، ولكنه كان كالحجر الثقيل المرابط عليها ، فعجزت عن إبعاده عنها ..
تنهدت يائسة بصوت مسموع ، وأبعدت يدها عنه لتغطي به وجهها .. وهي تتمتم بكلمات مبهمة ...
دقائق لاحقة واستسلمت تقى للنوم ، وشعر أوس بإنتظام تنفسها ، فإقترب أكثر منها ليضمها إلى أحضانه ، واستنشق عبير شعرها المبتل بإنتشــاء قبل أن يغفو هو الأخـــر ..
...................................................
••••• فتحت تقـــى عينيها لتتلفت حولها بذعـــر كبير بعد أن استشعر قلبها إحساساً بعدم الأمـــان ...
تلاحقت أنفاسها بشدة ، وإرتجفت كل ذرة في كيانها ..
حاولت أن تحرك جسدها ، ولكنها شعرت بعجزها ، فخفق قلبها أكثر ..
ثم رفعت بصرها للأعلى لتجد ذراعيها مقيدين في حافة الفراش بحبل غليظ ...
إتسعت مقلتيها بهـــلع ، وشهقت بخوف ، وحاولت الصراخ ، ولكن صوتها كان مبحوحاً متحشرجاً ، عالقاً في حلقها ...
أخفضت عينيها فوجدت ساقيها منفرجتين ، كل منها على حدا ، ومقيدة بطرفي الفراش .. فزاد هذا من رعبها ..
تلوت بجسدها محاولة تحريره ..
ولكن مع كل حركة مقاومة تصدرها ، كانت القيود تزداد إحكاماً عليها فتعتصر رسغيها وقدميها ...
برودة قـــارصة سيطرت على المكان ، وإضاءة خافتة تهتز بصورة مخيفة أكملت هذا المشهد المفزع ..
أدارت رأسها للجانب ، فرأته يقف على مقربة منها ممسكاً بمشرطه الحـــاد ، ومرتدياً لمعطفه الطبي الأبيض .. ولكن هناك بقعاً حمراء كثيفة تفسده ..
دققت النظر في ملامحه ، فرأت عينيه القاسيتين تبرزان بشراسة ، ومحدقة بها .. وإبتسامة خبيثة تبرز من بين أنيابه الحــادة ..
لقد عرفته على الفــور ، وجهه القاتم ، ونظراته المرعبة كفيلة بقتلها ذعراً .. إنه والده ( مهاب الجندي )
كادت عينيها تخرجان من مقلتيهما من فرط الخوف ..
سمعت صوته المرعب يرج أركــان الغرفة قائلاً بتهديد صريح :
-متحاوليش ! إنتي تحت رحمتي !
أدارت رأسها للجانب الأخـــر لتصرخ مستغيثة بمن ينجدها ، فرأت أوس ممدداً على فراش أخــر مقارب لها ..
ولكن الدمـــاء تنزف بغزارة من صدره ، ووجهه يزداد شحوباً .. وعينيه الباكيتين معلقتين بها .. وكأنه يتوسلها .. أو يحذرها .. لم تفهم نظراته الغامضة نحوها ..
مـــد أوس ذراعه محاولاً الوصــول إليها ، ولكن تباعدت الآســرة ، فزدادت المسافات بينهما ، وعجز عن إمساكها ..
صرخ بإسمها وهو يحذرها بصوت متحشرج :
-حاسبي يا تقى ، اهربي منه ! ده شيطان ، شيطــــان !
إلتفتت برأسها مذعـــورة إلى حيث أشـــار ، فرأته مقبلاً عليها ، وفجـــأة أطبق على فمها بكفه ليكممها ويحبس أنفاسها ..
اختنقت بشدة ، ولمحت ذراعه الأخــــر الممسك بالمشرط من طرف عينها يرتفع في الهواء ..
حدقت فيه بنظرات مرتعدة ، وجاهدت لتتنفس بالرغم من الآلم الموجع الذي يقتلع صدرها ..
إلتوى فم مهاب بإبتسامة شيطانية ، وأشــار بعينيه القاتلتين نحو بطنها ، وهتف قائلاً بنبرة مميتة وبريق أسنانه الحادة يلمع في عينيها :
-ماتتحركيش كتير ، أنا بس هاخده منك !
هــــزت رأسها بصورة هيسترية ، وتلوت بجسدها وهي تنتفض بشراسة محاولة إنقاذ جنينها من براثنه ، و...... •••••
....................................
أصــــدرت تقى صــرخة عنيفة وهي غافلة في نومتها ، فهب أوس مذعوراً من نومــه على إثر صراخها المخيف ، وتوجس قلبه رهبةً عليها ، ونظر إليها بقلق بالغ ، فوجدها ترتعش بشدة ، والعرق يتصبب بغزارة من جبينها .. فإحتضن وجهها بكفيه ، وحـــاول تهدئتها قائلاً بهلع :
-تقــى ، فوقي ، ده كابوس ، مش حقيقة ، تقــى ، اصحي !
فتحت عينيها لتحدق بالسقف ، ورددت بنبرة مرتعدة :
-هايقتله ، هايخده مني ، ابعدوه عني ، هو مالوش ذنب
لم يفهم أوس كلماتها المقتضبة ، وأســرع في تهدئتها قائلاً بتوتر :
-شششش.. تقى ، مافيش حاجة من دي حقيقية ، انتي معايا !
رفعت يديها لتمسك به من كتفيه ، ونظرت له بتوسل من عينيها الدامعتين ، و إستعطفته بشدة :
-هايموته ، ده ابنك ، حفيده ! احميه ، احميـــه !
استطـــاع أوس أن يستشف من حديثها من تقصد ، ومن رأته في أحلامها فجعلها في تلك الحالة المذعـــورة ...
تنهد بإنزعـــاج ، وانحنى على جبينها ليقبله ، وهمس لها بحذر :
-متخافيش ، مش هايلمسه !
ثم ضمها إلى صدره ، وربت على ظهرها ، وضيق عينيه لتصبحا حادتين ، وتابع بوعيد :
-مش هاسمح لحد يقرب منه ! ولا منك ، انتو الاتنين ليا وبس !
باغته تقى بدفعه من صدره بكفيها ، فتأوه من الآلم ، وأرخى ذراعيه عنها ، وتراجع للخلف ، فزحفت مبتعدة عنه ، ونهضت عن الفراش لتهتف بصوت متشنج :
-مش عاوزة أنام هنا
فـــرك صدره بكفه ليخفف من وخزات الآلم ، ونظر لها بإشفاق وهو يسألها بإستغراب :
-اهدي بس ، ماله السرير ؟
هزت رأسها معترضة ، وهتفت بعصبية :
-لألألأ .. مش هنام على سراير تاني ، مش هنام خالص !
سألها بهدوء وهو ينهض من على الفراش :
-اومــال هتفضلي صاحية ؟
صاحت بتشنج وهي تضم قبضتيها المتكورتين إلى صدرها
-مش عاوزة أنام ، مش هنــام !
أشـــار لها بكفيه وهو يضيف بحذر :
-خلاص .. خلاص .. هاعمل اللي يريحك !
حــــاول أوس أن يفكر في حـــل سريع للتعامل مع تلك النوبة العصبية المسيطرة عليها ، وهداه تفكيره لحل مؤقت ..
لذا مد يديه ، و أمسك بهما بقبضتيها ، وابتسم لها قائلاً بنعومة :
-ايه رأيك نقعد برا ؟
نظرت له بعدم فهم وهي فاغرة شفتيها :
-هــاه
زادت ابتسامته المطمئنة وهو يفسر لها قائلاً :
-بصي مافيش حاجة برا في الصالة ، هي لسه زي ما هي ، احنا سايبنها على وضعها ، هنقعد فيها ، ها قولتي ايه ؟
بدى حله مقنعاً لها ، فأومـــأت برأسها موافقة وهي تردد بإستسلام :
-ماشي !
رفع كفيها إلى فمه ليقبلهما ، ثم اصطحبها إلى خــارج الغرفة ..
..............................
تمددت تقى على الأريكة العريضة ، وضمت ساقيها معاً ، وإنكمشت بكتفيها إلى حد ما .. وقاومت بشدة رغبتها في النوم وجاهدت لتفتح عينيها الناعستين وهي تشاهد أحد الأفلام بالتلفاز ..
جلس أوس على الأريكة المجاورة لها ، وظل يهز ساقه بعصبية ، ويزفر في ضيق ، وأدار رأســه في الصالة ليتأمل الأثاث بها وهو يضغط على شفتيه بإمتعاض ..
أسند وجهه على كفه ، ولوى فمه قليلاً ..
كان بين الحين والأخـــر يتابعها بنظرات مختلسة إلى لاحظ ثقل رأسها ، وبدء إستسلامها للنوم .. فإنتبهت حواســه ، وسلط أنظاره عليها ..
عدة دقائق بعدها ، وكانت تقى تغط في سبات عميق ..
تنهد أوس بإرتيـــاح ، وهمس بسعادة :
-أخيراً .. !
نهض عن الأريكة ، وتوجه نحوها ، ثم مال بجذعه عليها ، وأمسك بحذر برأسها ليعدل من وضعيتها حتى لا تؤلمها نتيجة النوم بشكل خاطيء ..
تفاجيء بها تمسك بكفه ، وتهمس له بصوت ثقيل وناعس :
-ماتسبنيش !
حدق بها مندهشاً ، وتأملها بدقة فوجدها غافية ..
فرك رأسه بحيرة ، ومن ثم وجهه ، وتلفت حوله بتعجب ..
ثم عـــاود النظر إلى كفها المتعلق بأصابعه ، فأطبق عليه بخفة ، وتنهد بإنهــاك .. ثم جلس على الأرضية اللامعة بحذر ..
ثنى أوس ركبته قليلاً ، ومط فمه ليهمس بتهكم ســاخر :
-بقى دي أخرتها ، أوس الجندي بهيلمانه كله ينام على البلاط !
اقترب برأسه من وجهها ، وتأملها بعشق حقيقي .. ثم تابع بتنهيدة حـــارة على وجنتها :
-وكله عشان خاطرك انتي و بس !................................. !