الجزء 25

الفصل السابع عشـــــر :

في العيادة النسائية ،،،

انتهت الطبيبة بارسينيا من توقيع الكشف الطبي على تقى الممددة أمامها ، والتي كانت في حالة يرثى لها ، بداخل الغرفة المخصصة للكشف ..

دار أوس في غرفة مكتب الطبيبة ذهاباً وإياباً وهو يفرك وجهه وذقنه بعصبية ..
ظل ينفخ لأكثر من مرة وهو يحاول السيطرة على هدوئه ..
فتحت بارسينيا الباب ، ودلفت للداخل ووجهها خالي من أي تعابير ..
إستدار أوس ناحيتها ، ووقف قبالتها وسألها بتلهف :
-تقى مالها ؟

أجابته بجدية وهي تتجه نحو مكتبها الخشبي :
-مش عارفة أقول لحضرتك ايه ، بس أنا لأكتر من مرة نبهت انها تبعد عن أي ضغوط نفسية خلال الفترة الأولى من الحمل ، ده بيأثر جامد على الجنين !!

سألها بهلع ونظراته معلقة بها :
-يعني ايه؟

ردت عليه بصوت منهك وهي تسحب مقعدها لتجلس عليه :
-هي الوقتي كويسة ، بس محتاجة لهدوء نفسي ، وراحة ، مافيش داعي نتعب أعصابها كل شوية ، لأن ده ممكن يجي بالعكس !!

خفق قلبه خوفاً ، وتسارعت دقاته .. وبدى على وشك الإنهيار وهو يخمن الأســوأ ...
انحنى بجذعه للأمــام ، وأسند كفيه على سطح مكتبها ، وسألها برجفة خفيفة في نبرته :
-طب .. طب والجنين ؟

أجابته بهدوء وهي تشير بكفها :
-وضعه مستقر ، لكن هي عندها حالة ضعف عام ، وعاوزة تغذية واهتمام أكتر من كده

تنهد بإرتياح .. ثم أضــاف قائلاً بجدية بالغة :
-شوفي ايه اللي تحتاجه وأنا هانفذه كله

ردت بإبتسامة هادئة وهي تشبك كفيها معاً :
-زي ما قولت لحضرتك من شوية ، الراحة والتغذية ، والبعد عن أي ضغوط !

سألها مجدداً بإندفاع :
-طب أقدر اشوفها ؟

أجابته بنفس الإبتسامة الهادئة :
-ايوه ، هي الممرضة معاها ، وهاتجيبها وتيجي على هنا !

أومـــأ برأســـه في سعادة ، وإعتدل في وقفته ، ومرر أصابع يده في فروته ...

في نفس التوقيت اهتز هاتفه الموضوع في جيبه ، فأخرجه لينظر إلى اسم المتصل ، فوجده عدي ، فزم فمــه ، وضغط على زر الإيجاب ، وهتف بضجر :
-ايوه يا عدي

سأله عدي هاتفياً بجدية :
-أوس انت فين ؟

أجابه بإيجاز :
-مع تقي

ســأله عدي بإهتمام واضح :
-حصل حاجة ؟

رد عليه بتنهيدة منهكة :
-تعبت شوية

سأله مجدداً بقلق :
-طب هي كويسة الوقتي ؟

أجابه بإقتضاب وهو يدس يده في جيبه :
-يعني

أضــاف عدي قائلاً بحذر :
-تمام .. طيب ينفع تيجي الشركة شوية

ضاقت عيني أوس قليلاً ، وسأله بغموض :
-ليه ؟

رد عليه عدي بنبرة شبه منزعجة :
-في حاجة مهمة ماينفعش تتقال في التليفون !!!

تابع أوس قائلاً بجدية :
-وأنا مش هاينفع أسيب تقى لوحدها !!

أردف عدي قائلاً بنزق :
-ماهو الموضوع يخصها برضوه

اتسعت عيني أوس بإرتياب ، وهتف بصوت قاتم :
-ايييه ؟!
................................................

في المشفى الحكومي ،،،

ظل عبد الحق يجـــوب الممر ذهابا وإياباً وهو في حالة قلق شديدة مفركاً كفه بالأخر .. وتمتم بتلهف وهو يضرب الحائط الرمـــادي :
-استرها يارب ، جيب العواقب سليمة !

لقد نقل زوجته بطة لهذا المشفى الحكومي بعد أن عاونها في إرتداء عباءتها السوداء ليتعامل الأطباء مع حالتها ..
لم يعرف ما الذي أصابها ، ولكنها كانت في حالة بائسة ..
لم تتوقف عن الصراخ أو البكاء بسبب الآلم الذي إجتاح أسفل جسدها ..

بعد برهـــة خرجت إحدى الطبيبات من غرفة الطواريء ، فركض نحوها ، ولوح بذراعيه وهو يسألها بتوتر :
-طمنيني يا ضاكتورة ! البت بطة مالها ؟

رمقته بنظرات متفحصة وهي تسأله بجمود :
-إنت جوزها ؟

هز رأسها بصورة هيسترية ، وهتف بضجر :
-ايوه ، هي كويسة ؟؟ قوليلي بس ! دي .. دي كانت بتصوت وقلبت نافوخي وأنا مش عارف إيه اللي جرالها !!!

لوت فمها وهي تردد بهدوء :
-طب هستأذنك تيجي ورايا على المكتب !

جحظت عينيه بقلق ، وسألها متلعثماً :
-هي .. هي كويسة ؟

أجابته بهدوء مستفز وهي تتحرك للأمـــام :
-هاحكيلك عن حالتها هناك

ابتلع ريقه ، وغمغم برجـــاء :
-استر يا اللي بتستر !
................................

بداخـــل عنبر المرضى الخاص بالسيدات بالمشفى ،،

رفعت بطة صوتها بالبكاء والصياح والولوعة وهي تلطم على صدغيها قائلة بإهتياج :
-آآآه ، منه لله ، عملها فيا هو وأمـــه ، أكيد هي اللي وزته عليا ، آآآآه ، ضيعوني الله ينتقم منهم

أمسكت الممرضة بذراعها ، وهتفت فيها بحدة :
-اهدي يا مدام !

صرخت فيها بصوت هــــادر :
-اهدى ، عاوزاني أهدى بعد اللي عرفته !

أضافت الممرضة بصوت شبه محتد :
-احمدي ربنا إنها جت على أد كده

أمسكت بطة بياقة عباءتها ، وهزتها بعنف وهي تواصل عويلها :
-منكم لله يا بُعدة ، تتشووا في نـــار جهنم قريب !
..............................

في غرفة مكتب الطبيبة ،،،،

جلس عبد الحق على المقعد المقابل لمكتب الطبيبة ، وأدار جسده ناحيتها ، وسألها مستفهماً :
-أنا مش فاهم حاجة من اللي قولتيه ده كله

زفــــرت الطبيبة بإنهــــاك ، وأسبلت عينيها وهي ترد عليه بهدوء :
-شوف يا أخ عبده ، مراتك اتحطلها مادة حارة في منطقة حساسة للغاية من جسمها ، دي أدت لتدمير الشعيرات الدموية المغزية للمنطقة بشكل كبير ، وده طبعاً تأثيره بينعكس على قنوات فالوب والرحم

نظر لها ببلاهة ، وبدى ساذجاً وهو يسألها بحيرة :
-يعني ايه ؟

أجابته بنبرة عادية ووجهها خالي من أي تعابير :
-ببساطة كده ، المدام عندها صعوبة إنها تبقى حامل بعد كده !

هب من مقعده مصدوماً ، وردد بتلعثم :
-هـــــاه .. يعني .. يعني آآ...

قاطعته الطبيبة مضيفة بجدية وهي تشير بيدها :
-احنا بنعتبر ده جريمة ، وآآ..

قاطعها عبد الحق متسائلاً بصوت مشدوه :
-يعني بطة مش هاتخلف ؟!!

تنهدت بعمق وهي تجيبه بصوت شبه حزين :
-للأسف هايبقى صعب !

رفعت رأسها للأعلى ، وتابعت بأمل زائف :
-لكن ده مش معناه إنه مستحيل ، ممكن بـ آآآ...

قاطعها عبد الحق بصراخ شبه باكي وهو يضع يديه على رأسه :
-عملتي فيها ايه يامه ، حـــرام عليكي ، خربتي بيتي ، وضيعتي البت ..!!!
...........................................

في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب ،،،

صعد أوس لمكتبه بعد أن أوصــل تقى إلى منزلهما ، وأوصــى المدبرة عفاف برعايتها ريثما يعــود إليها ..
دلف إلى داخـــل المكتب ووجهه متشنج للغاية ..
جحظت عينيه بشراسة مخيفة حينما رأى الحارس أحمــد أمامه ، فبلا وعــي أســرع نحوه ليفتك به ، وانقض عليه ، وأمسك به من ياقته ، وهزه بعنف وهو يصيح بغلظة :
-انت جيتلي برجليك !!!

ثم أطبق على عنقه محاولاً خنقه ، فصــرخ أحمد مستغيثاً :
-آآآه ، انا .. آآآ..

-سيبوه يا أوس ، هايموت في ايدك
قالها عدي وهو يركض نحوه محاولاً إبعاد قبضتيه عن أحمد ..

كـــز أوس على أسنانه قائلاً بنبرة عدائية صريحة :
-مش هاسيبه إلا لما روحه تطلع !!

كانت أصابعه قابضة بشراسة على عنق أحمد ، فتمكن عدي بصعوبة من تحرير الأخير منه ، ودفعه للخلف ، ومن ثم وقف بجسده حائلاً بينهما ...
سعل أحمد سعـــال شديد وهو يكافح لإلتقاط أنفاســـه ..
نهره عدي بضيق :
-ايه يا أوس ، مش تستنى لما تفهم الأول

لوح أوس بذراعه بغضب ، وهدر بصوت عنيف وهو يحدج أحمد بنظرات مهينة :
-عاوزني أفهم من الـ *** ده إيه ؟

رد عليه أحمد بحذر وهو يضبط أنفاسه :
-كح ..كح .. أنا غرضي مصلحتك يا باشا ، كــح .. فهمه يا عدي بيه ، كح !

أضــــاف عدي وهو يسحب أوس من ذراعه للخلف بهدوء :
-اهدى بس ، واسمع مني للأخـــر

..................................................

في المستوصف الشعبي ،،،،

خـــرج الطبيب شــامل للإستقبال وهو ينزع قفازيه ، نظر في أوجــه الجالسين بإشمئزاز .. ثم صــاح بصوت هـــادر :
-مدبولي

ركضت ناحيته الممرض ، وأطرق رأســـه للأسفل وأجابه بخفوت :
-ايوه يا ضاكتور

سأله بتأفف وهو يحك ذقنه :
-فين أهل البت اللي عملت ختان ؟

أشــــار له مدبولي بعينيه وهو يجيبه هامساً :
-هناك يا ضاكتور شامل

حرك شــامل أنفه للجانبين ليتنفس بصوت مسموع وهو يتابع بنبرة مزدرية :
-طيب ، هي خمساية وهتفوق ، خليهم يخشوا ياخدوها

هز رأســه موافقاً وهو يتمتم بـ :
-ماشي يا ضاكتور

ومــا إن رأته فردوس حتى أســرعت نحوه ، وهتفت بإصرار :
-يا حالضاكتور ، لو سمحت !

إستدار شامل برأســـه نحوها ، ورمقها بنظرات جارحة إلى حد ما ، وسألها ببرود :
-عاوزة ايه ؟

تلعثمت وهي تجيبه قائلة :
-أنا .. انا كان عندي مشكلة وآآ...

قاطعها بنبرة غير مكترثة وهو يوليها ظهره :
-اتكلمي مع الممرضة ، وهي آآ...

قاطعته بنبرة ملحة ، وهي تنظر له بتوسل :
-ما انا اتكلمت معاها ، وقالتلي هاتسألك ، وأنا هنا من بدري ، ومحدش إداني عُـــقاد نافع !

لوى فمه وهو يســـألها بفتور :
-والمطلوب مني ايه ؟

أخفضت نبرة صوتها لتجيبه بحذر :
-بنتي آآ.. عاوزة تسقط !

بدى مهتماً عقب جملتها الأخيرة ، ومط فمه للأمــام :
-مممم..

تابعت هي بصوت جـــاد رغم همسه :
-وأنا تحت أمرك في اللي تطلبه ، بس ريحنا من الهم ده !

فـــرك جبهته بفضول ، ولمعت عينيه بتسلية ، فهناك فريسة أخــرى قادمة إلى عرينه ، سوف يستمتع معها سراً قبل أن يتركها لغيره .. لذا بعد لحظات من الصمت المتعمد ، أردف قائلاً بصوت آمــر :
-تعالي ورايا ، هانتكلم في مكتبي

تنهدت بإرتياح وهي تردد :
-ماشي !

ثم تبعته بخطوات سريعة وهي تتوسم خيراً أن تنطلي خدعتها ، وينجح مخططتها ، وتظفر في النهاية بكل شيء ..

...........................................

في المقر الرئيسي لشركـــات الجندي للصلب ،،،،

ســــرد عدي على أوس ما قصـــه الحارس الأمني أحمد من تخطيط عمه ومحاميه للإيقـــاع بزوجته ، وتدمير سمعتها ، وإيهام الجميع بأنها على علاقة آثمة بحارسه الأسبق ، ومن ثم التخلص منهما ..

أصغى أوس بهدوء عجيب ، ولكن احتقنت عينيه بصورة مخيفة .. وبدت تعبيرات وجهه على وشـــك الإنفجـــار ...

انتظر عدي أن يعلق عليه رفيقه ، وحدق به ، ولكن أدار الأخير رأســـه في إتجاه أحمد وصــاح به ببرود قاتل :
-إحمد ربنا إن انكتبلك عمر جديد ، لأني مش هارحم أي حد يمس مراتي ولو بكلمة !

ضاقت عينيه أكثر ليبرز منهما شرر مخيف ، وتابع بقســـوة وهو يشير بإصبعه :
-بــــــرا !

اتسعت مقلتي عدي في ذهـــول ، وانفرج فمـــه ليهتف بصدمة :
-استنى يا أوس ، انت بتطرده قبل ما آآآ...

قاطعه أوس مهدداً وهو يحدجه بقوة :
-ده أحسنله ، بدل ما أقتله !!

ثم تركه وإتجه ناحية الحائط الزجاجي ، وضرب عليه بقبضته المتكورة بعنف ، وظل محدقاً أمامه بنظرات قاتمة ..

ابتلع عدي ريقه بتوجس ، فما سمعه رفيقه ليس بالأمــر الهين ، فهناك مكيدة حيكت ضد زوجته تقى ، ومدبرها هو عمـــه .. نفخ بإنزعـــاج ، وأشــاح بوجهه ناحية سطح مكتبه ، فرأى المظروف المغلف عليه .. فزفـــر مجدداً بضيق ..
فما يحتويه هذا المغلف هو جزء أخــر من منظومة الفضائح الغير أخلاقية .. وعليه أن يبلغ أوس بما عرفه تواً ..

بحرص شديد اقترب من أوس ، ووقف إلى جواره ، ثم وضع يده على طرف كتفه ، وضغط عليه قليلاً وهو يردف بحذر :
-في حاجة تانية عاوز أقولك عليها !

لم يلتفت له أوس ، بل ظلت نظراته معلقة بحركة السير أمـــامه ..
ضغط عدي على شفتيه متابعاً بإمتعاض :
-أنا .. أنا جبتلك كل التفاصيل عن اللي نشر عن .. آآ.. عن مراتك الكلام اياه

إستدار أوس برأســـه ناحيته ، وحدجه بنظرات مميتة ، فدب الرعب في قلب عدي ..
نعم .. هو يعرف تلك النظرات الشرسة جيداً .. إنها لا تظهر بقسوتها تلك إلا حينما ينتوي أن يفعل أمراً خطيراً ..
إزدرد ريقه وهو يسأله متوجساً :
-انت ناوي تعمل ايه ؟

لمعت عيني أوس بقــــوة مخيفة وهو يجيبه بنبرة عدائية بحتة :
-هاتعرف ......................................!!!!


إعدادات القراءة


لون الخلفية