الجزء 39
الفصل الثامن والعشــــرون ( الجزء الأول ) :
بداخــــل ميناء بورسعيد ،،،،
ركض العاملون بالميناء نحو الرصيف الجانبي الذي وقعت فيه الرافعة بالحاوية التي تحملها ، وصرخوا بفـــزع حينما تفاجئوا بوجود بقايا بشرية ودمـــاء منتشرة في المكان ، وأثـــار لتهشم سيـــارة ما أسفلهما ..
صــاح أحدهم بهلع :
-يا ليلة كوبيا ، حد يتصل بالاسعاف والبوليس !
تسائل أخــــر برعب وهو يتلفت حوله :
-انتو كلكو كويسين ؟
رد عليه عامل ثالث :
-تمم على العمال اللي عندك كلهم
هتف سائق الرافعة بخـــوف :
-سترك يا رب ، قلبي حاسس من الأول إن اليوم ده مش هايعدي على خير !
تجمعت بعض الكلاب الضــالة بالرصيف ، وبدأ بعضها يلعق تلك البقايا العالقة بالأرضية الإسفلتية ، فحاول أحد موظفي الأمن المتواجدين بالميناء إبعادهم وهو يهتف بحنق :
-هششش .. وده وقت كلاب ، بتاكلوا ايه بس ؟!
دقق موظف الأمن النظر فيما يلعقوه ، فوجدها بقايا بشرية ، فشعر بالغثيان ، وهتف بإشمئزاز وهو يلوح بعصاه الإلكترونية :
-هششش ! ابعدوا من هنا !
لم يتحمل بشاعة المشهد ، فأفرغ ما في معدته فوراً .. وتحرك مبتعداً ..
وفي غضون دقائق تحـــول الميناء إلى ســـاحة للجريمة ، وأصبح يعج برجــال الشرطة والمباحث والتحريات الخاصة لمعرفة هوية المتوفي ...
....................................
في منزل تقى عوض الله ،،،،
أغلقت فردوس درج الكومود الموجود بغرفة نومها وأمسكت بالشيك النقدي بأصابعها ، وجاهدت لتقرأ ما فيه ، ولكن كانت الرؤية مشوشــة للغاية ..
إنتحبت بصوت خافت ، وغمغمت مع نفسها بضجر :
-بكرة بنتي هاترجعلي تاني ، وهاتنسى اللي حصل ! والفلوس دي هاتخليني أخــرج من الوحلة اللي أنا فيها ، وأطلع على وش الدنيا
زادت حـــدة الصداع المهلك في رأسها ، فضغطت بكفها على رأسه المتألم ، وهتفت بصوت مختنق :
-آآآآه ، دمـــاغي هاتنفجر، مش قادرة ، آآآه !
تركت فردوس الشيك على الفراش ، وضغطت بكفيها على جانبي رأسها بعد أن نكستها للأسفل ..
ثم استجمعت قوتها ، ونهضت عن الفراش ، وخرجت من الغرفة لتبحث عن مسكن للآلام ..
زادت حــــدة الضربات بصورة مميتة ، فصرخت بإهتياج وهي تضع كفيها على رأسها ، ثم سقطت على الأرضية وأكملت صراخها المتواصل ...
استمع الجيران إلى صوت صراخها المفزع ، فطرقوا على باب منزلها ، ثم حطمه أحدهم ، واندفعوا للداخـــل لنجدتها ..
هتفت إحداهن بقلق :
-مالك يا ست فردوس ؟
لطمت أخــرى على صدغها وهي تردد بخوف :
-يا لهوي بالي ، نادولها الاسعاف !
أضـــاف رجل ما قائلاً بجدية :
-احنا نوديها على أقرب مشتشفا ( مستشفى )
ثم تعاونوا فيما بينهم لحملها ، ونقلها إلى أقرب مشفى ...
................................................
في المشفى الحكومي القريب ،،،،
تم إدخــــال فردوس لغرفة الطواريء لمعالجتها فوراً .. وتكفل أحــد الجيران بدفع الرســـوم لها ..
بينما لم تكف هي عن العويل ولا عن الصــراخ بسبب الآلم الشديد ..
أعطاها الطبيب إبرة مسكنة لتخبو آلامها قليلاً ، ثم قـــام بفحص جرحها الذي لم يشفَ بعد .. ونظر إلى رفيقه بإمتعاض ، وتبادلا الاثنين حديثاً غير مفهومٍ ..
وبعدها تم إيداعها في عنبر السيدات بالمشفى حتى الصبـــاح الباكر ..
.............................................
في منزل تقى عوض الله ،،،
عــــاد عـــوض إلى منزله مع أول ضــوء للنهار ، وتفاجيء بتحطم باب منزله .. فتوجس قلبه خيفة .. وتلفت حـــوله برعب ..
وتسائل بنبرة خائفة :
-هو .. هو حصل ايه هنا ؟
ولج إلى داخــل منزله ، وبحث عن قاطنيه فلم يجد أي أحد بالداخل ، فزاد رعبه .. وخـــرج سريعاً ليطرق باب الجارة المقابلة لهم ..
فتحت له السيدة إجلال الباب بعد لحظات ، ونظرت له بتعجب وهي تسأله :
-خير يا عم عوض ؟
إستدار برأســـه للخلف ، وأشــار بكفه المجعد وهو يرد بتلهف :
-أنا لسه راجع من الجامع ، وباب البيت مكسور وآآ...
قاطعته بإندهــاش وهي تضع إصبعيها على طرف ذقنها :
-هو انت متعرفش اللي جرى للست فردوس ؟
سألها بقلق بالغ وقد إتسعت عينيه المرهقتين :
-حصلها ايه ؟
أجابته بنبرة حزينة وهي تضغط على شفتيها :
-يا حبت عيني فضلت تصوت وتصرخ من دماغها ، فولاد الحلال نقلوها على المستشفى !
فغر فمــه مدهوشــاً ، وتسائل بقلق:
-هــــاه ، مستشفى ايه دي ؟
ردت عليه بنبرة عادية وهي تهز كتفيها :
-والله ما أنا عارفة !
هـــز رأسها بحركة خفيفة متكررة ، وتابع بفتور :
-ماشي يا حاجة ، كتر خيرك
ثم أولاها ظهره وتحرك عائداً إلى منزله ، فهتفت فيه إجلال بتمني :
-ربنا يشفيهالك يا عم عوض !
لم يجبها بل ظل على حالته المشدوهـــة تلك وهو يلج إلى منزله ..
استخدم هو المزلاج لغلق الباب المحطم ، وســار بخطى بطيئة نحو غرفته ..
ظل يتمتم قائلاً بتحســر وخيبة أمل :
-عملتي في نفسك كده ليه يا فردوس ؟ لله الأمر من قبل ومن بعد !!
أسند عـــوض عكـــازه إلى جوار الفراش ، ثم جلس بحذر عليه ، وأخــذ يضرب كفاً على كف .. وحرك رأســه للجانبين مستنكراً .. فوقعت عينيه مصـــادفةً على تلك الورقة المطوية على فراشـــه ، فمد يده ليمسكها ، وقـــرأ ما بها ، فتحولت نظرات الحزن إلى صـــدمة واضحة ، وهتف بعدم تصديق :
-مش ممكن ! إنتي تعملي كده يا فردوس !!!
..............................................
في منزل أوس الجديد ،،،
أفـــاق أوس من غفلته القصيرة ، فشعــر بآلم حــاد في عنقه ، ففركه بكفه وهو يضغط عليه .. ثم نهض بحــذر من على الفراش حتى لا يوقظ تقــى ..
وقف قبالتها واضعاً يديه على خصره ، لــوى فمه قليلاً وهو يفكر في شيء ما ، وسريعاً تشكل على ثغره إبتسامة عابثة .. ثم بحرص بالغ ، مـــد يده ليقرب كفها من فردتي الحذاء حتى تستشعر ملمسهما الناعم وهي غافية ، ولم ينسَ أن يطبع قبلة صغيرة على جبينها ..
طالعها أوس بنظراته الشغوفة ، وأبعد خصلات شعرها المتمردة عن وجهها ، ثم اعتدل في وقفته ، ودلف إلى المرحــاض ليغتسل ، وبعدها بدقائق اتجــــه إلى خزينة الملابس ، وأخـــرج من ضلفته حلة جديدة ليبدل فيها ثيابه قبل يخـــرج من الغرفة بهدوء شديد ..
.....................................
إندهش عدي من استيقاظ أوس مبكراً ، وسريعاً أطفأ سيجارته المشتعلة في المنفضة ، ونهض عن الأريكة ليســأله بتعجب :
-انت لحقت تنام ؟
رد عليه أوس بصوت خشن وهو يسعل قليلاً :
-مافيش وقت للنوم ، لســه عندي حاجات عاوز أخلصها
ســأله عدي بإهتمام وهو قاطب جبينه :
-طب انت رايح فين الوقتي ؟
أجابه أوس بإيجاز وهو ينتصب بكتفيه :
-رايح الشركة
عقد عدي ما بين حاجبيه في إستغراب وهو يســأله :
-بدري كده ؟
هــز رأســه قائلاً بإقتضاب :
-أيوه ..!
وإلتفت بعدها حــوله متسائلاً بجمود :
-أومــال ليان فين ؟
أجـــابه عدي مبتسماً ابتسم له عدي وهو يحك فروة رأســـه :
-مع مامتها جوا
هـــز أوس رأســه بخفة ، وتابع بصوت جــــاد وهو يشير بيده :
-تمام ، أما تفوق براحتك ابقى حصلني على الشركة !
اعترض عدي قائلاً بإصرار :
-لأ استنى أنا جاي معاك ، بس هاعدي على الفيلا أغير هدومي الأول
ضغط أوس على شفتيه ليرد بإختصار جاد :
-اوكي !
...........................................
بصعوبة بالغة تمكنت ليــــان من النوم في أحضــــان والدتها بعد تلك الليلة الفائتة التي قضتها مع عدي .. فقد رفض الأخير أن يتركها دون أن يعبث معها قليلا ً ..
..................................
◘◘◘ (( خفق قلب ليــــان بإرتباك جلي ، وشهقت مذهولة من تلك الحركة المباغتة التي قــام بها شقيقها بإلقائها على عدي ليمسك هو الأخــر بها ببراعة بذراعيه ، ويحول دون سقوطها .. بينما طوقت هي عنقه بذراعها ..
توردت وجنتيها بحمرة بائنة ، وهتفت بتذمر وهي تركل بقدميها في الهواء بعد أن انصرف أوس :
-نزلني ، مش خلاص مشى !
ابتسم لها إبتسامة مراوغة ، وأجابها بمكر وهو يغمز لها :
-هو قالي أتعامل !
تعمدت العبوس بوجهها ، ورمقته بنظرات حادة وهي تهتف فيه بنبرة شبه منفعلة :
-يـــوووه ، نزلني بقى
نظر لها مستنكراً ، ورفع حاجبه للأعلى ، ورد عليها معاتباً :
-دي شكراً بتاعتك ، مش بدل ما كنتي تقعي !
تجهمت ملامح وجهها ، وهتفت بتحدي :
-أنا عاوزة أقع
ضاقت عينيه بصورة مثيرة ، وهمس بمكر :
-بجد ؟!
ردت عليه بنفاذ صبر وهي عاقدة ما بين حاجبيها بشدة :
-أيوه
مازحها عدي متسلياً معها ، حيث أرخى ذراعيه قليلاً لتشعر بتهديده الجـــاد بإيقاعها .. وتسائل بجدية مصطنعة وهو يطالعها بنظرات والهة :
-يعني كده ؟
إنتابها حــالة من الخوف ، وتشبثت أكثر بعنقه ، وصاحت بتوتر :
-حاسب !
استمتع عدي بلهوه معها ، فكرر تلك الفعلة قائلاً بإبتسامة واسعة :
-طب ولا كده ؟!
تعلقت بعنقه ، وعانقته بطريقة حركت مشاعره بشدة ، وأصابته بالتوتر الرهيب وهي تهتف متوسلة :
-No, no , no ( لا، لا ) .. بطل بقى بليز !
تنهد بعمق وهو يهمس لها بحرارة :
-ماتخفيش ، مش هاوقعك أكيد
ثم أنزلها بحــذر لتقف على ساقيها ، وظل محاوطاً خاصرتها بذراعه ، ورمقها بنظرات رومانسية مثيرة ، وهو يبتسم لها بإغـــراء خطير ..
ازدردت ليـــان ريقها بتوتر واضح ، وشعرت بتأثيره عليها ، فخجلت منه ، وسحبت ذراعيها من حول عنقه بإرتبـــاك ، وأســرعت بالإنصــراف من أمامه راكضة لتعود إلى غرفتها ، فتفاجئت بوجـــود والدتها بها ، فهتفت بتلهف :
-مامي
فتحت تهاني ذراعيها في الهواء ، وردت عليها بفرحة وعينيها دامعتان :
-ليــــان ! بنتي !
ركضت ابنتها ناحيتها ، وإرتمت في أحضانها ، وأسندت رأسها على كتفها ، وسألتها بصوت شبه باكي :
-انتي هنا يا مامي ؟
مسحت تهاني على ظهر ابنتها ، وتابعت بتنهيدة سعيدة :
-ايوه يا حبيبتي ، أنا هنا معاكي ، ومش هاسيبك )) ◘◘◘
...............................................
تقلبت ليـــان في الفراش لتنام على جانبها ، وإبتسمت لنفسها إبتسامة خفيفة وهي تغمض عينيها مرة أخـــرى ..
لقد كانت من قبل ناقمة على عدي ، وتبغض وجودها بقربه بعد إكتشافها لخديعته ، وعاهدت نفسها ألا تكون لقمة سائغة له أو لغيره وألا تستسلم لمشاعرها تحت أي ضغط .. ولكن بعد مصارحته الأخيرة لها ، وإعترافه بخطئه وإبدائه لندمـــه الشديد وتوبته ، رق قلبها نحوه ، واستشعرت من جديد تأثيره القوي عليها ، بل إنه حرك بها تلك الأحاسيس الغريبة التي تشتاقها فباتت غير متيقنة من قرارها السابق ....
..........................................
في المشفى الحكومي ،،،،
حركت فردوس رأسها على الجانبين وهي تئن بصوت خفيض .. ثم مدت يدها لتتحسس موضع الآلم .. ونادت بصوت واهن :
-حــ.. حد يساعدني ، آآآه ، مش قادرة من دماغي !
جاءت إليها الممرضة ، وتفقدتها سريعاً ، ثم ردت عليها بجمود :
-اهدي يا ست ، شوية وهتاخدي حقنة المسكن التانية !
سألتها فردوس بصوت متألم وهي تحاول فتح عينيها المتعبتين :
-أنا فيا إيه ؟ مش قادرة من دماغي ! وعيني .. مش .. مش شايفة بيها كويس !
ضغطت الممرضة على شفتيها لتجيبها بإمتعاض :
-معلش ، من أثر الخبطة الجامدة اللي كانت في دماغك ، فإلتهبت وآآ..
اقتضبت الممرضة حديثها ، فسألتها فردوس بتلهف وهي تدير رأسها في اتجاهها :
-وآآ.. ايه ؟
نفخت الممرضة وهي تقول على مضض :
-بصي هو الدكتور شوية وهايعدي عليكي يفهمك حالتك بالظبط !
أمسكت بها فردوس من قبضتها ، وهتفت فيها بعصبية :
-ماتسبنيش كده ، قوليلي فيا ايه
لمحت الممرضـــة الطبيب وهو يدلف للعنبر النسائي ، فتشدقت قائلة :
-اهوو .. الدكتور جــه هناك ، ثواني أندهولك
وبالفعل تحركت الممرضــة نحوه ، وتحدثت معه بهدوء ، فعـــاد الأخير إلى فردوس ، وفحصها متسائلاً بجدية :
-ازيك دلوقتي يا حاجة ؟
ردت عليه متآلمة :
-مش كويسة خالص ، دماغي وعيني فيها زغللة وآآ...
مط فمـــه ، وتابع بهدوء جـــاد :
-شوفي يا حاجة ، مخبيش عليكي ، في مشكلة خطيرة عندك ولازم تتعاملي معاها من دلوقتي
إنفرج فمها بهلع :
-هـــاه
تابع قائلاً بتفسير وهو يشير بيده :
-نتيجة الضربة القوية اللي اتعرضتيلها ده أثر على مراكز حساسة في المخ ، وخصوصاً مراكز الإبصار فده أدى لضعف الرؤية عندك ، وآآ...
توقف عن الحديث فإنقبض قلبها بفزع ، وســألته بصوت لاهث :
-وايه ؟
نكس رأســه قليلاً ، وأجابه بحــذر :
-وللأسف بعد فترة النظر هايروح خالص
صرخت بصدمة كبيرة :
-اييييييه !
تابع قائلاً بنبرة مواسية :
-ده قضاء الله طبعاً
جحظت بعينيها ، وصرخت بهوس وهي تمسك بياقة الطبيب بقبضتها :
-أنا هاتعمى ، لألألألأ !
أزاح يدها قائلاً بضيق :
-اهدي يا حاجة ، ماينفعش اللي بتعمليه ده
هزت رأسها مستنكرة ، وهتفت بتوسل باكي :
-مش عاوزة أتعمى ، أنا عاوزة اشوف ! طب .. طب مافيش علاج ؟ أنا مستعدة أدفع لحد مليون جنية !!!
أردف الطبيب قائلاً بجمود :
-هو للأسف مش هنا في المستشفى دي ، الإمكانيات محدودة ، لكن يمكن تلاقي في مستشفى استثماري أو آآ...
قاطعته بصراخ وهي تشير بيدها المرتجفة :
-ماشي ، مش مهم أي فلوس ، المهم إني أشوف ونظري مايروحش !
تحركت بصورة هيسترية على الفراش ، وتابعت بصراخ :
-خرجوني من هنا ، خلوني أجيب الفلوس ، وألحق نفسي !
................................................
في المقر الرئيسي لشركات الجندي للصلب ،،،
إستند أوس بذقنه على مرفقه ، وفحص بعينين ثاقبتين كل ورقــة من الأوراق التي أعطتها إياه والدته تهاني ..
تجهم وجهه بشـــدة ، وأظلمت عينيه وهو يقرأ تلك الحقائق المفزعــة التي كشفت القنــاع الأخــر لأبيه بوضــوح ..
هو عَهِده بغيضاً ، عنيفاً ، ذو سلوكيات عدائية منحرفــة .. لكنه لم يتوقع أن يكون بمثل تلك الدناءة والخسة ..
فقد تلاعب بمصائر الكثيرين وأفســد حياة الأبريــاء على مدار عقود ...
كما إكتشف بينهم وجود عقود زائفة ، وتحاليل غير صحيحة تم التلاعب بها ، وأوراق تخص ممدوح ، ووالدته ..
فغر فمــه مشدوهـــاً وهو يقرأ ما حوته تلك الأوراق .. ثم حــدق أمامه في الفراغ بنظرات خـــاوية وهو يكاد لا يصدق هذا ..
دلف عدي إلى داخل مكتبه ، فرأه على تلك الحالة المصدومة ، فســأله بتوجس :
-انت كويس يا أوس ؟
لم يجبه الأخير ، وظل على تلك الوضعية الجامدة ..
ثم انتبه عدي لصوت السكرتيرة المرتبك :
-سوري يا فندم على المقاطعة !
نظر الإثنين نحوها ، فتابعت بتوتر وهي تشير بكفيها :
-في يا فندم ظابط برا عاوز يقابل حضرتك ضروري
ردد أوس بإستغراب وهو يرمقها بنظرات قوية :
-ظابط ؟!
سألها عدي بجدية :
-وده عاوز ايه؟
-دخليه !
قالها أوس بصوت آمــــر وهو يشير بإصبعه لها ...
خرجت السكرتيرة من المكتب ، وسمحت للضابط بالدخــول ، فنهض أوس عن مقعده ، وســأله بجدية وهو يحدجه بنظرات حادة :
-خير يا حضرت الظابط ؟
مط الضابط شفتيه ، وتابع قائلاً بحذر :
-أوس باشا احنا عاوزين سيادتك تشرفنا شوية في بورسعيد !
ضاقت نظرات أوس ، واكتسى وجهه بعلامات الإندهاش ، وردد بنبرة شبه مصدومة :
-نعم ! بورسعيد !
هـــز الضابط رأســه بحركة خفيفة مكملاً بإحتراز :
-ايوه ، للأسف عندي خبر مش كويس يخص والد سعادتك !
هـــدر فيه عدي بنفاذ صبر :
-في ايه حصل ؟ ما تكلم على طول يا حضرت الضابط
التفت الضابط نحو عدي ورمقه بنظرات منزعجة ، ثم عـــاود النظر إلى أوس ، وأجابه بنبرة شبه أسفة :
-الدكتور مهاب آآ.. مـــات !
تجمدت تعابير وجــــه أوس ، وتسمــــر في مكانه مصدوماً من ذلك الخبر المفجع ، ولم يحرك ساكناً .. بينما صاح عدي بإستنكار :
-بتقول ايه ؟ وإزاي ده حصل ؟!
أجابه الضابط بنبرة رسمية :
-أنا معنديش تفاصيل كفاية ، بس لازم الباشا يجي معايا الوقتي !
حدق عدي في أوس فوجـــده شارداً في عالم أخــر ، وكــأنه ليس متواجداً معهما في المكتب .. فإقترب منه ، ووضع يده على كتفه ، وهزه بخفة وهو يقول بجدية :
-أوس .. لازم تروح دلوقتي تشوف الموضوع ده
إلتفت أوس ناحيته ، ورمقه بنظرات خاوية ، ثم همس بصوت آمـــر :
-ماتبلغش حــد باللي حصل ! وخليك هنا !
أومـــأ عدي برأســه موافقاً وهو يبتلع ريقه ، في حين تحرك أوس مع الضابط إلى خـــارج المكتب ...
....................................................
في منزل أوس الجديد ،،،
تثاءبت تقــى بصوت خافت وهي تتململ في الفراش ، وشعرت بملمس ناعم تحت كفها ، ففتحت عينيها ببطء ، ورفعت أناملها الرقيقة للأعلى لتجد فردتي حذاء الرضيع أسفل راحة يدها ، فرمشت بعينيها عدة مرات لتتأكد من أنها مستيقظة وليست في حلم جميل ..
رفعت رأسها بحذر وتأملت الحذاء بنظرات مصدومة .. وتشكلت إبتسامة سعيدة على محياها ..
قربت تقى الحذاء من فمها لتقبله ، فاشتمت فيه رائحة عطر أوس المميز .. فزادت إبتسامتها إشراقاً ..
تلفتت حولها باحثة عنه ، ولكنها لم تجد أي أحــد بالغرفة .. فنهض من على الفراش ، وتوجهت إلى الخـــارج وهي قابضة على فردتي الحذاء ..
تسمرت في مكانها مشدوهـــة حينما رأت تهاني أمامها ..
بينما إستقبلتها الأخيرة بإبتسامة ودودة وهي ترحب بها :
-صباح الخير يا بنتي !
تلعثمت متسائلة وهي تتحرك نحوها بخطوات سريعة :
-خـ.. خالتي ! انتي .. انتي هنا ؟
حركت رأسها إيجاباً وهي تجيبها بسعادة :
-أيوه يا حبيبتي !
ثم احتضنتها برفق ، وقبلتها من وجنتيها ، وأضافت بثقة وفخــر :
-ابني الغالي أوس جابني هنا !
إتسعت مقلتي تقى في ذهـــول أخــر مثير ، وهتفت بعدم تصديق :
-ايييييه ! مين ؟
ربتت تهاني على ظهرها بحنو ، وأضافت بإبتسامة لطيفة :
-تعالي اقعدي جمبي وأنا هاحكيلك على اللي حصل كله .......................................!!!