الجزء 42

الفصل الثلاثون :

في منزل تقى عوض الله ،،،

تحرك عوض ببطء ناحية باب منزله ، وإستدار برأســه ناحية فردوس الجالسة على طاولة الطعام ، وضيقت نظراته نحوها ، واستطرد حديثه قائلاً بصوت جاد :
-أنا نازل أجيب عيش بلدي من الفرن ، وبعدها هاجيب البقالة ، وهاعدي على الشيخ أحمد أساعده في تجهيز شنط الغلابة

أجابته بعدم إكتراث وهي تقرب ( الفاصوليا ) الخضراء من عينيها للغاية لتقلم طرفيها بإصبعيها :
-اعمل اللي انت عاوزه

ثم أخفضت نبرة صوتها لتغمغم بسخط وهي ترهق عينيها لترى على قدر المستطاع :
-كفاية عليا القرف اللي أنا فيه !

أغلق عـــوض الباب خلفه بهدوء ، بينما ألقت هي بما أمامها من خضــار ، وزفرت بحنق وهي تردد :
-مابقتش عارفة أشوف ولا أروح ولا أجي ، بقى دي أخرتها ! أدفن بالحيا هنا ، لأ وعاجزة كمـــان ! آآآآه .. أنا اللي جبته لنفسي ، آآآآه !

ثم إستمعت إلى صوت قــرع الجرس ، فنفخت من الضيق ، وهتفت بنفاذ صبر :
-ايه اللي رجعك تاني يا عوض !

إستندت بكفيها على الطاولة ، ونهضت بحذر من على مقعدها ، ثم إتجهت نحو الباب لتفتحه .. وتحركت دون أن تتمعن بدقــة في الواقف على عتبته ..
أضافت متسائلة بتذمر وهي توليه ظهرها :
-ناقصك ايه يا عوض ؟

إلتقط أنفها رائحة ذلك العطر المميز الذي تعرفه ، فشحب لون وجهها ، وإلتفت فجـــأة نحوه ، وتسائلت بذعر :
-إنت .. إنت جاي هنا ليه ؟

أجابها أوس بنبرة قاتمة وهو يرمقها بنظرات متفحصة :
-هو إنتي مفكرة إني هاسيبك بالساهل ؟

لوحت بذراعيها ، وصاحت بإنفعال :
-عاوز مني ايه تاني ؟ أنا بقيت عاجزة ، مافيش مني أمل !

أجابها بتهكم وهو يحدجها بنظرات جافة :
-إنتي اللي عملتي ده في نفسك مش أنا !

إغتاظت من تذكريه جريمتها بكلماته المقتضبة ، فهتفت بنفاذ صبر :
-قول جاي ليه وخلصني !

رد عليها بنبرة قاسية :
-إنتي مش هاتخلصي مني ، هافضل أطلعلك زي العفريت في كل وقت وفي كل مكان

لطمت على صدرها قائلة بحنق :
-آه يا غلبي !

أضـــاف قائلاً بنبرة محذرة للغاية وقد ضاقت نظراته :
-اسمعيني كويس لأني مش هاعيد كلامي مرتين !

ضغطت على شفتيها لتهتف بإمتعاض :
-خير

تابع بنبرة مهددة رامقاً إياها بنظرات حـــادة :
-أنا جـــاي أحذرك إنك بس لو فكرتي تقولي لتقى عن اتفاقك الوسخ وبيعك لابننا بمليون كتير هاندمك أكتر !

تلعثمت وهي تصيح بحنق لتدافع عن نفسها :
-إنت آآ...

قاطعها بلا تريث وهو يقول بنبرة جادة :
-أنا متوقع إنها تيجي في يوم وتسامحك ، هي قلبها طيب ، وخصوصاً إنك للأسف أمها !

ثم توقف للحظة قبل أن يتابع بنبرة عدائية وقد تحولت نظراته للشراســة :
-فإنتي أوعي بغباءك تقوليلها عن دناوتك وقذارتك ، لأني أوعدك بشرفي قبل ما لسانك يفكر يقول كلمة هايكون مقطوع ، سامعة !!

هزت رأسها بخنوع بعد أن استشعرت تهديده الجــاد لها، وهتفت بخوف :
-حــ... حاضر !

رمقها أخيراً بنظرات إحتقارية قبل أن يتركها وينصـــرف ..

بصقت فردوس خلفه قائلة بإزدراء :
-كان يوم إســـود يوم ما دخلت عليا بالخراب ، وما نابني منك إلا قلة البخت والعمى !!!

ثم تحركت ببطء لتصفق الباب بقوة وهي تتمتم بكلمات مبهمة تحمل السخط ..
............................

ســـــار أوس في الحـــارة ، ونفث دخـــان سيجارته المشتعلة وهو يسلط أنظاره على المسجد الموجود بها ..
ألقاها أسفل قدمه ، ثم تحرك بثبات نحوه ..
رأه الشيخ أحمد وهو مقبل عليه ، ففتح ذراعيه ليرحب به ، وهتف بحماس وإبتسامة عريضة متشكلة على ثغره :
-يا مراحب يا بني ، نورت بيت الله !

بادله أوس إبتسامة هادئة ، وإحتضنه قائلاً بجدية :
-أخبارك إيه يا شيخنا

رد عليه الشيخ أحمد بنبرة راضية :
-أنا في نعمة الحمد لله ، إنت اللي فينك وفين أراضيك ؟

أجابه بإيجاز وهو يحرك رأســه بحركة ثابتة :
-موجود

ربت الشيخ على كتف أوس ، وأردف قائلاً بنبرة حزينة ومواسية :
-البقاء والدوام لله يا بني ، أعذرني أنا معرفتش أجي العزاء ، بس سمعت باللي حصل للمرحوم ، ربنا رحمته واسعة

إبتسم له ممتناً وهو يقول :
-أهــا

ثم تلفت حوله باحثاً بعينيه عن عــوض ، وتسائل بجدية :
-قولي يا شيخنا هو عم عوض فين ؟

أشـــار له الشيخ أحمد بيده وهو يجيبه بنبرة هادئة :
-تلاقيه بس بيعمل مشوار هنا ولا حاجة

إستأنف أوس حديثه بتنهيدة مطولة :
-أنا كنت جاي اطمن عليه ، وأشوف إن كان هو محتاج أي مساعدة وآآ...

قاطعه الشيخ أحمد قائلاً بإبتسامة سعيدة :
-عم عوض ، ده إنت على نياتك خالص ! ده راجل نفسه عزيزة ، عمره ما يقبل الإحسان أو المساعدة من حد !

قطب أوس جبينه مندهشاً من ذلك الرد الغريب ، وإحتج قائلاً :
-بس أنا مش غريب دلوقتي وأقدر آآ...

قاطعه مجدداً بنبرة متريثة :
-أنصحك يا بني بلاش تحسسه بإنه محتاج مساعدة لأنه مش هايقبلها حتى لو كنت مين ، فإنت لو عــاوز تعمل الخير بجد قدامك أماكن كتير تانية محتاجة لده !

تسائل أوس بتوتر قليل قد ظهر في نبرته وهو محدق فيه :
-تفتكر ربنا ممكن يكون قبل توبتي ؟

أومـــأ الشيخ أحمد برأسه إيجاباً ، ورد بثقة :
-طبعاً ، طالما قلبك اتفتح للإيمان ، وبقيت بتكره تعمل المعاصي إعرف إنه مهدلك طريق الهداية !

إبتسم له أوس إبتسامة مطمئنة ، وتابع متسائلاً بإهتمام :
-يا ريتك تقولي إيه اللي أقدر أعمله كمان عشان أكفر عن ذنوبي ؟

أجابه الشيخ أحمد بنبرة هادئة :
-ربنا سبحانه وتعالى بيقول ((وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )) ، فإنفق يا بني بيمينك ما لا تعلمه شمالك في كل وقت حتى لو في ضيقة ، وطلع زكاتك في ميعادها ، واصفح يا بني عن المسيء واللي أذاك ، واكتم غيظك ، ساعتها هتحس بأد ايه ربنا كان نعمه وفضله واسع عليك !

ضغط أوس على شفتيه قائلاً بتنهيدة مطولة :
-يا ريت أقدر على كل ده !

ابتسم له الشيخ أحمد بثقة ، وحثه قائلاً :
-هاتقدر ، طالما نويت خير ، إنما الأعمال بالنيات ولكل إمريء ما نوى !

أردف أوس قائلاً بإمتنان وقد لمعت عينيه :
-شكراً يا شيخنا على كلامك ده ، أنا حقيقي بأدينلك بالفضل على اللي أنا فيه

أشـــار الشيخ أحمد بكفه وهو يجيبه بنبرة راضية :
-أشكر ربنا لأنه هو اللي نور بصيرتك وهداك لصراطه المستقيم .. ربنا يثبتلك ويعوضك خير !

ثم صافحه أوس وودعـــه ، وعقله أصبح مشغولاً بأمر ما .. فقد قرر أن يفاجيء زوجته بشيء قد أجله منذ فترة لتكون البداية الحقيقية له معها ......

...............................................

في مشفى الجندي الخـــاص ،،،،

رحب العاملون بالمشفى من أطباء وطاقم تمريض بالطبيب مؤنس الذي تولى إدارة المشفى بعد إجتماع مجلس إدارتها وإختياره بالتزكية ليكون بديلاً عن كبير الأطباء في تولي جميع شئونها ..

كان كبير الأطباء في طريقه للخـــارج وهو يحمل صندوقاً كرتونياً يضم ما تبقى من متعلقاته الخاصة ، فنظر بطرف عينه إلى مؤنس ، وبدى عليه الغيظ ..
أوقفه مؤنس قائلاً ببرود :
-من فضلك إستنى !

رمقه كبير الأطباء بنظرات محتقنة ، وردد قائلاً بسخط :
-خير يا د. مؤنس

وقف قبالته ، ورمقه بنظرات باردة ، ثم تابع بنبرة شبه مهينة :
-معلش سامحني ، مش عاوزك تعتبر الموضوع شخصي ، بس هاتتفتش قبل ما تمشي من هنا !

جحظ كبير الأطباء بعينيه مصدوماً ، وهتف معترضاً بشدة :
-دي إهانة أنا مقبلهاش

رد عليه مؤنس بعدم إكتراث :
-اعتبرها زي ما تعتبرها ، ده نظامي هنا مع أي حد يخون الأمانة

ثم أشـــــار للأمن الداخلي بالحضور ليكملوا مهمتهم مع كبير الأطباء الذي فرك وجهه بغل وهو ينظر إلى الجميع .. ولكنه لم يقوَ على الرفض ، وتم تفتيشه جيداً قبل تركه ليرحل نهائياً عن هذا المكان ....

...................................

في منزل أوس الجديد ،،،،

أخفضت تهاني نبرة صوتها وهي تتلو بخشـــوع تام بعض آيــات الذكر الحكيم من القرآن الكريم في الصالة الخارجية ..
أدمعت عينيها تأثراً بتلك الأية : (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ))
فحمدت الله في نفسها أنه – سبحانه - زلل لها العقبات ليعود إليها فلذات أكبادها .. ثم رفعت بصرها للسماء ، وهمست بخنوع :
-سبحانك يا رب ، قـــادر على كل شيء ، جمعتني بولادي ، ورفعت البلاء عني ، وكرمتني بحب ابني ليا ، اللهم لك الحمد والشكر ، يا رب ديمها نعمة ، أنا حمداك وشكراك على كل حاجة ، يا رب احفظهوملي من كل شر ، وريح بالهم وعوضهم خير ! يا رب فرح قلبهم ، وإسعدهم وآآ..

لم تشعر هي بوقوف أوس خلفها ، ولا بإنصاته لتضرعها وشكرها للمولى ودعائها المتواصل له ولشقيقته ..

تنهد بعمق ، ثم تنحنح بصوت خشن لتنتبه له .. وتحرك نحوها ...
توقفت تهاني عن الدعـــاء ، ومسحت براحتيها وجهها ، وحدقت فيه بنظرات حانية ..
جلس أوس إلى جوارها على الأريكة ، ثم أخــذ نفساً عميقاً ، وزفره على مهل ..
سألته بتوجس وهي قاطبة الجبين :
-خير يا بني ؟ في حاجة مضيقاك ؟

أجابها بنبرة متريثة وهو يضغط على شفتيه :
-لأ مافيش ، بس أنا فكرت كتير في موضوع كده لحد ما خدت فيه القرار النهائي !

تسائلت بقلق وقد تحركت عينيها بتوتر :
-موضوع ايه ده ؟

أجابها بإيجاز دون أن تطرف عينيه :
-قصر بابا !

تابعت بتوجس :
-هــاه.. ماله؟

إبتسم لها بعذوبة وهو يقول :
-أنا .. أنا هديهولك تتصرفي فيه زي ما إنتي عاوزة

إتسعت عينيها مندهشة ، وهتفت مصدومة :
-ايه ؟

هــز رأسه بحركة خفيفة ، ومسح على ذراعها قائلاً بهدوء :
-ايوه ، ده تعويض بسيط عن اللي حصلك زمان !

أمسكت بكف ابنها ، ورمقته بنظرات حنونة ، ومسحت بيدها الأخــرى على صدغه ، ورددت بإمتنان :
-يا بني أنا مش عاوزة حاجة غير إنك تكون جمبي ومعايا ، ده عندي يكفيني

حرك رأسه قائلاً بجدية :
-معلش ، أنا مُصر

هزت كتفيها في حيرة قائلة :
-طب أنا هاعمل ايه بقصر كبير زي ده ؟ أنا مش محتاجاه !

عقد ما بين حاجبيه ، وهتف بهدوء :
-براحتك اتصرفي فيه زي ما يعجبك ، ده بقى يخصك

تشكل على ثغرها إبتسامة ودودة ، وشكرته بإمتنان :
-مش عارفة أقولك ايه يا بني ؟

تنهد قائلاً بصوت خافت :
-متقوليش حاجة يا ماما

زفـــرت تهاني بحرارة وهي تردد بسعادة :
-دي احسن كلمة بتقولهالي يا بني .. كلمة ماما .. تسوى عندي الدنيا باللي فيها !

إبتسم لها أوس ، ولم يعقب ، بينما ترددت هي في إخبارها بطلب ما .. فقد خشيت أن يرفضــه ، ولكنها رغم هذا قررت سؤاله على أي حــال ..
ابتلعت ريقها ، واستطردت قائلة بحذر :
-هو .. هو أنا لو طلبت منك حاجة ترفضها يا بني

إنتصب في جلسته ، ورد بجدية :
-خير !

مطت فمها قليلاً ، وأكملت بنبرة شبه مترددة :
-أنا .. انا كنت عاوزة اروح أقعد مع أختي فردوس يومين كده

أمعنت هي النظر في وجهه لعلها تستشف من تعابيره رده عليها ، لكن كان وجهه جامداً للغاية .. فهمست بتلعثم :
-لو .. لو مش موافق خلاص ، أنا بس كان غرضي اطمن عليها بعد اللي حصل ، مهما كان هي مالهاش إلا أنا .. وآآ.. وتقى معدتش بتروحلها، وعوض زي ما إنت عارف صحته على أده وآآ..
تذكـــر أوس حديث الشيخ أحمـــد عن كظم الغيظ والصفح .. فقاطعها قائلاً بفتور :
-اعملي اللي يعجبك

إبتسمت له إبتسامة باهتة ، وشكرته قائلة :
-كتر خيرك

إشرأب أوس بعنقه قليلاً ، وتسائل بإهتمام جدي على تعابير وجهه ونظراته :
-ممم.. أومــال فين تقى ؟

إجابته مبتسمة وهي تشير بعينيها :
-بتلبس جوا، هاتروح تتابع مع الدكتورة بتاعتها !

نهض من جوارها ، وأردف قائلاً بحماس وقد لمعت نظراته :
-تمام ، أنا رايح اشوفها !

رمقته بنظرات حانية وهي ترد عليه بصوت خافت :
-خد راحتك يا بني

...........................................

في نفس التوقيت ، انتهت تقى من إرتداء ثيابها .. وأغلقت أزرار ياقة كنزتها البيضاء ، ووضعت على كتفيها سترتها الصفراء .. ثم جلست على طرف الفراش ، وجذبت بنطالها الجينز للأسفل ، وانحنت للأمـــام ومدت يديها لتعقد رباط حذائها الرياضي على هيئة أنشوطة ..
تنهدت بضيق ، وشعرت بدوار خفيف وهي تحاول عقده .. فإعتدلت في جلستها ، ووضعت يدها أعلى معدتها ، وأغمضت عينيها ، ثم أخــذت نفساً عميقاً .. ولكنها شهقت مصدومة حينما شعرت بأصابع تتلمس قدمها فأصابتها بالإرتعاش ..
فتحت عينيها مذعورة ، ورأت أوس جاثياً على ركبته أمــامها يتأملها بنظرات والهة ، ومسنداً لقدمها على فخذه ..
إزدردت ريقها بتوتر ، وتوردت وجنتيها خجلاً ، وســألته بإرتباك واضح :
-إنت .. إنت بتعمل ايه ؟

إلتوى ثغره بإبتسامة مغيرة وهي يجيبها بصوت خافت :
-هاربطهولك !

إتسعت عينيها الزرقاوتين في إندهــاش ، وانفرجت شفتيها في ذهــول من تصرفه المربك ..
حـــاولت هي أن تسحب قدمها منه ، وهتفت معترضة وهي تسند يدها على كتفه :
-لأ مايصحش ، أنا هاربطها بنفسي

هــــز رأســه نافياً بحركة خفيفة وواثقة ، وثبت قدمها جيداً بقبضته ، ورفع حاجبه للأعلى متحدياً ، ورد عليها بثقة :
-تقــى ! متجادليش معايا !
ثم غمـــز لها وهو يتابع بمكر :
-هتخسري !

عضت على شفتيها بتوتر ملحوظ بسبب حركته المباغتة ، وسحبت يدها للخلف ، وضغطت على أصابعها بإرتباك وتحاشت النظر نحوه ..
إرتسم على ثغره إبتسامة شيقة وهي يرى وجهها مصطبغاً بتلك الحمرة المغرية .. وما إن انتهى حتى أنزل قدمها ، وإعتدل في وقفته ، ثم طالعها بنظرات أكثر رومانسية ، وتابع بجدية :
-أنا جاي المرادي معاكي

وقفت هي الأخــرى ، وحدقت فيه بإستغراب كبير ، وهتفت بتلعثم :
-هــاه ! مش .. مش إنت عندك شغل وآآ...

قاطعها بهدوء وهو يمــد كفيه ليمسك بيديها :
-لأ .. مش كتير ، وبعدين عدي موجود هايخلصه ويبقى يجيلنا هنا !
ثم تحرك نحوها خطوة واحدة لتتقلص المسافات بينهما ، ورمقها بنظرات متلهفة مشتاقة إليها تكشف عما يحسه نحوها ، فإزدردت ريقها بتوتر ، وشعرت بتأثيره الطاغي عليها ..
فسحبت يديها خجلاً منه ، وأدارت ظهرها نحوه ، وهتفت بصوت مرتبك وهي تعبث بياقة كنزتها :
-آآ... ليان جاية معانا

وضع أوس يده على كتفها ، وأدارها ببطء ناحيته ، ثم أمسك بياقة كنزتها ، وقـــام بتعديلها بحركة مغرية وهو يتعمد التحديق فيها بنظرات أكثر عشقاً ورومانسية وهو يهمس لها :
-تمام .. كده مظبوطة !

رمشت بعينيها متوترة ، وابتلعت ريقها مجدداً ، هي تحـــاول مقاومة الإنسياق وراء تيار تلك المشاعر الجميلة التي تحركها .. وتجعل قلبها يخفق بشدة ..
لن تنكر أن أوس إقتحم حياتها بشكل ســافر ، وشكل وجوده فارقاً مثيراً للجدل معها ، ولكنها رغم كل الصعوبات والتحديات التي واجهتها معه ، كانت الأكثر تأثيراً عليه ، بل وغيرته للأفضل ، وأظهرت بجدارة الجانب الأخـــر من شخصيته ..
رسمت هي إبتسامة خجلة على شفتيها ، ثم تسللت من بين يديه بحذر ، وهمست له بإستحياء :
-شكراً

مســـح أوس على رأســـه بإستياء .. فمازالت تقى تتحاشى التجاوب مع مشاعرها نحوه رغم وضوحها عليها ، وإحساسه بتأثرها بها ..
فحــاول ألا يظهر إنزعاجه من ذلك فتسائل بجمود :
-هي ليان لسه حابسة نفسها ؟

ردت عليه تقى بصوت رقيق :
-يعني ، أنا بأحاول أقنعها تيجي معايا الكشف بس مش كانت بترضى ، بس النهاردة وافقت عشان آآ... آآ...

توقفت عن إتمـــام عبارتها ، فقطب جبينه مهتماً ، وسأله بجدية :
-عشان ايه ؟

ردت عليه بإرتباك :
-هي الدكتورة بارسينيا قالت إننا هانعرف نوع البيبي ايه

هتف بحماس بعد أن أمسك بها من ذراعيها :
-بجد ؟ وماقولتيش يا تقى ؟

أطرقت رأسها قائلة بتوتر :
-ماهو .. ماهو لسه هانشوف وآآ.. ، وأنا عارفة إنك مشغول ووراك حاجات كتير مهمة وآآ...

سحبها فجـــأة من ذراعها نحوه ، وألصق رأسها بصدره ، ولف ذراعه الأخر حول خاصرتها ، وقاطعها بنبرة والهة وقد زاد بريق عينيه :
-بس مش أهم منك !

شعرت تقى بإحتوائه لها ، وإستمعت إلى نبضات قلبه التي تتسارع من أجلها ، بينما تابع قائلاً بمكر :
-كمان أنا مجهزلك مفاجأة حلوة

أرجعت رأسها للخلف ، ورددت بإستغراب وهي ترفع حاجبيها للأعلى :
-مفاجأة !

وضـــع أوس إصبعيه على طرف ذقنها ، ورفع وجهها للأعلى نحوه ، ونظر مباشرة في عينيها الزرقاوتين ، وزادت إبتسامته إغراءاً وهو يهمس لها :
-ايوه ، ومش هتعرفيها إلا بعد الكشف !

هزت رأسها بإيماءة خفيفة وهي تبادله نظرات مغرية .. فدفعه حمـــاسه وشغفه بها لتلمس شفتيها بشفتيه ، فاحنى رأســه نحوها ببطء ، بينما أغمضت هي عينيها مستسلمة تلك المرة له ، فكان على وشك تقبيلها برضائها ، ولكن إقتحمت خلوتها ليـــان التي كانت تهتف بصوت مرتفع :
-تقى جهزتي ؟

دفعت تقــى عفوياً أوس بقبضتيها من صدره ، وتراجعت مبتعدة عنه ، وقد إكتسى وجهها بالكامل باللون الأحمـــر ، وبدت في وضع تحسد عليه وهي تجيبها بتلعثم جلي :
-آآ..ايوه يا .. لـ.. ليان

رمق أوس ليـــان بنظرات مشتعلة للغاية ، وكانت قسماته توحي بالغيظ الممزوج بالحنق ، وود أن يمسك بها ويقيدها ، ثم يصفعها تأديباً لها على فعلتها الحمقاء التي أفسدت تلك الأجواء التي لن تعوض بالساهل مع زوجته ..

وضعت ليـــان يديها على خصرها ، وحدقت في الإثنين بإستغراب ، وتسائلت ببرود :
-في ايه ؟ مش انتو جاهزين ، مستنين ايه ؟

أجابها أوس بصوت محتقن :
-استنينا برا الوقتي

عقدت ساعديها أمـــام صدرها ، وسـألته بنبرة مستفزة :
-ليه ؟

كــــز على أسنانه ، وتحولت نظراته للشراسة ، وتحرك نحوها ، لكن أوقفه صوت تقى المتوتر وهي تسير مسرعة في إتجاهها :
-أنا .. أنا خلصت ، جاية معاكي !

تأبطت ليــان في ذراعها ، وأكملت ببرود :
-اوكي .. Let's go ( هيا بنا )

تسمـــر أوس في مكانه متحسراً ، وضغط على شفتيه قائلاً بحنق :
-ماشي يا ليان ، مش هاعديهالك !

...................................

في العيادة النسائية ،،،،

وقف أوس في الإستقبال الملحق بعيادة الطبيبة بارسينيا يتحدث في الهاتف مع رفيقه عدي ريثما تنتهي الممرضة من إعداد تقى للكشف ..
أكمل تدخين سيجارته ، وهو يقول بهدوء :
-مافيش أعذار ، خدها النهاردة ، تمام !

-لو سمحت ! التدخين ممنوع هنا !
قالتها ممرضة مــا بنبرة جادة ...

إلتفت أوس برأســـه نحوها ، ورفع إصبعيه الممسكين بها متفهماً ما قالته .. ثم بحث بعينيه عن منفضة ليطفيء فيها سيجارته ... وبعدها أنهى المكالمة الهاتفية معه ..

لوحت له ليان بكفها من بعيد وهي تهتف بحمـــاس :
-تعالى يا أوس ، هنبدأ !

خفق قلبه بقـــوة ، وتسارعت أنفاسه بصورة ملحوظة ، وتوتر جسده من تلك الكلمات الحماسية .. فبدى وكــأنه كان يعدو في سباق ركض للمسافات الطويلة .. فهو على وشــك رؤية جنينه لأول مـــرة ، والإستماع إلى نبضات قلبه الصغير ..
لا يعرف كيف أوصلته قدماه إلى غرفة الكشف ..

استقبلته الطبيبة بارسينيا بإبتسامة ودودة ، وأشــارت له بيدها ليلج للداخــل ..
وقعت عينيه على تقى الممددة على الفراش الطبي ، ورأى ذلك الجهاز الطبي الذي يلامس بطنها المكشوف ، فإبتلع ريقه بتوتر أكبر .. ثم رفع بصره للأعلى ليحدق في شــاشة التلفاز المتصلة بجهاز أخـــر ..
كانت الصورة سوداء ، لم يستطع تبين ملامحها .. ولكنها خطفت أنفاســـه ..
شرعت الطبيبة بارسينيا حديثها قائلة بصوت هاديء :
-تمام يا مدام تقى ، الجنين في حالة ممتازة بالنسبة لعمره الزمني !

هزت تقى رأسها بسعادة ، وحدقت هي الأخرى في الشاشة ، وراقبت بشغف ما يحدث ..

مـــدت بارسينيا يدها للجانب ، وضغطت على زر مـــا ، ليصدح في الغرفة صوت نبضات متسارعة .. وفسرت قائلة :
-النبض كويس أوي

شهق أوس مصدومــاً .. وعجـــز عن النطق بكلمة واحدة .. فهو الآن يستمع إلى صوت سلب عقله ، وأطرب أذنيه .. فهو صـــوت تلك النطفة التي تحولت إلى روح تنبض بالحياة في رحم من أحبها بصدق ..

تابعت بارسينيا قائلة بإبتسامة ناعمة :
-ماشاء الله ، واضح إنها هاتطلع بنوتة شقية !

إلتفت أوس برأســـه نحو تقى ، وحدق فيها مشدوهـــاً .. فهي تحمل في أحشائها ابنته ...
تفاجئت تقى هي الأخــرى بماقالته الطبيبة ، ونظرت إلى أوس بصدمـــة .. فقد كانت تتوقع أن نوع الجنين ذكراً ..
خشيت في نفسها أن يكون هذا الخبر مزعجاً لأوس .. وربما يتسبب في حزنه ..

تسائلت ليــــان بحماس وقد إتسعت عينيها بذهــول :
-هي .. هي بنت ؟

أومــأت بارسينيا برأسها إيجاباً وهي تضيف بتلك الإبتسامة الهادئة :
-ايوه .. مبروك عليكم .. مدام تقى حامل في بنت !

قفزت ليـــان في مكانها من فرط السعادة ، وصاحت بحماس :
-واو .. أنا مبسوطة أوي ، كده هاعرف أختار حاجة البيبي على ذوقي ، بنوتة ، واو !!

أبعدت تقى نظراتها عن أوس ، وفركت أصابعها بتوتر ، وظل تضغط على شفتيها بحركة عصبية ..

نهضت الطبيبة بارسينيا من مقعدها ، وتنحنحت بخفوت وهي تقول :
-تمام يا مدام تقى ، حضرتك كملي لبسك ، وهانتظرك في مكتبي

ثم تحركت نحو باب الغرفة ، فلحقت بها ليـــان قائلة بجدية :
-دكتور بليز ممكن اسألك عن حاجة

وقفت الطبيبة قبالتها ، وأردفت قائلة بهدوء :
-اتفضلي

أشــارت بعينيها وهي تتابع بحذر :
-نتكلم برا أحسن
-اوكي تعالي
قالتها الطبيبة وهي تتحرك معها إلى خــــارج الغرفة ...

دنا أوس من تقى التب كانت تغطي بطنها بكنزتها ، وجلس على طرف الفراش قبالتها ، وحدق فيها لفترة دون أن ينبس ببنت شفة ..
عضت هي على شفتها السفلى ، وهتفت بتلعثم :
-أنا .. آآ...
لم تستطع تقى أن تجد الكلمات لتكمل حديثها .. فتنهدت بعمق بينما أمسك أوس بكفيها ، وضمهما معاً ، وهتف بصوت هامس :
-أنا مش عارف أوصفلك إحساسي عامل إزاي ، إنتي .. إنتي حامل في حتة مني !

نكست رأسها لتقول بنبرة شبه أسفة :
-أكيد إنت كان نفسك في ولد ، وآآ..

إلتوى ثغره بإبتسامة عابثة ، وقاطعها بصوت خفيض :
-ومين قالك كده ؟

إرتفعت نبرته قليلاً ، وأضاف بحماسة وهو يفرك كفيها بأصابعه :
-تقى أنا فرحان إنها بنت .. تخيلي هيبقى عندي بنوتة شبهك ، أنا .. أنا مش مصدق نفسي !

كانت على وشك البكاء وهي تقول بخفوت :
-ماهي ممكن تطلع شبهك إنت

أسبل عينيه نحوها ، وهمس مستنكراً :
-لا إستحالة !

ثم وضــع يده على طرف ذقنها ، وتابع بنبرة آســرة أربكتها :
-هي هتاخد منك كل حاجة حلوة !

مرر أوس عينيه عليها ، وأكمل بتنهيدات حـــارة وهو يتلمسها بنعومة :
-عينيكي ، شعرك ، شكلك ، و.. آآ.. وقلبك !

إقشعر بدنها من لمساته المغرية ، وتوترت بشدة ، وقالت بصوت مرتبك :
-بس هتاخد منك حاجة أكيد !

مـــال برأسه عليها ، واقترب من شفتيها ، وهمس لها بإبتسامة واثقة :
-اسمي ! ويا بخت اللي أوس الجندي أبوه !

إبتسمت بخجل منه .. وأوشك أن يطبع قبلة حــــارة على ثغرها .. ولكن اقتحمت ليـــان الغرفة دون سابق إنذار وهي تهتف بسعادة جلية :
-تقــى ، I am so happy ( أنا فرحانة جداً ) ، هابقى أنطي لبنوتة قمر !

إرتبكت تقى ، وتراجعت بجسدها للخلف ، وسحبت الملاءة عليها لتغطي وجهها الذي تورد بحمرة رهيبة ..
بينما عبس وجـــه أوس بشكل كبير ، وإحتقنت نظراته بصورة واضحة ، ونفخ قائلاً بعصبية وهو يضيق عينيه مغتاظاً :
-ليــــان ! في حد يدخل كده ! إنتي ايه !!

ردت عليه ببرود إستفزه :
-في ايه يا أوس ، أنا جاية أطمن على تقى !

غمغم أوس مع نفسه قائلاً بنفاذ صبر وهو يحدجها بنظرات غير مريحة :
-إنتي جبتي أخــــرك معايا ..................................... !!!

.........................................................


إعدادات القراءة


لون الخلفية