الجزء 14

الفصل الحادي عشر :

كان يصـــارع الأمـــواج المتلاطمة بأقصى طاقته ليظل جسده طافياً على السطح ..
ابتلع أوس قدراً كبيراً من المياه ، واختنق حلقه ، ورغم هذا ظل صادماً إلى أن ارتطم جسده بذلك النتوء الصخري ..
فصرخ بصوت مكتوم ، وآلم شديد كاد أن يفتك بصدره .. وتصلب جســـده ، وعجز عن الإستمرار ..
وبدأ يستسلم للغرق ..
سمع صوتها يناديه بإسمه في ظلماته الحالكة .. فــأدار رأسه بعصبية بحثاً عنها ..
ناداها بصوته المتحشرج لعلها تنتبه له ، وتدرك مكانه :
-تقى ..تقى !

لكنه لم يراها .. لا شيء ســوى رذاذ الأمواج المالح الذي يلهب عينيه أكثر ، ويعوق إبصاره ..

كلمات أخيرة متقطعة التقطتها أذنيه بوضوح فكانت كالمشكــــاة التي أضاءت ظلمته فرأى قارباً تجثو فيه وممددة لذراعها نحوه ....
(( أنــا.. أنا حامــل .. ماتسبنيش ))
قـــوة رهيبة إنتشرت في خلايا جسده ، فزادت من مقاومته للغرق ، وأســـرع سابحاً في إتجاهها ، ليبدأ عقله تدريجياً في العودة إلى أرض الواقـــع .. ولكن شبه واعياً ..
..............................

تحركت سيارة الإسعـــاف – وصوت صافرتها يعلو بشدة - وسط تكدس السيارات لتشق طريقها في الزحـــام لتصل إلى المشفى في أســـرع وقت ...

ظلت تقــى مسندة لكف أوس على وجنتها ، وهمست له بصوت مختنق يحمل الآســى :
-هاتسيبنا لمين يا أوس ؟

تطلعت إليه بعينيها المغرورقتين بالعبرات ، وهتفت بصوت متحشرج :
-رد عليا ! أنا حامل في ابنك ، وإنت .. وإنت ساكت كده ، مش هاتقول حاجة

رفعت كفها الأخـــر لتمسح عبراتها عنها ، وأكملت بهمس مرير :
-قول أي حاجة ريحني ! ماتسبنيش كده أتعذب !

لهثت وهي تحـــاول السيطرة على نوبة بكائها ..

فتح أوس عينيه نوعاً ما ليرى طيف وجهها ، ولكن عــاود غلقهما بإنهاك ..

نظر لها المسعف بأسف ، وتفقد تعابير وجهها بإهتمام ..
ثم قاطع حديثها بجدية :
-مدام ماينفعش اللي بتعمليه ، لو حضرتك حامل ده بيأثر على الجنين ، وممكن يعمل مضاعفات

أدارت رأسها ناحيته لتنظر له بإجهاد .. فتابع بهدوء جــاد :
-حضرتك لازم تبقي عارفة إن الحالة النفسية السيئة ممكن آآ... تعمل اجهاض !!!

شهقت مصدومـــة ، ووضعت يدها على فمها لتكتم صرختها .. فحاول تهدئتها قائلاً وهو يشير بكفه :
-أنا مش عاوز أقلقك ، بس لازم تاخدي بالك أكتر من كده ، المريض هايبقى كويس ، احنا عملنا الاسعافات الأولية معاه ، والمستشفى اللي رايحينه هيتعامل مع حالته بحرفية !

................................

بداخـــل سيارة عدي ،،،،

ظل عدي يضغط بقســـوة على بوق السيارة حتى تفسح السيارات العالقة أمامه الطريق ليفتح المجـــال لسيارة الاسعاف لتصل في أســـرع وقت للمشفى ..

كانت تبكي بلا توقف وهي تهز جسدها بعصبية ، وأكملت نواحها قائلة :
-يا رب مايسمعني عنك حاجة وحشة يا بني ، يا رب يحميك ويشفيك ، يا رب أنا مش هاستحمل اخسره تاني

نظر لها عدي من طرف عينه ، وتنهد بحرقة ليضيف :
-ادعيله يا مدام تهاني

ثم ضغط بشراسة على البوق ليلفت إنتباه السائق الذي يسير أمامه ، وصـــاح بصوت جهور غاضب :
-وســــع ياخي هي مش نقصاك !

رفعت تهاني بصرها للسماء ، وأشارت بسبابتيها للأعلى وهي تدعي بصوت باكي :
-منك لله مهاب ، انت السبب في كل ده .. حسبي الله ونعم الوكيل ، أشوف فيك يوم ، ضيعت ابني وبهدلت مراته !

كــــز عدي على أسنانه بغيظ ، فقد كانت محقة في كل كلمة قالتها .. هو أفســـد كل شيء ، وحوله للأســـوأ ..

تسائلت تهاني وهي تتلفت حولها بحيرة :
-هو .. هو احنا رايحين فين يا بني ؟

تمنى عدي ألا تســـأله هذا السؤال فيضطر أسفاً للإجابة عليه ، فقد كان يتوقع ثورتها إن علمت بوجهتهم .. لذا رد عليها على مضض وهو محدق أمـــامه :
-على مستشفى الجندي !

انفرج فمها مصدوماً ، وشهقت محتجة :
-ايييه ! هتاخد ابني على المستشفى دي ؟ لييييه يا بني ؟ هو .. هو آآ....

قاطعها بهدوء زائف رامقاً إياها بنظرات ثابتة :
-مش هاينفع يروح مكان تاني إلا هناك ، دكتور مؤنس مستنينا ، وهما هايعرفوا يتعاملوا معاه

ردت عليه متذمرة وهي تضرب بكفيها حجرها :
-يعني اللي عمل المستشفى دي معملش غيرها

ضغط على شفتيه ، ونفخ وهو يجيبها بضيق :
-أنا عارف ان في مستشفيات تانية ، بس الوقتي لازم نتصرف ونروح على هناك وبعد ما نطمن على أوس نبقى ننقله !

أسندت يدها على مقدمة رأسها ، وتنهدت بإنهاك وهي تدعو قائلة :
-ربنا يسترها عليك يا بني ، ويحفظك من كل سوء ! يـــا رب .. يـــا رب !
...................................

في المقر الرئيسي لشركـــات الجندي للصلب ،،،

تطلع الحارس الأمني أحمد للافتة الشركة ، وأخــذ نفساً مطولاً ليسيطر به على توتره .. وحمس نفسه بشجاعة مصطنعة :
-متخافش يا أحمد ، انت بتعمل الصح ، لازم يعرف بالمخطط الوسخ اللي عاملينه عليه ، ويعرف مين حبيبه من عدوه !

ابتلع ريقه ، وســـار بخطوات مترددة نحو البهو الفخم ..
إلتفت بعينيه باحثاً عن مكتب الإستقبال ، فلمحه من على بعد ، وتحرك نحوه وهو يضغط على أصابع يده بإرتباك ..

توقف أمـــام مكتب موظف الاستقبال ، ونظر إليه بنظرات حائرة .. وظل صامتاً للحظات يفكر ملياً فيما هو مقبل عليه ..
تعجب الموظف من صمته المريب ، وسأله بإستغراب يعلو وجهه وهو يتفحص هيئته البسيطة :
-أيوه !

انتبه أحمد إلى صوته ، ورفع رأسه ناحيته ليشرع حديثه بإرتباك :
-أنا .. أنا كنت عاوز آآ... أقابل أوس الجندي

رمقه الموظف بنظرات ساخطة قبل أن يجيبه بتهكم :
-هو حضرتك مش عــارف إنه في المستشفى !

بدى أحمد كالأبله بعد تلك العبارة ، وتابع قائلاً بتلعثم :
-هـــه .. أقصد يعني أقابل أي حد من مكتبه

سلط الموظف أنظاره على بعض الأوراق الموضوعة أمامه ، وسأله بنبرة رسمية :
-مين بالظبط ؟ وهل في ميعاد سابق ؟

ارتبك أحمد ، ولم يعرف بماذا يجيبه .. فكل ما كان يشغل تفكيره وقت مشاهدته لحلقة البرنامج المثيرة للجدل هو الوصــول لأوس وإبلاغه بالمخطط الدنيء الذي يُحـــاك ضده وضد تقى ..

زفـــر الموظف قائلاً بنفاذ صبر وهو يشير بيده :
-يا أستاذ لو معندكش حاجة تقولها يا ريت تتفضل !

ضاقت عيني أحمد ، وعقد ما بين حاجبيه ليرد عليه بحنق :
-أنا مش جاي أهزر ، أنا كنت عاوز الباشا في موضوع مهم

تابع الموظف حديثه قائلاً بإمتعاض :
-هو مش موجود ، وعدي باشا ماسك مكانه

همس أحمد بإهتمام :
-هــــاه ! عدي !

أشــــار له الموظف بعينيه قائلاً بجدية :
-يا ريت حضرتك تتفضل تشوف وراك ايه

فكر أحمـــد مع نفسه قائلاً بصوت مسموع :
-مافيش إلا هو .. هايقدر يوصلني ليه

وضـــع أحمد يديه على سطح المكتب ، وهتف بتلهف :
-معلش ممكن تخليني أقابل الباشا عدي

ســـأله الموظف ببرود وهو ينظر له شزراً :
-في ميعاد سابق ؟

هز أحمد رأســـه نافياً وهو يجيبه بتوتر :
-لأ .. بس الموضوع مهم

لوى الموظف فمه ليتابع بسخط وهو يضرب بيده سطح المكتب :
-ماينفعش ، بدون ميعاد سابق مقدرش أخليك تقابله

حدق فيه أحمد قائلاً بإصرار :
-الموضوع مســألة حياة أو موت

تجهم وجـــه الموظف مضيفاً ببرود مستفز :
-مش هاينفع ، في تعليمات مشددة بإن محدش يقابل مدير الشركة ولا رئيسها بدون أي مواعيد !

ثم أشـــار بذراعه قائلاً بنفاذ صبر :
-واتفضل خليني أشوف شغلي

يأس أحمد من محاولة إقناع موظف الإستقبال بإتاحة الفرصة له لمقابلة عدي .. فتراجع مبتعداً ، وفرك بكفه طرف ذقنه ، ثم تمتم مع نفسه بإصرار أشد :
-لازم أتصرف وأوصلك !
..............................................

في السجن النسائي ،،،
في مكتب مدير السجن ،،،

وقفت ناريمان أمــــام مدير السجن النسائي وهي عاقدة لكفيها معاً ، وصاحت بجدية وهي محدقة به :
-يا فندم أنا محتاجة أقابل هياتم ضروري !

رد عليها بنبرة رسمية وهو يشير بإصبعيه :
-مش هاينفع يا ناريمان ، في مواعيد مخصصة للزيارة

توسلت له برجاء جلي :
-أرجوك يا فندم ، الموضوع مهم ومايحتملش التأجيل

سألها بإهتمام وهو ينظر لها بتمعن :
-بخصوص ايه ؟

إرتبكت من سؤاله ، وتلعثمت وهي تجيبه :
-هـــاه .. حاجة تخص قضيتي !

أخـــذ مدير السجن نفساً عميقاً ، وزفره على مهل ، ثم نهض عن مقعده ، ودار حـــول مكتبه ليجلس على طــرفه ، وتشدق قائلاً بجدية :
-شوفي يا ناريمان ، انتي هنا في سجن مش في منتجع ولا في نادي الروتاري ، في قوانين وقواعد ماشيين عليها ، لما يجي ميعاد الزيارة تقدري تقابلي اللي انتي عاوزاه !

نظرت له بحدة ، وصاحت بنبرة شبه منفعلة :
-بس أنا مقدرش أستنى لحد ميعاد الزيارة

نظر لها ببرود ، وتابع قائلاً بعدم إكتراث :
-وأنا مش في ايدي حاجة اعملهالك !

ثم أشــــار برأسه للصول الواقفة في الخلف وهو يقول بنبرة رسمية :
-ويالا اتفضلي .. خديها يا شاويش

هزت الصـــول رأسها ، وأدت التحية العسكرية وهي تجيبه بنبرة جادة :
-تمام يا باشا !

ثم تحركت نحو ناريمان ، وقبضت على ذراعها ، ودفعتها معها قائلة بحسم :
-اتحركي يا مسجونة !

ســـارت معها ناريمان مستسلمة إلى خــارج الغرفة ، وغمغمت مع نفسها بضجر وهي تتحرك في الرواق :
-طب أبلغها ازاي اني عاوزاها !!

مالت عليها الصـــول برأسها ، وهمست لها بحذر وهي تتلفت حولها :
-أنا أقدر أساعدك

إلتفتت لها ناريمان برأسها ، وحدقت فيها بعدم تصديق وهي تسألها بإستغراب :
-هـــاه ، إزاي ؟

ردت عليها بخفوت وهي ترمقها بنظرات ذات مغزى
-بالتليفون !

ثم صمتت لتضيف بنبرة ماكرة :
-بس كله بتمنه !

إلتوى فم ناريمان بإبتسامة باهتة وهي تجيبها بنزق ودون تردد :
-ماشي ، وأنا هديكي اللي عاوزاه !
........................................

في مشفى الجندي الخــــاص ،،،

راقب الطبيب مؤنس الطريق بدقة شديدة ، وظل ينظر في ساعة يده بتوتر واضح ، فبعد أن أبلغه عدي هاتفياً بتدهـــور حالة أوس ، أخــذ على عاتقه مسئولية رعايته حتى يستعيد عافيته ..

لمح سيارة الإسعاف من على بعد وهي تقترب من البوابة الرئيسية للمشفى ، فصــاح بصوت جهوري وهو يلوح بذراعه لطاقمه الطبي :
-بسرعة اجهزوا ، الباشا أوس وصـــل

وبالفعل ركض الجميع نحوه .. وانتظروا بترقب توقف السيارة حتى يتمكن المسعفون من إنزاله ..

تفاجيء الطبيب مؤنس من وجـــود تقى بالداخل .. ونظر لها مندهشاً ..
كانت الأخيرة قابضة على كفه ، ومتعلقة بالتروللي الطبي ، فهتف فيها المسعف بصوت جـــاد :
-مدام من فضلك ، عاوزين ننزل المريض

أومـــأت برأسها موافقة ، وأرخت أصابعها عن كفه .. وتحركت بحذر إلى خــارج السيارة ، ولكنها شعرت بدوار يصيبها ، فكادت أن تتعثر أثناء نزولها ، فــأسرع الطبيب مؤنس بإسنادها من ذراعيها ، وتسائل بإهتمام :
-انتي كويسة ؟

هزت رأسها بخفة وهي تجيبه بصوت مبحوح :
-آآآ.. أيوه ..

حركها الطبيب مؤنس بحذر بعيداً عن الباب وهو يقول بصوت جــاد :
-تمام .. تعالي على جمب !

أســــرع المسعفون في دفـــع التروللي الطبي نحو المدخل ، وتولى الفريق الطبي إدخـــال أوس إلى غرفة الطواريء للإشراف على حالته ..

أوقف عدي سيارته بصورة مفاجئة أمـــام المدخل ، وترجل منها دون أن يطفيء محركها ليركض خلف رفيقه ..
ترجلت تهاني هي الأخــرى من السيارة ، وســارت بخطوات سريعة وهي تلهث نحو المدخل ..

تسمرت تقى في مكانها لوهــلة .. وازدردت ريقها بخـــوف وهي تطالع بعينيها المنتفختين بوابة الإستقبال ....
..........................................

في السجن النسائي ،،،،

راقبت الصـــول الممر بحذر شديد ، وإلتفتت برأسها للجانب لتهمس بجدية :
-بسرعة

هزت ناريمان رأسها عدة مرات وهي تضع الهاتف على أذنها ، قائلة بخفوت :
-حاضر

عضت على شفتها السفلى بتوتر ، ووضعت يدها الأخــرى أمــام فمها وهي تكمل بصوت منخفض :
-ايوه يا هياتم ، أنا ناريمان ، عاوزاكي تسمعيني كويس

جاءها صوت هياتم عبر الهاتف قائلاً :
-خير يا مدام ناريمان ! انتي بتكلمني ازاي ؟ هو آآ...

قاطعتها بصوت جــاد وهي عابسة الوجه :
-مش وقته يا هياتم ، ركزي بس معايا الأول

ردت عليها هياتم بإيجاز :
-اتفضلي

همست ناريمان بحذر وهي تضيق عينيها :
-فاكرة الست المجنونة اللي جت الحفلة وكانت تبع دار المسنين ، اللي اسمها تهاني دي !

أجابتها بنبرة هادئة :
-اه فكراها ، مالها ؟

تابعت قائلة بجدية بالغة :
-عاوزاكي تروحيلها ، أنا هادلك على عنوانها

تسائلت هياتم بإندهاش كبير يكسو نبرتها :
-أروحلها ؟!

أومــأت برأسها وهي تضيف بنبرة مهتمة :
-أيوه .. ضروري ، بلغيها رسالة مني

ترددت هياتم قائلة :
-بس آآ.. معتقدش انها آآ...

قاطعتها ناريمان بإصرار وقد بدى على قسمات وجهها الإنزعــاج :
-اسمعيني كويس ، قوليلها ناريمان عاوزاكي تجيلها زيارة ، وهي هتساعدك تاخدي عيالك تاني !

تشدقت هياتم قائلة بحيرة :
-أنا مش فاهمة حاجة

ردت عليها ناريمان بغموض :
-قوليلها رسالتي وهي هتفهم
-اوكي

هتفت ناريمان قائلة بتوسل :
-هياتم ، بليز روحيلها في أسرع وقت ، المسألة مهمة جدا

ردت عليها الأخيرة بهدوء :
-حاضر ، اطمني

ثم أضافت ناريمان قائلة بتنهيدة إرتياح :
-اكتبي عندك العنوان
-لحظة

كزت الصـــول على أسنانها وهي تردد بضيق :
-بسرعة يا ست ناريمان ، مش ناقصة مشاكل مع حد هنا

أومـــأت ناريمان برأسها قائلة بخنوع :
-أهوو .. خلاص

...........................................

عند مشفى الجندي الخــــاص ،،،،

ظلت تقى متسمرة في مكانها لعدة دقائق ، ومحدقة ببوابة الإستقبال ، وبإسم ( الجندي ) الذي يعلوها ..
عجزت قدميها عن التحرك خشية مواجهة الأســوأ بالداخل .. ومع هذا كان قلبها معلقاً بأوس .. يتلمس بتلهف معرفة حالته والإطمئنان عليه ..
اقتربت منها ممرضة ما ، ووضعت يدها على كتفها لتنتبه لها ، وأردفت قائلة بصوت هاديء :
-تعالي معايا يا مدام ، دكتور مؤنس باعتني عشانك ، اتفضلي !

هزت رأسها مستسلمة ، وشعرت نوعاً ما بالإرتياح لوجود من يرافقها في طريقها ....
................................

مــــر الوقت بطيئاً على الجميع وهو ينتظرون بالخـــارج عودة الطبيب مؤنس ليطمئنهم على حـــال أوس ....

ألصق عدي ظهره بالحائط المجاور لباب غرفة الطواريء ، وظل يفرك أصابعه بتوتر .. ووزع أنظاره ما بين الغرفة ، والتحديق بالرواق ، بينما جلست تهاني إلى جوار تقى ، وتطلعت إليها بنظرات إشفاق .. هي تعلم مدى الحيرة التي تعانيها ، ومدى التخبط في مشاعرها وقراراتها ..
فهي صغيرة ، ساذجة ، خبرتها قليلة ، بل تكاد تنحسر في نطاق عائلتها والحارة التي تمثل عالمها ..
واجهت الكثير ، وتعرضت لصدمات كافية لتدمير أي انسان طبيعي .. ومع هذا تحاول إعادة بناء نفسها ..
مدت يدها لتمسك بكفها المرتجف ، وضغطت عليه بأصابعها .. وتمتمت مع نفسها بأسف:
-ومين هايستحمل ده كله ويبقى بخير !

كانت تقى شـــــاردة في عالم أخـــر خاص بها ، من يراها يظن أنها محدقة في الفراغ ، ولكنها كانت تتطلع إلى خيـــال وجـــه أوس الباكي أمامها ..
لم تره في تلك الحالة إلا حينما كان على وشك الموت في أحضانها ، وأفنى حياته من أجلها ...
كان صادقاً في مشاعره ، في حبه ..
وهي لم تبادله إلا الكره والبغض ..
خشيت من تكرار التجربة مجدداً ، ومن المعاناة التي لا تنتهي ..
غصة مريرة علقت بحلقها ، وآلم قوي إجتاح قلبها ..
نعم فتلك المرة هي الجانية ..
هي من أوصلته لتلك الحالة ..

تطلع عدي بعينيه نحوها ، ومرر نظراته عليها من رأسها لأخمص قدميها ..
لاحظ تلك الإرتجافة التي تسيطر عليها ، وانتبه لجلوسها بقميص منزلي .. فضغط على فمه .. ونفخ من الضيق ، ثم تحرك دون أن ينطق بكلمة ..
نظرت له تهاني بإندهــاش .. وتسائلت مع نفسها بحيرة :
-هو .. هو رايح فين !

جــــاءت ممرضة ما إلى تقى وهي تحمل في يدها عبوة من المشروب ، ومدت يدها بها نحوها وهي تقول بهدوء جدي :
-اتفضلي يا مدام ، اشربي ده

حدقت بها تقى بجمود ، ولم تتحرك قيد أنملة ..
أردفت الممرضة قائلة بإصرار عجيب :
-مدام أنا مش هامشي من هنا غير لما اطمن ان حضرتك شربتي العصير ده ، اتفضلي !

ربتت تهاني على ظهرها بحنو ، ورمقتها بنظرات دافئة وهي تهتف بصوت خافت :
-خديه منها يا بنتي ، انتي مش شايفة وشك مخطوف ازاي ! يالا يا بنتي ربنا يهديكي

تناولتها منها تقى ، وارتشفت منها قدراً قليلاً لتبلل به جوفها الجاف ..
.....................................

ركب عدي سيارته وصفها بعيداً ، ثم أوقفها ، وضرب بيده على المقود بعصبية ، وأدمعت عينيه بشدة حزناً على رفيقه ..
إنتحب بصعوبة وهو يردد بخوف :
-ليه كده يا صاحبي ! ليييييه !

أرجع رأسه للخلف ، ووضع يديه على رأسه ليضغط عليها بقــوة ..
ثم أخذ نفساً عميقاً ، وحبسه في صدره ليمنع نفسه من البكاء ..

انتزع منشفة ورقية من تابلوه السيارة ، ومسح بها وجهه ، ثم جذب سترة أوس ، وتنهد بصوت مرتفع ..
ترجل من السيارة وهو يحمل السترة على ذراعه ، ثم عاود أدراجه لداخل المشفى ....
............................................

في السوق الشعبي بالحــــارة ،،،
أشــــارت إحســــان بيدها نحو قطعة لحم حمراء بعد أن ظلت تتفحص بدقة ما علقه الجزار من لحوم مذبوحة أمــام مدخل محله ، وهتفت بصوت شبه آمـــر :
-اقطعلي من هنا

سألها الجزار بصوت متحشرج وخشن للغاية :
-أخــر كلام يا أم عبده

ردت عليه بصوتها الجهوري :
-اه يا بني ، أنا أحب أخد حاجتي مشفية !

لوح لها بسكينه الحاد قائلاً بتحذير :
-بس السعر هايبقى أغلى حبتين

لوت فمها في عدم إكتراث وهي ترد عليه بـ :
-وماله ، أهم حاجة يبقى فيها لحمة مش شغت وقرف

ابتسم لها مجاملاً ، وشرع في قطع اللحم وهو يقول بحماس :
-على البركة !

مرت القابلة أم نجــــاح من جوار إحســـان ، فرأتها وهي تتمعن في أوجه المارين بإشمئزاز ، فإقتربت منها وصاحت بصوت مرتفع :
-الله ، ست إحسان

إلتفتت إحسان بوجهها نحوها ، وهتفت بفتور وهي ترفع حاجبها للأعلى :
-ازيك يا أم نجاح ، عاملة ايه وازي بنتك ؟

ردت عليها الأخيرة بإبتسامة عريضة :
-الحمدلله بخير ، نحمده على كل حــال ، اخبارك انتي ايه ؟ وأخبار سي عبده ومراته ؟

نفخت بضيق وهي تجيبها :
-أهوو .. زي ما احنا

مط أم نجاح فمها لتقول بحذر :
-ربنا يصلح الحال

فكرت إحســـان في أن تستغل الفرصـــة وتستشف بعض المعلومات منها ، خاصة وأن الشكوك كانت تساورها بشدة خلال الأيام الأخيرة ، لذا ضيقت عينيها بمكر ، وأسندت قبضتها على ذراع أم نجـــاح ، والتصقت بها ، ثم همست لها في أذنها بخبث :
-بأقولك ايه يا أم نجاح ، عاوزاكي في كلمتين

سألتها أم نجاح بإهتمام وقد سيطر عليها الفضول لمعرفة ما تريده :
-قولي يا اختي !

أشارت بعينيها وهي تضيف بخفوت :
-مش هاينفع الكلام هنا ، تعاليلي في البيت

سألتها أم نجـــاح متوجسة وهي تضع إصبعيها على طرف ذقنها :
-هو حصل حاجة لا سمح الله ؟

هزت إحســـان رأسها نافية ، وهتفت بغموض :
-لأ .. بس كنت عاوزة استفهم منك عن حاجة كده

تشدقت نجاح قائلة :
-طيب ياختي ، هابقى اعدي عليكي على أخــر النهار كده

ربتت على ظهرها وهي تقول بإبتسامة سخيفة :
-هستناكي نشرب الشاي سوا
-بأمر الله ، سلامو عليكم

ردت عليها إحســـان بإيجاز :
-وعليكم .. !!

ثم زاد عبوس وجهها ، وأظلمت نظراتها وهي تتابع بشراسة :
-أمــا أشوف حكاية الولية دي ايه ، ما هو أنا الفار مش هايفضل يلعب في عبي وأنا أموت مفروسة ومش عارفة أوصل لحل !
.........................................

في مشفى الجندي الخــــاص ،،،،

عـــــاد عدي من الخـــارج وهو يحمل السترة ليقف قبالة تقى ، ثم مــد يده بها نحوها ، وأردف قائلاً بصوت هــاديء:
-اتفضلي

نظرت له تقى بعدم فهم ، فأكمل قائلاً بنفس الثبات :
-ده جاكيت أوس البسيه ، مش هاينفع تفضلي كده !

أثـــار ذكر اسمه قلبها ، وزاد من خفقاته .. فمدت يدها المرتجفة لتأخذه منه ..
قربت السترة منها فتسللت رائحته المميزة إلى أنفها ..
فأغمضت عينيها ، وقاومت بصعوبة إنسياب عبراتها ....
ارتدت السترة وبدى جسدها ضئيلاً للغاية بداخلها ..
ولكن نوعاً ما شعرت بالأمـــان فيها ..

خــــرج الطبيب مؤنس من الغرفة وهو ينزع قفازه الطبي من يديه ، فإنتصب عدي في وقفته ، وركض نحوه ، وسأله بتلهف :
-ها يا دكتور مؤنس ! أوس عامل ايه ؟

هبت تهاني واقفة من المقعد ، وسحبت يدها من كف تقى ، وسارت نحوه وهي تضع يدها على صدرها من فرط التوتر ، وحدجت الطبيب بنظرات زائغة وهي تهتف بقلق أمومي :
-ابني !

انتبهت تقى إليهم ، وخفق قلبها بدرجة كبيرة ، وحبست أنفاسها منتظرة ما سيلفظه فمـــه ...

أجابهم مؤنس قائلاً بهدوء :
-اطمنوا يا جماعة ، الحالة بقت مستقرة

تنهدت تهاني بإرتيـــاح ، ورفعت عينيها الدامعتين للأعلى لتقول بإمتنان :
-الحمدلله يا رب ، الحمد لله

تنفس عدي الصعداء ، ووضع يده على رأسه قائلاً بتنهيدة عميقة :
-يــــاه ، الحمدلله !

أغمضت تقى عينيها ، وأرجعت رأسها للخلف ، ثم أطلقت تنهيدة مطــولة من صدرها المشحون بالمشاعر المتأججة :
-آآآه .. !

سلط الطبيب مؤنس أنظاره على تقى ، وصــاح بجدية وهو يتحرك نحوها :
-مش حابة تطمني على جوزك يا مدام تقى !

أخفضت رأسها قليلاً ، وفتحت عينيها لتنظر نحوه ، وهزت رأسها عفوياً وهي تسأله هامسة :
-هو .. هو فـــاق ؟

أجابها بهدوء حذر وهو يطالعها بنظرات متمعنة :
-لأ .. بس أنا عارف هو أد ايه متعلق بيكي ، ووجودك معاه هايفيده في اللحظات دي !

سأله عدي بقلق بالغ في نبرته :
-هو حياته في خطر ؟ قول يا د. مؤنس

ابتلعت تقى ريقها وهي تنظر له بخوف منتظرة بترقب جلي إجابة سؤاله ..
أدار الطبيب مؤنس رأسه في إتجاهه عدي ، وأجابه بإحتراز :
-حالياً لأ .. بس العامل النفسي مهم في مراحل الشفاء ، ومن اللي أنا شوفته في حالة الباشا أوس وجود المدام معاه هايفيده !

-قومي يا بنتي ، خليكي جمبه ، انتو الاتنين محتاجين بعض
قالتها تهاني بنبرة صـــادقة وهي تنظر إليها برجاء ..

أضــاف الطبيب مؤنس قائلاً بثبات :
-هو هايتنقل على العناية ، وأنا هاطلب من الممرضين يحطوا سرير تاني معاه

ظلت تعابير وجه تقى على حالتها الجامدة .. ولكن لاحت إبتسامة باهتة على شفتيها ..

خشي عدي من حدوث أي تطور ، وخاصة فيما يتعلق بمهاب الجندي ،
فأردف قائلاً بنبرة محذرة :
-تمام يا دكتور ، بس يا ريت محدش يعرف بوجود مدام تقى معاه

ابتسم له مؤنس وأضاف بهدوء بعد أن فهم مقصده :
-اطمن !

إستندت تقى بكفيها على جانبي المقعد لتنهض من عليه ، ثم ســـارت ببطء مع الطبيب في إتجاه الممر ...

نظر عدي إلى تهاني ، وتنحنح قائلاً بصوت آجش :
-حضرتك اطمني على أوس وأنا هاوصلك على البيت تاني !

أومــأت برأسها وهي تجيبه بخفوت :
-ماشي يا بني !
.........................................

أدخـــل اثنين من الممرضين سريراً متحركاً إلى داخل غرفة العناية ، وقاموا بإزاحة طاولة صغيرة وأريكة جلدية بيضاء إلى خــارجها ..
تابعتهما تقى بصمت .. وظلت أنظارها معلقة بالباب في إنتظار دخـــول أوس ..
إنتبهت هي إلى الأصوات الخــارجية التي تقترب من الغرفة ، فجفل جسدها ، وضغطت على شفتيها بتوتر شديد ..

دلف أحد الممرضين بظهره إلى الداخل ساحباً التروللي الطبي .. وولج معه عدد أخــر من الأطباء ، فهتف أحد محذراً :
-بالراحة .. خلوا بالكم

تعلقت أنظارها بالتروللي ، وحاولت إختلاس النظرات إلى وجــه أوس ، ولكن كانت أجســـاد الأطباء تحجب عنها رؤيته ..

هتف الطبيب مؤنس بنبرة رسمية :
-عند 3 ترفعوه على السرير
-تمام
-1 ، 2 ، 3

وبالفعل رفـــعه الجميع معاً ، وأسندوه على الفراش ليكمل الطبيب مؤنس عمله معه ، وتابع البقية توصيل الأجهزة الطبية به .. وغرزت ممرضة ما أبرة طبية في كفه .. وعلق ممرض أخــر المحلول على الحامل ..

وقفت تقى على بعد منكمشة على نفسها تتابع عملهم في صمت .. ولكن قلبها كان ثائراً من أجله .. خاصة حينما وقعت عينيها على وجهه ، ورأت جموده الذي أذاب قسوتها الزائفة ، وكشف قناع ضعفها أمـــامه ..
تناست في لحظة جريمته النكراء التي تقف دوماً كحائلٍ بينهما ، وإستسلمت لشعورها بصدق توبته .. وبندمه الحقيقي الذي لم يكفْ عن إظهاره لها وسعيه لتعويضها ..

اقترب منها الطبيب مؤنس ، وأردف قائلاً بخفوت بعد أن رأى نظرات الخوف في عينيها ، وحالة الرهبة المسيطرة عليها :
-مش عاوزك تقلقي يا مدام ، اللي بنعمله عادي في حالته

هزت رأسها متفهمة .. فأكمل بهدوء وهو يشير بيده :
-حضرتك تقدري تقعدي معاه ، والسرير ده عشان لو حبيتي تريحي شوية ، وأنا عاوزك تطمني مافيش حد هيزعجكم ، أنا منبه على الكل ، ولو حصل حاجة احنا هنتصرف

ابتسمت له إبتسامة باهتة ، فإلتفت برأســه للخلف ، وهتف بنبرة آمــرة وهو يشير بكفه :
-اتفضلوا يا جماعة !

نظر لها مجدداً ، واضــاف بجدية وهو يمد يده بمشروب ما :
-عاوزك تشرب ده يا مدام

رمقته بنظرات حائرة ، فبرر قائلاً :
-ده هايفيدك حالياً ، اتفضلي .. !

تناولته منه ، وارتشفت قدراً قليلاً منه .. فإبتسم لها مؤنس ، ثم انضم للبقية ..

بعد لحظات انصـــرف الجميع من الغرفة ، وبقيت تقى بمفردهـــا معه ..
تحركت بخطوات مضطربة نحوه ، وسحبت المقعد إلى جوار فراشــه ..
جلست عليه وعينيها لم تفارقان وجهه ..
نظرت له بأسف .. وأصغت إلى صوت تنفسه المنتظم ..
مدت أصابعها المرتجفة نحو ذراعه ، وتلمست بحذر بشرته الخشنة ..
قشعريرة قوية دبت في جسدها على إثر لمستها له ..
وتنهيدة حـــارة أخرجتها من صدرها على ذراعه بعد أن أخفضت رأسها نحوه ..
همست له بصعوبة وهي تحاول ابتلاع تلك الغصة المريرة التي تزيد من إختناقتها :
-أنا هنا معاك .. ولوحدنا ..!

أغمضت عينيها ، وأسندت رأسها على ذراعه لتتابع بنشيج :
-ولأول مرة أحس .. إني.. إني مش خايفة منك بجد !

تلمست بوجنتها ذراعه ، وإختنق صوتها أكثر وهي تكمل بوهن :
-بس مش قادرة أتحمل اللي بيجرى حواليا ، حاسة إني لوحدي ، انت مش معايا ، وأنا .. أنا خايفة أكمل فتروح مني كل حاجة !

رفعت رأسها للأعلى ، ونظرت له بأعينيها الباكية ، وأمسكت بكفه ، ثم نهضت عن المقعد بحذر .. وجلست على طرف الفراش ، وتطلعت إلى كفه ، وأكملت بنبرة مرتعدة :
-وخصوصاً لو عرفوا بده

نظرت إلى بطنها ، ثم حركت يده الممسكة بها في إتجاهها ، ومن ثَمَ أسندتها على بطنها وضغطت على كفه قليلاً بأصابعها المرتجفة لعله يستشعر وجود جنينه في رحمها ..

لم تنتبه إلى عينيه التي كانت ترمشـــان بوهن متأملة إياها بإشتياق حقيقي ..
ولم يحاول الإنفعال فيخرجها من حالة الصدق الشعوري مع نفسها .. فقد أراد الإستمتاع بوجودها معه ، وبقربها منه ..
كانت فرحته الحقيقية حينما شعـــر بما تحاول إبلاغه إياه ..
رقص قلبه طرباً ، وجاهد بضراوة للمحافظة على جموده وسكونه الزائف ..
هي تحمل في أحشائها نطفته التي وضعها جبراً داخلها ..
ويراها الآن تشير إليها دون نبذ أو خـــــوف منها ...
نعم لقد تقبلتها ، وإرتضت أن تكون أمــاً لابنه القادم ....
كانت من أسعد اللحظات عليه ..
ود لو يخرج عن صمته المصطنع ويعلن عن فرحته العامرة بهذا الخبر الذي لم يتخيل حدوثه ...
لقد استمع إلى صوتها الباكي وهي تخبره بحملها وهو يصـــارع آلامه ، فكـــانت كلماتها كالبلسم الشافي لجراحه الملتهبة .. فسكن وقتها على صوتها ، وإرتاحت روحه ، وإستسلم لذلك الحلم الجميل ...

إرتسم على ثغره شبح ابتسامة حاول إخفائها قدر الإمكان بعد أن ثبتت شكوكه ..

أغمض عينيه ليتذكر اللحظات السابقة حينما ولج إلى داخــل غرفة الطواريء .....
........................................

في وقت سابق ،،،
◘◘◘◘ أسند الأطباء أوس على الفراش الطبي ، وصــاح الطبيب مؤنس بتوتر :
-بسرعة ، وصلوا الجهاز بـ آآ...

لم يكمل جملته حيث تفاجيء بأوس يمسك به من ياقته ، ويجذبه نحوه ليقول بصوت ضعيف :
-فين مراتي ؟ عاوزها معايا

حرر مؤنس ياقته من قبضته ، ورد عليه بحذر :
-اهدى عشــان حالتك ، المضاعفات نتايجها وحشة !

همس له بتلعثم وهو يصر على أسنانه بشراسة :
-مراتي .. حــ.. حامل !

جحظ مؤنس بعينيه ، وربط سريعاً بما رأه على جسدها من إنهاك ، ومن حالة عدم إتزان أثناء نقل زوجها للداخل ..

قطع تفكيره صوت أوس وهو يأمره :
-ماتسيبهاش لوحدها ، خليها معايا ! اتصــرف !!

هـــز مؤنس رأســاً موافقاً ، وتشدق قائلاً بخفوت:
-حاضر .. هاعمل اللي انت عاوزه ! اهدى !

تابع أوس بنفس الصيغة الآمــرة :
-مراتي تبقى جمبي ، هاتها

وبالفعل فكر مؤنس سريعاً في تحضير ترتيبات خاصة من أجل إبقاء تقى مع أوس دون إثارة الشكوك ..... ◘◘◘◘

.............................
عودة للوقت الحالي ،،،،
إختلس أوس النظرات إليها بحذر ، وتملكه شعوراً عجيباً بالإرتيـــاح ...
أرخت تقى أصابعها عن كفه .. وأسندته إلى جوار جسده بحذر .. وانحنت برأسها على رأسه لتقبله في جيبنه ، وهمست له بمشاعر فاجئته :
-أنا جمبك !

شعرت هي بثقل في رأسها ، وبصعوبى في فتح جفنيها ..
لذا نهضت عن فراشه ، وتحركت ببطء نحو الفراش المجاور لها ..
تمددت بجسدها المرهق عليه ، وسلطت أنظارها على أوس ..
زاد ثقل جفنيها .. وإرتخى جسدها نوعاً ما ..وبررت لنفسها أن التعب تمكن من جسدها ، وأنهكتها ضغوطات اليوم .. بالإضافة إلى سيطرة هرمونات الحمل عليها ..
قاومت بشدة لتبقى مستيقظة ، ولكن لسلطان النوم أثر عجيب ..
فبعد دقائق معدودة كانت تغط في سبات عميق ..

فتح أوس عينيه ، وأدار رأسه في إتجاهها ، ورسم على محياه ابتسامة راضية وهو يتأمل وجهها النائم بنظرات رومانسية ..
تنهد بإرتيـــاح لأنها لم تشك فيما فعله الطبيب مؤنس من وضــع مخدر بسيط لها في المشروب ..
وبحذر شديد نهض من نومته ، وإنتزع عن كفه الإبرة الطبية .. وكذلك الأسلاك الموصوله بصدره ، ثم أنزل ساقيه للأسفل ، وتحرك ببطء في إتجاهها ..

جلس أوس على طرف الفراش ، ومرر عينيه ببطء عليها ليمتع نفسه بقربها منه .. ثم مـــد يده ليتلمس وجنتها الناعمة .. وأزاح تلك الخصلة المتمردة الملتصقة بجبينها ..
مـــال برأسه عليها ليهمس لها بنبرة عاشقة في أذنها:
-وأنا مش هاسيبك يا تقى !

تمدد هـــو إلى جوارها ، ولف ذراعه حول ظهرها ، واقترب أكثر منها ليلتصق صدره بجسدها ، ثم رمقها بنظرات والهة ، وأكمل هامساً ومتعهداً بـ :
-ولا هابعد عنك ، ولا عن ... عن ابني ............................... !!


إعدادات القراءة


لون الخلفية