الجزء 4

قضت هدى أكثر من ثلاثة أيام فى حالة من الشد والجزب بينها وبين كل من حولها ، فآثرت الابتعاد عنهم جميعا والاختلاء بنفسها فى غرفتها لتتجنب مواضيع احاديثهم التى أصبحت سبب أساسى فى ضيقها ، فليس لديهم غير فلان قال وفلانة أعادت ، هذا يريد وهذه ترفض ، كل المواضيع متعلقة بما حدث ليلة زفافها .

الشئ الوحيد الذى انقذها هو اتصال مشرفة تمريض المستشفى الخاص التى كانت تعمل بها فى القاهرة ، لتخبرها أنها وضعت لها روستر شفتات من بداية الأسبوع ، ومن حوار المكالمة استنتجت أنها تعلم ما حدث ، هى شخصيا لم تحضر الفرح لكن جزء من زملائها فى المستشفى حضروا وبالطبع اخبروها بما حدث ، معنى ذلك أن المستشفى بالكامل تعلم بما حدث ، وهذا سيضيف أسبابا أخرى لضيقها! نظرات الشفقة والأسئلة التى ستتلقاها لن تنتهى ، لكن يهون كل هذا من أجل الخروج من المنزل والهروب من تفكيرها الى العمل ، 

خرجت من تفكيرها على دخول هيام ،

...هدى ، هدى ...

....مش تخبطى على الباب ياحاجة قبل ما تخشى ولا انا قاعدة فى السوق ...

...اخبط ايه بس ، هيثم برة ...

...نعم ياختى ، بيعمل ايه هنا ومين دخله اصلا ..

..معرفش ، هو جاى ومعاه عمك ...

...وبعدين بقى ، انا مش هخلص ولا ايه ....

دخلت والدتها وهى تقول .... هيام ، روحى انتى ...

خرجت هيام والتفتت الحاجة هدية لهدى وهى تقول 

...هدى ، عمك ...



...متكمليش ياماما ، اطلعى لو سمحتى اطرديهم بدل ما اطلعلهم انا ...

...اطرد مين ياهدى ، ده عمك وجوزك ...

...برده بتقول جوزك ، ارحمينى واعملي اللى بقول عليه ...

....ارحمينى انتى واخرجيلهم يابنتى ...

....أنا لو خرجت هصور قتيل برة ، والله اعملكم مصيبة ...

...لا والنبى ياهدى عشان خاطرى انا ، اسمعى اللى جايين يقولوه بالراحة، وفى الاخر القرار ليكى بس متحرجيناش ... 

...أنتى خايفة تحرجيهم ، خايفة تحرجى ناس قالوا على بنتك حامل يوم فرحها ...

...وحياة حبيبك النبى ياهدى ، اسمعي اللى جاى يقولهولك خلاص ، هو جاى وبيقول انه لو قابلك لوحدكم هيعرفنى يقنعك تروحى معاه ...

...ياشيخة ، كسبنا صلاة النبى ...

...خلاص بقى ، قلتلك عشان خاطرى انا ..

...حاضر ياماما ، اسبقينى وانا جاية وراكى ...

كان هيثم متخيلا أنها ستوافق على العودة معه اذا حاول اقناعها وحدهم ، فقد أخبره أصدقاءه أن هذه هى طريقة التعامل بين كل رجل وانثاه ، لكنه غفل عن تفصيلة صغيرة ، هى أن هدى لم ولن تكون انثاه ابدا ، 

دخلت هدى وهى مرتدية عباءة سوداء تماما وطرحة بنفس اللون ، وكأنها فى حداد .

...السلام عليكم ...

..عليكم السلام ورحمة الله وبركاته. ..

...تعالى ياهدى ، هيثم جايلك لحد هنا أهو عشان يصالحك ...

تقدمت وجلست بدون اى تعبير على وجهها ، جلست فى مواجهة هيثم لكن لم ترفع عينيها له حتى الآن ...

قام العم ووقف ...طيب نسيبهم لوحدهم شوية ياست هدية ، إحنا هنبقى قاعدين فى الصالة لحد ما تخلصوا كلامكم. ..

خرج الرجل وتبعته والدتها ، وارسلت نظرة جانبية منها لهدى تستعطفها بها لتهدأ طوال حديثه .

بمجرد خروجهم، رفعت هدى رأسها له 

...خير ، عايز ايه ؟

...عايزك ياهدى ، عايزك تيجى معايا بيتنا. ..

...أنهى بيت ده ، اللى انا اندبحت فيه ، وطلع عرضى بلدى واتفرج عليا الناس كلها ...

...أنتى اللى قولتى وطلبتى كدة ، محدش أجبرك ... 

...عندك حق ، بس انا كنت برد عن نفسى ، برد عن شرفى وشرف اخواتى واهلى ، اصلى ملقتش حد يحمينى ويرد عنى ...

...أنا مقولتش حاجة والله ...

...فعلا وهى دى المشكلة اصلا ، أن انت مقولتش حاجة ، انت تنحت وبس ...

...حقك عليا انا ، انا اسف ...



قام من مكانه ليقترب منها ، لكن قبل أن يتحرك ،قالت

...مكانك ، خليك مكانك ياهيثم ، ملكش مكان جمبى ...

صدمته كلمتها وعاد للجلوس مكانه مرة أخرى 

...ياهدى ارجوكى ، متخدنيش بذنب غيرى ...

...بقولك ايه ، سيبك من الكلام ده ، قوللى الأول ، انت بجد هنا ليه ، عشان بتحبنى زى ما بتقول ، ولا خايف من القضية ، وأمك اللى بعتتك. ..

...أنتى عارفة كويس اوى أنى جاى عشانك ومش فارقة معايا أى حاجة تانية ....

...أنا مبقتش عارفة حاجة خالص ، اللى عرفته وصدقته قبل كدة طلع كله كدب ، 
اسمع ياهيثم ، وده آخر كلام هتسمعه منى ، رجوع ليك مش راجعة ، والقضية همشيها وهاخد حقى منكم ، وانت روح دورلك على بنت الحلال اللى تنفعك وتنفع أمك ...

وقفت وابتعدت خطوتين وهى تقول 

...ونصيحة أخيرة منى ، انشف شوية كدة واسترجل ، اعملك شخصية قدام اهلك ، يااما هتفضل فى مشاكل طول حياتك ، واللى هتتجوزها هتظلمها وهتبهدلها معاك ...

تركته وخرجت ، واتجهت لغرفتها على مرأى من الجالسين وأغلقت الباب على نفسها بالمفتاح ، وبعدها بلحظة خرج هو الأخر واتجه لباب البيت دون حتى أن يلقى السلام ، 

 


وبعد هذا اللقاء أيقن الجميع أن هدى قد أغلقت الحوار والنقاش فى هذا الموضوع نهائيا ، بل أنهت الموضوع نفسه ، وبقرارها المبكر بعودتها للعمل قد بدأت تجهز للتعايش مع الموقف ،
اتجهت للمستشفى الحكومى التى كانت تعمل بها ، 
قدمت على طلب إجازة لمدة سنة ، ارادت أن تنهك نفسها فى العمل الخاص ، فهو مرهق أكثر من الحكومى بكثير ،

 



بعدما أنهت اجرائات الإجازة ، اتجهت لمستشفى دار الفؤاد الخاص لتستلم عملها الآخر ، 

اتجهت لمكتب مدام سامية ، وهى مشرفة التمريض هناك لتستلم الروستر الخاص بها ، وقد كانت هذه السيدة تحترم وتقدر هدى جدا ، وتعلم جيدا إمكانياتها التمريضية جيدا ، 

....مينفع ياهدى ...

...ليه بقى ، ده مكانى ، ليه تغيرينى. ..

...أنتى قدمتى استقالة اصلا قبل جوازك ، صحيح لسة متمضتش، ولسة ورقك مخلصش ، بس كان لازم احط حد مكانك ، شهد خدت مكانك ، وبعدين انا بصراحة محتاجاكى فى العناية اوى ، الحضانة مش مكانك ياهدى ...

...منا سبق ودخلت العناية وكرهت الشغل فيها، وطلعت منها تانى ، هتحملها دلوقتى يعنى ، بلاش والنبى يامدام سامية .... 

...المرة اللى فاتت ، دخلتى مع حالات الغيبوبة الكبدية ، عشان كدة كرهتيها ، المرة دى الشغل احسن واخف ، هتدخلى مع حالات الكلى ، وفى الوقت الحالى بالذات عندى حالة زرع كلى فى عناية الدور السابع ، كدة تمام بقى أهو ، و عناية خاصة ، والراجل فايق اصلا ، و زارع من يومين ، بس هو وأهله مصممين على ممرضة خاصة وتكون شاطرة ، وهو من الشركا فى المستشفى ومحدش يقدر يقوله لأ ، وأنا رشحتك انتى ، ها ، ايه رأيك ...

...مش عارفة ...

...متقلقيش ، ده راجل محترم جدا ، هو سعودى اصلا ، ومفيش حد بيزوره غير مراته ، يعنى مفيش مشاكل ، هتتابعيه لحد ما يخرج من المستشفى ، وبعدها يمكن يكون مكانك فى الحضانة فضى ...

...أنا موافقة لو وعدتينى أن مع أول فرصة هترجعينى الحضانة تانى ....

...اوعدك ياستى ...

...شكرا يامدام سامية ، هروح انا بقى أجهز ، فاضل ساعتين على بداية الشفت ...

...ماشى ، وأما تيجى تستلمى، رنى عشان انا اللى هطلع معاكى اسلمك، وادخلك للحالة أعرفهم عليكى. .

...حاضر ، بعد اذنك .. 

 


بعدما بدلت ملابسها باليونيفورم الخاص بها والمكون من بدلة من بنطلون وجاكت قصير وحجاب ابيض صغير ، اتصلت هدى بالدور السابع لتسأل عن مرض الحالة التى ستمرضها ، فهى من هواة دراسة مرض الحالة جيدا قبل استلامها، 
بالفعل اخبروها انه فشل كلوى مزمن ، وقد تم زرع كلى له منذ ثلاثة أيام ، 
قامت ببحث على النت من خلال تيليفونها عن المرض وكل ما هو متعلق به ، قضت ساعة كاملة فى قراءة جزء منه ، والجزء الآخر سجلت لينك صفحته لتكمله فيما بعد ، 
خرجت من السكن واتجهت للدور الخاص بها ، بعدما اتصلت بالمشرفة لتخبرها بأنها جاهزة لإستلام حالتها.



إعدادات القراءة


لون الخلفية