قضت هدى أكثر من ثلاثة أيام فى حالة من الشد والجزب بينها وبين كل من حولها ، فآثرت الابتعاد عنهم جميعا والاختلاء بنفسها فى غرفتها لتتجنب مواضيع احاديثهم التى أصبحت سبب أساسى فى ضيقها ، فليس لديهم غير فلان قال وفلانة أعادت ، هذا يريد وهذه ترفض ، كل المواضيع متعلقة بما حدث ليلة زفافها .
الشئ الوحيد الذى انقذها هو اتصال مشرفة تمريض المستشفى الخاص التى كانت تعمل بها فى القاهرة ، لتخبرها أنها وضعت لها روستر شفتات من بداية الأسبوع ، ومن حوار المكالمة استنتجت أنها تعلم ما حدث ، هى شخصيا لم تحضر الفرح لكن جزء من زملائها فى المستشفى حضروا وبالطبع اخبروها بما حدث ، معنى ذلك أن المستشفى بالكامل تعلم بما حدث ، وهذا سيضيف أسبابا أخرى لضيقها! نظرات الشفقة والأسئلة التى ستتلقاها لن تنتهى ، لكن يهون كل هذا من أجل الخروج من المنزل والهروب من تفكيرها الى العمل ،
خرجت من تفكيرها على دخول هيام ،
...هدى ، هدى ...
....مش تخبطى على الباب ياحاجة قبل ما تخشى ولا انا قاعدة فى السوق ...
...اخبط ايه بس ، هيثم برة ...
...نعم ياختى ، بيعمل ايه هنا ومين دخله اصلا ..
..معرفش ، هو جاى ومعاه عمك ...
...وبعدين بقى ، انا مش هخلص ولا ايه ....
دخلت والدتها وهى تقول .... هيام ، روحى انتى ...
خرجت هيام والتفتت الحاجة هدية لهدى وهى تقول
...هدى ، عمك ...
...متكمليش ياماما ، اطلعى لو سمحتى اطرديهم بدل ما اطلعلهم انا ...
...اطرد مين ياهدى ، ده عمك وجوزك ...
...برده بتقول جوزك ، ارحمينى واعملي اللى بقول عليه ...
....ارحمينى انتى واخرجيلهم يابنتى ...
....أنا لو خرجت هصور قتيل برة ، والله اعملكم مصيبة ...
...لا والنبى ياهدى عشان خاطرى انا ، اسمعى اللى جايين يقولوه بالراحة، وفى الاخر القرار ليكى بس متحرجيناش ...
...أنتى خايفة تحرجيهم ، خايفة تحرجى ناس قالوا على بنتك حامل يوم فرحها ...
...وحياة حبيبك النبى ياهدى ، اسمعي اللى جاى يقولهولك خلاص ، هو جاى وبيقول انه لو قابلك لوحدكم هيعرفنى يقنعك تروحى معاه ...
...ياشيخة ، كسبنا صلاة النبى ...
...خلاص بقى ، قلتلك عشان خاطرى انا ..
...حاضر ياماما ، اسبقينى وانا جاية وراكى ...
كان هيثم متخيلا أنها ستوافق على العودة معه اذا حاول اقناعها وحدهم ، فقد أخبره أصدقاءه أن هذه هى طريقة التعامل بين كل رجل وانثاه ، لكنه غفل عن تفصيلة صغيرة ، هى أن هدى لم ولن تكون انثاه ابدا ،
دخلت هدى وهى مرتدية عباءة سوداء تماما وطرحة بنفس اللون ، وكأنها فى حداد .
...السلام عليكم ...
..عليكم السلام ورحمة الله وبركاته. ..
...تعالى ياهدى ، هيثم جايلك لحد هنا أهو عشان يصالحك ...
تقدمت وجلست بدون اى تعبير على وجهها ، جلست فى مواجهة هيثم لكن لم ترفع عينيها له حتى الآن ...
قام العم ووقف ...طيب نسيبهم لوحدهم شوية ياست هدية ، إحنا هنبقى قاعدين فى الصالة لحد ما تخلصوا كلامكم. ..
خرج الرجل وتبعته والدتها ، وارسلت نظرة جانبية منها لهدى تستعطفها بها لتهدأ طوال حديثه .
بمجرد خروجهم، رفعت هدى رأسها له
...خير ، عايز ايه ؟
...عايزك ياهدى ، عايزك تيجى معايا بيتنا. ..
...أنهى بيت ده ، اللى انا اندبحت فيه ، وطلع عرضى بلدى واتفرج عليا الناس كلها ...
...أنتى اللى قولتى وطلبتى كدة ، محدش أجبرك ...
...عندك حق ، بس انا كنت برد عن نفسى ، برد عن شرفى وشرف اخواتى واهلى ، اصلى ملقتش حد يحمينى ويرد عنى ...
...أنا مقولتش حاجة والله ...
...فعلا وهى دى المشكلة اصلا ، أن انت مقولتش حاجة ، انت تنحت وبس ...
...حقك عليا انا ، انا اسف ...
قام من مكانه ليقترب منها ، لكن قبل أن يتحرك ،قالت
...مكانك ، خليك مكانك ياهيثم ، ملكش مكان جمبى ...
صدمته كلمتها وعاد للجلوس مكانه مرة أخرى
...ياهدى ارجوكى ، متخدنيش بذنب غيرى ...
...بقولك ايه ، سيبك من الكلام ده ، قوللى الأول ، انت بجد هنا ليه ، عشان بتحبنى زى ما بتقول ، ولا خايف من القضية ، وأمك اللى بعتتك. ..
...أنتى عارفة كويس اوى أنى جاى عشانك ومش فارقة معايا أى حاجة تانية ....
...أنا مبقتش عارفة حاجة خالص ، اللى عرفته وصدقته قبل كدة طلع كله كدب ،
اسمع ياهيثم ، وده آخر كلام هتسمعه منى ، رجوع ليك مش راجعة ، والقضية همشيها وهاخد حقى منكم ، وانت روح دورلك على بنت الحلال اللى تنفعك وتنفع أمك ...
وقفت وابتعدت خطوتين وهى تقول
...ونصيحة أخيرة منى ، انشف شوية كدة واسترجل ، اعملك شخصية قدام اهلك ، يااما هتفضل فى مشاكل طول حياتك ، واللى هتتجوزها هتظلمها وهتبهدلها معاك ...
تركته وخرجت ، واتجهت لغرفتها على مرأى من الجالسين وأغلقت الباب على نفسها بالمفتاح ، وبعدها بلحظة خرج هو الأخر واتجه لباب البيت دون حتى أن يلقى السلام ،
وبعد هذا اللقاء أيقن الجميع أن هدى قد أغلقت الحوار والنقاش فى هذا الموضوع نهائيا ، بل أنهت الموضوع نفسه ، وبقرارها المبكر بعودتها للعمل قد بدأت تجهز للتعايش مع الموقف ،
اتجهت للمستشفى الحكومى التى كانت تعمل بها ،
قدمت على طلب إجازة لمدة سنة ، ارادت أن تنهك نفسها فى العمل الخاص ، فهو مرهق أكثر من الحكومى بكثير ،
بعدما أنهت اجرائات الإجازة ، اتجهت لمستشفى دار الفؤاد الخاص لتستلم عملها الآخر ،
اتجهت لمكتب مدام سامية ، وهى مشرفة التمريض هناك لتستلم الروستر الخاص بها ، وقد كانت هذه السيدة تحترم وتقدر هدى جدا ، وتعلم جيدا إمكانياتها التمريضية جيدا ،
....مينفع ياهدى ...
...ليه بقى ، ده مكانى ، ليه تغيرينى. ..
...أنتى قدمتى استقالة اصلا قبل جوازك ، صحيح لسة متمضتش، ولسة ورقك مخلصش ، بس كان لازم احط حد مكانك ، شهد خدت مكانك ، وبعدين انا بصراحة محتاجاكى فى العناية اوى ، الحضانة مش مكانك ياهدى ...
...منا سبق ودخلت العناية وكرهت الشغل فيها، وطلعت منها تانى ، هتحملها دلوقتى يعنى ، بلاش والنبى يامدام سامية ....
...المرة اللى فاتت ، دخلتى مع حالات الغيبوبة الكبدية ، عشان كدة كرهتيها ، المرة دى الشغل احسن واخف ، هتدخلى مع حالات الكلى ، وفى الوقت الحالى بالذات عندى حالة زرع كلى فى عناية الدور السابع ، كدة تمام بقى أهو ، و عناية خاصة ، والراجل فايق اصلا ، و زارع من يومين ، بس هو وأهله مصممين على ممرضة خاصة وتكون شاطرة ، وهو من الشركا فى المستشفى ومحدش يقدر يقوله لأ ، وأنا رشحتك انتى ، ها ، ايه رأيك ...
...مش عارفة ...
...متقلقيش ، ده راجل محترم جدا ، هو سعودى اصلا ، ومفيش حد بيزوره غير مراته ، يعنى مفيش مشاكل ، هتتابعيه لحد ما يخرج من المستشفى ، وبعدها يمكن يكون مكانك فى الحضانة فضى ...
...أنا موافقة لو وعدتينى أن مع أول فرصة هترجعينى الحضانة تانى ....
...اوعدك ياستى ...
...شكرا يامدام سامية ، هروح انا بقى أجهز ، فاضل ساعتين على بداية الشفت ...
...ماشى ، وأما تيجى تستلمى، رنى عشان انا اللى هطلع معاكى اسلمك، وادخلك للحالة أعرفهم عليكى. .
...حاضر ، بعد اذنك ..
بعدما بدلت ملابسها باليونيفورم الخاص بها والمكون من بدلة من بنطلون وجاكت قصير وحجاب ابيض صغير ، اتصلت هدى بالدور السابع لتسأل عن مرض الحالة التى ستمرضها ، فهى من هواة دراسة مرض الحالة جيدا قبل استلامها،
بالفعل اخبروها انه فشل كلوى مزمن ، وقد تم زرع كلى له منذ ثلاثة أيام ،
قامت ببحث على النت من خلال تيليفونها عن المرض وكل ما هو متعلق به ، قضت ساعة كاملة فى قراءة جزء منه ، والجزء الآخر سجلت لينك صفحته لتكمله فيما بعد ،
خرجت من السكن واتجهت للدور الخاص بها ، بعدما اتصلت بالمشرفة لتخبرها بأنها جاهزة لإستلام حالتها.