الجزء 13

لم تستطع النوم ولو للحظة ، يقتلها التخيل ، ماذا يفعل الآن معها ، حاولت كثيرا منع خيالها من الولوج فى هذا الاتجاه ، لكنه رفض بشدة الانصياع لعقلها، 

الساعة تعدت الرابعة ، قامت وجهزت ادويتها، وارتدت زييها ، وانتظرت ، لا تعلم ماذا تفعل وكيف ستتصرف ، 
فجأة سمعت طرقات خفيفة على الباب ، وقفت خلف الباب لتسأل 

...مين ...

...تفتكرى مين ممكن يجيلك فى الوقت ده ...

تنفست الصعداء ، ثم فتحت له الباب ، 

... برافو عليكى ، لابسة وجاهزة ومستنية ...

...أه ، مستنية الفرج ، وبعدين ايه برافو عليكى دى ، بتكلم بنت اختك ...

...أفندم ...

...لا ، ولا حاجة ، كلمة وراحت ، ممكن يلا بقى، عشان الوقت ...

اغلقت غرفتها ، وانتظرته ليتحرك أمامها ، وجدته يشير للدخول فى نفس الدور ، تحركت أمامه وهو خلفها ، 
... أنا مش عايزك تلبسى اليونيفورم ده تانى ....




...نعم ...

...كيف ما سمعتى ...

...والبس ايه بقى أن شاءالله. ..

...حاجة من اللى جبتهملك، معجبوكيش ولا ايه ؟

...أنا مشوفتهومش اصلا ..

...نعم ...

...نعم الله عليك ، انا مش محتاجة حد يجبلى لبس وجبتهم معايا لما لقيتك مصمم ، هلبس منهم بس أو خرجت مع والدك ، غير كدة انا عندى لبسى ...

لم تشعر فجأة إلا ويد قوية أشدها جانبا وتثبتها فى الحائط ، سقط ما كان بيدها على الارض ، لكنه لم يهتم .
لم يكن يفصل بين جسديهما غير مسافة ما يرتدى كل منهما ، أما وجهيهما ، فمسافة لا تتعدى السنتيمتر ،

كانت هذه اول مرة يتحقق كل منهما فى ملامح الآخر ، لحظات مرت بصمت بينهما ، لحظات اختصرت مسافات ومساحات وأوقات، قد يقضيها كل منهما ، 

ساد الصمت لبرهة بينهما على نفس الوضع ، وهى من تداركت نفسها أولا ، همست قائلة 

...سيب ايدى ...

لم يرد عليها وظل على وضعه ، عادت تقول وعيناها بدأت تلمع بالدموع

...ايدى بتوجعنى. ..

دمعة واحدة انزلقت من عينها ، هى فقط ما افاقته ، عندها انتبه انه يضغط على يديها بكل قوته ، ابتعد عنها ببطئ وهو يحرر يدها ، 

اخفضت عينيها فى الارض لتجمع شتات نفسها ، ثم رفعتها له مرة أخرى ، بعدها انحنت لتجمع أشرطة الدواء من على الأرض ، كل هذا وهو يتابع ما تفعل بصمت وانفاسه مضطربة، 

عندما اعتدلت ، أشار لها على باب مقابل لها وقال 

...ده جناح الأمير ، انا صحيته قبل ما اجيلك، وهو مستنيكى دلوقتى ، وبعد ما تخلصى نامى ، عايزك تنامى وترتاحى ياهدى ...

تركها وعاد ادراجه مرة أخرى ، بدأت تعدل من هندامها وهى تقول ،

...ارتاح ! ارتاح ازاى فى مكان انت موجود فيه ...

 



استيقظت هدى على صوت زينب وهى تجهز لها طاولة الإفطار ، 

...صباح الخير ...

...صباح النور ياانسة هدى ...

...مدام ، انا مدام ...

...أنا آسفة ، الامير خالد قاللى الصبح ، صحى الآنسة هدى الساعة 12 ...

...أنا عندى حل احسن ، لا أنسة ولا مدام ، هدى على طول ...

..ده ممكن لو بينى وبينك ، لكن قدام أى حد لازم اديكى لقب ...

...خلاص ، قولى يامس هدى ..

..ماشى يامس هدى ...

...قولنا قدام الناس بس ...

....ماشى ، اتفضلى الفطار ...

..إيه ده كله ، انا مش جعانة اصلا ...

...مش جعانة ازاى ،انتى امبارح رفضتى العشا وقلتى مش جعانة ، والأمير خالد قاللى انك آخر مرة اكلتى ، كان سندوتش صغير اوى فى الطيارة ...

...الأمير خالد ، الامير خالد ، ايه الحكاية ...

...ماهو اصلا انا الميد الخاصة بالأمير خالد ، من أول ما جيت من مصر من 12 سنة ، كان ممنوع عليا اهتم بأى حد تانى غيره ، حتى لما بيسافر ، مبشتغلش كتير ، والأميرة ليان لها حد تانى غيرى ، 
لكن الزيارة دى ، امرنى أنى اهتم بيكى ، والأمير الخاصة بيكى باخدها منه هو بس ، ويلا بقى متعطلنيش ، وراايا شغل ، والعلبة اللى هناك دى 
الأمير خالد قاللى اديهالك اول ما تصحى ...

...ماشى ، شكرا يازينب ...

...بعد اذنك ... 

تحركت من سريرها فى اتجاه العلبة ، فتحتها ، وجدت فيها تابليت ابيض صغير ، يكاد يكون أصغر تابليت رأته ، وجدت معه رسالة صغيرة ، فتحتها 

... ده ليكى ، موجود فيه خط سعودى ، وعليه كل الخدمات حتى الانترنت وكمان عليه رصيد كفاية ، وخدمة دقايق لمصر ، تقدرى تفتحيه، هو جاهز للاستخدام، كلمى اهلك واطمنى عليهم ...

وضعته أمامها وجلست بجانبه ، هذا الشخص مستحيل ، فهو يهتم بأدق التفاصيل التى ينساها الكثير ، لبسى واكلى ، واهلى ، والبقية تأتى ، 
لكن السؤال ، لماذا يهتم لهذه الدرجة ؟

*********************

مر ثلاثة أيام والحال هو الحال ، تقضى هدى معظم وقتها فى غرفتها، لا تخرج إلا فى مواعيد العلاج أو حتى أن أرسل لها الأمير فياض اذا أراد أى شئ ، حتى خالد تجنبها تماما طوال هذه الفترة ، لكن تصله أخبارها من ذينب التى أصبحت همزة الوصل بينها وبين كل شئ فى هذا المكان .

تتصل بأخواتها ، كل منهم على حدا ، لتطمئن على أخبارهم بالتفصيل تحدثهم طوال الوقت واتس وفيس وبكل طريقة ممكنة ، أما والدتها فتتصل بها صوتيا أكثر من مرة يوميا ، لتطرد من داخلها القلق عليها ،


تعودت أن تخرج بعد الثانية عشر ، تتجول بعض الوقت فى الحديقة الخلفية ، فهى رائعة ومنسقة بعناية فائقة، تحتوى على جميع أنواع الزهور والنباتات النادرة ، تستمتع هدى بوقتها التى تقضيه وحيدة بعيدا عن جدران الغرفة التى أصبحت 
سجينتها ، غافلة تماما عن عيون الصقر التى أصبحت تراقبها بمجرد خروجها من غرفتها ، ليلا أو حتى نهارا ، 

*********************

من ناحية أخرى تقف ليان أمام المرآه تتزين ، ترتدى قميص نوم شفاف ، طويل يصل لقدمها بفتحة جانبية كبيرة ، بظهر عارى تماما ، وحمالة معلقة فقط فى رقبتها ، 

كان خالد يجلس على مكتب صغير فى أحد جوانب الجناح ، يطالع بعض الأوراق ، 
تقدمت منه ليان وجلست على جانب الكرسى الذى يجلس عليه ، 
تخللت اصابعها شعره واليد الأخرى تتحايل على أزرار قميصه تفتحها، 

أبعد يدها عنه ... اتركينى دالحين ليان، عندى شغل...

...ابيك تترك الشغل ، ما وحشتك ليانك. ..

...ليان بليز ، قلتليك عندى شغل مهم ، غير أنى مالى مزاج ...

...إيش بيك خالد ، مو ملاحظ أنى بقرب وانت لا ، من وقت ما رجعت وانت مو طبيعى ...

اقتربت منه ووضعت رأسها عل كتفه وقالت 

...أنا زعلتك فى شى ، ابيك تقول لو فى ، وأنا راح اراضيك دالحين وايش ما كان ، انا بحبك ، وما ابغيك تزعل منى ...

...مافى شى ليان ، إيش فيها يعنى ، انا مالى مزاج الحين ، مرهق ، وإذا عافرت مع نفسى ، ماراح يكون مثل ما بدك منى ...

مسح على شعرها ثم قبلها من جبينه وقال 

..انا راح أخرج شوى. .. 

خرج خالد من الغرفة ، تنفس الصعداء كأنه خرج من سجن لتوه ، نزل للدور الأول وتوقف أمامه لبرهة ، لكنه عاد ادراجه وأكمل طريقه للأسفل ثم لخارج القصر ، بدأ يتحرك فى الحديقة بدون هدف ، فقط ليخفف من غضبه الداخلى ، ويفكر فى كل ما حدث ،

لماذا ، لماذا ياخالد ، هل ستستمر فى عقابها على شئ ليس لها فيه أى ذنب ، لكن انا لا اعاقبها، أنه احساسى بها ، دائما مفقود ، غير موجود من الأساس ، اقترابى منها يكون دائما لتنفيس رغبة فقط ، وليس رغبة فيها هى ، 
إلى متى ؟، المشترك الأساسى فى عذابك مات ، وابنه الأول أبى ، مريض ولا حول له ولا قوة ، والابن الثانى ، عمى ، يعيش فى أوروبا ولا يعود إلا للطوارئ فى حياتنا فقط ، إلى متى ستستمر فى عقاب من حولك ؟

فجأة ، وجدها أمامه، امرأة لم تغادر عقله من أول لحظة رأاها فيها ، امرأة تقتله رغبته بها ، لكن للأسف الموانع كثيرة جدا ، 
كانت تجلس أمام حوض زهور تداعبها بيدها ،

ابتسم وقال فى نفسه ...ياريتنى كنت وردة منهم ياهدى ، على الأقل كنت أحس بلمسة ايدك ....

يتبع



إعدادات القراءة


لون الخلفية