لم تستطع النوم ولو للحظة ، يقتلها التخيل ، ماذا يفعل الآن معها ، حاولت كثيرا منع خيالها من الولوج فى هذا الاتجاه ، لكنه رفض بشدة الانصياع لعقلها،
الساعة تعدت الرابعة ، قامت وجهزت ادويتها، وارتدت زييها ، وانتظرت ، لا تعلم ماذا تفعل وكيف ستتصرف ،
فجأة سمعت طرقات خفيفة على الباب ، وقفت خلف الباب لتسأل
...مين ...
...تفتكرى مين ممكن يجيلك فى الوقت ده ...
تنفست الصعداء ، ثم فتحت له الباب ،
... برافو عليكى ، لابسة وجاهزة ومستنية ...
...أه ، مستنية الفرج ، وبعدين ايه برافو عليكى دى ، بتكلم بنت اختك ...
...أفندم ...
...لا ، ولا حاجة ، كلمة وراحت ، ممكن يلا بقى، عشان الوقت ...
اغلقت غرفتها ، وانتظرته ليتحرك أمامها ، وجدته يشير للدخول فى نفس الدور ، تحركت أمامه وهو خلفها ،
... أنا مش عايزك تلبسى اليونيفورم ده تانى ....
...نعم ...
...كيف ما سمعتى ...
...والبس ايه بقى أن شاءالله. ..
...حاجة من اللى جبتهملك، معجبوكيش ولا ايه ؟
...أنا مشوفتهومش اصلا ..
...نعم ...
...نعم الله عليك ، انا مش محتاجة حد يجبلى لبس وجبتهم معايا لما لقيتك مصمم ، هلبس منهم بس أو خرجت مع والدك ، غير كدة انا عندى لبسى ...
لم تشعر فجأة إلا ويد قوية أشدها جانبا وتثبتها فى الحائط ، سقط ما كان بيدها على الارض ، لكنه لم يهتم .
لم يكن يفصل بين جسديهما غير مسافة ما يرتدى كل منهما ، أما وجهيهما ، فمسافة لا تتعدى السنتيمتر ،
كانت هذه اول مرة يتحقق كل منهما فى ملامح الآخر ، لحظات مرت بصمت بينهما ، لحظات اختصرت مسافات ومساحات وأوقات، قد يقضيها كل منهما ،
ساد الصمت لبرهة بينهما على نفس الوضع ، وهى من تداركت نفسها أولا ، همست قائلة
...سيب ايدى ...
لم يرد عليها وظل على وضعه ، عادت تقول وعيناها بدأت تلمع بالدموع
...ايدى بتوجعنى. ..
دمعة واحدة انزلقت من عينها ، هى فقط ما افاقته ، عندها انتبه انه يضغط على يديها بكل قوته ، ابتعد عنها ببطئ وهو يحرر يدها ،
اخفضت عينيها فى الارض لتجمع شتات نفسها ، ثم رفعتها له مرة أخرى ، بعدها انحنت لتجمع أشرطة الدواء من على الأرض ، كل هذا وهو يتابع ما تفعل بصمت وانفاسه مضطربة،
عندما اعتدلت ، أشار لها على باب مقابل لها وقال
...ده جناح الأمير ، انا صحيته قبل ما اجيلك، وهو مستنيكى دلوقتى ، وبعد ما تخلصى نامى ، عايزك تنامى وترتاحى ياهدى ...
تركها وعاد ادراجه مرة أخرى ، بدأت تعدل من هندامها وهى تقول ،
...ارتاح ! ارتاح ازاى فى مكان انت موجود فيه ...
استيقظت هدى على صوت زينب وهى تجهز لها طاولة الإفطار ،
...صباح الخير ...
...صباح النور ياانسة هدى ...
...مدام ، انا مدام ...
...أنا آسفة ، الامير خالد قاللى الصبح ، صحى الآنسة هدى الساعة 12 ...
...أنا عندى حل احسن ، لا أنسة ولا مدام ، هدى على طول ...
..ده ممكن لو بينى وبينك ، لكن قدام أى حد لازم اديكى لقب ...
...خلاص ، قولى يامس هدى ..
..ماشى يامس هدى ...
...قولنا قدام الناس بس ...
....ماشى ، اتفضلى الفطار ...
..إيه ده كله ، انا مش جعانة اصلا ...
...مش جعانة ازاى ،انتى امبارح رفضتى العشا وقلتى مش جعانة ، والأمير خالد قاللى انك آخر مرة اكلتى ، كان سندوتش صغير اوى فى الطيارة ...
...الأمير خالد ، الامير خالد ، ايه الحكاية ...
...ماهو اصلا انا الميد الخاصة بالأمير خالد ، من أول ما جيت من مصر من 12 سنة ، كان ممنوع عليا اهتم بأى حد تانى غيره ، حتى لما بيسافر ، مبشتغلش كتير ، والأميرة ليان لها حد تانى غيرى ،
لكن الزيارة دى ، امرنى أنى اهتم بيكى ، والأمير الخاصة بيكى باخدها منه هو بس ، ويلا بقى متعطلنيش ، وراايا شغل ، والعلبة اللى هناك دى
الأمير خالد قاللى اديهالك اول ما تصحى ...
...ماشى ، شكرا يازينب ...
...بعد اذنك ...
تحركت من سريرها فى اتجاه العلبة ، فتحتها ، وجدت فيها تابليت ابيض صغير ، يكاد يكون أصغر تابليت رأته ، وجدت معه رسالة صغيرة ، فتحتها
... ده ليكى ، موجود فيه خط سعودى ، وعليه كل الخدمات حتى الانترنت وكمان عليه رصيد كفاية ، وخدمة دقايق لمصر ، تقدرى تفتحيه، هو جاهز للاستخدام، كلمى اهلك واطمنى عليهم ...
وضعته أمامها وجلست بجانبه ، هذا الشخص مستحيل ، فهو يهتم بأدق التفاصيل التى ينساها الكثير ، لبسى واكلى ، واهلى ، والبقية تأتى ،
لكن السؤال ، لماذا يهتم لهذه الدرجة ؟
*********************
مر ثلاثة أيام والحال هو الحال ، تقضى هدى معظم وقتها فى غرفتها، لا تخرج إلا فى مواعيد العلاج أو حتى أن أرسل لها الأمير فياض اذا أراد أى شئ ، حتى خالد تجنبها تماما طوال هذه الفترة ، لكن تصله أخبارها من ذينب التى أصبحت همزة الوصل بينها وبين كل شئ فى هذا المكان .
تتصل بأخواتها ، كل منهم على حدا ، لتطمئن على أخبارهم بالتفصيل تحدثهم طوال الوقت واتس وفيس وبكل طريقة ممكنة ، أما والدتها فتتصل بها صوتيا أكثر من مرة يوميا ، لتطرد من داخلها القلق عليها ،
تعودت أن تخرج بعد الثانية عشر ، تتجول بعض الوقت فى الحديقة الخلفية ، فهى رائعة ومنسقة بعناية فائقة، تحتوى على جميع أنواع الزهور والنباتات النادرة ، تستمتع هدى بوقتها التى تقضيه وحيدة بعيدا عن جدران الغرفة التى أصبحت
سجينتها ، غافلة تماما عن عيون الصقر التى أصبحت تراقبها بمجرد خروجها من غرفتها ، ليلا أو حتى نهارا ،
*********************
من ناحية أخرى تقف ليان أمام المرآه تتزين ، ترتدى قميص نوم شفاف ، طويل يصل لقدمها بفتحة جانبية كبيرة ، بظهر عارى تماما ، وحمالة معلقة فقط فى رقبتها ،
كان خالد يجلس على مكتب صغير فى أحد جوانب الجناح ، يطالع بعض الأوراق ،
تقدمت منه ليان وجلست على جانب الكرسى الذى يجلس عليه ،
تخللت اصابعها شعره واليد الأخرى تتحايل على أزرار قميصه تفتحها،
أبعد يدها عنه ... اتركينى دالحين ليان، عندى شغل...
...ابيك تترك الشغل ، ما وحشتك ليانك. ..
...ليان بليز ، قلتليك عندى شغل مهم ، غير أنى مالى مزاج ...
...إيش بيك خالد ، مو ملاحظ أنى بقرب وانت لا ، من وقت ما رجعت وانت مو طبيعى ...
اقتربت منه ووضعت رأسها عل كتفه وقالت
...أنا زعلتك فى شى ، ابيك تقول لو فى ، وأنا راح اراضيك دالحين وايش ما كان ، انا بحبك ، وما ابغيك تزعل منى ...
...مافى شى ليان ، إيش فيها يعنى ، انا مالى مزاج الحين ، مرهق ، وإذا عافرت مع نفسى ، ماراح يكون مثل ما بدك منى ...
مسح على شعرها ثم قبلها من جبينه وقال
..انا راح أخرج شوى. ..
خرج خالد من الغرفة ، تنفس الصعداء كأنه خرج من سجن لتوه ، نزل للدور الأول وتوقف أمامه لبرهة ، لكنه عاد ادراجه وأكمل طريقه للأسفل ثم لخارج القصر ، بدأ يتحرك فى الحديقة بدون هدف ، فقط ليخفف من غضبه الداخلى ، ويفكر فى كل ما حدث ،
لماذا ، لماذا ياخالد ، هل ستستمر فى عقابها على شئ ليس لها فيه أى ذنب ، لكن انا لا اعاقبها، أنه احساسى بها ، دائما مفقود ، غير موجود من الأساس ، اقترابى منها يكون دائما لتنفيس رغبة فقط ، وليس رغبة فيها هى ،
إلى متى ؟، المشترك الأساسى فى عذابك مات ، وابنه الأول أبى ، مريض ولا حول له ولا قوة ، والابن الثانى ، عمى ، يعيش فى أوروبا ولا يعود إلا للطوارئ فى حياتنا فقط ، إلى متى ستستمر فى عقاب من حولك ؟
فجأة ، وجدها أمامه، امرأة لم تغادر عقله من أول لحظة رأاها فيها ، امرأة تقتله رغبته بها ، لكن للأسف الموانع كثيرة جدا ،
كانت تجلس أمام حوض زهور تداعبها بيدها ،
ابتسم وقال فى نفسه ...ياريتنى كنت وردة منهم ياهدى ، على الأقل كنت أحس بلمسة ايدك ....
يتبع