الجزء 16

هذا هو اليوم الثالث لغياب خالد بدون اى اثر ، وهدى تكاد تموت قلقا عليه ، وايضا خوفا من المكان واهله ، فخالد بالنسبة لها هو امان هذا المكان ، فمازالت لم تعتاد المكان وأهله بعد ، 

صعدت هدى فى ميعاد الجرعة الثانية ، ، سمعت أصوات عالية من خلف الباب ، لم تميز منهم غير صوت زوجة الأمير وهى تقول ، 

...ليش ، إيش عملتلك حتى عملتله ، عمى طلب أكتبه باسمى و أكون أمه ، وما رفضت ، ومن وهو صغير وانتى محملنى مسئولية تركه للبيت ،
إيش عملت انا ...

لم ترد أن تقف أكثر من ذلك ، حتى لا يراها أحد ويقول أنها تتلصص على الأبواب المغلقة ، طرقت الباب ودخلت ، أعطته جرعته وخرجت مرة أخرى ، 

اتجهت لغرفتها وأفكارها مشتتة مما سمعت ، هل تقصد خالد بما قالت ، هل هى ليست أمه ؟،

الآن فقط فهمت أسباب نظرة الحزن الدائمة فى عينيه ، أسباب مكوثه فى مصر كل هذه المدة لدرجة أنه أتقن اللهجة المصرية ، وايضا أسباب اختفائها من المستشفى فى مصر بمجرد ظهوره هو ومكوثه مع والده . 

قطع أفكارها رنين الهاتف، رقم سعودى غير مسجل فى لستة ارقامها ، 

..السلام عليكم ...

...عليكم السلام ، انتى فين ؟ ...

...خالد ...

..قلت انتى فين ...

...فى الاوضة ...

...أخرجى دلوقتى استأذنى الأمير ، وقوليله انك هتخرجى تشترى شوية حاجات ، وأن ذينب هتخرج معاكى ، وأما هتنزلى هتلاقيها مستنياكى على باب البيت ، يلا ...

وأغلق الخط دون أن ينتظر جواب منها ، مازالت على وضعها حتى استوعبت ما قيل لها للتو ، ثم تحركت ونفذت ما قال ، 

خرجت مع ذينب فى سيارة كانت تنتظرهم بسائق خاص ، ترجلا منها عند مول كبير ، واخبرت السائق أن يعود لهم عند السادسة ، والساعة الآن الثالثة والنصف ، 
...أنا مش فاهمة حاجة يازينب ، إحنا هنا ليه ...

...وحياتك معرف، انا بنفذ أوامر وخلاص ...

...أوامر مين ؟ 

قبل ان تكمل سؤالها ، وجدت سيارة بزجاج أسود تتوقف أمامها ، انفتح الزجاج ، أنه هو .

...اركبى ياهدى ..

دخلت بالكرسي الذى يجاوره ، كانت متصورة أن زينب ستركب هى الأخرى ، لكنها وجدته يقول لها 

..متنسيش نفسك ، 5 ونص بالكتير تبقى هنا ...

ثم انطلق بالسيارة ، التفتت هدى لزينب و السيارة تبتعد عنها ثم التفتت له ، وكأنها تستفسر عما حدث .

...إيه ياهدى ، خايفة ؟

..لأ ، بس مستغربة. ..

...من ايه ؟ أنا بس حبيت اشوفك قبل ما اسافر ...

انقبض قلب هدى والتفتت له فجأة 

...أنت هتسافر ...

...أيوة ، هروح الأول جينيف، عندى شوية شغل هناك ، وبعدين هرجع مصر ...

...وهتسيبنى لوحدى ...

كان دور قلبه هذه المرة لينتفض من كلمتها ، وتعلقت عينيه بها لبرهة ، فأحست أنها تسرعت فى كلامها، فتراجعت عنه 

...اقصد أنى معرفش حد غيرك هنا ، انا جاية معاك انت من مصر ...

اكتفى بالصمت ولم يجبها ، إستمر تردد كلماتها فى عقله ...وهتسيبنى لوحدى. ..

كان بحق يريد أن يرد عليها ويقول ... أنا اللى هكون لوحدى ياهدى ...

توقف أمام مطعم كبير ، ترجل وتبعته هى ، كانت طاولات المطعم مرتبة بشكل يحافظ على خصوصية الجالسين ، متباعدة بعض الشئ ، ويفصل بينها ستائر غير شفافة ، 
أن رأت هذا الشكل فى اى مكان ستقول انه مصمم لسبب غير أخلاقى ،

وكأن خالد قرأ أفكارها فقال ... معظم الستات هنا منقبات ، فى مطاعم معينة عشان تقدر المنقبة تاكل براحتها. ..

بعد طلب كل منهما ما يشربه وتم وضعه على الطاولة امامهما، بدأ خالد بالكلام 

...ايميلاتى كلها متسجلة فى التيليفون اللى معاكى وهكون على اتصال مستمر بيكى ، يعنى مش هسيبك زى ما قولتى ... 

طرأ شيئا فى عقلها ، فطأطأت رأسها للأسفل ، وحاولت الانشغال بالعصير الذى أمامها ، 

...مالك ياهدى ؟

... خايفة ...

...من ايه ؟ فى حاجة معرفهاش. ..

اضطربت بعض الشئ ... لا ابدا ..

...لأ فى ، بس انت مش عايزة تقولى ، بس هقولك انا ، فيصل ، صح ..

رفعت عينيها له متفاجأة 

...ليه مقولتيليش أن فى حد مدايقك ...

...هو معملش حاجة ، مبديش حد فرصة لحاجة ، بس مجرد نظراته بتدايقنى. ..

...مبتديش حد فرصة أذاى، انك تحبسى نفسك فى الاوضة بتاعتك طول الوقت. ..

...ده الأفضل ، خلينى براحتى ...

...أنا مبطلبش انك تخرجى ، بالعكس ، انا عايزك تفضلى بعيدة عن الكل ، وملكيش دعوة بحد طول فترتك هنا ، لحد ما ترجعى مصر على خير ،...

...أنت ليه بتتكلم كأنك مش راجع هنا تانى ...

..معرفش ، بس ممكن ، مش عايزك غير انك تاخدى بالك من نفسك ، ومتديش الأمان لمخلوق هنا ، وأما ترجعى مصر لينا كلام تانى ...

...مش فاهمة ...

امتدت يده إلى وجهها وأخذ يتلمسه بأطراف أصابعه وكأنه يستكشفه ، وهو يقول 

...لأ انتى فاهمة ...

اخفضت عينيها للأرض ، وهو يقول 

...على أساس أنه ينفع ...

مد يده ورفع وجهها له 

...فكرة ينفع أو مينفعش دى ، سيبيهالى ، مهمتك انتى أن تاخدى بالك من نفسك وبس...

استمر الحوار هكذا لأكثر من ساعة ، لم يقل أحبك أو أريدك ، أو حتى سنتزوج ، لم يقل أى كلمة فعلية ، فقط إيحاءات بالكلام ، وهى مثله ، لكن يكفيها ما قال وأكثر ، يكفيها لتتأكد أن تعلقها به لم يكن من فراغ ،

اوصلها للمول مرة أخرى ، ووقف بسيارته على أحد جوانب الطريق ، فلم تكن زينب قد وصلت بعد ، 

....هتكلمينى طول الوقت ، عايزة اعرف كل حاجة كأنى موجود معاكى ...

أمائت بالإيجاب ، ثم قالت 

...أنا لحد دلوقتى مسألتش انت ماشى ليه حتى من غير ما تسلم عليهم ، ولا ايه حصل خلاك تسيب البيت من يومين .... 

...يمكن ييجى يوم واقولك ، المهم عايزك تعرفى أن موضوع فيصل انتهى ، مش هيقربلك ولا هيتعرضلك تانى ...

...أنا اقدر احمى نفسى كويس ...

...الكلام ده فى مصر ، مش هنا ياهدى ، انتى هنا وحيدة وضعيفة ، يعنى تجنب...

ظهرت ذينب فى طريقها من بعيد ، كان رؤيتها كلسعة نار أصابتهما معا ، وكأنها هى السبب فى فراقهما ، استمرت عينيهما معلقة بها للحظة ، ثم عادا لينظرا لبعضهما مرة اخرى ، 

مد يده لرأسها ،قربها إليه بينما يقترب هو ، تجولت عينيه على كامل وجهها من أول عينيها انتهائا بشفتيها التى التهمهما فى لحظة ، ورفع يده الأخرى لكتفيها ، أما هى فمستسلمة تماما ، فهذه هى قبلتها الأولى قلبا وقالبا ، تعيشها بكل مشاعرها ،

أما خالد ، فلم تكن هذه الأولى بالنسبة له ، أو اللمسة الأولى ، او حتى المرأة الأولى ، لكن هذه هى المشاعر الفعلية الأولى التى يختبرها ،
رغبة مختلطة باشتياق وحب حقيقى ، 

لم يخرجهما من حالة انفجار المشاعر و الغياب العقلى التى دخلوها إلا طرق ذينب على زجاج السيارة من الخارج،

انسحبت هدى من بين يديه بهدوء ، وبنظرات حائرة ممزوجة بالخوف من الفراق والمجهول ، فتحت باب السيارة وترجلت منها تصحبها نظراته ونظرات ذينب الحائرة فى الدائر بينهما ، 

تحرك خالد بالسيارة وهو لا يصدق انه سيتركها فى منزل الوحوش وحدها كل هذه الوقت ،
أما هى فغير متخيلة أنها ستمكث سنة كاملة داخل غرفة من 4 حيطان، لا تخرج إلا للغرفة المجاورة لدقيقة ثم تعود ، والآن ذهب عذائها الوحيد على هذه العيشة ، ذهب بدون رجعة ، ولا تعلم لماذا يخبرها احساسها بشئ سيئ ينتظرها هنا ،

 



عادت هدى للقصر مرة أخرى ، وبمجرد دخولها من الباب ، أخبرها أحد الخدم أن الأمير يريدها فى غرفته، ،
وهى فى طريقها قابلها فيصل على السلم ، و بالفعل لم يتحدث معها ، اكتفى بابتسامة غير مفهومة لها وتركها وأكمل نزوله ، 

وصلت للغرفة وطرقت الباب ، ودخلت بعدما سمعت الاذن بالدخول ،

...ياهلا ، ياهلا بالانسة المصونة ، ولا أقول مدام احسن ...

...نعم ...

لهجة السخرية و الاستفزاز فى كلامه اصابتها بالقلق 

.....إيش أخباره ...

...هو مين ...

...اللى كنتى معه ، ولا تتحاذقى علي ، بعرف انك كنتى معه ...

لم ترد واكتفت بالصمت 

...ما أخبرك بشي ، ليش ترك البيت ، وليش راح يترك البلد ..

...لا ...

..قلتلك لا تتحاذقى ياهدى ...

...الله ما قال حاجة ، ولا انا اعرف حاجة ...

..تعال واجلسى ، أبى أتكلم معكى فى شي يخصك ...

جلست هدى بالكرسي المقابل له وهى تقول 

،....خير يا فندم ...

...عقدك معى بينص على 5 آلاف ريال بالشهر ، صحيح ..

...أيوة ...

... راح اعطيك السنة كلها مقدم ، بالإضافة لمليون ريال آخر معك ، وراح اخلصك من كل ديون أمك فى مصر ، إيش رأيك ؟

...فى ايه ، عشان ايه مل ده ...

...أبى منك طلب ، فى شي تقدرى تسويه راح يحللى أزمة كبيرة عندى ، واتمنى ما ترفضى ...

...والله لو اقدر ، مش هتأخر طبعا ...

...تقدرى ياهدى ، تقدرى. ..

...أنا تحت أمرك ...

...أبيكى تعطينى حفيد ... 

...أفندم ، حفيد ازاى يعنى ...

... بويضة مخصبة ، راح تعيش فى رحمك لمدة تسع شهور ...

...نعم ، انا مش فاهمة حاجة ، بويضة ايه ورحم مين ...

...أنتى ممرضة ، يعنى فاهمة ايش أقصد ...

...لأ مش فاهمة حاجة ... وبدأ الغضب يسيطر عليها 

... من الاخر ياهدى ، ليان زوجة خالد عندها ضمور فى الرحم ، ما بتقدر تحمل جنين ، راح تحمليه انتى لحين اكتماله، وتعطينا اياه ، وبعدها تعودى لبلدك ومعكى مصاريكى كلها. ...

...أاااااااه ، وطبعا المفروض أن الأميرة ليان هتكون أمه ...

...بالتأكيد ، البويضة راح تكون منها ...

...لكن لحمه ودمه منى ، صح ، طيب هو مفيش حد قال لحضرتك أن كل علماء الدين اجتمعوا على أن الموضوع ده حرام ، وقالوا كمان أن أن أمه هى اللى شالته فى بطنها ، مش المتبرعة بالبويضة ...

...ما تفكرى هيك ياهدى ...

بقمة الهدوء أكملت ...امال أفكر أذاى ، من الاخر كدة ، حضرتك عايزنى ابيعلك ابنى بكل الحاجات اللى قولتهالى دى ، صح ...

..سميها مثل ما بدك ، المهم راح تسويها ... 

...مستحيل ...

...ايش قلتى ..

...زى ما سمعت ، انا يمكن فقيرة شوية ، وأمى مديونة زى ما انت قلت ، بس مش لدرجة أنى ابيع لحمى ، ابيع ابنى ، شوفلك حد تانى غيرى ...

وتركته واتجهت للباب ، توقفت مكانها عندما سمعته يقول

..راح تنفذى ياهدى ، انتى هنا لهذا الغرض ، وراح تسويه ...

استدارت لتواجهه مرة أخرى ، 

.... بتقول ايه ؟ انتوا جايبنى من مصر لهنا عشان كدة ، يعنى ضحكتوا عليا ، ده احتيال. ..

...احفظى لسانك ياهدى ، وراح تسوى مثل قلت ، انا بتكلم معك باللين ، ما أبى أجبرك بطريقة تانية ، يلا ، روحى غرفتك وفكرى ....

 


مرت أكثر من 10 أيام جنونية على خالد ، اختفت فيهم هدى تماما ، لا يعلم عنها شئ ، تيليفونها مغلق ، ولا يريد أحد الحديث عنها ، حتى ذينب ،

اتصل بأخوه طلال ليسأله، فلم يجد عنده إجابة ، اخبره انه سافر لمدة ثلاث أيام ليحضر زوجته وبناته، وعندما عاد لم يجدها فى القصر ، ولا أحد يعلم عنها شئ ، 

لم يجد خالد بد إلا أن يتصل بالشخص الوحيد الذى يعلم أين هى ، هو متأكد انه يعلم 

... وينها هدى ياأبى ...

...ههههههههه ، كنت بعرف أنها ها البنت هى اللى راح ترجعك ياخالد ...

...ما تثيرنى اكتر ياأبى ، إيش سويت فيها ..

.... ههه ، ما تقلق ، ياقلب ابوك ، هدى بخير ،
بألف خير ، لكن فى السجن ....

يتبع 



إعدادات القراءة


لون الخلفية