الجزء 28

رغم أن وفاة ابنها كان كالكارثة بالنسبة إليها ، إلا أنها بدأت تشعر بالراحة لوجود ابنها فى مكان معين هى تعلمه ، 
رغم حزنها القاتل عليه إلا ان مجرد فقدانها لاحساس القلق على أحواله وصحته يجعلها تحمد الله على أحسن الأسوأين ، 

بدأت حالتها النفسية تتحسن ، اهتمامها بخالد الصغير فى اذدياد ، بدأ عقلها يفكر فى الإيجابيات منها أكثر من السلبيات .

لم يكن يزيد تعكير أيامها أكثر إلا الزوج المحترم الذى سلمها من أجل عقد عمل ، رغم طلبها الطلاق منه وتصميمها عليه إلا أنه رفض تماما ، واقسم أن يتركها معلقة دون طلاق طوال حياته .
طلب مقابلتها ورغم اعتراض الجميع إلا أنها وافقت ،
وكانت المقابلة فى منزل والدتها ،

... أنا مش طايقة اشوف خلقتك ، ودى فعلا آخر مرة تشرفنى بطلعتك البهية دى ، عايز ايه ؟

..نعقد طيب عشان نعرف نتكلم ... 

...من غير قعاد ، هات من الاخر ...

...ماشى ، نجيب من الاخر ومن غير لف ودوران ، 
انتى عايزة تطلقى ، صح ...

...ياريت ...




...وأنا موافق ، بس تدينى التمن ...

...نعم ياخويا ، تمن ايه ...

...تمن طلاقك ، حريتك ، ياكدة يااما براحتك ، المحاكم ادامك وانتى حرة .... 

...وايه التمن بقة أن شاءالله. ..

...5 مليون ...

...أفندم ، انت مجنون ولا حاجة ، انا هجبلك مبلغ زى ده منين ؟...

وضع يده فى جيبه ، وألقى لها جواب البنك الخاص بحسابها، مكتوب فيه أن حسابها تعدى العشرة مليون ببضع آلاف من الجنيهات ، 
كان هذه الأموال هى مستخلصات ما أخذته من والد خالد ، جمعته ووضعته فى البنك ، حتى ريعه السنوى يوضع على أصل المبلغ تلقائي بأمر منها ، وقررت عدم لمسه نهائى إلى أن تعطيه لابنها بيدها عندما تقابله فى يوم من الأيام .

...10 مليون يامدام ، وتاريخ الإيداع من قبل حتى ما اعرفك ، منين ، داانتى مكملتيش سنة فى السعودية ...

...ملكش دعوة ، وبعينك تشم الفلوس دى ...

...ده آخر كلام عندك ..

...أه ، واخبط دماغك فى أجمد حيطة ...

...يبقى مش هطلقك ياهدى ، واللى عندك اعمليه. ..

...لأ هعمل ياعمر ، هتشوف ، وكتير اوى كمان ، واتفضل بقى من هنا ، ومش عايزة اشوف وشك تانى. ..

 


تانى يوم ، انطلقت لعملها كعادتها ، فهى عادة تهرب فى العمل من الأمور التى تشغلها ، 
وفى وقت الغداء ، لاحظ كل من هدى ومنى الوجوم والهم على وجه الأخرى ، 

...مالك يامنى ...

...مفيش ...

...تصدقى باين عليكى ، ما تنطقى يابت مالك ...

...وهو مالى انا لوحدى ، انتى كمان شكلك مدايق اوى ...

...إيه الغريب يعنى ، ما ده بقى العادى بتاعى ، انتى الأهم دلوقتى ، مالك يابت صحيح ...

...والله مش عارفة اقولك ايه ياهدى ، انا قلقانة اوى ...

...ليه ...

...حسام ..

..،ماله ، ما تنطقى على طول ، انتى بتقطعى كدة ليه ، قلقانة عليه ليه ؟ ...

...والله منا عارفة اذا كنت قلقانة عليه ولا قلقانة منه ....

..يخربيت اهلك على الصبح ، يابت انطقى على طول ، جوزك ماله ... 

... كنت عايزة احكيلك ، بس انتى مكنتيش بتطييقى سيرة عمر خالص ...

...وايه دخل عمر فى الموضوع ، ما تتكلمى على طول ... 

... فجأة من أسبوع ، لقيت حسام مصمم يفض الشركة فى المكتب مع عمر ...

...فجأة كدة ، من غير سبب ...

...هتجنن، انا عارفة أن الموضوع ده فى دماغه ، بس مكانش فى إمكانيات يعمل مكتب هندسى بنفس الشهرة ، كدة هيضيع اسمه ...

...وبعدين ..

...امبارح لقيته بيقولى ، إنه ساب المكتب من يومين وان كل المهندسين اللى فى مكتب عمر كمان سابوه وجم عنده فى مكتبه ... 

...وعمل مكتب كمان ...

...تخيلى ، منين وإذاى معرفش. ..

...متساليه...

...مرضيش يقول ... 

سكتت هدى وسرحت لثوانى، 

...رحتى فين ...

...أصل اللى بتقوليه ده ممكن يكون له علاقة باللى حصلى امبارح ...

...اللى هو ايه بقى ...

قصت هدى عليها ما كان من عمر معها 

...ده طبيعى يابنتى ...

...يعنى إيه طبيعى ، انا كنت عارفة انه وسخ بمعناها ، بس اول مرة اشوفه مركز مع الفلوس كدة ... 

...محتاج فلوس كتير جدا فى الفترة دى ، حصة حسام ، وبقية حساب المهندسين اللى سابوه ، وفلوسه علشان يعمل تعاقد جديد ، وكمان مصاريف العقد اللى خده ، واللى معاه ميكفيش ربع الليلة دى ، حسام قال كدة. ..

...أنا كدة فهمت ...

... وبعدين ، هتعملى ايه .. 

..،ولا حاجة ، سيبيه يغرق اكتر وخلينا نتفرج ...

*************************

مر أكثر من ثلاثة شهور بعد أحداث المزرعة ، لم تسمع عنه شئ ، أو يصلها أى خبر ، حتى أنها لا تعلم أن كان فى مصر انا عاد لدولته مرة أخرى، 
لم يسأل عنها وبدا أن ذلك يحزنها فعلا، لكنها أم تفكر ابدا فى السؤال عنه وتقاوم رغبتها أن اتتها فى ذلك ، 

لدرجة أن آتاها وقت سألت نفسها ،
...قررتى تسامحيه ، شيطانك بيلعب بيكى ليه ياهدى ، بعد كل اللى حصل ...

وتعود لتقول لنفسها. .. دا أنقذك من وهو فى السعودية ، جوالك فورا ، بالتأكيد هو مهتم ، وبعدين انتى متعرفيش بالظبط ظروف موت الولد ، ولا تعرفى مين السبب بالظبط ...




يرد الصوت المهاجم داخلها ...بأى حال هو المقصر الأول فى حق الولد ، لأنه هو الشخص الوحيد اللى المفروض يحبه بعيد عن أى مصلحة ، وبعدين نسيتى خلاص خوفه من اهله وبالذات أبوه وسلبيته فى التعامل مع الحوار ده ، سلبيته دى اذتك كتير ، 
ايه ياهدى ؟ عندك استعداد لأذية جديدة ولا ايه ؟ 

يرد الصوت المدافع ...بس حاول يحمينى من أبوه طول الوقت ...

...يحميكى اذاى يااختى ، بسلبيته ، ولا باجبارك تنفذى طول الوقت ...

... بس شكله المرة دى حاجة تانية ، شكله واثق اكتر من نفسه ، اقوى من قبل كدة ، انتى شفتى أتعامل مع الموضوع أذاى ، بتيليفون من آخر الدنيا ، شوفتى مشى ابن عمه أذاى ، بالهدوم اللى عليه ...

.... ما يمكن عمل كدة بس من إحساسه بالتقصير من ناحية ابنك اللى مات ، وبعدين انتى متعرفيش هو ايه دلوقتى ، وعايش مع مين ، ما يمكن حب جديد ، ولا صاحب بعد مراته، اللى ذى دول الأمور بالنسبالهم متاحة ...

...تفتكرى ؟

...وايه المانع ، انتى هبلة ولا ايه ، انتى متخيلة انه هيفضل عايش سبع سنين على ذكراكى ....

واستمرت هكذا لأيام وأيام ، يتصارع داخلها صوتين ، أحدهما يدافع عنه والآخر يهاجمه بشراسة ، وما يعزز موقف المهاجم ويضعف المدافع ، هو عدم سؤال خالد عنها مرة أخرى حتى الآن ، 

لم ينقذها من دوامتها هذه غير وصول كم غريب من الأخبار عنه ، تدل على أنه كان متحكما فى كل الأمور حولها طوال الفترة الماضية بعد ما حدث فى المزرعة ، 
أولها ورقة طلاقها التى وصلتها عن طريق محضر من المحكمة ، فى البداية لم تصدق ، معقول طلق هكذا بدون ضغط أو مساومة ،.

وثانيها وأهمها ما اخبرتها به منى عن حسام ،

...هدى ، هدى ، سيبى اللى فى ايدك وتعالى ..

..مش وقته يامنى ، اصبرى أما اخلص الغدا ، روحى اقعدى مع العيال شوية ...

دخلت وشدتها من يدها متجهة بها للدور العلوى ، 

...أكل ايه ، بقولك حاجة مهمة ...

...براحة طيب ، خدى بالك من الأكل والنبى ياماما ...

...ادخلى ...

وأغلقت الباب بالمفتاح من الداخل 

...إيه يابت فى ايه ، ايه الاكشن اللى انتى عاملاه ده ؟
... أنا اللى عاملة اكشن برده ، ولا حبيب القلب ...

...هى هبت عليكى على المسا ، حبيب قلب مين ...

...قلبك انتى ياوزة ،، خدى بس اقرى الخبر ده ... 

فتحت تيليفونها واعطتها اياه ، قرأت هدى العناوين بسرعة ، لكن اندهاشها أوقفها عن القراءة لتستفسر

... هى مش modern design ده مكتب حسام ...

... أيوة ياستى ...

...أنا مش فاهمة حاجة ، أذاى العقد يتلغى مع مكتب مشهور زى مكتب عمر ، ويدوه لحسام ...

...يعنى إيه بقى ، هو حسام شوية ، ده هو اللى كان مشغل مكتب عمر ..

...مقصدش يامنى ، بس مش ناس كتير تعرف كدة ، والناس ليها بالمظاهر ، ثم ايه علاقة الموضوع ده كله بخالد...

...عموما اخرجك انا من حريتك دى ، وافهمك اللى حصل ، واللى لسة حكيهولى حسام قبل ما اجيلك ، بس بصراحة متحملتش ، وجيت جرى احكيلك ...

...ما تنطقى يابنتى ...

...طيب ، هو انتى متعرفيش اصلا ، أن المشروع ده تنفيذ عربى مشترك ...

...عارفة طبعا ، بس المفروض فيصل هو اللى ..

...هو اللى ايه ...

...تقصدى أن فيصل كان شريك خالد ...

...أنتى عبيطة ، فيصل ليه 5% بس ، وخالد 65% ، يعنى فيصل هو اللى بيشتغل عند خالد ...

...بتتكلمى بجد ...

...أه والله ، هبعتلك اللينك وابقى أقرى التفاصيل ، وحسام اكدلى ...

...عايزة تقولى أن خالد هو اللى فسخ العقد مع عمرو ..

...نشر بالظبط ، هو كلمته مسموعة جدا ، بس إدارة المشروع مصرية ...

...أنتى مستفذة ليه ، ما تنطقى على طول ...

...هقولك ، عشان تعرفى عمل ايه عشان ينتقملك من الحيوان عمر ...

....يووووه يامنى ..

...طيب طيب خلاص ، بصى ياستى ، حسام قاللى أن خالد اتصل بيه بعد موضوع المزرعة بأسبوع ، وطلب انه يقابله بعيد عن المكتب ، ماشى ..

...ماشى ، اخلصى ..

..حسام استغرب اوى ، بس راحله ، كان نازل فى اوتيل فى القاهرة هنا ، 
ومن كلام خالد ، كان واضح اوى انه عارف كل حاجة عن التفاصيل اللى بتحصل فى مكتب عمر ، وعارف قد ايه معاملة عمر لحسام وحشة وعارف اد ايه أن الشغل الهندسى فى المكتب قايم على حسام ، طلب منه أنه ينفصل عن مكتب عمر ، وهيساعده بكل الإمكانيات اللى محتاجها عشان يعمل لنفسه مكتب كويس ، تمام ؟....

...تمام ...

...بصى انا هحكيلك الحوار زى ما حاكاه حسام بالظبط 
 


... أنا برده مش فاهم حضرتك عايز منى ايه بالظبط. ..

....أنا كلامى واضح ومباشر جدا ، تسيب مكتب عمر وتشغل لوحدك ..

...أنا مش جاهز باللى يساعدنى أنى أعمل مكتب لوحدى ...

...هساعدك بكل اللى تحتاجه ، وكمان هجبلك حد يعلمك إدارة المكتب ...

...وحضرتك بتعمل كل ده ليه ؟

...من الاخر ، عايز اسحب منه العقد ، وفى نفس الوقت عايزك انت تنفذه ، وعشان احسم المعادلة ، فلازم انت تنفصل لوحدك ، غير أن عندى أسباب تانية ، أفضل احتفظ بيها ...

...فى مشكلة تانية أهم ...

...اللى هى ايه ...

... لو حتي عملت المكتب ، محتاج مهندسين شاطرين يقدروا على مشاريع زى العقد بتاعكم ، الجروب اللى كان معايا عند عمر ، انا مجمعه فى سنين ، مش سهل ابدا تلاقى مهندسين شاطرين ....

...مفيش مشكلة ، خد الجروب بتاعك من عنده ...

...هيرضوا يسيبوه عشان خاطر حاجة مجهولة ... 

..طبعا ، لما يكون ضعف المرتب ، وعقد محترم لفترة كويسة ، وكمان هم عارفين الفرق بين معاملتك ومعاملة عمر ليهم ، غير أن عقودهم مع عمر مفيهاش شرط جزائى عن فسخ العقد ، عقد واحد فيهم بس وانا مستعد ادفع الشرط الجزائى ...

...إيه ده كله ياخالد بيه ، انت كدة عايز تدمره ،ده عنده مشاريع شغالة وبشروط جزائية عالية ، هيتخرب بيته وسمعة مكتبه هتدمر ...

...وهو ده بالظبط اللى انا عايزه ...

..هو فى ايه بالظبط ، ليه كدة ...

...طيب انا هحكيلك وانت أحكم ...

 


...ومش عايزة اقولك بقى أما عرف الموضوع ده كان عامل أذاى ، وأول ما جه قاللى اللى يبيع مراته وشرفه وكرامته بالطريقة دى ، سهل اوى انه يبيع شريكه بأرخص تمن ...

....هو انتى مكنتيش قولتيله اصلا ..

...لا طبعا ، انتى اكدتى عليا محكيش لحد ...

...ووافق ..

..وافق ايه يابنتى، الخبر فى ايدك ..

...وعمر ...

...اتخرب بيته يا عسل ، بصراحة ، خالد خد حقك تالت ومتلت ..

...وعمر عمل ايه مع حسام ..

...هيعمل ايه يعنى ، اتهجم عليه مكتبه وفضل يشتم ،وطلبوا البوليس ، وعملولو محضر ... 

وقفت هدى واتجهت للشرفة ، ووقفت أمامها تشاهد خالد يلعب مع أبناء خالته ، وسرحت فى خالد الآخر وما فعله من أجلها .

...بتفكرى فى ايه ...

...فى اللى بيحصل ..

...تحبى اقولك رأييى، وهو رأي محايد فكرى فيه براحتك ...

...خير ...

...خالد معملش كل ده غير عشانك ، اكيد بيحبك ، اسمعه منه ، وشوفى أسبابه ، وبعدين احكمى براحتك ...

...أسمى كلامها ياهدى ،... 

كانت هذه جملة الحاجة هدية ، والدتها التى كانت واقفة أمام الباب ، ويبدوا أنها سمعت جزء لا بأس به من الحديث .

نظرات هدى لوالدتها كانت تعذبها ، فابنتها الحبيبة حدث لها ما لا تطيقه امرأة ، ويكفيها ما كان ، فهى من اجبرتها على الزواج الأول ، وايضا الزواج الثانى ، ومنعتها أن تنفصل عن عمر حين قررت ، 
آن لها الأوان أن تعيش وتختار بقلبها حتى لو أذاها ،

...ياجماعة ، انتو بتتكلموا كأنه واقف بيحاول عليا ، ده من يوم المزرعة محاولش حتى يشوفنى أو يتكلم معايا ، خلاص الحكاية ماتت مع ابنى اللى مات واندفنت معاه ...

...مين قال كدة ...
 


...يعنى إيه ياماما ...

...جالى انا مرة قبل كدة ، وحكالى على كل حاجة ، كل اللى مقولتيهوش هو قاله ، وطلب منى أنى اساعده عشان تسامحيه ...

..يعنى انتى عرفتى كل حاجة ...

..كان لازم انتى اللى تحكيلى ياهدى ، انا أمك ...

...خفت تزعلى منى ياماما ....

...وهزعل منك ليه يابنتى ، هو بمزاجك كل اللى حصل ...

ضمتها فى احضانها وهى تربط على ظهرها . ثم فاجأت هدى بقولها :

... يلا البسى وانزليله بقى ، هو قاعد مستنيكى تحت ... 

يتبع



إعدادات القراءة


لون الخلفية