ضمتها فى احضانها وهى تربط على ظهرها . ثم فاجأت هدى بقولها :
... يلا البسى وانزليله بقى ، هو قاعد مستنيكى تحت ...
اعتدلت لتنظر لها باندهاش وتسائل ، ردت عليها
...أه ، هو تحت ومستنيكى ...
التفتت لمنى مرة أخرى ، قالت لها
...والله ما أعرف حاجة ، ده حتى مشفتهوش من أيام عملية أبوه من 8 سنين ...
ردت الأم ... إيه ياهدى ، هى ملهاش دعوة ، انا متابعاكى من فترة ، وعارفة أن حالتك النفسية اتحسنت شوية بعد ما عرفتى اللى حصل لابنك، وأنا اللى حددت الوقت ده ، يلا بقى البسى وحصلينى ...
خرجوا وتركوها هائمة على وجهها ، غاضبة من اجبارها بهذه الطريقة ، لا تعلم أن كان عليها الموافقة على الحديث معه ، مصاحب لكل ذلك أن داخلها لمحة فرح لا تعلم مصدرها .
دخلت هدى من باب الشقة ، ووقفت بمقابلته، فقد كان باب الصالون مواجه لباب الشقة ، وقفت تتأمله، كانت جلسة رجل واثق أكثر منه مغرور ، مسندا ظهره للكرسى ، ويضع قدم فوق الأخرى ، وفى يده تيليفونه يعبث به ،
لم تكن تعلم لماذا تقف هكذا لتتأمله ، يجب أن تدخل لتنتهى من هذا الموقف اللعين ، أخذت تحدث نفسها بطريقة كوميدية لتهدئ من روع نفسها ، فلطالما سبب لها هذا الرجل التوتر .
...ما تجمدى كدة يابت ياهدى ، هتفضلى واقفة كدة ، انتى عاملة زى بنت البنوت اللى داخلة تقابل عريس اول مرة ...
هذه المرة هو من أنهى هذه الوقفة ، لمها من جلستها فقام ووقف لاستقبالها رغم أنها لم تدخل الغرفة بعد ، تواجهت العيون ، تحركت من مكانها باتجاهه فى هدوء ، دخلت وجلست على الكرسى المقابل دون أى كلام ، فلطالما عالجت توترها بالصمت ،
جلس هو الأخر بمقابلتها دون أن يرفع أحدهما عينه من عين الآخر ، وساد الصمت لفترة لم يعرفا مداها ، وكأن كل منهما يشكى ما حدث له .
هى من اخفضت عينها أولا ، وايضا هى من تحدث أولا ،
...ليه حكيت لما ما اللى حصل ؟
... أنا اتكلمت معاها على أنها عارفة ، لقيتها متعرفش أى حاجة عن الموضوع ، واضطريت أنى احكيلها لأنى عارف أنها الشخص الوحيد اللى هيساعدنى معاكى ، لأن أمك هى مفتاحك ياهدى ...
...مفتاحى ؟
...أيوة ، مفتاحك، فكرى كدة ، هى الشخص الوحيد اللى بيقدر يجبرك انك تعملى اللى هو عايزه ، ويقدر برده يجبرك انك متعمليش اللى انتى شخصيا عايزاه ، تبقى مفتاحك ولا لأ ...
...عايز تفهمنى انك عارفنى كويس ...
...أنتى شايفة ايه ...
...شايفة انك حد مختلف عن اللى انا كنت أعرفه ...
...منكرش ، انا اتغيرت كتير اوى ، بس أتمنى انك تساعدينى أنى ارجع خالد القديم بمميزات الجديد ...
...أنا ...
...أيوة انتى ، ومفيش أى حد تانى يقدر ، عشان كدة انا هنا ...
...أه ، انت قدرت تقنع أمى ، لقيتها بتقوللى اسمعي اللى جاى يقوله ...
..والدتك قدرت توصل للى جوايا ...
...وانت عندك كلام ممكن يخلينى حتى أقبل منك كلام ...
...يكفينى اوى انك وافقتى تقعدى معايا وتسمعينى ...
... كنت فين من يوم المزرعة ؟
...حبيت اسيبك وقت عشان تستوعبى حزنك عليه ...
بدأت عيناها تلمع لمجرد ذكر سيرته
... ليه سيبته يموت ...
اعتدل فى جلسته ، اقترب منها ، لمعت عيناه بالدموع هو الأخر ، وقال :
...والله العظيم ما كنت بسببه لحظة ، كنت بحبه بجد ، و كنت عارف ان هو الرباط الوحيد اللى هيرجعك ليا فى يوم من الايام ، وكنت ناوى فعلا اعمل كدة ، حتى ليان مسمحتلهاش تقربله ابدا ، كنت خايف تعمل فيه زى ما كانت بتعمل فيا مرات أبويا ،
فى يوم جالى سفر فجأة لفرنسا ، لمدة يومين بس ، اضطربت اسيبه ، ولما لقيت الموضوع هيطول هناك ، بعت اجيبه ، قاللى أن كدة كدة ليان جاية فرنسا ، بس هتنزل 24 ساعة بس فى جينيف ، تمضى أوراق مشروع بيتعمل هناك ، وأهى تكون معاه ، وافقت ، وأما وصل فرنسا بعد يومين من خروجه من المملكة ، كان عنده التهاب رؤوى، فضل فى المستشفى أسبوع ، عملت كل حاجة عشان اساعده ، جبتله دكاترة من كل أنحاء العالم ، بس للاسف كان ضعيف اوى ومتحملش. ...
حاولت تمالك نفسها قدر الإمكان كى لا تبكى ، لكنه هو سبقها ولم يستطع منع دموعه ، وعندما رأت دموعه تلمع على وجهه ، انسابت دموعها هى الأخرى دون بكاء . لكنه تمالك نفسه وأكمل كلامه :
...مبقتش متخيل ولا متحمل فكرة ضياعه منى ، فضلت فترة حابس نفسى ، لحد ما وصلنى خبر دخول بابا المستشفى ، ولما رجعت عرفت ان الكل استغل مرضه وغيابى وضعف طلال فى الادارة ، وعملوا بلاوي فى المجموعة ، وأولهم ، عمى وابنه فيصل ، وليان ومرات أبويا ، كله كان عايز يلحق حتة من التورتة ، وده كان سبب تعب أبويا ،
قتلت خالد القديم بضعفه وسلبيته ، وحولته للشخص اللى قدامك دلوقتى ، وفى السنين اللى فاتت رجعت كل حاجة اتسرقت ووقفت العيلة تانى ، لكن بقت كل حاجة فى ايدى وبقيت صاحب أكبر أسهم فى كل المشاريع ، وكلمتى هى الأولى ...
...وليه معرفتتيش بموت ابنى ...
... نويت اعمل كدة والله ، بس عرفت انك اتجوزتى وخلفتى وعايشة كويس ، تعمدت انى معرفش تفاصيل عن حياتك ، وفضلت بعيد عايش بذنبى لوحدى ، محبتش اهدم حياتك ، زى ما اتهدمت حياتى. ...
صمت قليلا ثم قال ...سامحينى ياهدى ، سامحينى عشان اقدر أعيش ، وأقدر اعوضك عن اللى فات ...
...تعوضنى ، انت متخيل أنى ده ممكن ...
اعتدل فى جلسته وهو يقول بثقة
...مش بمزاجك. ..
...أفندم ...
...براحة بس ، متبقيش حمقية كدة ، محدش هيقدر يعوضك عن كل اللى شوفتيه غيرى ، وانتى عارفة كدة كويس ، ولو رفضتى ، سواء ارتبطتى أو لا ، هفضل نقطة سودا جواكى ومش هتروح ابدا ،
وكمان انا عارف ومتأكد أن مفيش حد غيرك هيرجعنى لنفسى تانى ، ولو ارتبطت بغيرك أو حتى مرتبطتش، هتفضلى جوايا ، ومش هتسيبينى، عشان كدة الحل الوحيد أن كل واحد فينا يداوي التانى ، ومش هتنازل عن كدة ...
قبل أن ترد ، فوجئت بصرخات صادرة من خارج البيت ، وهى تعلم صاحبة الصرخات ،
تركته وخرجت تجرى ، وهو خلفها ، وجدتهم يساعدون هيام فى النزول على سلالم بيتها، فهى جارة والدتها فى السكن
... إيه خلاص ...
...أه خلاص ياهدى ، الحقينى والنبى، مبقتش متحملة ...
ردت الأم ... عمالة اقولها لسة شوية ، داانتى بكرية، مش راضية ...
...ياماما حرام عليكى ، دا من امبارح بتطلق ، انا هروح أجيب العربية ، وانتى ياهايدى كلمى جوزها يحصلنا على المستشفى ...
بعدما تحركت تذكرت وجود خالد ، التفتت له ، كان يقف على باب المنزل يشاهد ما يحدث ، والغريب أنها وجدت خالد الصغير يمسك بيده ،
...تعالى ياخالد ، روح لخالتو هوايدا ...
...لأ انا هفضل هنا مع انكل خالد ...
تطلعت لخالد الكبير فى تسائل ، فرد عليها
..أصل احنا أتعرفنا من فترة ، وعلى فكرة ، انا طلبت ايدك منه ووافق كمان ، ومستنيينك تخلصى العدة بس ...
تطلعت لابنها ، وجدته يومئ بالموافقة ،
التفتت الكبير وقالت ... وابوك هيوافق ...
رد خالد بتحدى ...نفسى ميوافقش ...
لم تكمل ابتسامتها ، فقد انتفضت من صرخة هيام وهى تقول ...يلا ياهدى ...
...طيب ، طيب ، خلاص أهو ...
هرولت باتجاه السيارة وابتسامتها تملأ وجهها ، ابتسامة كانت تكفيه وتكفيها لتكون مجرد بداية لفرحة حقيقية تحياها فتاة ذات قلب أرهقته الحياة ،،،،،،،،،،،