مر اليوم كله على هدى وهى تجزم بأن الغيرة تأكل قلبها ، فهى لا تفكر فى غير أنه معها الآن ، ولم يشفع له اتصاله المستمر بها ، يكاد يكون كل ساعتين تقريبا ، أو كلما خلى به الوقت والبشر من حوله ،
وبالطبع هى لا ترد بغير بضع كلمات بسيطة مثل
....الحمد لله ، انا كويسة ، تنام ، لا مش عايزة حاجة ...
لا تسأل أين هو أو ماذا يفعل ، أو متى سيعود ، أو أى شئ يشبه ذلك ، بالرغم من ذلك لم يغضب أو حتى يكف عن الاتصال بها .
للاسف هى لا تفكر الا فى ماذا يفعل الآن ، هل هو معها ؟ ، هل يفعل معها ما يفعله معى ، بنفس التفاصيل ، أم بطريقة مختلفة ، هل فكرة اختلاف ليان عن هدى تؤثر فى شكل علاقته بها ، أم أن الأمر سيان ، بل هى بالطبع أقل بكثير من ليان ،
يكاد عقلها ينفجر من هذه الطريقة فى التفكير ،
وما أطاح بباقى صبرها انه بالفعل لم يأتي الليلة ، أو حتى اليوم التالى ، وصلت لمرحلة الغليان ، ولم تعد تستطيع السيطرة ، أرادت الخروج ، لعل الحركة وتغيير الوجوه تخفف من وطأة الغضب الذى يهدد بالانفجار ،
لكن هو أخبرها أن لا تخرج أو حتى تحاول ، فهى مراقبة ، ومراقبيها سيمنعوها أن خرجت ، ماذا ستفعل الآن ؟
أتت بجوالها واتصلت به ، وانتظرت الرد ،
... أول مرة انتى اللى تكلمينى ، انتى كويسة ...
...الحمد لله ، مفيش حاجة ، انا بس كنت عايزة حاجة ...
...كنت عايزة أخرج اتمشى شوية ، واشترى شوية حاجات ...
...تتمشى فى الجو ده ، انتى مش عارفة درجة الحرارة كام انهارضة ..
...اكيد فى المكان اللى هروحه هيكون مكيف يعنى وبعدين انا مخنوقة اوى بجد ، عايزة أخرج بأى شكل ...
..طيب ، بصى ، فى اتنين واقفين على باب الشقة ، لحد ما تلبسى هكون كلمتهم ، هم معاهم عربية ، هيوصلوكى مكان ما انتى عايزة ، وهيفضلوا معاكى لحد ما ترجعى ، ماشى ...
...ماشى ..
...خدى بالك من نفسك ..
...إن شاء الله ..
...ولما هجيلك هعوضك عن اليومين دول ، عندى هدية حلوة ليكى ، ومتأكد أنها هتعجبك اوى ..
... أن شاء الله ...
خرجت فى حدود الساعة الثالثة ، ولم تعود إلا باتصال منه وقد تعدت الساعة العاشرة ، اتصل به الامن اكثر من مرة على رفضها العودة ، فقد كانت تدور من المول للسوبر ماركت ، لمحلات الملابس الكبرى ، تشترى فى أشياء حتى أنها لا تحتاج لها ، لا تريد العودة ، تريد إطالة الوقت خارجا فهى تعلم أنها ستعود لتقضى ليلتها فى التفكير السلبى الذى بدأ يسبب لها الأرق المستمر ،
وهى فى طريق العودة ، داخل السيارة ومعها الأمن الخاص بها ، رن تيليفونها وكان ذينب المتصلة ، فقد تعودت الاتصال بها مل يوم منذ أن تركت البيت ، إلا يوم أمس ، لم تتصل بها لانشغالها بعض الوقت ،
...أيوة يازينب ،، ازييك ...
...الحمد لله ، عاملة ايه انتى ياهدى ، معلش معرفتش اكلمك امبارح ، كنت مشغولة اوى ...
...ولا يهمك ، مع أنى كنت مدايقة اوى ، وكنت محتاجاكى تكلمينى ، بس برضه مرنتش انا زى ما وعدك ...
...متزعليش ، انهارضة بس ومن هنا وجاى هفضالك واكلمك على طول ...
...اشمعنى يعنى ،هتترقى ، ههههههههه ....
..بتتريأى حضرتك ، لا ياستى ، هى شغلتى دى فيها ترقية ، بس اكتر مزعجات فى القصر مسافرين ...
..مين دول ...
...الأميرة دانيا والأميرة ليان ...
عند نطق الاسم انقبض قلبها وانقبضت يدها على التيليفون ، إذن هذا هو السبب خلف هذا الغياب ، هو هناك ليقضي معها الوقت قبل سفرها .
...هدى ، روحتى فين ؟
... معاكى ، بتقولى الاتنين هيسافروا مرة واحدة ...
...أيوة ياستى ، الأميرة ليان والدها فى المستشفى ، والأميرة دانيا تبقى صاحبة والدة الأميرة ليان اوى ، فهتسافر معاها ، عشان تكون معاهم هناك ...
...هو تعبان اوى ...
...معرفش ، بس هو عنده القلب اصلا ، ودخل المستشفى اكتر من مرة قبل كدة ...
...يرجعوا بالسلامة. .
...مظنش ، الأميرة ليان اول مرة تلم حاجتها كلها بالطريقة دى ، دى لمت تلتين الدولاب فى الشنط ، حتى جزمها ،خدتها كلها ، والأمير خالد بيقولوا انه بقالوا أسبوع هنا ، ومجاش القصر خالص طول الفترة دى ...
ظلت هدى تستمع للحظات ، بعدها ما عادت تستطيع أكثر فاوقفتها بقولها
...أنتى رغاية كدة ليه انهارضة ، خليهم فى حالهم واحنا فى حالنا ...
...على رأيك ، انتى عارفة أنى مبقولش حاجة لحد ، بس بصراحة أنا فرحانة اوى ، البيت بيبقى من غيرهم جنة ، والأمير طلال والأمير خالد بييجوا كتير ...
..انتى رغاية انهارضة ياذينب ، انا هقفل دلوقتى عشان عندى شغل ونتكلم بعدين ، سلام ...
فقد أخبرت زينب أنها انتقلت للعمل فى أحد مستشفيات الرياض ، بعدما أنهوا عقدها معهم ، بعد اتهامها بالسرقة ،
الغريب أن حديث زينب لم يضايقها كما اعتقدت فى البداية ، وزكر الأمر بهذه الطريقة قد خفف من غضبها لأسباب لا تفهمها، بل جعلها تبتسم ، ابتسمت بسخرية لتعقيد حياة هؤلاء الناس وحرمانهم من اجمل معطيات الحياة ، المشاعر الحقيقية ، الاخلاص ، والخلف الصالح ، لديهم المال فقط ، وللأسف يحاولون به شراء باقى الأشياء .
***************************
وصلت للمبنى الذى تسكن إحدى شققه ، ترجلت من السيارة ، وصعدت مباشرة ، أما أحد الشباب اللذان صاحبوها حمل الأشياء التى اشترتها ، والآخر ذهب بالسيارة للجراج.
دخلت الشقة ، فوجئت به يجلس على فى الصالة الداخلية للشقة ، وقبل أن ينطق أحدهما بكلمة ،رن جرز الباب، عادت لتفتح ،كان فرد الأمن ، أدخل الحقائب وأغلقت الباب من خلفه،
.... مش قلت أنك مش جاى الليلادى كمان ...
...إيه ، مش عايزانى ...
...ده بيتك انت ، مش بيتى ، وتيجى وقت ما تحب ، بعد اذنك ، هروح اغير هدومى ...
وهى تغير ملابسها كانت تفكر فى وجوده هنا الآن ، لماذا ؟ فمن المفروض أنها ستسافر غدا ، فلماذا تركها وعاد إلى هنا .
خرجت تبحث عنه ، لمحت طيفه يفف فى شرفة الصالة ، عادت للمطبخ وصنعت كوبين كن النسكافيه ، واتجهت له ، وعند اقترابها من الشرفة ، سمعت صوته يتحدث بغضب ، يبدوا انه كان يتحدث فى التيليفون ، وفهمت من سياق الحديث انه يتحدث معها ، ولكن بسخرية عارمة ، يبدوا انه غاضب منها إلى حد واضح
...لا ، ما راح ارجع ،،، ليش ،،، إيش تريدى منى ،،، بيكفى ليان ،، ما عدت قادر ، ،،، لا ،، ابي ارتاح ليان ، وراحتى ما وجدتها معكى ،،، go please ،، ليش ، بدك ليلة حب رائع قبل ما ترحلى ، هاد أصبح دورى معكى من وقت ما اتحدتى مع أبى ،،، خليكى معه حبيبتى ، أبيه ينفعك اكتر منى ، لكن انا ، ماعاد فينى ليان ، بيكفى اللى سار ،،، انا ما راح اسوى أى شئ ، by lyan .... ,,
أنهى مكالمته وألقى بالهاتف على الكرسى المجاور له ، وانحنى على الشرفة بيده وكأنه يحاول التنفس،
رأى قدميها من انحنائه على سور الشرفة ، فرفع رأسه واستدار ليجدها تقف خلف الستائر ومازال الكوبين بيدها ، ومن تعابير وجهها ، أحس أنها سمعت مكالمته ،
مدت يدها له بالكوب الخاص به وهى تقول
...شكلك محتاجه ، اشربه وهتهدى ...
أخذ الكوب من يدها واستدارت وجلست على أحد الكراسى ، دخل خلفها وجلس على الكرسى المقابل لها ، وضع كوبه أمامه على المنضدة ، اخذ يتمعن فى وجهها لثوانى ، ثم أسند ضهره لظهر الكرسى وسند رأسه عليه ، واغمض عينيه ، وفكر لثوانى ، كل هذا وهى صامته ، فقط عينيها معلقة به تتابع كل تحركاته،
تكلم دون سابق انزار ومازال مغمض العينين ورأسه للخلف ، وهى انصتت لحديثه دون أن تعلق ،
... أنا درست فى مصر ، حصل مشكلة جامدة بينى وبين جدى ومقدرتش أتحمل وجودى فى البيت ، سيبت البيت وصممت أنى ادرس بعيد ، رحت شوية باريس ، وبعدين رجعت مصر عشان هدف معين ، وفضلت هناك ، فى الوقت اللى انا تمردت فيه على كل اوامرهم ، كان اخويا زى عروسة الماريونيت فى اديهم ، بيحركوه زى ماهم عايزين ، طلقوه من مراته الاولانية بعد ما خلفت 3 بنات ، وجوزه التانية وطلقوها عشان جابت بنتين ، التالتة مجبتش اطفال خالص ...
ثم صمت لبرهة وكأنه يرتاح من مشاعر الغضب التى أثيرت بسبب ما قال ، ثم تابع ،
...قبل مراته التالتة ، ظهرت ليان ، أبوها شريك جدى فى المجموعة الخارجية بنسبة كبيرة جدا ، وفى الوقت ده كان هينسحب، وانسحابه هيوقع الشركة ،
الحل اللى كان قدام جدى فى الوقت ده هو الارتباط العائلى ، طلبوها لطلال ، وهى كمان كانت مطلقة ،
لكن هى رفضته ،
بعدها بقى جدى فكر فيا انا ، جالى بنفسه فى مصر ، واتحايل عليا ، ووافق على كل شروطى، ورجعنى البيت ، بعدها بأسبوع طلب منى أنى اسافر معاه جنيف حفلة عاملينها للامراء العرب اللى بيشاركوا فى المشاريع هناك ، ووافقت ، وهناك قابلتها ، واللى جدى كان مستنيه حصل ، أنها تعجب بيا ، ولاحظت انا كمان ده ، بس وقتها متوقعتش أن الموضوع ممكن يوصل لكدة ، بعدها رجعت مصر عشان عندى امتحانات، كنت فى اخر سنة وقتها ،
جدى وابويا وعمى بقى ظبطوا كل حاجة ، اتقدمولها، والغريبه انها وافقت فورا ، رغم أنها أكبر منى بخمس سنين ، بس مفرقش معاها ، وكمان حددوا ميعاد الجواز ، وجه وقت آخر حاجة ، أنهم يعرفونى ،
فى الاول رفضت ، وكنت هسيب البيت تانى ، بس جدى بقى عرف يطمعنى ، 20 مليون ريال ، وأسسلى المشروع اللى انا عايزه ، وفى مصر زى ما انا طلبت ، والأهم ادانى حق الاختيار فى الاستمرار فى الجواز أو لا ، لكن بعد 6 سنين .
اعتدل وأصبح مواجه لها وهو يتحدث ، ثم قال
...وافقت ، والدنيا مشيت ، كان الحاجة الوحيدة اللى محسسانى بالذنب من ناحيتها أنها اتعلقت بيا ، بتعمل أى حاجة عشان ترضينى ، وبتروح ورايا كل مكان ،
...والله حاولت أقرب منها كتير ، مقدرش ، زى ما يكون حاجز مبنى بينا ومش قادر اعديه ، خاصة أنها مش حنينة وطيبة فعلا ، سيئة جدا مع كل الناس ، وأهم حاجة عندها مصلحتها ، بس دايما بتيجى لحد عندى انا وتتعدل ، وده مكانش مأثر معايا ،
...لحد ما جه يوم ، اتخانقنا فيه ، فجأة لقيتها بتقوللى أن احنا اللى جرينا وراها واتمنينا أنها توافق عشان ثروة أبوها ، فى اللحظة دى بس قررت أن علاقتنا انتهت خلاص ، وأن الموضوع مسألة وقت وبس ،
...مبقتش تفرق معايا بقى ، تفرح ، تزعل ، تطأ ، مش مهم ، بلف الدنيا واخلص شغلى ، واعيش حياتى كأنها مش موجودة اصلا ،
لحد ما جت لابويا فكرة الحفيد ، كان متصور أن وجود طفل هيصلح علاقتنا ، خاصة أنه فقد الأمل فى انه يجيله حفيد من طلال ،وبنفس الطريقة ، فكر وقرر ونفذ كل حاجة ، وأنا آخر من يعلم ...
عند آخر كلمات قالها ، وضع وجهه بين كفيه ، وكأنه أصيب بصداع شديد و لم يعد قادر على إكمال الحديث ، قامت هدى وجلست بجانبه، رفعت رأسه لتواجهه، تحسست بشرة وجهه بأطراف اصابعها ،
مد يده وأخذها فى حضنه طويلا ، وهو يقول
...سامحينى ياهدى ، مش قادر احميكى أو امنعه عنك ، كل اللى قدرت عليه ، انك تكونى مسؤوليتى ، وانى ابعدهم عنك طول الفترة دى ، لحد ما الاقى حل للمهزلة دى ...
رفعت وجهها له وهو تقول .... قولتلى انك عاملى مفاجأة ، صح ...
ابتسم لها ... أخيرا طلبتى حاجة ، صح ياستى ، مفاجأة هتفرحى بيها اوى ...
... شوقتنى ، ايه هى ؟
...بكرة هقولك ، دلوقتى بقى هقولك حاجة تانية ، حاجة بتتقال وبتتعمل ...
...هههههههههههههههه. .
يتبع