في صباح مشرق كانت الشمس ترسل أشعتها الذهبية، ناشرة الدفء والنور في كل مكان. مع وصول أولى هذه الأشعة إلى الأرض، كان العم حامد يستعد لبدء يومه. أخذ شباكه على كتفه واتجه نحو النهر، حيث كان مركبه ينتظره على الضفة الغربية. وكعادته، بدأ يومه بالبسملة، ثم ألقى شباكه في الماء منتظرًا بفارغ الصبر صيدًا وفيرًا. ولكن خابت آماله عندما سحب الشباك ليجدها فارغة، سوى من بعض صغار الأسماك التي لا تصلح للبيع أو الطعام، فأعادها للنهر علّها تكبر في المستقبل.
استمر العم حامد في محاولاته، ولكنه لم يفلح في صيد أي سمكة كبيرة. انتصف النهار وهو ما زال يحاول، لكن الحظ لم يكن إلى جانبه. قرر إلقاء شباكه بالقرب من الشاطئ وتركها في الماء بينما يذهب لتناول الغداء. عاد إلى منزله وهو يأمل أن يجد عند عودته شيئًا في شباكه.
في هذه الأثناء، كان مصطفى يستعد لبدء رحلته اليومية لصيد الأسماك. مصطفى هو الأخ الأكبر في عائلة فقدت والدها، مما اضطره لترك المدرسة والعمل لإعالة أسرته. لم يجد أي مهنة ينجح فيها سوى الصيد، وهي هواية كان يحبها منذ صغره. أخذ سنارته وطعومه وتوجه إلى النهر، حيث جلس في مكانه المفضل على حافة الماء.
ألقى مصطفى سنارته في النهر، وبعد لحظات شعر بهزة خفيفة في يده. أخرج السنارة، لكنه لم يجد شيئًا. أعاد إلقاء السنارة مرة أخرى، وفجأة شعر بهزة عنيفة. سحب السنارة بقوة ليكتشف أنه أمسك بمقدمة سمكة كبيرة. لكن جسده الضئيل لم يكن كافيًا لإخراج السمكة، خاصة عندما اكتشف أن هناك خيوط شباك عالقة بالسمكة.
بينما كان مصطفى يحاول تخليص السمكة من خيوط الشباك، سمع صوتًا أجشًا خلفه يقول: "ماذا تفعل هنا يا فتى؟ وما هذا الذي في يدك؟" أجاب مصطفى بحزم: "أنا أصطاد، وهذه سنارتي." رد الرجل بصوت ساخر: "هل هناك قانون يمنع الناس من الصيد؟" ثم أضاف بتهديد: "يوجد أناس أقوياء مثلي يبتلعون أناسًا ضعفاء مثلك."
حاول الرجل تخويف مصطفى بكلامه عن قوة الكبار وضعف الصغار، لكن مصطفى لم يستسلم. وقال بحزم: "لسنا في غابة. نحن بشر ولدينا قوانين تحكمنا." رد الرجل ساخرًا: "أنت صغير ولا تفهم هذه الأمور." لكن مصطفى لم يتراجع وقال: "أنا لست صغيرًا. أنا رجل أعيل أسرتي، وهذه السمكة لي."
بدأ الرجل يدعي أن السمكة ملكه لأنها علقت في شباكه، لكن مصطفى أصر على أنها له. وفي تلك اللحظة، تدخلت السمكة قائلة: "خلصاني من هذا الأسر، أما أن تعود بي للنهر أو تأخذاني وتنهيان هذا العذاب." اقترح مصطفى الذهاب إلى القاضي ليحكم بينهما. وافق الرجل، ووافقت السمكة أيضًا.
وصل الثلاثة إلى دار الحكم وانتظروا دورهم. كان الوقت يمر ببطء، والقلق يملأ قلب مصطفى. كان يخشى أن يحكم القاضي ضدّه، مما يعني أن أسرته ستنام جائعة مرة أخرى. أخيرًا، نادى الحاجب: "قضية السمكة!" دخل مصطفى والرجل ومعهما السمكة إلى ساحة القضاء.
كان القاضي رجلًا مسنًا ذو وجه مليء بالتجاعيد، ترتسم على ملامحه الحكمة. نظر إليهم القاضي وقال باستغراب: "أنا في عجب من أمركما. ماذا تنازعان عليه حتى تأتيا إلى دار الحكم؟" بدأ الرجل في سرد قصته، موضحًا أنه صياد يعتمد على صيده لرزقه ورزق أولاده. وأخبر القاضي كيف وجد الفتى يحاول أخذ السمكة من شباكه.
ثم التفت القاضي إلى مصطفى وسأله عن قصته. بصوت حزين قال مصطفى: "أنا أعيل أسرتي بعد وفاة أبي ومرض أمي. لم أجد مهنة أفلح فيها سوى الصيد، وكل ما قاله العم حامد صحيح، لكن هذه السمكة هي رزقي." تساءل القاضي: "كيف؟ أليست السمكة وجدت في شباك الرجل؟" أجاب مصطفى بثقة: "نعم، ولكن دعني أوضح لك الأمر يا سيدي."
ثم حكى مصطفى للقاضي قصة الشيخ العجوز الذي سقاه من قدر ماء. قال مصطفى: "النهر ملك للجميع، مثل الطريق الذي كنت أسير فيه. والشباك هي أداة مثل القدر، بينما السنارة هي مثل الكوب الذي استعملته لسقاية الشيخ. لذا، السمكة لي لأنني تعبت في إخراجها."
تأمل القاضي في كلام مصطفى ثم قال: "لكن في حكايتك كان الثواب لك ولصاحب القدر. فلماذا تريد أن تأخذ السمكة كلها لك؟" رد مصطفى: "نحن أمامك يا سيدي، وما تحكم به سوف يرضينا." وافق الرجل على حكم القاضي مهما كان.
أخيرًا، توجه القاضي إلى السمكة وسألها عن رأيها. فقالت السمكة: "يا سيدي، كل منهما له حق. أرجو أن تأمر بعودتي إلى النهر حتى أعود لأولادي." ضحك القاضي وقال: "لننصف السمكة بينكما، نصف للرجل والنصف الآخر للفتى."
أعجب العم حامد بحكمة الفتى مصطفى وتنازل له عن السمكة كاملة. خرجا من دار الحكم متصافيين، وتعاهدا على التعاون بينهما في المستقبل.